Tahawolat
  المسيحية قبل ميلاد السيد المسيح وبعده2/4
المنعطف التاريخي الأساسي نحو تشكيل الأمة العربية

 
مثلت الحروب البونية (بين روما وقرطاجة، والتي انتهت بتدمير قرطاجة التام) نقطة التحوّل النهائي من المرحلة المتأخرة للمجتمع المشاعي البدائي الى مرحلة المجتمع العبودي الذي جسّدته روما تماماً واستعبدت بموجبه شعوب العالم المتحضر القديم. وظهرت الديانة المسيحية (الإيمان بمجيء المسيح ـ المخلص) كردّ فعل على انتصار روما والمجتمع العبودي، وكشكل من اشكال النضال الإنساني ـ الاجتماعي ـ السياسي ـ الايديولوجي ـ الديني ضد العبودية الرومانية وضد ملحقها وخادمتها الاستغلالية والفسادية اليهودية. وانتشرت العقيدة المسيحية اول ما انتشرت في البلدان التي تُعرَف اليوم بـ"الوطن العربي الكبير"، وكان لها الفضل الاول في تقريب شعوب تلك البلدان وتآخيها في الاطار الديني المسيحي، مما مهد لبلورة الامة العربية وظهورها لاحقاً. وهذا البحث المتواضع يحاول ان يلقي الضوء على هذه العملية التاريخية، التي هي من اكبر العمليات الحضارية في التاريخ والتي تؤكد ثلاث حقائق جوهرية: الاولى ـ حضارية الامة العربية. والثانية ـ ان الامة العربية ولدت في الكفاح ضد الاستعمار والاستعباد الاوروبي والفساد اليهودي. والثالثة ـ ان المسيحية هي الأس الأساسي لولادة الامة العربية. 
 
 
وبمعزل عن الجانب الديني اللاهوتي، وبالاضافة الى الجانب الفلسفي ـ الاخلاقي ـ الحضاري الذي جمع الشعوب "العربية" والاغريق والسلافيين، فهناك عامل سياسي ـ اجتماعي بالغ الأهمية هو الذي جمع الشعوب "العربية" والاغريق والسلافيين والمسيحيين "الشرقيين" كافة، وهو عامل النضال المشترك ضد الامبراطورية الرومانية وضد نظام الطغيان والعبودية الروماني، واستطراداً ضد اليهود الذين تنكروا لأصولهم الشرقية واختارت قيادتهم الدينية وطغمتهم المالية السير في ركاب روما، ضد رغبة القاعدة الشعبية اليهودية ذاتها. فبعد أن سحق الرومان (بمساعدة الخيالة الامازيغ) الجيش القرطاجي في 202 ق.م ثم دمروا قرطاجة تدميراً كاملاً وباعوا أهلها عبيداً في 146 ق.م، اتجهوا نحو مصر وسوريا وآسيا الصغرى واحتلوها، ثم اتجهوا نحو بلاد اليونان وجبال البلقان واحتلوهما ايضاً. وقبل تدمير قرطاجة كان النظام العبودي يشكل جزءاً أكبر او أصغر من الحياة الاقتصادية والاجتماعية للدول القائمة حتذاك. ولكن بعد انتصار روما على قرطاجة والدول الهيلينية تحوّلت الامبراطورية الرومانية كلياً الى نظام العبودية في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وصار العبيد يمثلون قوة الإنتاج الرئيسية وشبه الوحيدة. وتحوّل الرومان الى أسياد. وتم تحويل الشعوب المحكومة الى شعوب ـ عبيد او شعوب مستعبَدة. ولا يغير في هذه الحقيقة الاساسية كون السلطة الرومانية كانت من حين الى حين تمنح "الجنسية الرومانية" او "المواطنية الرومانية" لبعض المناطق او الفئات. وبسيادة النظام العبودي الروماني، أصبحت الشعوب "العربية" والاغريق وشعوب البلقان والسلافيين تجمعهم قضية مصيرية واحدة هي النضال لأجل التحرر من العبودية، اي من الرومان. وبذلك شكل النضال ضد العبودية ارضية صلبة لانتشار الدعوة والتنظيم المسيحيين، ضد روما واليهود. 
