Tahawolat
- لم تقل إنكَ تحبني ولا مرة هذه الليلة! ألم تعد تحبني؟
- لم أتوقف الليلة عن ملاطفتكِ ومداعبتكِ...
- هذا ليس حباً... هذا... فقط!
- وكيف يكون إذن؟
- ألم تعد ترغب بالزواج مني؟
- لا! لا أريد الزواج!
- هه، ولم لا؟!
- لأنه ليس بمقدوري الزواج، فأنا لا أملك فلساً واحداً...
- لا يهمّ يمكننا أن نعيش على الخبز والزيتون...
- حتى الزيتون لا أستطيع شراءه!
- أنا أشتريه...
- أنا لا قدرة لي على شراء أو تأمين أي شيء!
- هل ستذهب للعمل غداً ؟
- بالتأكيد. لدي ثلاث ساعات من التدريس المجاني طبعاً، وأنتِ؟
- وأنا أيضاً. متى سنلتقي ثانية؟
- لا أدري... على كل حال ليس قريباً لأن التنقل صعب فنحن على أبواب الشتاء.
- وما دخل الشتاء؟
- المواصلات صعبة، وكل شيء يتعطل...كما أن المصاريف أكثر...
- إذن هناك فرق كبير بين الصيف والشتاء...
-  طبعاً، فكل المقاييس تختلف بين هذين الفصلين.
- بمعنى أن كلام الصيف يمحوه الشتاء!
- ماذا تقصدين؟
- تعدني بالزواج صيفاً وتتراجع عن وعدكِ شتاءً!
- الشتاء صعب!
- مع أنكَ قلتَ مراراً  إنكَ تحب الشتاء.
- أحبه نعم، وأحب أجواءه الرومنسية ولكن ليس مع العوز والفقر! البلد يعجّ بالبؤساء والفقراء لا ينقصهم إلا البرد القارس والثلج والصقيع. من يكترث لهم؟ حتى الطبيعة تظلمهم!
- ألا تسمع الخطابات الرنانة التي يصدح بها المسؤولون في هذه الأيام بمناسبة أعياد الوطن والإستقلال: أيها الشباب، يا رجال الغد، أنتم المستقبل، أنتم سواعد الوطن، رجال الأمة، أمل الوطن..."؟
- لطالما ردّدوا ذلك وفي كل المناسبات! يُعَزون جنود المهرجان ليس إلا...!
- وهل هؤلاء الجنود الذين يقومون بالاستعراض الآن، باستطاعتهم  الزواج وإنشاء عائلة؟
- حكماً، فهؤلاء أمّنتْ لهم الدولة كل شيء...
- يعني أن أوضاعهم المعيشية والإجتماعية أحسن من أساتذة المدارس والجامعات أمثالنا!
- بكثير...
- إذن لا مشكلة، وكما أرى فهم كثر وأولادهم سوف يكونون رجال الغد؛ سوف يعمّرون الوطن كما يخطب بهم الرئيس الآن، ولن يكون هناك خلل ديموغرافي كما نقرأ في الإحصاءات والتي دلتْ آخرها أنه في لبنان قد تخطى عدد الإناث عدد الذكور، بمعدل عشر إناث لكل ذكر!
- هذا مريع! وماذا سيفعل المسؤولون في وزارة الشؤون الإجتماعية حيال هذا الوضع الخطير؟ ماذا سيفعلون لتدارك الأمر؟
- ماذا يفعلون؟ من المؤكد أنهم سوف يأخذون الإجراءات اللازمة، وإلا لماذا يقومون بهذه الإحصاءات؟
- قلقاً على التوازن الطائفي، طبعاً!
- وما دخل الطائفية هنا؟ قلت لكَ مسحاً ديموغرافياً وليس طائفياً!
- هو نفس الشيء! لولا الإنتخابات ولوائح الشطب لما قاموا بأي دراسات ولا بأي إحصاءات. الإحصاء الطائفي هو الأهم...
