102
مكافحة الإرهاب – عبارة تظهر يومياً في تصريحات وتحليلات جميع القوى الفاعلة في نزاعات المشرق.
إنه المدخل الذي تَلِجُ منه الدول الكبرى، القوى الإقليمية، والدول المكوّنة للإقليم لتبرير انخراطها في النزاعات القائمة وشرح دورها فيها.
الجميع يريد هزيمة الإرهاب المتعارف عليه: داعش والقاعدة. لكن الجزء الأكبر من المجهود الميداني يذهب إلى "تطويع" القوى المتنازعة بين بعضها البعض، وتدعيم فرص نجاح مشروعها على حساب القوى المتضررة منه.
هذا ما تطورت إليه الأمور اليوم في نزاعات المنطقة، لتتكامل كما هو معروف إلى نزاع واسع بين الحلف الأمريكي ومكوناته وأدواته في مقابل محور المقاومة.
لكن التاريخ الحديث لنشأة "الحرب على الإرهاب" خلال الـ 15 سنة الأخيرة، يُظهر حقيقة واحدة واضحة: إنها المدخل الذي استخدمه المشروع الغربي للتسلل إلى تلافيف السياسة العالمية والتدخل الحميم في شؤونها، والمشرق هو المنطقة المركزية في ذلك المشروع.
هنا كانت البداية
————————-
بعد هجمات 11 أيلول عام 2001 في نيويورك ، تولّت الولايات المتحدة تحديد من هو الإرهابي، واستحدثت نمط تشكيل الأحلاف العسكرية الإنتقائية، لمحاربة هدف معين تنعته بالإرهاب، وتجعل القضاء عليه أولوية للأمن والسلم العالميين. واستخدمته لتمرير تحركات عسكرية واسعة، أغلبها غير مشروعة.
وانتشر في السنوات الأخيرة، استخدام غطاء "مكافحة الإرهاب"، كأسلوب يعتمده أفرقاء عديدون حول العالم لتبرير أعمالهم القمعية أو العسكرية، ضد منافسين أو أعداء يصنفونهم "ارهابيين"، وفق تعريفهم الخاص، غالباً لأنهم يعارضون نهجهم أو يعتبرونهم خطراً على مصالحهم.
الإرهاب الوحيد المتوافق عليه عالميّا هو "القاعدة ومشتقاتها" – الحركة المنظّمة للتطرف الإسلامي المسلح (حركة المجاهدين) – والتي نشأت واقعاً من المكوّنات التالية:
–رحم الحركة الوهابية.
–زخم بشري وتمويل سعوديين.
–لقاح جهادي إخواني.
–بيئة استخبارية حاضنة أمريكية – بريطانية، وفي بعض المواقع: إسرائيلية.
الحدث الذي أوْجد الحراك الجهادي الذي أصبح هدف الحرب على الإرهاب كما نعرفها اليوم، وأطلقه على الساحة السياسية الفاعلة، كان نجاح حركة المجاهدين في أفغانستان في هزيمة الجيش السوفياتي بحلول عام 1988، وما نتج عنه من تداعي الإتحاد السوفياتي خلال 3 سنوات.
هذا النجاح أعطى الغرب المدخل المثالي لاستخدام الحركة الوهابية كالإسلام البديل الذي يناسب أهدافهم ومصالحهم، كما أعطى حكّام السعودية ثقة بالنفس والإحساس بالقدرة على أن تكون الوهابية لاعباً وازناً في السياسة الدولية. في الفترة من 1991 حتى 2001 عملت الوهابية على محورين: توسيع انتشار المدارس الدينية في المجتمعات الإسلامية حول العالم، وتطوير الهيكلية التنظيمية للحركة الجهادية كي تكون أكثر تماسكاً.
ساعدها في ذلك الإرتفاع الكبير في أسعار النفط وتوفر احتياطات مالية هائلة لدى السعودية ودول الخليج، أمرائها ومشايخها.
استلام طالبان للحكم في أفغانستان في أيلول 1996، وفّر للتنظيم الجديد أرض "تمكين" يستجمع فيها الأتباع والمريدين، يعبؤهم عقائدياً، يُدربهم جهادياً، ويؤطرهم تنظيمياً في إطار جديد: تنظيم دولي الأبعاد والإنتشار.
في هذه المرحلة، تضافر الدعم السعودي والحاضنة الإستخبارية الغربية على تطوير الإستخدامات الدولية لهذا التنظيم الوليد.
