لمْ يتركْ لي الانفجارُ الأخيرُ في مدينةِ الثورة
الكثيرَ من اللحمِ، فقد كنتُ أعتقدُ إنّ الـ(سيفور) أكثرُ هدوءاً في تقطيعِ لحمِ المارّةِ، وصارَ عليّ تسلّقُ البناياتِ المجاورةِ أو ما تبقى منها
للحصولِ على صراخٍ مكبوتٍ تحوّلَ إلى لحم
……
تركض الأمّ ولاتدري كميةَ الهواءِ الكافيةِ لاستبدالِ عشرةِ كيلواتٍ من وزنِ طفلِها المعلّقِ بأعلى عمود الكهرباء، سوى إن ركضها يتجه إلى الأعلى
مع بعضِ ريشِ الطيورِ المتناثرِ في الهواءِ، يمكنها أن تطرّزَ ثوباً جديداً على مقاسِ الغيمة
……
بحيرةُ الدمِ الأخطبوطية تمتدُّ إلى عتبةِ الدار
البابُ مفتوحٌ.. والبيتُ يتدلى من النافذة
……
السخامُ غريبٌ ولايومئُ لأحدٍ بعينه
يحتضنُ الأكوامَ المعدنيةَ، وكلّ مورثاتِ المحروقين
السخامُ يسلقُ جثثاً لمْ تأكلْها النارُ، ويعلقُها على هياكلِ سياراتِ الخضر
السخامُ ليس لوناً، بلْ فماً يبتلعُ كلّ شيء
أنا الوحيدُ الذي رآه يفرّشُ أسنانهُ على عمارةِ (علي أبو التمّن)
……
جرارٌ كثيرةٌ يثقلها الارتعاش من الخوف
زجاجُ النوافذِ يتأرجحُ على حوافِ الرقابِ، لكن بقرةَ القصابِ التي رأيتُها تطيرُ لاتعرف الهبوطَ، بقيتْ معلقةً هناك، أما القصابُ فراحَ يهتزُّ هلعاً لأنها منذ يومين بدونِ عشبٍ يطفئُ حرارةَ الأسلاكِ الكهربائية.
اشتركَ الأطفالُ، هذه المرة لربطها، برسمِ خيوطٍ مشدودةٍ برذاذِ لحمها، وهي تعلم إن الأطفالَ لاينزلون إلى الشارعِ بدونِ ملابسَ وأجنحةٍ بيض.
………
يخرجُ أطفالٌ كثرٌ من تحتِ ركامِ البنايات
تقلبُ شاشاتُ التلفازِ وجوهاً ممسوخةً كبدائلَ وقطعِ غيار
يمكنُ استخدامُها كعلاماتٍ لحياتنا المعاصرة/ ولكن لم أجدْ أيّاً من تلك العلاماتِ في مقاعدِ الدراسة
لم يقلْ لي أحدٌ إننا مجردُ قتلةٍ وسفاحي جثث
لم يقلْ أحدٌ إن الدين خراءٌ معلبٌ صنعناه، لنبررَ وحشيتنا
ونلطخ به وجهَ العالم.
……..
تضعُ زوجتي رايةً خضراءَ على رأسِ بابِ البيت، كدليلٍ على شيعيّتها
وأنا أبدو حليقَ الوجهِ بملابس شبابية، كدليلٍ على علمانيتي
يحلقُ السني شاربه ويطيلُ لحيته وكذلك الشيعي
كلاهما يلبسان الأسود ويقتلُ بعضهما الآخر
لنتنتهي الحرب
العلامات تتجدد
وتستمرُّ في كتابةِ كراهيةِ البياض
كلُّ شيءٍ جميلٍ أبيض
وكلُّ قبيحٍ أسود
صرتُ ألوّن الأشياء بدءاً بالأثاثِ، وأحياناً أسكبُ ألوانَ الرسمِ متعمداً على كلّ شيءٍ أبيض أو أسود
لكنّها مراراً تمسحُها بقطعةٍ بيضاء أو سوداء لتؤكدَ لي إنها غريبةٌ عني
وتقولُ لي: إنكَ رجلٌ ملونٌ.. وسوفَ أغسلكَ ذاتَ يوم.
……..
علقتُ على الحائطِ لوحةً قديمةً، هي بورتريه شخصي، كنتُ قد رسمتُها سابقاً
أحملُ بين يديّ سمكةً زرقاء، في فمها بقعةُ دمٍ صغيرةٍ من أثرِ السنارةِ التي بقيتْ لامعةً في الصورة
السمكةُ تنظرُ إليّ، بخلفيةٍ مليئةٍ بأسمالِ الماضي
كلٌّ منّا عالقٌ بسنارتهِ التي بقيتْ لامعةً في الصورة
هي للمطبخ.. وأنا لما تبقى من زوجتي في الحربِ
نبذة عن مازن المعموري
مواليد 1970- دكتوراه فلسفة فن 2015/ جامعة بابل.
مؤلفاته:
– كتاب الموتى – 1998.
– حب مطلق – 2011.
– كائنات سرية – 2014.