Tahawolat
في تمهيد لكتاب حواري ممتع تأخذك صفحاته الى أجواء حميمة شاعرية تلذّ قراءتـها على أضواء الشموع الخافتة ، وتنقلك مع قاماتـها الى مطارحك المزرية حيث الجمود الذي يعقلك حتى عن الهرب ، وبدءًا من اندريه ميكل الى الخاتمة بعد فرجيل جورجيو ، لا يسعنا بوقفة واحدة الإحاطة بإيحاءات الفكر الغربي وبالتخصيص بأفكار المحاور الذي قصد إلقاء عبر قاسية في كثير من تجاذبات حواره .
لذا ، كان التمهيد خطوة أولى تمدّ جسر ًا واضحا للنقاش العقلاني حول الفكر العربي عبر مسلسله مع نخبة من اساطين الغرب .
يقول جوزف صايغ : " الحوار فخٌّ وأحيانا خبث . هكذا منذ السقارطة الأولين وأفلاطون . فالمحاور سفسطائي متنكّر يعتمد الحجّة ويتوسّل البيان والبلاغة لغرضٍ في النفس .
كلُّ حوار يستوجب نزاهة وتجردا عن الهوى قلّما يتوافران . والمحاور غالبا ما يكون في موقع العاشق : لا يفتش في المعشوق إلاّ عن عشقه فيفوته المعشوق في حقيقته ."
هذه الشارات اللاذعة في كتاب الصايغ " حوار مع الفكر الغربي " توجّه التأنيب تخصيصا  الى المحاورين عندنا ، ذكورا واناثا ، ولست أجد صراحة أكثر وضوحا في كلامه الذي لا يقبل تحويرا أو تشذيبا وإذ يكمل :
" المحاور يسعى ، لاشعوريا ، الى تأييد رأيه وفرض فكرته على من يحاور ، فيأتي الحوار ـ غالبا ـ حديثا من طرف واحد ، سرعان ما ينقلب مناظرة إن لم يتحوّل سجالا وجدالا . , وإذا بالحوار مانع أكثر منه جامعا. لهذا السبب لم أثق قط بالحوار .فالحقيقة بديهية ، ومن لا يراها فهو لا يريد – أو لا يستطيع - أن يراها ، وعبثا إقناعه ."
يوقفنا الصايغ ، قبل متابعة قراءته ، عند محطة الحوار المسموع عبر الإذاعة أو الشاشة الصغيرة ، وهو كما وصفه ، تظهير للمحاور بكسر الواو أكثر مما هو للمحاور . فتكون النتيجة مشوشة لدى السامع الذي ينتظر غالبا تفسيرا عقلانيا من المحاوَر يوضح فيه حلاًّ لمشكلة متعثرة فينقضُّ المحاوِرُ عليه ليقطع أنفاسه ويتسلم زمام الحوار بما يمليه أو بما أملي عليه .
هذه المحطة تذكرنا بالفلتان  وخطورته والذي يطلق عليه زورا اسم الحرية وهي الإبنة الشرعية للديمقراطية التي تتبناهاالإعلامية المتسلطة في زمننا المنفتح أما الإعلامي فقد فتح على حسابه معركة حامية الوطيس بين المتحاورين يبث فيها سمومه ثم يقف على الحياد وكأن شيئا لم يكن وهذا الذي نقوله ما هو سوى جزء من هلوسات تلقى على المستمع قسرا .
وإذ يكمل الصايغ حديثه عن الحوار وأدبيات الحوار ، ينقلنا فجأة الى تمهيد صحيح لكتابه . إنه الحوار بين الكتاب والقارئ والكتاب هو الطرف الذي ينقل الحوار ويطرحه للنقاش والتحليل .
الحوار هنا يجعل الإحتكام الى العقل بمنأى عن الهوى لأنه يميّز بين السقط والكمال وبين القامات والقُمامة وهذا أصدق القول . وبهذا المعنى فإن كتاب الصايغ هو كتاب القارئ ، أو كتاب قارئٍ
أكثر منه كتاب مؤلِّف . وعلى الرغم من ان " الموقف المسبق والأفكار الجاهزة والمعتقد الثابت تزيّف الحوار " فإن الفوز بالحقيقة يبقى الهدف الأخير والمحطة الثانية في قراءة هادئة لكتاب " حوار مع الفكر الغربي " للشاعر جوزف صايغ المتمرّس بصناعة الكلمة .

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net