"عطارٌ أنا ولستُ بائع جواهر.. غرستُ نفسي ولم يعن بتربيتي أحد.. جبليٌّ أنا، من هذه السفوح.. وهذه الكلمات من صميمي الكردي..".
مَن لم يقرأ ملحمة العشق الكردية المؤلمة "مم وزين" لصاحب هذه الأشعار! الشاعر أحمدي خاني (1706-1850)م؟ ومَن لم يسمع بـ ملا أحمد جزيري (1570-1640)م؛ الكاتب والشاعر المتصوف؟ كم من مثقفين كرد غرقوا في بحور غيرهم من القوميات والثقافات وهم مستمتعون بالسباحة؟ هل دخلنا الآن إلى عالم الثقافة الكردية بعد موجة من حرية التعبير في المناطق الكردية السورية؟
بالطبع، الثقافة الكردية لا تتوقف على أعلام كبار أسسوا لها، كالخاني وجزيري، ولا حتى بإمارات ودول كردية سالفة نقلت ثقافتها "الشفاهية نوعاً ما" من طور إلى آخر، إلا أن الكرد بالمعنى السياسي اتحدوا في ظل إمبراطورية واحدة تعود بجذورها إلى سنة 512 قبل الميلاد؛ ميديا، ومنها يمكن القول إن الثقافة الكردية بمعناها العام تجلت في أبهى صورها، إذا تم اعتبار عيد نوروز "اليوم الجديد" من أهم الفعاليات والطقوس الثقافية التي يحتفل بها الكرد كعيد وطني ومناسبة ثقافية أنهت حكم الملك الآشوري الظالم "الضحاك" بفأس "كاوا الحداد"، الذي دفع حياة أولاده ضحية للملك وانتصر لشعبه وأوقد النار على الجبل.
هذه القصة وغيرها مهّدت لظهور فنون كردية في أجزاء كردستان الأربعة "تركيا، العراق، إيران، سوريا"، وانتشرت الفنون، كالموسيقا والغناء والمسرح والرقص وإحياء التراث من جهة، وتطورت الرواية والقصة والسينما والفلكلور والتشكيل والأزياء والكاريكاتور من جهة أخرى، الأمر الذي يحيلنا إلى التحدث عن الثقافة الكردية وكيف تعيش في سوريا بعد أكثر من سنتين من انطلاقة الثورة السورية 2011، على إثر تمتع المناطق الكردية بنوع من الاستقلالية في الحياة وتقرير المصير وخلوها النسبي من عناصر النظام السوري، ليكون طرح عدة أسئلة مشروعة محوراً من قبيل: ما التغير الذي طرأ على الثقافة الكردية بعد «الثورة»؟ وما الذي يميز الثقافة الكردية عن غيرها من الثقافات؟ وهل تنال هذه الثقافة حقها من التعبير حالياً؟
موجة التغير في الثقافة الكردية
حليم يوسف، كاتب قصصي وروائي كردي، يعتقد أنه من المبكر الحديث عن هذه التغيرات، ولاسيما أن "الثورة لا زالت قائمة ومحاطة بجبال من المخاطر والأبواب المفتوحة على المجهول، فما من تحول نوعي يُذكر في هذا المنحى، ويبدو لي أن التحدث عن الثقافة في بلاد بات القتل اليومي فيه أمراً عادياً ودم الأطفال يغطي جبهتها المهشمة، نوعاً من الترف، إن صح التعبير".
ومقارنةً بغيرها من المناطق السورية، تعيش المناطق الكردية حالة من الاستقرار، لكن هذا لم يجعل الكرد يتمتعون بثقافتهم، حيث يضيف حليم: "الانقطاع المستمر للكهرباء وغلاء المعيشة والسباق اليومي المحموم للركض وراء رغيف الخبز ومحاولة استرداد شيء من الكرامة المهدورة الدم منذ عقود وتناقص مقدار كمية الأوكسجين اللازمة لاستمرار الحياة، كلها تحشر الثقافة في زاوية ضيقة".