الإنطلاق إلى العالمية
———————–
أثناء تلك المرحلة المحورية في تطور الحركة الجهادية، توسّع التذخير البشري لتنظيم القاعدة من الخزان الضيق (سعودي، خليجي، مصري، باكستاني، أفغاني) إلى خزّان عالمي واسع ترفده المساجد والمدارس الدينية التي موّلت السعودية نشرها في العالم.
المختبر الأول لهذا الإستخدام الدولي كان في البوسنة، خلال مرحلة تقسيم يوغوسلافيا إلى دويلات طائفية، والتي وصفها "المجاهدون" بدقة (نقلاً عن موقع "صيد الفوائد" الوهابي):
"وفعلا بدأت المجموعات بعملها وبإخلاص المجاهدين ولانزكي على الله أحداً تخرجت عدة مجموعات على الكتاب والسنّة بفهم السلف الصالح والتي كانت نواة أولى وقاعدة صلبه لأهل الدين في البوسنه فانتشروا بين القرى والمدن البوسنويه وأخذوا ينشرون العلم بفضل الله"
هذا التوصيف يختصر التكامل الذي نشهده اليوم بين الفكر الوهابي، التنظيمات القاعدية، والإستخبارات المستفيدة من النشاط "الروتيني" لتلك التنظيمات. كما أنه من الضروري تفهم العلاقة والترابط بين الخزان الفكري الوهابي الشامل، المد التنظيمي القاعدي من المتطوعين، والحاضنة الإستخبارية.
وهي علاقة تشبه شبكة المياه التي تتضمن تجميعها من مصادرها، توجيه مسالكها عبر أقنية من الأكبر إلى الأصغر، وأخيراً تحويلها إلى مآلها الأخير بحسب استخداماتها.
– الخزان الفكري الوهابي = الخزانات الأساسية التي تستخلص المتطوعين من مصادره وروافده المختلفة في البؤر الإسلامية المنتشرة حول العالم. المدارس الدينية والنشاطات الدعوية للوهابية ضخت البيئة الفكرية المتقبلة للحراك "الجهادي"، وبنت لديها الجاهزية للإلتحاق بالتكوينات أو الأقنية المتفق عليها مع الحاضنة الإستخبارية.
–المُكوّن التنظيمي القاعدي = خزانات تجميع محلية أو موضعية تتخذ أشكالاً مختلفة (جمعيات، تجمعات أحياء، خلايا، مدارس تعليم قرآن … إلخ)
–الحاضنة الإستخبارية = الخبرات التقنية التي تضع الخطة العامة لتسهيل نقل المتطوعين عبر الأقنية التي جعلتها الإستخبارات "مفتوحة وآمنة" من خزانات التجميع الأساسية عند المصادر إلى مواقع التجميع الرئيسية (ليبيا، تركيا، الأردن، قطر)، ومنها إلى مسالك التوزيع المحلية والطرفية.
التكامل الوظيفي
——————-
المبدأ الأساسي في هذا التكامل الوظيفي هو: المتطوعين كالمياه، يتوجهون في المجرى الذي يُسهّل انسيابها لتتجمع في الحاويات المعدّة لاستخداماتها.
التنظيمات المتطرفة تتنافس على تجنيد المتطوعين عند المصدر، تكتشف الممرات الآمنة ، تتواصل مع الممولين الذين يوفرون المال والسلاح، وتؤدي في نهاية مطافها المهام الجهادية المستندة إلى الفكر الوهابي المتطرف.
والإطار العام لهذا كله يتم تسهيله في الكواليس تنسيقاً بين إستخبارات الدول الغربية الكبرى، دول الإرتكاز الإقليمية (إسرائيل وتركيا)، والدول الشريكة (السعودية، الأردن، قطر، الإمارات، المغرب).
المهام "الروتينية" التي تبرع فيها تلك التنظيمات، تتقاطع بشكل كبير مع الفوضى السياسية، التفتيت الإجتماعي، تدمير الحضارات، تعزيز التفرقة العنصرية المذهبية والعرقية، والإستنزاف العسكري الذي تسعى إليه الإستخبارات المرتبطة بالمشروع الأمريكي، بالتعاون المباشر مع بعض تلك التنظيمات … أو بدونه.
