ان تطورات الأحداث التي تشهدها بلادنا ولا سيما في الأشهر والأيام الأخيرة باتت تطرح علامات استفهام عدة حول مضمون وجوهر وماهية وأهداف ما يجري؟
أسئلة من العيار الثقيل تُطرح حول حقيقة ما يجري وتفاعلاته وارتباطاته مع أحداث المنطقة والعالم….
لقد باتت الأحداث متداخلة الى حد يصعب الفصل بينها في الزمان والمكان، مما يفترض عقلاً تحليلياً عميقاً قادراً على ربط المسائل بعضها ببعض للوصول الى خلاصات مفيدة تساعد في توضيح الصورة، وانقشاع المشهد…
لا أريد العودة في الزمن بعيداً الى 11 ايلول 2001، والسياق الذي حصلت فيه، والإطار النظري الذي تم التأسيس له في نظريات وأفكار مبتسرة غريبة عنا حول "نهاية التاريخ" و"صراع الحضارات"، وغيرها من الأطروحات المشبوهة التي بررت في اللاوعي والعقل الباطني للإنسان حالات الصدام والتصارع على قاعدة تقسيمية تفتيتية انشطارية داخل المجتمعات وعلى مستوى العالم بأسره، ما مهّدَ لتنامي هذه التيارات البربرية "العنصرية"، "التكفيرية"، "الظلامية"، "المتوحشة" من أفغانستان الى باكستان، الى الشرق الأدنى، الى الشيشان، الى العراق، وأخيراً الى الشام ولبنان، مما يطرح تحديات وجودية حقيقية تخطت الى حد بعيد كل الشعارات التسطيحية المطروحة حول واقع وجوهر هذه الظاهرات الغريبة ليس فقط عن شعوبنا وارثها الحضاري والأخلاقي والمناقبي، لا بل الديني أيضاً، بل الغريبة بالكامل عن منطق الحضارة والانسانية، اذ انها تحاكي ردة عميقة الى القرون الوسطى وما قبل الوسطى، بكل ما للكلمة من معنى ورمزية…
عندما بدأ الحراكُ الشعبي في مصر وتونس وليبيا وحتى في سوريا منذ العام 2011، رافعاً شعارات الاصلاح والتغيير، والدمقرطة، والحريات، واشراك الشعب في القرار والسلطة، والمحاسبة والشفافية والرقابة، كان هناك رهان على أن الارادة الشعبية المصممة المستعدة للبذل والتضحية، والمرتكزة الى بُعد وطني داخلي شعبي حقيقي قد تتمكن من كسر القيود، واحداث ثغرة في جدار التخلف السياسي والاقتصادي والمجتمعي لبلدان هذا العالم العربي، اذ أن الواقع السيئ الذي عاشته مجتمعاتنا كان يستوجب مثل هذا الحراك باتجاه المستقبل…..
بيد أن تطورات الأحداث وخاصة في مصر وحتى في ليبيا وبشكل أساسي في سوريا، كشف وبسرعة "أنه كلام حق يراد به باطل"، وأن قوى خفية ذات بعد اقليمي وعالمي تقف وراء استلاب أحلام الشعوب وارادتها في التغيير المشروع نحو المزيد من الحرية والسلام المجتمعي الاقتصادي الثقافي الحضاري…
بدا واضحاً أن هناك قوى خفية متغلغلة في قلب هذه الأنظمة والسلطات القائمة تقود مايسترو العزف على وتر شعارات التغيير، تشكل واجهةً لمشاريع وخطط مستورة وبعيدة كل البعد عن حقيقة الشعارات المعلنة…
اذ بات واضحاً أن هناك تقاطعات محلية واقليمية ودولية تقود الأحداث في اتجاهات الخراب والدمار والاستلاب والهدم والتقسيم والتفتيت وصولاً الى الاندثار الكامل لبنى اجتماعية قومية انسانية بعينها….
ما يحدث اليوم يحتاج الى دراسات وأبحاث ومتابعات دقيقة موضوعية لرصد آفاق وتداعيات الأحداث في الزمن على المستقبل، وفي المكان على جغرافيا العالم بأسره…
لقد سقطت كل الشعارات البراقة، وبتنا وجهاً لوجه وعلى أرض مكشوفة مع ظاهرة "الارهاب" الذي يضرب في مجتمعاتنا تحت مسميات مختلفة ومتعددة، ولكنها تتفيأ ظلال الدين وتعاليمه وشرائعه، وبالطبع، الدين منه براء، في كل المقاييس والمعايير الخاصة والعامة…
فالمعركة اليوم أصبحت وبهذا الوضوح بين قوى الشر والارهاب التي تقف وراءها قوى اقليمية ودولية بعينها وبين قوى وطنية وقومية بعضها رافدها ديني، ولكن في الاتجاه الصحيح الذي لا يتناقض مع المصالح الوطنية لشعبنا وبلادنا، تدافع عن "الوجود"…
ان طغيان "الوحشية" و "البربرية" في ممارسات وسلوكيات أطراف تعيث في بلادنا فساداً وإجراماً من تنظيمات "القاعدة" و"النصرة" و"داعش" وأخواتها ليست صدفة، بل تأتي في سياق ممنهج وهادف له استهدافات مزدوجة، كلها تصب في خانة المشروع المعادي عنيت "المشروع الصهيوني التاريخي"، الذي وبالرغم من كل مظاهر قوته التي قد تتراءى للبعض، انما هو مشروعٌ يتقهقر ويتراجع تحت ضربات "المقاومة" في كل قلاعها، من لبنان الى فلسطين الى العراق، والآن في الشام…
كذلك كل الأحداث تصب في خانة القوى الاقليمية التي تسعى الى تعزيز نفوذها وسطوتها واستعادة أمجاد من الماضي، كما هو حال تركيا "الأردوغانية"، وبعض الممالك في شبه الجزيرة العربية…
وكذلك لا يمكن اسقاط العامل الدولي بقواه المختلفة التي – وانطلاقاً من بلادنا – تحاول تحسين شروط مشاركتها في النظام الدولي المقبل…
والهدف الواضح والأساسي لكل ما يجري في ما خص بلادنا هو اعادة رسم خريطة جيو سياسية جديدة تقوم على حدود التنازعات ذات البعد المذهبي والطائفي بما يضمن لدولة اسرائيل استمرارها وسيادتها المفترضة….
بكلمتين: الآتي الى بلادنا عظيم، ولكن ارادة الأحرار، ووعي القوى الحية، واستعداد الشرفاء لمواجهة موجات الارهاب والتكفير المقبلة.. سيكون الفاصل في الميدان، وسيكون ايذاناً ببدء الزمن الجديد الذي نريد… زمن الانتصارات الحقة…
في مواجهة الارهاب…
121
المقالة السابقة