منصور عازار، من الأسماء الكبيرة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس على امتداد أكثر من ثمانية عقود من الجهاد الذي قلّ نظيره؛ اسم من نور سطع في عالَمي الوطن والاغتراب، وفي مجالات الإعلام والأدب والسياسة والأعمال والصناعة..
وهو قبل كلّ شيء، ابن النهضة السورية القومية الاجتماعية التي سار على طريقها الشاق الطويل، المعبّد بالأشواك والآلام والاضطهاد والعذاب والتهجير والهجرة القسرية تارة والطوعية تارة أخرى، في هذه الحركة العظيمة كان المنصور جندياً، دائماً في الصفوف الأمامية، يجاهد، يناضل، يسجّل وقفات العز، يضحّي، لم يهادن، ولم يساوم، ولم يستسلم، دائماً شامخاً كصنوبرات عرزال سعاده، متجذراً في تراب الوطن، راسخاً في إيمانه لا يتزعزع.
تدرّج في صفوف الحزب السوري القومي الإجتماعي من رفيق، إلى حامل لرتبة الأمانة، ومن مسؤول في الهيئات الإدارية في المتحدات والمناطق إلى تسلّمه أعلى المسؤوليات الحزبية في السلطتين التشريعية والتنفذية، وفي المحكمة الحزبية المركزية. والمنصور – الإنسان هو الزوج المثال، وهو الأب القدوة، وهو المضحّي من أجل الآخرين، وهو الصديق الوفيّ الحنون، يشاركك الألم والحزن بصمت، ولا يدعك تشعر بألامه مهما اشتدت عليه الأوجاع والأحزان.. وهذه شيمة النفوس الكبيرة العظيمة، المؤمنة بأن آلاماً عظيمة تنتظر كلّ ذي نفس كبيرة فينا، لتختبر أصالتنا وإيماننا وصبرنا وقوّة إرادتنا ومضاء عزيمتنا.
المنصور والاغتراب ملحمة قائمة بذاتها، من طفل ابن الخامسة يسأل والدته وجدته عن معاني الهجرة، إلى مهاجر استوطن مجاهل أفريقيا البكر، وساهم في إنماء بعض ربوعها، حيث برع في مجالي الصناعة والتجارة، وأبدع في تنظيم الوحدات الحزبية فيها.. لينتقل منها إلى باريس، حيث أسس مجلة "المنبر" الإقتصادية – الثقافية، التي تعنى بشؤون الاغتراب، وقد لمعت على صفحاتها مقالاته وأقلام أدبية وصحافية كبيرة، وقد قادت هذه المجلة تحركاً اغترابياً رائداً دعت فيه إلى توظيف ثروة "الانتشار اللبناني" وقوّته في العالم في مشروع يهدف إلى إنهاء الحرب في لبنان وإعادة إعمار هذا البلد. لقد حمل المنصور هموم وطنه والاغتراب في عقله وقلبه وعلى أكتافه وبين ساعديه، من هنا كان دوره المميز في المؤسسة الاغترابية العالمية "الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم"، وقد ترك بصماته البيضاء التصحيحية والإصلاحية والوحدوية في أكثر مراحلها المصيرية، وهو الذي تبوأ فيها مسؤولية الأمانة العامة. وكما في الجامعة الثقافية، فقد كان للأمين منصور دور مميز في تفعيل أعمال "اللجنة الاغترابية العليا" في الحزب السوري القومي الاجتماعي.
الأمين منصور لا يعرف التعب ولا الملل، يناضل على كل الجبهات، ولأنّ المجتمع معرفة والمعرفة قوّة، فقد أنشأ "مكتب الدراسات العلمية" لنشر الأعمال الفكرية، كما حوّل الطابق الأرضي من منزله في بيت الشعار إلى مركز للنشاطات الفكرية والثقافية، وأصدر مجلة "تحولات" الثقافية، في زمن التحولات المصيرية .
الأمين منصور عازار، سجل ذهبي في تاريخ هذه الأمة.. لقد رحل المنصور بالجسد.. البقاء للأمة.. أجل الأمة تبقى وتستمر والأفراد يتساقطون.. الأمة باقية بحضارتها وتراثها وذاكرتها وشهدائها ورجالها الكبار الكبار.. والأمين منصور واحد من هؤلاء الكبار.. الذي قال فيهم سعاده – صدى الأمة: ما أعظم رضاي عنكم وما أشدّ اعتزازي بكم، وما أروع النصر الذي أسير بكم إليه..