المتطوع عند المصدر (بما فيها المتطوعين من الدول المُستَهْدَفة ذاتها) حاضرٌ فكرياً لـ"الجهاد"، وقد يُعجب أو يتعرّف على تنظيم أو آخر، وعندها لا يعود مُهمّاً من يسهل انتقاله، تجميعه مع الآخرين، تدريبه وتسليحه، ما يهمه هو وصوله إلى مقصده النهائي: أرض الجهاد.
ومن جهتها، الحاضنة الإستخبارية لا تتدخل في تفاصيل الطريقة التي تتصرف فيها التنظيمات في مناطق نشاطها (لا بل تحميها وتعتِّم إعلاميّاً على تصرفاتها)، كيف تديرها أو تنظمها، طالما أنها تحقق الأهداف الأساسية من وجودها، وهي أهداف "مضمون" حصولها دون أي تدخل لأنها في صلب العقيدة الوهابية.
هذا هو نموذج استخدام مكافحة الإرهاب لتطويع البؤر المستعصية المعادية للمشروع الغربي. استخدم هذا النموذج في ليبيا، سوريا والعراق، والآن يتم تطوير "اقنيته" باتجاه اليمن.
في هذه الحالات جميعاً، وسائط الإنتقال من المصدر، خزانات التجميع والتحضير، وأقنية الوصول إلى الهدف، ثم الدعم اللوجستي والعمق الاستراتيجي: كلها مجهزة ومؤمنة من الحاضنة الدولية الغربية (أمريكا والناتو) والإقليمية (تركيا، اسرائيل، الأردن، السعودية، دول الخليج). الباقي متروك للعقيدة الوهابية: تعبئة وتحضير المتطوعين عند المصدر، وكيفية التعاطي مع الهدف المنوي "تطويعه"
المشرق هو البؤرة المستعصية المركزية التي يعمل المشروع الغربي على تطويعها تحت إدعاء "مكافحة الإرهاب" منذ أكثر من 15 سنة.
ماذا بعد المشرق؟
———————
وكما كانت أفغانستان مدخلاً لنقل استخدام الإسلام البديل المتطرف من الإقليمية إلى العالمية، فإن تطويع المشرق هو المدخل المأمول إلى توسيع مفاعيل المشروع الغربي إلى باقي العالم عبر نشر الفوضى الهادفة.
وسط آسيا، جنوب شرق آسيا، وغرب أفريقيا… مناطق استراتيجية أخرى يتم تحضيرها لاستخدام هذا النموذج "الجهادي" عبر تسهيل تجمُّع وتنظيم جيل جديد من المتطرفين، ثم انتظار الفوضى التي تولّدها ممارساتهم المستندة إلى العقيدة الوهابية.
وهذا يكون عندها مدخلاً تصاعدياً للتدخل في سياسات تلك البؤر وتطويع أنظمة الحكم فيها، أو لاستكمال محاصرة روسيا والصين … طبعاً، تحت إدعاء "مكافحة الإرهاب".
لكنها دون شك لعبة خطرة. إذ أن تلك الظروف ذاتها، قد تكون حافزاً ومولّداً لحركات تحرر ترفع التحدي ضد الغرب إلى مستويات غير مسبوقة، ونتائج في غير صالح مطامحه الإمبريالية.
ماهو النموذج التطبيقي الذي استخدمه المشروع الأمريكي بداعي "مكافحة الإرهاب"؟
الفوضى الخلاقة: نهج متجدد لفبركة الأوطان من أنقاضها
——————————————————–
أحداث خطيرة شهدتها أمتنا العربية في السنوات العشر الماضية (وبالتحديد بعد هزيمة إسرائيل في تموز 2006)، شملت عدداً كبيراً من دول المنطقة. هذه الأحداث فيها تشابه كبير ومريب يستحق الوقوف عنده لأنه مؤشر لنمط منهجي يتم تطبيقه على كامل مساحة الأمة، كما شرحنا أعلاه، في مراحل زمنية متتالية وأحيانا متداخلة.
الدول التي شملتها الأحداث: سوريا، العراق، لبنان، مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، الصومال، موريتانيا، اليمن… وغيرها. أوجه شبه كثيرة في نمط هذه الأحداث جميعاً:
1.دور واضح للقاعدة أو مشتقاتها.
2.عمليات القاعدة فيها تركيز على تدمير النسيج الوطني: البنى التحتية والتكوين الإجتماعي، البشري، السياسي والإقتصادي للبلاد أو المناطق المُستهدفة.