ومن الخفة والإسفاف القول إن المسيحية كانت فقط حركة توحيد ذات طابع ثقافي وحضاري عربي (جزيري)، كما هو الأمر بالنسبة لظهور الدين الاسلامي والفتح العربي الاسلامي بعد بضع مئات من السنين. ولكنه يمكن الجزم بأن ميلاد السيد المسيح، ومن ثم انتشار المسيحية، شق الطريق للتفاعل الاخوي (الحضاري والثقافي والاقتصادي والديموغرافي، ضمن القالب الديني) بين الشعوب القديمة التي كان يتشكل منها عالم الشرق الادنى وشمال افريقيا بما فيها شعب او قبائل شبه الجزيرة العربية، شمالها وجنوبها. فقبل المسيحية كانت قبائل ودول ومدن وشعوب منطقة شمال افريقيا ووادي النيل وسوريا الطبيعية وشبه الجزيرة العربية وما بين النهرين (التي يتشكل منها اليوم الوطن العربي الكبير)، ـ كانت تعيش حالة من الغزوات والحروب البينية الدائمة التي أنهكتها جميعاً ومهدت للغزو الخارجي والاحتلال الروماني.
وجاءت الحركة "المسيحية الشرقية" لتوحّد تلك الشعوب الشرقية، المحتلة من قبل الرومان. ولم يكن انتشار المسيحية بقوة اي فتح دولوي، بل بالعكس في ظروف النضال القاسي ضد السلطة السياسية ـ العسكرية الرومانية والسلطة الدينية ـ المالية اليهودية. وبكلمات اخرى، فإن انتشار المسيحية تم ـ تحت عنوان "الاخوة الدينية المسيحية" ـ بقوة الدعوة الى الإخاء الانساني ورفع ظلم الانسان للانسان والقضاء على العبودية والاستغلال الطبقي. وبانتشار المسيحية في تلك الأصقاع، انتشرت "لغة السيد المسيح" = اللغة الآرامية (التي كانت شديدة الشبه بـ"اللغة ـ الام" للغة العربية الاحدث: لغة القرآن الكريم).
وعشية ظهور الدعوة المسيحية، من قبل السيد المسيح ذاته، كانت الحركة المسيحية السابقة على ظهور المسيح قد بلغت من النضج انها بدأت تتحدى السلطة الرومانية واليهودية علناً، وهذا ما تبدى في حركة القديس يوحنا المعمدان، الذي بدأ يعمد المؤمنين في نهر الاردن قبل اتصاله بالسيد المسيح. وقد جاء السيد المسيح ذاته وتعمد على يديه. وعمد الرومان واليهود الى اعتقال يوحنا المعمدان وقطع رأسه.
وبالتأكيد إن أكبر تضحية قدمتها المسيحية الشرقية "العربية" هي تضحية السيد المسيح ذاته، الذي بذل نفسه فداء للبشرية المعذبة.
لا شك في أن اعتقال واضطهاد وتعذيب وقتل السيد المسيح على الصليب، بعد ان حُكم بالموت من المحكمة الدينية اليهودية، ثم من المحكمة المدنية الرومانية، ـ نقول لا شك في ان هذا الحدث الجلل له جانبه الديني واللاهوتي العظيم. ولكن هذا لا ينفي أبداً، بل يؤكد ضرورة النظر الى تضحية السيد المسيح من وجهة النظر الانسانية ـ الاجتماعية البسيطة، اي ان السيد المسيح كإنسان، وبصفته الانسانية، واجه الاستبداد والطغيان الروماني والفساد اليهودي حتى الرمق الأخير، وتحمل العذاب والشهادة للانتصار على الظلم والاستبداد والطغيان والفساد. 
ولولا هذه الحركة التاريخية التمهيدية الاولى التي أنجزتها المسيحية، ومهرتها بدم السيد المسيح ودماء ما لا يحصى من الشهداء ـ القديسين، لما كان بالإمكان ان يضطلع الإسلام، فيما بعد، بدوره في استكمال عملية التفاعل الحضاري للشعوب القديمة التي تكوّنت منها الامة العربية الواحدة. 
ومن ابرز معالم الحركة المسيحية ما قبل بدء تبشير السيد المسيح برسالته، ما جرى لدى ولادة السيد المسيح بالذات، حيث عمد الرومان واليهود الى جمع وقتل أطفال بيت لحم ما دون السنتين من العمر توصّلاً لقتل المسيح الطفل، ثم فرار العائلة المقدسة الى مصر وإيوائها من قبل المؤمنين بمجيء السيد المسيح قبل ظهوره.