أما التشكيلي الكردي منير شيخي، فلا يعتبر "الأمر تغيراً بالمعنى الانقلابي للكلمة بقدر ما كان تصعيداً في الحالة الثقافية والفنية، تقاطع مع الانفتاح العام الذي أصبح يرسم ملامح الثقافة المعاصرة في الشرق الأوسط بعد ثورات الربيع العربي"، مضيفاً: "الحالة الثقافية الكردية كانت تنشط في الظل منذ عقود، إذ تميزت بكونها تراكمية في بعض مساراتها باعتبارها ناتجة عن إرث طويل لنضالات الحركة السياسية الكردية التي كانت في معظم مطالبها تلبس لبوساً ثقافياً مجتمعياً تنتهج سبلاً ديمقراطية وتتخذ الطابع السلمي ممارسة لها، وهي تكاملية في تعاطيها مع ثقافة الشريك – بل الشركاء – الموجودين في الوطن الواحد".
ويتحدث المخرج الكردي أكرم حيدو عن تجربته السينمائية: "عشت النصف الأول من عمري في الشمال السوري الذي أُلغي من قاموس الثقافة العربية السورية التي ألغتني كجزء من الثقافة السورية، لكون الشمال السوري له ثقافته المتنوعة الخاصة به، ثقافة ميزوبوتاميا العريقة ذات اللون الكردي". وحول مدى هذا التغير في الثقافة الكردية، يعتقد حيدو أن "الثورة السورية كسرت الاحتكار الإيديولوجي الواحد للثقافة السورية، وللمرة الأولى أشعر بأن الثقافة السورية تشملني أيضاً، وقبل سنة شاركت بفيلمي "حلبجة – الأطفال المفقودون" في مهرجان دبي السينمائي ومهرجان الخليج السينمائي، وحصل الفيلم على أرفع ثلاث جوائز للأفلام الطويلة، ولكني لم أتلمس من السوري الآخر بانتمائي إليه، وهذه خسارة للسينما السورية بالاحتفال بنجاحاتها، لأن نجاح السينما الكردية السورية هو نجاح للثقافة السورية. مضيفاً: "أنا كمخرج كردي سوري لديّ رغبة كبيرة في عرض أفلامي في الداخل السوري ومشاركة الآخر السوري بنتاجاته".
إذاً، لا فصل بين الظروف السياسية المصحوبة بالمعيشة والثقافة، فالناشط السياسي الكردي زيرك شيخو يجيب عن سؤال التغير على الثقافة الكردية بالإيجاب ويحيله إلى عدة أسباب، منها "ضعف النظام الذي كان يمنع هذه اللغة وبالتالي أي احتفال أو إنشاء أي مركز للاهتمام بهذه الثقافة أو إجراء أي بحث بغية إضعافها في الكثير من المناطق، ما ساعد في فتح مئات المدارس التي تدرّس اللغة الكردية لآلاف الطلاب وإقامة أمسيات شعرية واحتفاليات ثقافية في الكثير من المدن الكردية، وآخرها أسبوع الثقافة والفن الكرديين في مدينة الدرباسية، والتي احتوت العديد من النشاطات الثقافية من شعر ومسرح وفنون وتراث وأزياء وغيرها، مع إمكانية طبع الكتب والروايات دون ملاحقة النظام لأصحاب المطابع ودور النشر، فضلاً عن فتح مراكز تدريس الموسيقا الكردية، ما لاقت إقبالاً كثيفاً، دون أن ننسى انتشار صحف ورقية ومحطات راديو، وكذلك فعاليات ثقافية مشتركة للكرد مع مكونات أخرى تتواجد في المنطقة، كالعربية والآشورية والسوريانية، وكل هذه الفعاليات تخدم وتطور الثقافة الكردية بشكل أو بآخر".
