وألقى وزير الثقافة ريمون عريجي كلمة بمناسبة مرور 40 عاماً على صدور مجلة تحولات قال فيها: " عندما لاحَ العددُ الأوّل من "تحوّلات"، عام 1974، كان لبنان يَغْلي بالأفكار، والعقائد، والتيّارات، والشعارات، والتحديّات، والتناقضات، والتطلّعات.
وقد ظهرت، اول ما ظهرت، بغلافٍ كرتونيٍّ رقيق، مطبوعةً على الدكتيلو، وبأعداد محدودة وُزِّعَت من يدٍ الى يد، في مكان ولادتها زغرتا.
يومها، قد يكون سرى في ظَنِّ غالبيةِ الذين تصفّحوها ان العهد لن يطول بها، وان مصيرها لن يكون بأفضل من المجلاّت التي كانت تنمو كالفطر في قلب المدارس والجامعات، وعلى ضفاف الحركات والروابط الثقافية، والحلقات الأدبية. في ما يُشبه الفَوْرةَ الصحافية التي سرعان ما وَضَعت نيرانُ حرب السنتين حدّاَ لمعظمها، قبل أن تُكملُ سنواتُ الحروبِ التاليةِ الإجهازَ على ما ما بقيَ منها. لكن الذي حصل كان على عكس ذلك تماماً. فقد قُدِّر لـ "تحوّلات" أن تُواجه الصعوبات المتعاقبة، وتستمر.
قدِّر لها أن تتجاوزَ مُناخَ البدايات مع "حلقة الفن والأدب"، وتنسجَ سياقاً جديداً وهي تغادرُ حُضنها الأول الى العاصمِة بيروت، ومن ثمَّ، تهاجرُ الى باريس، هرباً من الإجتياح الاسرائيلي، عام 1982.
لبسِتْ مَعَهُ غيرَ حُلّةٍ وهي تعاندُ، تعاركُ، وتكابرُ، في سبيل البقاء. الى أن عادت الى بيروت مجدّداً في التسعينيات، وراحت تَصدِر منذ الـ 2005، بصورة منتظمة، في شكلِ نصفِ جريدة الذي نعرفها من خلاله، قبل أن تنبثِق منها، في عامها الأخير، فصليةٌ ثقافيةٌ تُعنى بشؤونِ المشرق. وكلاهما ينهضُ الآن لتقديم الشهادة. على طول نَفَسِ الصدّيق سركيس أبو زيد، ومثابرتِه، وحيويّتِه، ورؤيته. فالرحلة المتقطّعة والجَوّابة الآفاق استوجبت عرقاً، وسهراً وقلقاً. لكنّها لم تتوقّف الاّ لتَكمِلَ، ولم تلتَقِط أنفاسَها الاّ لتعودَ الى الانطلاق، وتتجدّد.
وبعد، فلكلِّ تجربةٍ حكايةٌ، ونكهةٌ، ومنطقٌ، وهالةٌ، ورفاقُ طريق. ومجموع هذه التجارب التي شكَّلَ لبنانُ، على مرِّ الزمَنِ، مختبرَها، منذ خليل الخوري و"حديقة الأخبار"، حتى الساعة، تلتقي على الإعتراف بأن للصحافةِ في لبنان ما للمنارات من فضلٍ في إضاءة الطريق. هذه حقيقةٌ نابضةٌ على الورقِ، قبل أن تنبضَ على الشاشات الالكترونيّة.
كما تتوّحد التجاربُ، طالتَ أمّ قَصُرَتْ، في التسليم بإن لصحافة لبنان دوراً معترفاً به، مبذولاً بلا حسابٍ لأجله كي يُستحَقّ، دوراً مترامياً على إمتداد الحرّية.
وأخيراً، إنني إذ أُهنئ سركيس أبو زيد بأربعين "تحوّلاته، أشُدُّ على أيدي رفاق دربه الحاضرين بيننا، والمنتشرين، وأوجّه التحيّة لأرواح الراحلين، آملاً أن تعطيه هذه الاحتفالية المزيد من العزمِ على مواصلةِ التجربةِ، تجربتِه مع الصحافة التي اقترن بها قراناً مارونياً لا فكاكَ منه. وسيبقى مخلصاً لها حتى السطر الأخير.