ولنأخذ ما يقوله الانجيل المقدس عن ميلاد السيد المسيح وعملية قتل الأطفال في محيط بيت لحم وفرار العائلة المقدسة الى مصر:
متى (2: 1 ـ 6) "ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في ايام هيرودس الملك اذا مجوس قد اقبلوا من المشرق الى اورشليم قائلين اين المولود ملك اليهود فإنا رأينا نجمه في المشرق فوافينا لنسجد له. فلما سمع هيرودس الملك اضطرب هو وكل اورشليم معه وجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب واستخبرهم أين يولد المسيح فقالوا له في بيت لحم اليهودية لانه هكذا كتب بالنبي. وأنت يا بيت لحم ارض يهوذا لست الصغيرة في رؤساء يهوذا لأنه منك يخرج المدبر الذي يرعى شعبي اسرائيل".
وطلب هيرودوس من المجوس أن يعودوا ويخبروه بمكان وجود الصبي حتى يذهب هو ايضاً ويسجد له، ولكنه في الحقيقة كان يزمع قتله. الا ان المجوس (متى 2: 12 ـ 16) "أوحي اليهم في الحلم ان لا يرجعوا الى هيرودس فرجعوا في طريق أخرى الى بلادهم. ولما انصرفوا إذا بملاك الرب تراءى ليوسف في الحلم قائلاً قم فخذ الصبي وأمه واهرب الى مصر وكن هناك حتى اقول لك، فإن هيرودس مزمع ان يطلب الصبي ليهلكه. فقام واخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف الى مصر. وكان هناك الى وفاة هيرودس... حينئذ لما رأى هيرودس ان المجوس قد سخروا به غضب جداً وأرسل فقتل كل صبيان بيت لحم وجميع تخومها من ابن سنتين فما دون على حسب الزمان الذي تحققه من المجوس".
وجاء في انجيل لوقا ان يوسف ومريم ذهبا الى بيت لحم (لوقا 2: 6 ـ 12) "وبينما كانا هناك تمّت أيام ولادتها. فولدت ابنها البكر فلفته وأضجعته في مذود لأنه لم يكن لهما موضع في المنزل. وكان في تلك الناحية رعاة يبيتون في البادية يسهرون على رعيتهم في هجعات الليل. واذا بملاك الرب قد وقف بهم ومجد الرب قد أشرق حولهم فخافوا خوفاً عظيماً. فقال لهم الملاك لا تخافوا فهأنذا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. وقد ولد لكم اليوم مخلص وهو المسيح الرب في مدينة داود. وهذه علامة لكم. انكم تجدون طفلاً ملفوفاً مضجعاً في مذود". 
(انتهى استشهادنا بالانجيل المقدس) 
إن اللاهوتيين والمتدينين المسيحيين يحملون هذا الكلام على محمل لاهوتي او الهي، فوق طبيعي وفوق بشري، ويؤمنون بأن السيد المسيح جاء لتخليص البشرية من الخطيئة ولبناء "ملكوت السموات". ولهؤلاء اللاهوتيين والمتدينين الحق في أن يؤمنوا بما يشاؤون، شريطة ان لا يعملوا على إيذاء الغير باسم الايمان (كما كانت تفعل الكنيسة في القرون الوسطى، خصوصاً كما فعلت في الحروب "الصليبية"). واذا كانوا حقاً يحبون الله ويحترمون مشيئته، فعليهم ان لا يضعوا انفسهم ديـّانين للآخرين مكان الله، وان يتركوا الله يتدبر بحكمته العلوية شؤونه مع سائر خلقه.
وفي الوقت نفسه هناك من يشككون في رواية ظهور المسيح وألوهيته الخ. وهناك بعض الناس يدّعون انهم مسلمون ينكرون على المسيحيين إيمانهم، ويدعون ان الايمان الحق هو الايمان بالدين الاسلامي. ولهؤلاء ايضا الحق في ان يؤمنوا بما يشاؤون، ويرفضون الايمان بما يشاؤون، على ان لا يعمدوا الى إكراه الآخرين على الايمان بما هم يؤمنون به، على خلاف القاعدة القرآنية "لا إكراه في الدين".