فالأمر لا يقتصر على القصة والتشكيل وحسب، كون الموسيقا والغناء أيضاً من أهم محتويات الثقافة، والثقافة وكما هي معلومة تساوي الآداب والفنون والمعارف والعلوم، ولعل هذه المكونات الأربعة هي آخر ما توصلت إليه كل تعريفات الثقافة حسب منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة.
الفنان الكردي ريبر وحيد يرى أن "التغير الذي طرأ على الثقافة بات أكثر جرأة وأصبح قلمه حراً، ولكن الثقافة لم تتحد معاً للأسف، ما أثر على قيمتها، التي كانت من المفترض أن تكون جسداً وروحاً وقلماً واحداً، بل أصبحت متبعثرة، وبتنا نبحث عمَن يتحدث عنا ويحكي آلامنا وينقل وجعنا، لأننا بين كفيْ كماشة، لا أحد يرحم ولا أحد يخدم الشعب، فثقافة القتل والدم والخطف والإرهاب هي السائدة الآن، نعيش أوقاتاً عصيبة جداً"، ويسأل ريبر: "أين هي الثقافة من غلاء الأسعار وعدم الأمان وتخريب البلد وتشريد الملايين"؟.
سؤال يبدو جديراً ولا يختلف عما قيل قبل عن مدة تأثر الثقافة بالظروف المعيشية، لكن الشاعر الكردي نوزاد جعدان يعطي المسألة بُعداً أكثر تأملاً: "تغير الأوضاع السياسية والانفتاح الذي تولده الثورات، يفرض نوعاً من التغير في الفعل والعمل اليومي الذي يؤدي بالتالي إلى تغيرات كبيرة على مستوى الثقافة". ويقسم جعدان الشارع الثوري إلى فئتين، هما: "فئة الصفوة الأكثر ميلاً للنزعة التفاؤلية، يعيشون في خيالاتهم إلى درجة الطوباوية، وفئة الشعب الأكثر ميلاً للعدمية بنظرتهم وكتابتهم، إلى أن يجدوا شراعاً صلباً يأخذهم إلى بر الأمان".
أما بسمة شيخو، فنانة ومحاضرة كردية في كلية الفنون الجميلة بدمشق، تقول: "كان للثورة دور كبير في تعرية الثقافة في سوريا من الزيف الذي لطالما كان يكسوها على مدى عقود، ولأن الثقافة الكردية ذات جذور ضاربة في القدم، فقد جعلتها الثورة تطفو على السطح بعد أن كانت دائمة الاختباء في القاع بفعل أثقال عُلقت بها، وبدأت ألوان نوروز تزهر في سوريا لتلون شحوب الثقافة الوحيدة الاتجاه، وأخذ المثقف الكردي بالظهور للمجتمع السوري معالجاً القضايا السورية والإشكالات الثقافية دون أن ينشغل عن همه الكردي، وهذه المرة بصفته كردياً سورياً". وتضيف بسمة: "من الخطوات المهمة التي دعمت نشر الثقافة الكردية البدء بتعليم اللغة الكردية بالجامعات كلغة أجنبية وفي المدارس أيضاً، والسماح بإصدار مجلات باللغة الكردية في محاولة لكسب الكرد لطرف دون آخر".
ومن جهته، يبدي الفنان الكاريكاتوري الكردي دجوار إبراهيم أسفه الشديد عن "الثقافة السورية أصبحت خارج سوريا من أدباء وصحفيين وشعراء ومثقفين". ويعبر دجوار عن معاناتنا الثقافية، لأن "التغير الذي تقصده غير موجود فعلياً، وبعض النشاطات التي تُقام هنا وهناك من بعض الشباب الباقين لا تصنع ثقافة بلد، مع احترامي الشديد لأعمالهم وما يقومون به".
