Tahawolat
في أجواء ولادة نبي الله المسيح عيس ابن مريم عليه السلام لسنا في مقام الدخول في عرض عقائدي حول تكوينه وشخصيته ونكرر ما تكرر عبر العصور لأقوال علماء الدين واللاهوت والكلام ، والذي برأيي المتواضع استهلك ولا يقدم ولا يؤخر في حقيقة وأهمية السيد المسيح في رسالته وغاياتها النهائية في مخاطبة الإنسان وتشكيل وعيه ولقد تحدث القرآن الكريم عن المسيح كلمة الله ألقاها إلى مريم البتول بقوله تعالى :)إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه( النساء 171.
هذه المعجزة الإلهية جاءت لتصدم الواقع الذي بات يعيش الإستغراق والرتابة في الفكر والشعور وتنبه لإمور قريبة من متناول الإنسان ومن صميم طبيعته إذا أحسن استخدامها فسيحقق ذاته ليتحول إلى طاقة منتجة لا مستهلكة لما تحمل من قيم وعقائد لا زلنا نتقن التعامل معها عالى مستوى التلقين المميت لا الإعتبار والفعل فالسيد المسيح في ولادته وحياته عاش للكلمة الحرة وتحمل وصبر في سبيل نشرها هذه الكلمة التي أخرجها من حيز الجدل الكلامي العقيم إلى فضاء المحبة الإنسانية التي تحول الوجود إلى مساحة واسعة من الإنتاج الحي والفاعل وتربط الوجود بلغته الأصيلة عبرإحياء المحبة في فطرة وشعر الأنسان ليخترق بها جدار العقل الجمعي الرتيب وليواكب كل ضغوطات الوقائع مهما كانت ليعيد استيعابها وصوغها دون أن يهتز فالمحبة فعل اجتماعي يزرع التوازن في الوجودعلى كل الصعد ومثاله التنوع فإذا كنا نحيا فعلا المحبة كما علمنا السيد المسيح فلا ضرورة ومعنى لما نعيش من حواجز وفواصل تعمل على نحر كلمة السيد المسيح ومحبته، فنحن في عالمنا اليوم بتنا نلعن أنفسنا لأننا لم نتواصل مع كلمة المسيح عليه السلام كي نحولها إلى وسيلة لنحيا في مجتمع لا تجمع بشري لا تربطه روابط الكلمة والمحبة بكل تجلياتها ومعانيه السامية فاليوم نصطدم في واقعنا، وأمام كلّ مفصل وموقف، بسؤال يع عن حالة ما وصلنا إليه، وهو هل أنّنا نفهم معنى المجتمع من حيث هو بيئة واحدة قائمة على التّفاعل والتّضامن والتّكافل؟ من الخطورة بمكان، وخصوصاً اليوم، في ظلّ ما نتعرّض له من ضغوطات مختلفة، أن نحيا، في طريقة فهمنا وتعاملنا مع الواقع، على أنّنا مجرّد تجمّع
بشريّ لا مجتمع، مجرّد أفراد لا انتماء واضحاً لهم ولا بنية وهويّة مترابطة، كلٌّ يرسم مستقبله ومصيره على طريقته دون أن يخطر في باله انعكاس ما يقوم به من نتائج على مجتمعه، وكلٌّ أضحى يتحدّث عن ثقافته الذاتيّة الخاصّة، أو قل فهمه الخاصّ لثقافة أو أفكار يضعها في خانة المقدّس الّذي لا جدال فيه، فبتنا ننسى أو نتناسى الوعي العلميّ بضرورة تأصيل الثّقافة الاجتماعيّة، بمعنى أن تكون تأويلاتنا وأفكارنا وتصوّراتنا
منطلقةً من أجل خدمة الرّوح الاجتماعيّة الواحدة والمنتجة وتقويتها وتعزيزها... وتأصيل هذا الشّعور في بيئتنا، حيث الشّعور الاجتماعيّ يتقهقر لحساب الأنانيّات القاتلة والهدّامة لبنيان المجتمع، فترى التعصّب الأعمى الّذي أضحى هو من يحدّد حدود الثّقافة والأفكار وآفاقهما، فلا قبول للتنوّع الثّقافيّ الّذي هو ضرورة تاريخيّة وثقافيّة ونتاج بيئةٍ اجتماعيَّةٍ صحيَّة... لذا المطلوب تعزيز وتنمية الشّعور المنفتح الّذي يبني جسور
التّواصل الاجتماعيّ الحرّ والشفّاف، كما يجب التّفكير جديّاً في طبيعة الثّقافات والخطابات ووسائلهما ومدى تماشيهما مع حركة الزّمن، لأنّ الامتداد الزّمنيّ يعني الفعل البشريّ النّشيط والمنتج، ولا يكون ذلك إلا بخلق روحٍ اجتماعيّةٍ حيّةٍ وفاعلةٍ تساهم في التّطوير ولا تتجمّد في نقاطٍ مستهلكة تحت عناوين مختلفة تعيق عمليّة التقدّم الإنسانيّ والاجتماعيّ.
 فأين إذاً مساحة التنوّع والتّسامح الّتي هي من صميم غايات المحبة والكلمة والتي تبثّ الرّوح في البناء الاجتماعيّ، وبدونها يتحوّل إلى جمادٍ لا حياة فيه؟!...
فالإنسان السويّ يملك الإمكانات والقابليّات للتنوّع في حركة ديناميكيّة، فمن البديهيّ قبوله وتقبّله للآخر في سيرٍ طبيعيّ نحو الإبداع، فالعودة إلى اللّغة الحواريّة مطلوبة لتطوّر المجتمع، ونهوضه من الرّكود والضّعف.. فالطّبيعة الاجتماعيّة ذات تاريخ مديد، قائمة على التّفاعل الّذي هو جوهر الرّوح الاجتماعيّة
والثّقافيّة لإعادة خلق الحياة من جديد، ونفض غبار التّقوقع والجمود والرّتابة... وهو ما عمل السيد المسيح عليه بكل مواعظه ومواقفه لخلق الوحدة في ثوب التنوع ؛فالتنوّع هو عمدة الوحدة وحياتها، حيث تذوب كلّ العناوين والشّعارات تحت لوائها الوحدة  لإعطاء الحياة رونقاً خاصّاً بأن تكون مساحةً للخلق والإبداع والاستخلاف... وهنا نكون المسخلفين على كلمة السيد المسيح ومحبته وطلابه الحقيقيون الذي يحتفلون بولادته تواصلا حيا وفاعلا ومؤثرا في الواقع وليس بالطريقة الشكلية الإستعراضية المستهلكة ؛ فالسيد المسيح عليه السلام عاش من أجل إنسان الكلمة والمحبة الجدير بهما...
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net