(1)
كان ينقصهُ جناحان ليصيرَ مَلَكاً؛ مُدرسُ الرسمِ الذي تدخلُ الشّمسُ مرسمهُ من صوبين. كان يُومئُ للعصافيرِ فتشربُ من كفه، يُقوّسُ قزحَ فتصعدُ خرفانٌ وأطفال بقبعاتِ خوص. يأتي بالنّهرِ إلى السّبورة. يذهبُ بالسّبورةِ إلى الغُدران. حيواناتٌ تفرُّ من يديه، وسنابلَ تطلعُ متى يشاء. تخضرُّ في عينيه غابات، تنهمرُ في رأسه شلالات، وحولَ سريره يتقافزُ أطفال.
(2)
في الحصار، يُصبح الرسم مهنةً للنجاة أو للوهم على سواء.. ففي أيامٍ جعلَ الناسُ فيها نوى التمر طحيناً، وتخيلوا الخبّاز لحماً أحمرَ كانوا يسألون: كيف يعيشُ رسام الثانويّة؟ هكذا تداول البعض أخباراً بين الحقيقة والخرافة عن رسمِه لزوجته أرغفةً على الحائط وسحبها بخفةِ ساحر، وإقناعِ كارتونات السكائر لتصير أغطية ومحاولاته إِنقاذ صُفرةَ وجوه طلابه بالفرشاة؟ كانت الألوان شفرة يفتحُ بها كل باب ويعبر منها لمروج الخلاص.
(3)
بينما كانَ وقتُ الدّرسِ يمضي بلمحة، انشغلتُ برسمِ جناحينِ للمُدرّس، فضيّين، كشَعرَهُ المـُرسل.. ومنحِهِ أوراقاً تملأ أرضية الصف وتطيرُ من شبابيكه إلى مياه النهر، تحلق مع النوارس، تحط على أغصان الأشجار وترفّ على حقول الجت والبطيخ، أعلى من السوق المسقوف وضجة الباعة، أوراقاً تسقط في غابات الغَرَب وفوهات التنانير الطينية. أوراقاً أكثر من صور الرئيس في كتاب (الوطنية).. أوراقاً تكفيه لرسمِ خبزٍ كثيرٍ وقناني حليب وأدوية. لكن الجرس كان يرنُ دائماً قبل أن أكمل رسمتي.
(4)
"أبداً لا تفلت الفرشاة
أَيُّها الولد".
نبذة عن علي محمود خضير
مواليد البصرة – 1983، البصرة.
مؤلفاته:
– الحالم يستيقظ: بيروت – 2010.
– الحياة بالنيابة: بيروت – 2013.
– سليل الغيمة: البصرة – 2015.
– ترجمت بعض أشعاره إلى الإنكليزية والفرنسية والفارسية.