100
أحياناً عليك أن تقلب الطاولة، أن تخسر كل شيء ولا تبالي…أن تعود إلى نقطة الصفر حيث المربع الأول المرتبط بالمكان حيث الجذور. .أن ترمي كل أفكارك في سلة المهملات، وتغسل ملامحك بمطر لطيف وتبحث بين يديك عن صفعة لذاكرتك. ..
وأحياناً عليك أن تحرق كل اليباس قربك…أن تقف أمام هذه الابتسامات المصطنعة وتقول: كل ذلك هراء…أن توقف كل هذا الالتباس والمهزلة وتقطع خيط الشك باليقين الوحيد…لا يعنيني كل هذا التملق ولا يغريني كل هذا الغموض، ولست بحاجة إلى قبلات خالية من الحرارة…
أحياناً عليك أن تستفيق من الموت الصامت… وتبحث في مكان آخر عن ذاتك …عن المكان الذي يسكنك.
ترتب حزنك بهدوء، وترتب فرحك بأناقة… بعد تعب مع المراوغة عليك أن تكشف الأقنعة قبل سقوطها.
ربما تشيخ الكلمات بين شفتيك…بعدها سيكون الصدى بعضاً من أغانيك وكثيراً من رقصك المتألق…
على كرسي عتيق…تنتظر البحر وهو يهرول إليك بأقدام جميلة… بابتسامة تكتب على جبينك…من أي وطن منكوب أتيت؟
لأن الأماكن تخونك بكل وقاحة فهي أكثر قسوة من غياب امرأة.. كيف أحمل لك قلبي المشرد في أزقة المدينة الكافرة؟
وأنت تصنعين بيتاً دافئاً لأحلامي المزدحمة. متى سنرقص على حافة البحيرة وكأننا نكتشف للتو كوكب الجاذبية.
أحياناً عليك أن ترحل…وتستسلم… كأنك مهزوم في معركة التحايل…أن تأخذ مجدك في إبداع الفوضى…أن تلامس حدود النار وتحترق مرات.
أن تنظر إلى هذه الوجوه وتقول كفى دهاء… أحياناً عليك أن تموت دفعة واحدة… مت كثيراً إلى أبعد حدود العتمة وخذ كل تفاصيلك إليك.
أحياناً عليك أن تقول: لا أريد… ولا أشعر… ولا أفهم… ولايغريني…
وحذائي الجميل يشعرني بالراحة أكثر من أي قبلة أو لمسة أو انتشاء. وهذه الأماكن تتقمص روحي وأتماهى مع الأرواح التي تسكنها.
وأحياناً اعترف للبحر كم أنا فاشل ومنهك… كم أنا تافه ومشرد… وانتظر البحر أن يبتلعني كنجمة قررت الانتحار… كغيمة تعبت من الشمس…
وأحياناً أعترف إلى المجهول، إلى ظل يتربص بي…أنا لا أخاف سوى من ظلي. كأنك تتسمر خلف الشاشة الحقيرة وتفكر ماذا ستكتب…هذا قمة الغباء.
أن تفك شيفرة كل هذه الوجوه الملتبسة… هذا فعل انتحار…
أن تقرأ الغامض بين الكلمات… سوف تتعب من الحقيقة، من سر الأماكن.
ربما… لست متأكداً من شيء… لكنني تصالحت مع الذاكرة… وتصالحت مع الغياب… لست متأكداً من شيء… ولكنني تصالحت مع الخوف
والمجهول… وتصالحت مع عينيك المثيرة… وأكتب قصتي مع الحياة كي لا أموت وحيداً… وما زلت لا أستطيع أن أتصالح مع الأماكن.
وﻷن الأشياء تحدث ولا تفهمها، وأحياناً نتجاهلها…وأخرى نتمنى أن تحدث ولا تحدث… وأشياء ننتظرها ولا تأتي، وحين تأتي تفقد حضورها.. أشياء غريبة. وأشياء مألوفة ولأننا نحتال على الأشياء فنختار لها أسماء ملتبسة… لكنني لن أشعل النار في أوراق الرزنامة… وأرمي براءتي تحت شجرة بيتنا وأخبئ حبر طفولتي.
أعلم ببساطة أن هذا العالم مختل ويحتاج إلى مصح عقلي ويزدحم بالموت، لكنني لن أتحول إلى صندوق من الصمت والحزن.
ربما أموت في حروب تحدث في زمني ولا أستمتع في فهم ما حدث ولماذا مات مثلي الكثيرون من بائعي الورود وماسحي الأحذية وممن رسموا تجاعيد وجهك وبيوت المدينة وطرقات الوحل والأقدام المبللة خلف البحر… وممن صنع الخبز الطازج وغنى في حانات يغلفها دخان الجنون…لا أفهم منطق المساء في زجاجة الخمر… ربما أبحث عن أشياء كثيرة في ازدحام الوقت والخيبات…. لكنني أمسك بيدك وأتعلم كيف تطير العصافير بمتعة وحرية….