3.السعودية وقطر ودول أخرى حليفة لأمريكا تنشط في واجهة الأحداث، وإن اختلف طبيعة الدور من دولة مستهدفة إلى أخرى:
–دعم النظام "الشرعي" بعد إنجاز التغيير المطلوب في النظام: ليبيا، تونس، اليمن، الصومال.
–إسقاط النظام "الشرعي": سوريا، العراق.
–"كبح" النظام "الشرعي": مصر، الجزائر، موريتانيا.
لكن التدمير القاعدي يحصل على أي حال في جميع الأدوار.
4. أمريكا والأطلسي فاعلان في التعامل مع القاعدة، لكن بأشكال مختلفة: يهاجمونها، يحجمونها، وأحيانا: يدعمونها. لكن الواضح هو:
–لم يتم القضاء على تلك هذه التنظيمات في أي دولة أو مكان شملها عمل عسكري لـ"مكافحة الإرهاب"
–توسع نشاطها باستمرار
–فجأة يظهرون في أماكن جديدة
… إنه أمر مريب يدعو للتأمل، وكأن نفس الآلية التي تقول أنها تكافحهم، هي التي تمدهم بالمادة التعبوية والتسهيلات والإمكانات للتوسع والتضخم!
نشاط تنظيمات القاعدة اليوم هو أضعافا مضاعفة مقارنة بنشاطها غداة هجمة 11 أيلول 2001 في نيويورك… وخاصة بعد احتلال أفغانستان (2002) والعراق عام 2003.
التفسير الأكثر منطقية لظاهرة تعاظم الإرهاب حيث يتدخل الغرب لمكافحته هو أن هناك من أوجد أداة تدميرية ناجحة، فرعاها ووظفها. والمفارقة أن مسرح عملياتها الرئيسي (أكثر من 95%) يتركز في الدول العربية، وكذلك ضحاياها (%99).
5.المستفيد الأكبر من هذه الأحداث هم: أمريكا وإسرائيل، والضيف الجديد على المشهد في السنوات العشر الماضية: تركيا.
6.هناك تسعير للغرائز الطائفية، المذهبية والعرقية. هذا يحصل بغض النظر ما إذا كان النظام المستهدف معادٍ أو حليف للإستعمار. التفسير المنطقي أن المستهدف هو:
– النسيج الإجتماعي.
– اللُّحمة الشعبية.
– المناخ النفسي العام للناس.
– البنى التحتية.
– التضعضع الاقتصادي والإفقار، و
– فقدان الثقة بالقدرة على التغيير والتقدم.
… بعبارة واحدة: تفتيت الأوطان وتشتيت المواطن
7. يبدو أن الأقليات لها مشروع خاص: الأيزيديين، الأشوريين، الأقباط … إلخ، مع أنه ليس لاستهدافها أية فائدة استراتيجية، لكنها تخدم بقوة المقولات التعبوية للتنظيمات المتطرفة عبر تسعير المشاعر الطائفية، ولها فائدة جمة في الاستفادة الإعلامية وتبرير التدخل المباشر إذا لزم الأمر.
الملحوظ هو الإستفاضة الإعلامية في تناول تلك الأحداث، كأن المطلوب هو خلق الأجواء المشجعة على تهجير هذه الأقليات… مما يستجدي السؤال: هل المشروع المستقبلي يتطلب "النقاء الطائفي المناسب"؟
ماذا بعد هذا النهج التدميري الذي تنفذه الأدوات الوسيطة؟ ماذا بعد استنزاف الأوطان، تفتيت لُحْمَتِها وتشتيت شعبها؟
هنا يأتي دور عرابو هذا النهج ومخططوه: المستعمر الأمريكي ومرتكزاته في المنطقة: إسرائيل وتركيا. الواقع المستجد سيفرض واحداً من ثلاث مسارات:
1.إذا نجح النهج في فرض أمر واقع جديد على الأرض … يبرز عندها الإستعمار في إخراج إعلامي وسياسي لـ"مكافحة الإرهاب" ويكون هذا مدخلا لتظهير وضع جغرافي وسكاني جديد برعاية مباشرة لإسرائيل أو تركيا.
2.إذا هُزمت الأدوات، لكن المجال مازال يسمح بتغيير المسار والتخطيط لمحاولات جديدة… فلا مانع من الترويج لـ"الحل السياسي" و"الحوار"، كسباً للوقت والتحضير للمسارات الجديدة، والتي ستُستأنف حال جهوزيتها بعد نسف الحوار الذي يصبح "عقيماً".