وفيما يلي عيّنة لأحدهم باسم محمود خليل يكتب في احد المواقع "الاسلامية" المصرية عما يسمّيه "اكذوبة رحلة العائلة المقدسة الى مصر"، وهو يقول:
"لا ندري ما سبب إخفاء المسيحيين واليهود حقيقة سفر أسرة المسيح إلى مصر وهي الأسرة اليهودية المتدينة التي تعبد الله الواحد حسب العقيدة اليهودية؟.. فهم يدعون أن المسيح عليه السلام سافر إلى مصر فاراً من الرومان وهو ما زال بعد طفلاً لم يكمل الشهر من العمر، لكنهم يدعون ذلك بدون توضيح متى تركوا فلسطين ومتى قدموا لمصر ومتى رحلوا منها وما هو عمر كل فرد فى عائلة المسيح (المسيح ويوسف النجار والسيدة مريم) في ذلك الوقت كما أخفوا أيضاً أعمار إخوته الأربعة وأخفوا كل المعلومات عن أخواته البنات وعائلاتهم كما أخفوا عمر يعقوب عندما قتله اليهود رجماً بالحجارة وكان شخصاً عادلاً لقـّبوه بالبار وأخفوا عمر السيدة مريم عندما ماتت وأخفوا كل المعلومات التي قالتها مريم بعد صعود المسيح فلقد كان الجدير بالذكر - لمن يهمهم أمر المسيح - هو تسجيل أقوال أمه وإخوته عن حياته ومطاردة اليهود والرومان له ثم رفعه إلى السماء كما لم يوضحوا كيف تسافر الأسرة كل هذه المسافة؟.. فتارة قالوا إنهم سافروا على جحش وحالياً يدعون بأنهم طاروا من فلسطين إلى مصر ولم يوضحوا أيضا كيف طاروا ومتى وبأي وسيلة وأين نزلوا وهو ما يتناقض مع الخريطة المكذوبة التي يرسمونها لسير الأسرة كما تتناقض مع الرسومات التي يدعون أنها للمسيح وأسرته وتصوره راكباً مع أمه السيدة مريم على حمار وبجوارهما يوسف النجار! والغريب حقاً أن مرقص ويوحنا ولوقا - أصحاب الأناجيل المعروفة - لم يذكروا شيئاً عن ذهاب أسرة المسيح لمصر في أناجيلهم فمن أين أتى المسيحيون بهذا الادعاء؟".
ويخلص السيد محمود خليل إلى بيت القصيد (قصيده!) في اقواله كما يلي:
"ولأن هذه الأمور جميعها لا يمكن إثباتها وكاتب الإنجيل نفسه لم يكن موجوداً وقتها ليعرفها يصبح من المؤكد أن كل ما قيل حول تلك القضية مجرد أوهام لا دليل عليها إلا محاولة كاذبة وممجوجة لربط مصر بالمسيحيين أو العكس للتأكيد على أن للمسيحيين مكاناً في مصر وهي ذات الأساليب المعتادة التي تدعي كذباً وجود علاقة بين اليهود وبين أي بقعة في العالم ومن خلال هذه الكذبة التي يصدقونها ويقنعون السذج بها تصبح كالحقيقة كما فعلوا في فلسطين ويحاولون بشتى الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة أثبات علاقتهم بالقدس والهيكل المزعوم أو الادعاء الكاذب بأن اليهود هم بناة الأهرام، رغم أن اليهود كانوا وقتها مجرد رعاة في الصحراء ولم يقطنوا في الحواضر المصرية وقتها إلا كعبيد للمصريين. وعلى الدرب يسير المسيحيون مدعومين باليهود والصهيونية فيدعون كذباً وباطلاً بأن المسيح جاء إلى مصر لتبرير مطالبهم بطرد المسلمين من مصر وأنهم أصحاب البلاد الأصليون؟!!.. ولكن ساء ما يمكرون فلا يوجد دليل على ما يدعون وألا فليجيبوا على الأسئلة السابقة وليأتوا بدليل مادي أو تاريخي على ما يدعون؟!!..".
"أما الحقائق الثابتة فهي أن مصر لا علاقة لها بالمسيحية التي لم تدخلها ألا من الهاربين اليهود (الذين اتبعوا تعاليم المسيح) من اضطهاد الرومان أو من الرومان الذين عبدوا المسيح ولقبوا أنفسهم مسيحيين اسماً فقط".
"إذاً فتلك أكذوبة أخرى من أكاذيب المسيحيين في مصر يتم كشفها ولن يستطيع أحد أن يقنعنا بعكس ذلك كما لن يستطيع أحد أن يخبرنا مدعماً بالدلائل والقرائن متى ولد المسيح وأين ومتى سافر إلى مصر ومن كان معه في تلك الرحلة وكيف سافروا ومتى عادوا إلى فلسطين وما هي أعمار المسيح وأسرته حينما سافروا وبعدما عادوا وماذا حدث في تلك الرحلة وما هي أقوال السيدة مريم عليها السلام حول الرحلة وحول حياة المسيح نفسه منذ ولادته وحتى يوم رفعه؟؟؟؟!!".