- أوتعتقد؟ ألهذا تكثرُ الندوات التي يعقدها رجال الدين حول هذا الموضوع؟ حتى أن مجلس الكنائس اقترح مؤخراً على المتزوجين الإكثار من الإنجاب على أن يؤخذ الولد الثالث والرابع والخامس على عاتق الكنيسة وأظن أن الشيء نفسه يقوم به الشيوخ... بادرة جيدة، ألا تظن؟ على الأقل يأخذون حِملاً عن كاهل الدولة المسكينة!
- بل هم المشكلة، هم من يزيدون الطين بلّة ويسلبون الدولة دورها!
- وما الحل، برأيك؟
- لا حلّ إلا مع الحلول الجذرية!
- من أطرف ما سمعت حول هذا الموضوع هو ما اقترحه أحد الزملاء الظرفاء وهو أن يُعتمد الزواج المتعدد لدى المسيحيين بحيث يكون لكل رجل أربع نساء كما يحصل لدى المسلمين، وهكذا تحل المشكلة الديموغرافية.
- ولم لا؟ فكرة صائبة على الأقل تتساوى الطائفتان عند ذلك، وفي كل شيء!
- طبعاً تناسبكَ الفكرة أنتَ، كما تناسب كل الرجال! ولكن النساء...
- لا تخلطي الأمور ببعضها فيجب على النساء تقبّل هذا الحل. هذا عمل جبار وتضحية من قبل الرجال يصب في خدمة الوطن.لا بل عمل ثوري بكل ما للكلمة من معنى، يُرمى على كاهل الرجال وحدهم!
- أجل كما كل الأعمال البطولية التي يقومون بها... إبحث عن حلٍ آخر،أرجوك! والآن قل لي، هل غير الجنود من المواطنين، بإستثناء الأساتذة طبعاً، من يستطيع الزواج وتنشئة عائلة؟
- بالتأكيد، فهناك الموظفون والعمال والتجار وأصحاب المهن الحرة والأطباء والمهندسون والمحامون والقضاة والبوابون والصناعيون...
- كل المواطنين تقريباً... إذن لا مشكلة فرجال اليوم ينجبون رجال الغد... ما عدا الأساتذة!
- لا تنسي أن هناك فئة منهم موظفة  ومضمونة...
- وفئة مغبونة مثلنا...
- هي قصة حظ! دعكِ من هذه الأمور، لماذا يقلقكِ هذا الموضوع؟ يكفينا فخراً أننا نربي الأجيال، فأنا لا أرى أي مشكلة!
- وكيف ذلك؟ ألم تعد تحلم أن يكون لكَ ولد يرث أفكاركَ، ويحمل المشعل بعدكَ ويناضل من أجل الوطن والحضارة والمستقبل الأفضل؟
- أبناء الوطن سوف يفعلون... نحن نربيهم من أجل ذلك!
- من؟ أبناء الآخرين؟ ها أنك تتكلم كما المسؤولين الآن! أتضمن تربيتهم؟ وهل يكفي أن يمرّوا على مدارسنا وجامعاتنا مرور الكرام؟ ومن أجدر من الأستاذ بتربية الأجيال؟ هو يربي أولاد الآخرين ولا يحق له أن يكون له ولداً يربيه، لأنه عاجزعن تأمين لقمة عيشه وغير قادر على الزواج، لأنه لم تؤمن له أدنى ضروريات الحياة حتى يُنشيء عائلة... فكيف يُبنى الوطن؟ وعلى سواعد من يقوم؟ هم ينجبون، هم يربون، هم يفعلون، هم...هم... ونحن؟ المسؤولون والزعماء يتطلعون الى رجال المستقبل، يعقدون الآمال على رجال الغد، يعطونهم المال والوظائف حتى ينتخبوهم ويحموهم... ونحن؟ من سيتشرب أفكارنا؟ من سوف يتمسك بمبادئنا؟ من سوف يناضل كما نحن نفعل؟ من سيكمل المسيرة إن نحن ذهبنا؟ من سينير دروب الظلمة والجهالة إذا ما نحن توارينا؟ من أجدى من المعلم بتلقين الوطن والثورة والقيم والقومية؟ من أجدر من الأستاذ بتعليم الكرامة والشرف؟ لأجل كل هذا أحزن، من أجلكَ من أجلي من أجل أجيال الغد. أتألم بسبب سياسة التهميش التي تحاك بحقنا، بسبب سياسة التجهيل التي تقام بحق أجيال غدنا؛ سياسة تجويع المثقف وحرمانه من العيش اللائق والكريم، بغية تكبيله ومنعه من العطاء والتنوير... أحزن من أجل كل مثقف يحمل همَّ الأمة ولا أحد يحمل همّ جوعه وتشرّده.