ولأن اللغة هي وعاء الثقافة، من الجدير بالذكر أن الكثير من الكتاب الكبار الكرد السوريين لا يزالون يكتبون باللغة العربية، ولعل الأمر يعود إلى حرمان جيل كامل منها، ما حدا ببعض الكتاب الكرد إلى أن يبدعوا في اللغة العربية من أمثال الروائي سليم بركات، الذي امتدحه الشاعر الفلسطيني محمود درويش كثيراً، في الوقت الذي أظهر الشاعر الكردي جكرخوين مثلاً براعة استثنائية في اللغة الكردية في دواوينه، لكن من العبث والغبن ذكر أسماء هؤلاء المبدعين الكثر في كافة مجالات الفن والأدب.
كيف تتميز الثقافة الكردية؟
كغيرها من الثقافات، تتميز الثقافة الكردية بخصوصية عالية ورفيعة، فـ "الموسيقا والفن الكرديان عريقان، بروعة المزاجية العالمية التاريخية والتراث الذي يغذي العالم، ولكن هذه الثقافة سُرقت، ما تسبب في عدم وجود دولة، لتستفيد تركيا وغيرها من هذا التراث العظيم، إلا أن الأساس موجود، لأن الفن والموسيقا الكردية ذات مزاج خاص وترانيم تدخل وجدان الإنسان والمشاعر، كون الكرد لاقوا الكثير من العذاب والاضطهاد والظلم، وثمة حاجة ضرورية لإدارة جديدة لاسترجاعها وتوثيقها، ولكن إعلامنا الكردي أغلبه مصبوغ بالأحزاب، مما أثر على الموسيقا، فالفن لا لون ولا سياسة ولا حزب له، ونحن نحاول جاهدين العمل لأجل الفن الكردي الذي هو ملك لكل الكرد، لكننا كنا نعود إلى نقطة الصفر، وهي الصبغة الحزبية، فلا تزال هذه الأشياء موجودة حتى يومنا هذا". هكذا يعبر الفنان ريبر وحيد عن تميز الثقافة الكردية كموسيقا.
"الكرد لهم أرض وتاريخ ولغة وحضارة، فكيف إذا كانت هذه الحضارة عميقة بعمق التاريخ، وكانت اللغة من أقدم لغات العالم؟"
تسأل التشكيلية بسمة شيخو، وتجيب عن سؤالها: "ستكون الثقافة نسيجاً مغزولاً منذ آلاف السنين يحمل في مساماته عراقة وأصالة، مطرزاً بالتنوع الذي يفرضه الموقع الجغرافي لكردستان، فهي على تماسٍ مع الثقافة العربية والفارسية تؤثر وتتأثر بها، كما أن مناطق الكرد من أغنى المناطق من حيث التنوع الإثني "الديني" واللغوي "على صعيد اللهجات" والتنوع العرقي (آشوريون وسوريان وأرمن وعرب وغيرهم)، كل هذا يسهم في غنى الثقافة الكردية بنفسها وانفتاحها على الآخر لتكون مثالاً يحتذى، فالثقافة الكردية شاملة لكل ألوان الطيف تمتد من فرح ألوان نوروز إلى همّ الكردي ساكن الجبال، من حزن البزق إلى فرح الطبول، فلو لم تكن ثقافة بمنظومة معقدة من الشروط والمكونات لما استطاعت البقاء في وجه محاولات تهميشها ومحيها وصهرها في بوتقة الثقافة السائدة".
وتتسع رقعة التميز أكثر في الثقافة الكردية حسب الناشط زيرك شيخو، الذي يضع الثقافة الكردية في موقع حضور قوي، لأنها "حافظت على نفسها من الاندثار كما بعض الحضارات والثقافات الاخرى، رغم تعرضها على مر تاريخ للتشويه أو تغير في معالمها ومحاولة طمسها ومنع توثيقها نوعاً ما، إلا أنها حافظت على وجودها وتقدمها ولو كان ذاك التقدم بطيئاً، نتيجة منع ومحاربة أو إنزال العقوبة أحياناً لمَن يتحدث اللغة الكردية، علماً أن تطور الثقافة مرتبط بشكل كبير باللغة، بل إن كل ثقافة نابعة من لغة معينة".