أي أن محمود خليل وأمثاله يستنكرون مسيحية أقباط مصر، ويطعنون في مواطنيتهم لمجرد كونهم مسيحيين، ويدعون الى طردهم، ومن ثم الى دفعهم للارتماء في احضان الامبريالية والصهيونية دفاعاً عن وجودهم. وهو يذهب الى حد موافقة اليهود والصهاينة في أكاذيبهم ان اليهود كانوا عبيداً للمصريين. علما ان التوراة اليهودية ذاتها تقر وتعترف ان يوسف "التوراتي" هو الذي استعبد المصريين لمصلحة الفرعون، واليهود كانوا في وضع مميز في مصر ونشأت كراهية شديدة بينهم وبين المصريين، وحينما فروا من مصر فروا من وجه المصريين وليس من وجه فرعون الذي كان اليهود في خدمته ضد المصريين (راجع التوراة اليهودية).
إننا لا ندعي لأنفسنا الاهلية او الرغبة في الخوض في الجوانب اللاهوتية والدينية لظهور المسيح والرواية الانجيلية او غير الانجيلية عنه. ولكن لو سلمنا جدلاً بعدم ظهور السيد المسيح وبعدم فرار العائلة المقدسة الى مصر وإقامتها فيها، فإنه ـ بالمقابل ـ من المؤكد ان المسيحية انتشرت انتشاراً كاملاً في مصر وثبتت فيها، والا فعلى من تقوم قيامة محمود خليل وأمثاله ومن يقف وراءهم او فوقهم ويحركهم ويوجههم. وبكلمات اخرى، فمن المهم التثبت تاريخياً من صحة او عدم صحة رواية ظهور السيد المسيح وفرار العائلة المقدسة الى مصر؛ ولكنه من المهم اكثر، من وجهة النظر التاريخية، النظر في المفاعيل الواقعية للرواية الانجيلية حول ولادة السيد المسيح. (ومما يؤكد تاريخية وأصالة الوجود المسيحي في مصر، ان التسمية العالمية لمصر لا تزال الى اليوم هي "أجيبت"، المشتقة من لفظة "القبط"، اي ان لفظة "القبط" ـ كلفظة "العرب" او "الفرس" ـ كانت في الأساس تعني "قوماً" معيناً هم سكان مصر الاصليون، وان هؤلاء "القوم" كانت البلاد تُسمى باسمهم، ومن ثم فإنهم تنصّروا جميعاً، فأصبح اسم "قبطي" يرادف اسم "مسيحي". ولكن هذا لا ينفي الأصل القومي. تماما مثلما في سوريا صار اسم "سيريان" (سرياني) يعني "مسيحي" بينما هو بالأصل كان يعني "ساكن او ساكني سوريا). والشيء ذاته يُقال عن كلمة "اسيريان" (أشوري) التي صارت تعني "مسيحي" بينما هي في الاصل تعني "مواطن أشوري". ونستشهد على صحة تفسيرنا بأن الرسول (ص) كان قد وجه رسالة الى من سماه "المقوقس... عظيم القبط" اي عظيم قوم "القبط" داعياً إياهم للدخول في الاسلام. كما ان احدى زوجات الرسول (ص) كانت تُدعى "مارية القبطية"، وظلت تحمل هذا اللقب حتى بعد إشهار إسلامها. وهذا يشير الى ان لقبها "القبطية" يدلّ على انتمائها القومي لا انتمائها الديني. (راجع كتاب: نداء السراة، اختطاف جغرافيا الأنبياء، قسم الدراسات والبحوث في جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية، مملكة البحرين).
اي انه ـ وبصرف النظر عن مختلف الآراء المؤيدة او المعارضة للمسيح والمسيحية ـ فإنه من الثابت تاريخياً:
أ ـ ان المسيحية، كحركة دينية واسعة وبكل ما ترتب ويترتب عليها، قد وجدت تاريخياً وهي موجودة الى اليوم.
ب ـ ان الانجيل المقدس (الاناجيل الاربعة المعترف بها كنسياً) هي ايضاً موجودة وصحيحة بنظر من يؤمن بها، ومعتمدة من قبلهم، شاء من شاء ورفض من رفض.
ج ـ ان الوجود المسيحي (كدين ومذاهب، وكمجتمعات بشرية متعددة الأقوام واللغات والثقافات والطبقات) له حضوره وحركيته التاريخيان، في ذاته، ولذاته، وكجزء عضوي لا يتجزأ من الكينونة البشرية، بالتعميم، ومن كل مجتمع او فئة اجتماعية يوجد فيها مسيحيون، بالتفصيل والتخصيص.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل 
  ـ يتبــع ـ
 
 
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net