هُم، هَمّهمْ أجيال الغد ومستقبل الوطن الديموغرافي! ونحن، همنا الأمة ونوعية أبنائها وفكرهم وليس  عددهم وكَمهم، همّنا روؤسهم وليس رؤساءهم! الأمة همّنا، واذا ما ِزلنا، زالت. من يأبه فكلهم نيام!
- دعكِ من كل هذا وتعالي الى هنا...
- إذن قل لي أنكّ تحبني، تعزيتي الوحيدة حبكَ، ملجأي ومهربي...
- لا! لا أحبكِ.
- بل لا تجرؤ على البوح...
- لا أريد أن أعدكِ بشيء... لا أريد ان تستمر المأساة!
- إذن استسلمتَ؟
- نعم!
- وبهذه السهولة، وأنتَ الثائر، العنيد الطموح الذي لا حدود لجموح أفكاره ولا هدوء يُعرف لعاصفته؟
- لقد نسيتُ كل هذا...هذا من الماضي...
- وما السبب؟
- ألم أقل لكِ هو الشتاء؟
- وهل سوف تعود الى طبيعتكِ في الصيف؟ هل سوف تعود لحبي؟
- حبكِ ليس مرهون بالصيف والشتاء، فالحب لا يتبدل بين فصل وآخر. الحب الحقيقي لا تتبدل حرارته، هو ثابت، لا يتأثر بشيء!
- قل إنكَ تحبني إذن. قل مع فيروز "حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي"...
- هي تغني ولا تقول.
- وما الفرق؟
- الفرق كبير! إنه مجرد غناء، أما القول فهو وعدٌ، هو إلتزام، هو مسؤولية. إن غنيتُ لكِ ورافقت اللحن، حسبتِ ذلك مجرد ترفيه لا يحمل  في طياته جدية القول ومعاناته...
- عن أية معاناة تتحدث؟ عن أية مشاكل، الاقتصادية أو ربما الإديولوجية أم العقائدية؟ لم أعد أصدقك لم أعد أهتم لآرائكَ... فإذا كان الحب سيد الفصول كلها وهو الآمر الناهي والمتحكم بالأهواء والأطباع والعقول والقلوب، فهو بالتالي سيد الظروف كلها أيضاً وأعلى سلطة من كل واقع مرير. هو السيد الناهي والآمر عليّ وعليكَ. هو سيد القلوب وهو سيد العقول! هو سيدكَ...هو سيدي! فيا سيدي الكريم، إن كنتَ فعلا تحبني، لا تعلّل بالعلل والمشاكل والظروف ولا تتحجج بالصيف وبالشتاء. فأنا أحببتك وأحبك وسأحبكَ في كل الفصول، في الربيع والخريف كما في الصيف والشتاء. في الحر والبرد، في الصحراء وفي البراري، في الجبال وفي السهول، فقيراً كنتَ أم غنياً، أستاذاً كنتَ أم أمياً. لأنك تحمل همّ الوطن والهوية وليس همك الشخصي. وسأظل أغني وأقول، ولا أجد فرقاً بين القول والغناء، فالحب محا كل الفوارق:"حبيتك بالصيف،حبيتك بالشتي". عشقتكَ في كل الفصول. وأما أنتَ فستظل تكتم الصوت وتلعن القول والغناء، وستظل تحلل الفوارق بينهما، وتجتر همّ الظروف وتكفر بكل الفصول وبكل شيء، لأنكَ لم تحبني مطلقاً، لا في الصيف ولا في الشتاء...!!!
- مهلك، مهلك، لا تنسي... فنحن في لبنان!
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net