والميزة التي لا يمكن تجاهلها بهذا الخصوص حسب القاص حليم يوسف هي أن "الثورة السورية أحدثت زلزالاً، بالمعنى الايجابي للكلمة، في البيت السوري الداخلي وعرفتهم على بعضهم بعضاً. ولا أدري فيما إذا كنا بحاجة الى كل هذا الدم ليتحقق هذا الأمر". ويبدي حليم تفاؤله من تطور الثقافة الكردية في أنها ستجد متنفساً لها، رغم تشاؤمه من الوضع السياسي.
لكن الشاعر نوزاد جعدان يبدو غير متفائل "الأمر المسلم به أن الثقافة ليست جامدة، لأنها من إنتاج الإنسان، فهي تتطور أو تنحدر، وهي في مرحلة تعرض للتغير، الثقافة تتغير الآن وسيكون هناك في المستقبل أدب ما قبل الثورة وأدب ما بعد الثورة، والثقافة الكردية تعيش الآن مرحلة عفوية تحتاج إلى رصد وتحليل لتشذيب مسيرتها، هي كمشكلة الثورة ما زالت تعيش حالة التخبط وعدم الاستقرار، هدفت إلى إسقاط النظام دون تأسيس بديل ناضج، فكثرت الأصوات وبالتالي تعددت الأصداء".
ولا يخالف رأي الفنان دجوار إبراهيم رأييْ حليم يوسف ونوزاد جعدان، قائلاً: "حتى تصبح الثقافة ثقافة، تلزمها أسس وأناس أكاديميون والكثير من ضرورات الثقافة، فالوضع سيء ولا يتحمل الآن نشر الثقافة".
"أكثر ما يفضي بشيء من الخصوصية والتميز على الثقافة الكردية هو منتجه التشكيلي الغني والوفرة النوعية في صناعة اللوحة التشكيلية المعاصرة، حتى غدا التشكيلي الكردي رائداً في هذا الجنس الفني مقارنة مع أقرانه التشكيليين من باقي ألوان الطيف في كل أصقاع الوطن السوري، ويمكن ملامسة هذا التوجه جلياً في ما أنتجه التشكيلي الكردي داخل الوطن والمنفى فيما يخص الثورة السورية، فتجده رسم عن مجزرة الحولة في حمص "زهير حسيب"، أوعن صباحات مدينة دوما الدمشقية "بشار العيسى"، أو جسد هول النزوح "حكمت داوود"، أو قدم معاناة الناس بعد كل برميل يسقط من سماء الطغاة مجسداً مجزرة بانياس "زاريا زرادشت"، أو قدم الجرح السوري بكل اتساعه "بهرم حاجو"، وحصن الأمل بكل تجلياته "عنايت عطار". بهذه الصورة يشرح التشكيلي منير شيخي نظرته إلى التميز في الثقافة الكردية، مضيفاً: "هذا التنوع والغنى في التعرض لكل الألم السوري يندر أن نشاهده في كل المنتج التشكيلي السوري رغم كثافة المبدعين وتنوع مشاربهم الثقافية. فلم نجد ولم نرَ أو نسمع عن مبدع ما "وهو آخر في ثقافته" طرح معاناة مدينة رأس العين "سري كانيه" أو تل تمر أو حتى قامشلو في أي منتج إبداعي وثقافي له، وهنا تكمن المشكلة، ليظهر هول الشرخ للعيان، مما يدعو للأسف والحزن معاً حين التعاطي مع الشريك وثقافته".