مهلاً، لا ليس هذا الذي أبحث عنه.
أحيانا أحاول أن ألتصق بجسدي التصاقا كاملاً، علنا نصبح واحدا لا يتجزأ
نحن خلاصة هذه الورطة البشرية، صورتك التي تتمعن بها الآن ليست سوى ملامح حديثة لوجه ولد مع الشمس وما زال ينتظر شروقها مع كل صباح…؟ ويسكب لك قدحاً آخر وتفيض في سكب الصور خارج الكادر…
ربما يوما ما ستقف أمام كائناً فضائياً بكل ما تملك من دهشة وذهول… ستردد صدى أحلامك عند حافة الكرة الأرضية… وتكتشف أن أوهامك كانت مجرد كذبة، وجنونك مجرد خلايا طائشة، وأحزانك بعض من الهرمونات فائضة، وتكوينك جرعة الوعي… سيبتسم لك ابتسامة الواثق ويسكب لك ….
ماذا سنقول لهذا الغريب، أننا خلاصة معاناة عتيقة، أنظر الى وجهي.. تمعن أكثر ربما تقرأ هذه الفوضى وتوثق كل الحروب والموت والتشرد والمجاعة والحزن والألم والذهول والفاجعة… ربما يخرج من كف يدي أطفال المجاعة ومن نظراتي مشاهد الموت ورائحة الدماء وفجور الحاقدين ودموع الفقراء ومن قلبي آخر قصة حب ومن دمي آخر نبض حياة… ومن فمي بحر من دخان سجائري الأخيرة، ومن رأسي قدح من الفودكا الأصلية… ماذا سنقول لهذا الغريب كنا نجهل أنك لست بغريب وأننا لم نعطل فيروس الجهل بل قدمنا له خلايا الدماغ كطبق طازج… الى أين ستمضي بكل هذا الذي يسكنك..
كل هذه البيوت التي ستهجرك، المدن التي سترحل عنك، الأماكن الفريدة التي تنتظر دهشتنا ونحن نوغل في جسد الحياة والمخيلة الصاخبة ترحل الى الأقاصي الى أبعد حدود… قل لي كلمة واحدة تختصر هذا الوجود وتسقط من رأسي نشوة الثلج والنبيذ، تسقط الذاكرة والأماكن.
كأننا نبني قبراً أنيقاً حيث المكان الأخير… كبيت لا سقف له ولا جدران إنها الحرية في صورة المكان وسقوط المعنى، كشجرة تضرب جذوعها في باطن التراب وتتألق شموخاً حيث السماء، كسنديانة لا يهمها فعل الولادة وماهية الأقدام العابرة في ظلها.
لن يكون الأمل سوى وجه آخر لفشل التقاط الفرصة
في ازدحام المنجمين والمشعوذين والمبصرين … هذه اللغة شواذ وضرب من الجنون.
ورقة الحظ تسقط وتتعرى في فضاء الرغبة …
العجز مرض ينتشر مع استفحال فيروس الجهل ونقص المناعة المعرفية .
الهوة في رفض الواقع واستبداله في أوهام افتراضية ليست سوى احتيال مدفوع الثمن.
لم يبق الكثير من هذا الليل، فقط دقائق معدودة ، هكذا يخرج الخوف من العتمة ضاحكاً.
هل أصبح الحب عادة قديمة… هل أصبح العالم قديم، كالمرآة التي تتمعن بها في تجاعيد وجهك…
هل أصبحت المدينة مستهلكة، كأننا سبقنا الحياة بخطوة.
نقص المعرفة في استيعاب الجمال كحالة إغراء ومتعة، كدهشة تلقائية تزيدنا لهفة الى الأكثر جمالاً.
هذا الكوكب صغير على اتساع عينيك… الأرض الشاسعة في المخيلة، والمحيطات المظلمة والبحار
تضيق وتضيق في عبور الكلمات المؤلمة الواضحة والفاضحة…
ويغريني اتساع صدرك لكوكب يسقط للتو.. كم ذلك مجحف لتشردي، كم ذلك مخيف….
البحر.. البحر يلوح لي وبيده موجة ساحرة … كأمراة تستفزك للخطيئة…
سنحتفل ونرفع أقداح المدينة الخائبة… على أنقاض الجثث والتخلف ..
سنحتفل… هذا العالم المزدحم على احتمال النهايات غير المتوقعة… كجرعة زائدة في قعر الجسد، كوردة تتفتح بانتشاء حواسها.
ومن يدري ربما بعد حين ستصلني بطاقة من كوكب آخر خارج المكان الذي نحيا في صورته :
الحياة هنا لا تشبه ما نعرفه، مختلفة بعض الشيء، كوكب الأرض تافه رغم الحنين والشوق….
لا يوجد كلمات تنقل لك المشهد… ما زلت أتنفس وأندهش…لكل مدينة قصيدة ولهذا الكوكب لغز الكلمات.
لا عنوان لي واسم شارع ولا حتى اشارة. هنا كوكب المغامرين. هنا المكان واللاماكن.