… وهذا يحصل فقط: إذا كان الإستعمار وحلفائه وأدواته، هم الذين في مأزق.
3. أما إذا فشلت الأدوات ووصل الأمر إلى مستوىً مقلق من الهزيمة… عندها يأتي دور التدخل العسكري المباشر. معطيات الميدان في حينه هي التي تُحدّد هوية القوى المنفذة وطبيعة التدخل.
نهج "الفوضى الخلاقة" حقيقة واقعة، ويعتمد الهجوم المتواصل والمتنقل لإفقاد قوى المواجهة توازنها ويشتت قواها.
التطور الهام والواعد هو أن قوى المواجهة قد بدأت موخراً في تنسيق خططها وتشبيك قواها عبر ساحات الصراع… وهذه بداية مطلوبة وضروري تعميقها، في صراع وجود قد يستمر لعقود من الزمن، على كامل مساحة الوطن العربي.
إذن باختصار:
– الحرب على الإرهاب أصبحت حصان طروادة الذي يتسلل من خلاله المشروع الغربي إلى تلافيف السياسة العالمية والتدخل الحميم في شؤونها.
– بعد هجمات 11 أيلول في نيويورك عام 2001، تولّت الولايات المتحدة تحديد من هو الإرهابي، واستحدثت نمط تشكيل الأحلاف العسكرية الإنتقائية، لمحاربة هدف معين تنعته بالإرهاب، وتجعل القضاء عليه أولوية عسكرية.
– بعد الإستخدام الناجح للولايات المتحدة في استخدام غطاء مكافحة الإرهاب لتمرير تحركات عسكرية واسعة، أغلبها غير مشروعة، انتشر في السنوات الخمس الأخيرة، استخدام غطاء "مكافحة الإرهاب"، كأسلوب يعتمده أفرقاء عديدون حول العالم لتبرير أعمالهم القمعية أو العسكرية، ضد منافسين أو أعداء يصنفونهم "ارهابيين"، وفق تعريفهم الخاص.
– تعريف وتصنيف إرهاب الأفراد والمجموعات المسلحة أصبح شائعاً، وهناك توافق واسع حول إرهاب بعض المجموعات مثل القاعدة وداعش، ويبقى هناك خلاف كبير حول مجموعات أخرى، البعض يعتبرها إرهابية، وآخرون يعتبرونها ليست كذلك… غالباً لأنها إما تعارض أو تخدم مصالحها بشكل من الأشكال.
– الإرهاب الأكثر شيوعاً، لكنه الأقل تداولاً في الإعلام هو إرهاب الدول. مثال صارخ هو مقدار القتل، الدمار، التشريد، ومخالفة الشرعية الدولية وقوانينها، التي تسببت بها دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل. هذا الإرهاب الذي خلّف مآسٍ إنسانية أكبر بكثير من تنظيم القاعدة، يتم تجاوزها وتخطيّها، بحكم الهيمنة العسكرية التي تفرض نفسها بالقوة. لا بل تتجرأ هذه الدول على أن تُنصّب نفسها مسؤولة عن تصنيف من يكون الإرهابي.
وهكذا، أصبح الإرهاب وكيلاً ينشر الفوضى والدمار في المناطق والدول المنوي تفتيتها وسلبها عوامل قوتها وصمودها. بعدها يصبح ذلك الإرهاب التبرير الضروري لتدخل القوة العالمية المهيمنة: الولايات المتحدة بمساعدة الأحلاف التي تكونها، بحجة مكافحة ذلك الإرهاب غير الإنساني… لتتكشف مع الأيام تكتيكات يستخدمها "المستشارون" لإدامة تواجد الإرهاب وعدم استئصاله سريعاً، كي لا تُعدم مُبررات تواجدهم.
وأخيراً مع تفكك تلك الدول، تصبح لقمة سائغة على مائدة القوة الإقتصادية الهائلة للمُستعمر الأمريكي الذي أتى على حصانٍ أبيض بصفة المُنقذ لمكافحة الإرهاب، الذي كان هو قد مكّنه بدايةً من الإستفحال، ليُصبح عبر شركاته وصفقاته، شريكاً لا غنى عنه لطبقة واسعة من السياسيين المتعاونين معه.
وهنا يدخل الفساد إلى المشهد ليكون قريناً ملاصقاً للوجود الإستعماري، وتنمو طبقة مستفيدة من ذلك الوجود، تتغلغل مثل التسوس في جذع الشجرة… لكن ذلك موضوع مقالٍ آخر.