لا أدري كيف عاشت وتعيش هذه التجمعات السكانية المسماة مجازاً (المجتمعات العربية)، كيف تعيش بلا علماء اجتماع؟!! فإذا كانت حقيقة هي مجتمعات، فذلك يعني وبالبداهة أن يكون هناك علماء اجتماع، بما يعني العلم من معنى، أي أنه غير مبشر ولا منذر، لا متفائل ولا متشائم، لا يفخر ولا يجلد أصحاب موضوعه، إنه وبعلانية علم واضح الوسائل والأدوات، كما أنه واضح الفوائد والضرورات.
لا مجتمع دون علماء اجتماع، فإن لم يكن فلمَ يكون، لأن علم الاجتماع هو واحد من المنتجات الأولى والأكيدة والضرورية لكل مجتمع إذا كان مجتمعاً، فإذا كان مجتمعاً استفاد من العلوم جميعها، وبشكل جدي ومخلص وذي عزيمة صادقة، وذلك عبر تحويلها الى معارف تمارس على أرضيته تضمن الحراك التفاعلي المنتج لكل أنواع الإنتاج المشخصة والمجردة، ما يعني إعلان هوية بعد إنتاجها مجتمعياً كمنتج مجرد توسم به جميع المنتجات الاجتماعية بعلامة فارقة تعبر عن المخزون الحضاري والنية الخيرة في خضم تنافس المجتمعات.
كيف يحيا مجتمع دون علماء اجتماع؟؟؟ ….
إنه لا يحيا بل يعيش بكفاف يومه، ليس لأن علم الاجتماع ضرورة وحتمية بل لأن هذا العلم جزء من العلوم المحيية للتجمع البشري، فإذا أهمل علم الاجتماع دل على إهمال العلوم جميعها، بحيث يتحول التجمع البشري، إلى مجموعة أزمات ناتجة عن هذا التجمع، مهما كانت إدارة هذه الأزمات عبقرية في إدارتها وتأجيلها، فالوقت المتاح للتجمع البشري يتقلص بسرعة شديدة أما التطبيقات الحياتية للعلم إن كان اجتماعا أو كان غير ذلك، ليؤكد علم الاجتماع ضرورته عبر مقدرته على استشراف نتائج إدارة الأزمات، فكيف إذا كانت الأزمة الأولى هي توليد المجتمع بعد مخاض أصبح من العسير توقع أية ولادة من بعده.
لا يتطور علم الاجتماع إلا بتطور المجتمع نفسه، ولكن أدواته ومناهجه وطرقه ومصطلحاته تطورت كتكنولوجيا مرافقة للتطور التكنولوجي الحالي، فالتطور التكنولوجي هو الذي يؤثر تأثيراً مباشراً في تصرفات البشر، الذي يؤدي الى تغيير قيمهم، وتغير القيم ليس مصيبة كما تتوهم التجمعات البشرية ما قبل مجتمعية، بل علامة على تناغم وتلاحم الجماعة البشرية، فالكثير من القيم البشرية غيّرتها التكنولوجيا، طوعاً أو غصباً، ولكن الوحيد القادر على استثمارها هو (مجتمع)، أما التجمعات التي تقاوم التغيير الثقافي (والقيمي من ضمنه)، فإن التكنولوجيا فيها تتحوّل الى أزمة تحتاج الى إدارة أو حل، فإذا كان الحل لا تقدر عليه إلا مجتمعات تنتج علماء اجتماع، فإن المتبقي هو إدارة الأزمة التي تتراكم وتتطور حسب التطور التكنولوجي الواصل اليها، ما يعني أن هذا التجمع البشري ذاهب الى حلين لا ثالث لهما وهما وبالطبع من خارج الحياة، الأول هو الإفناء الذاتي كتغيير لشكل الأزمات المطلوبة إدارتها، والثاني هو النكوص الى التخلف أو ما يقدر هذا التجمع البشري على فهمه وممارسته، ولا من مجير إذ أن الحقيقة العلمية المجتمعية قد تم تجاهلها أو الاستغناء عنها كلياً منذ فترات طويلة، إذا لمن الاحتكام في قرن جديد ومتوحش تعيشه البشرية؟؟؟
علم الاجتماع يعني أكثر من علم تجريبي أو نظري يخرج بنتائج عن مقدمات أو أبحاث، إنه حالة ربط المجتمع بالعلم والمعرفة جمعاء بشروط ومواصفات العلم والمعرفة، ربطاً نهائياً وبالضرورة، فالتكنولوجيا التي يستخدمها هؤلاء من مجتمعيين وتجمعيين تقضي بالخضوع الى متطلباتها ونتائجها، قضاء معلناً وصريحاً وبلا مواربات أو استثناءات، لذلك تبدو المسارعة الى التصالح مع التكنولوجيا (الباردة والمتغيرة) هي (عين العقل)، لأن من لا يروض التكنولوجيا تروّضه… ولكن على حسابه… وهنا تكون الأثمان… باهظة… باهظة.
ولا فخر…
240
المقالة السابقة