حق التعبير في الثقافة
وعلى الرغم من تميز الثقافة الكردية، هل تأخذ حقها في التعبير؟
"لا، لم تأخذ الثقافة الكردية حقها بسبب التشوه الفكري الذي كان طاغياً في مجتمعنا، لأسباب عنصرية وقومية حُفرت في الأدمغة من أن الثقافات الأخرى "غير العربية" تعمل على قطع أواصر الصلة العربية بين أقطار الوطن العربي وتعمق انقسامه، ناسين أن تمازج الثقافات في بلد معين هو سبب ارتقائه، فالكردي كان يُعامل معاملة الأجنبي في وطنه، حُرم من لغته وأبسط حقوقه، فكيف لثقافته أن تبرز؟ إلا أن هذا زاد من حبه لتراثه وتاريخه وثقافته وزادت محاولاته لمنع تفاصيله الكردية من الاندثار بين الثقافات التي تحاول اختراق المجتمع الكردي، فقد كان مشاركاً في الحركة الثقافية السورية على نحو مؤثر في مجالات الإبداع كافة شعراً ونثراً ورسماً وعزفاً… وكانت الجبال الشاهقة والشمس الساطعة لكردستان تُلمح جلية في تفاصيل أعماله، إلا أن حالة إنكار انتمائه القومي كانت طاغية". تجيب بسمة شيخو عن السؤال.
ويوافقها الرأي منير شيخي، فـ "تشطر الشخصية الثقافية الكردية بين ثلاث ثقافات (عربية وتركية وفارسية) مختلفة من حيث التوجه الحضاري ومتفقة ومنسجمة من حيث ضرورة بقاء الكردي هامشياً، وهذه الشخصية مغيبة من حقيقة المشهد السياسي الجاد في المنطقة، جعلت من حق الكردي أن يعبر عن نفسه وثقافته بحرية كما يريد أمراً بعيد المنال، وخصوصاً عندما نرى التخندق الأعمى الذي أدخل معظم مكونات الشعب السوري نفسها فيه نتيجة عقدة الخوف من سطوة الموروث وقدسية التاريخ في زمن كان لابد أن يكون فيه رسم مصير الشعوب شيئاً آخر تماماً لولا أخلاق الجاهلية وكثافة المتاجرين بها".
بينما يحيل ريبر وحيد الثقافة الكردية إلى أنها على "طوال عمرها لم تأخذ حقها في التعبير، لأنها كانت مقيدة بشروط ومحسوبيات، رغم أنها الثقافة الأولى في العالم، أي حرية التعبير ضمن غاية ثقافية كانت مقيدة بشروط أمنية، غير إننا أصبحنا على حافة الهاوية، ولا تعبير لنا سوى حقن الدم السوري لنعود أخوة، فنحن متعبون جداً، واذا كنا سنعبر عن ثقافتنا سنعبرها لتأمين الدواء والعيش لأطفالنا".
وبرأي المخرج أكرم حيدو أيضاً لم تأخذ هذه الثقافة حقها في التعبير عن نفسها ككلٍ في داخل وخارج سوريا، و"لكن بداية التغير وضعتها الثورة السورية، ويتبقى على المثقف السوري مدى انفتاحه على نفسه وعلى الآخر لإعطاء الثقافة السورية حقها في التعبير عن نفسها وإعطائها دور الريادة في تشكيل المجتمع السوري من جديد".
إذاً، شهدت الثقافة الكردية في كافة المناطق الكردية في العالم تطوراً ملحوظاً، وكان من الملاحظ أن التطور شهدته السينما الكردية التي دائماً تنال أرفع الجوائز في مهرجانات السينما العالمية، وكذلك التشكيل والموسيقا والرقص الشعبي والفنون عموماً، دون نسيان كافة أشكال الأدب ومجالات المعارف والعلوم الأخرى.
في مواجهة أمواج التغيير في سوريا كيف تسبح الثقافة الكردية؟
96
المقالة السابقة