غاب الصديق أحمد منصور الشاعر، ومدير مكتبة الأمير شكيب أرسلان الدولية عن عالمنا. وقع من على منبر مكتبة بعقلين أثناء إلقاء كلمته. ومثله لا يموت إلا فوق المنبر أو بين الكتب.
ولد في حاصبيا وتابع دراسته الجامعية في قسم الآداب بجامعة السوربون، باريس. عاش ردحاً من حياته في فنزويلا وفي القاهرة وفي باريس. أحب أحمد منصور القراءة وأهدى مكتبته الضخمة التي ناهز عدد الكتب فيها 12 ألفاً كتاباً إلى مكتبة الأمير شكيب أرسلان الدولية. كان دائم الحضور في الندوات واللقاءات الثقافية. كتب المقالات والقصائد للأهرام والقدس العربي والنهار والسفير والأنباء والشراع. كما خص مجلة "تحولات مشرقية" ببعض المقالات والأبحاث. سنفتقد حماسته للكلمة والموقف.
أوصانا في لقاء أخير عندما علم أن محور العدد عن فلسطين أن يكون كتابه "حبة تراب من غزة" هدية مع العدد. وأحب أن قصيدته "حبة تراب من غزة" مساهمته في ملف فلسطين.
له العديد من المؤلفات الشعرية والكتب نذكر منها: "جغرافيا الألم" (1975، "وجرد جناحك" (1995)، و"معلقة الشمس" (2000)، و"السمفونية الخالدة" (2003)، و"مدار الشمس" (2013)، و"حبة تراب من غزة" (2015).
كان يعمل في الأيام الأخيرة على جمع مقالاته في كتاب بعنوان " إلامَّ لبنان على كف عفريت". سنظل نذكر أحمد منصور بالكلمة والموقف والقصيدة والكتاب والمكتبة المرجوة والصداقة والنهضة والتقدم. فقد كانت أحلامه كلها تنبض وتعيش في ظلال هذه الكلمات.
"حبة تراب من غزة"
"إلى غزة العين التي صمدت أمام مخارز الأرض"
"من حوار بين فلسطيني وإسرائيلية جرى في جامعة السوربون منذ أكثر من ربع قرن"
I
في سويعات قليله
وطويلة
وثقيلة
سوف يُرسيني الجّوى فوق البلادْ
نسمةً ترتادُ أعطافَ الأعالي
همسةً في موج بحر البرتقالِ
لمسةً تنساب في رُؤيا الجمالِ
بعد أن ذاب الفؤادْ
في نيارينِ اشتياقٍ وابتعادْ
ما ستُوصي للبلادْ؟
V
إهزئي ما شئتِ من رعدِ السؤالْ
صاعقاً دوى ويدوي
لا سؤالْ
في محيطات المحالْ
مثلما في الكون شمسٌ وظلالْ
ونجومٌ وجبالْ
ونهارٌ وليالْ
مثلما في الإنس خمسٌ من حواسْ
مثلما في البّر ناسْ
مثلما الإنسانُ منْ طينٍ وماءْ
مثلما الإنسان يحيا بالهواءْ
مثلما الإنسان ينمو بالضياءْ
ففلسطينُ بصدري رئتي
وفلسطين بعيني رؤيتي
وفلسطين بقلبي ثورتي
وفلسطين عروسٌ مفرقَ الشرقِ تؤلقْ
ثورة الشرقِ تعملقْ
وفلسطين تحدٍّ للتحدّي
تتحدى العاصفاتْ
تتصدى للبروق القاصفاتْ
في مرائيكم تسابيح مقالٍ
لا حقيقةْ
في مرائيكم تراجيع جدالٍ
ليس بركاناً سيجتاح الخليقهْ
هكذا تحيا بلادي
في عيوني وضميري وفؤادي
أعلِمْتِ الآن ما تعني بلادي؟
IV
من حوار الطّرش دعنا من حوارْ
فأمامي الآن ساعاتٌ قصارْ
ما ستوصي للبلادْ؟
للأهالي لليتامى للصّحابْ؟
حبةً من تبْرِ ذيَّاكَ الترابْ
حبةً من تبْرِ ذيّاكَ الترابْ
هو ذا كان الجوابْ
هو ذا كان الجوابْ
صرخةً كالسيف جزّاً في الرّقابْ
صرخة كالبرقِ في نحر الغيابْ
صرخة الصاروخ في صدرِ السحابْ
ذرةً من تِبْرِ ذيَّاك الترابْ
ذرةً من تِبْرِ ذيَّاك الترابْ
هو ذا كان الجوابْ
هو ذا كان الجوابْ
صرخةٌ هزتْ وأعمتْ كلّ من كان جواري
فكأن الأرضَ غارت في دوارٍ من دواري
ذرةً من تِبْرِ ذيَّاك الترابْ
ذرةً من تبْر غزةْ
كسرةً من كبْر غَزَّةْ
من لظى النيران في سيل الصواعقْ
من عيونٍ فُجرتْ فيها الحرائقْ
من صدورٍ ماخراتٍ في المحارقْ
من قلوبٍ كدروع لا تفارقْ
من جباهٍ لا تبالي بالمشانقْ
فالفلسطينيُّ لن يحيا ذليلا
فالفلسطينيُّ لم يعرف بيومٍ مستحيلا
لم يُوائم مستحيلا
والفلسطينيُّ منذُ البدء كانْ
كان للإنسان في رحم المكان
كان للإنسان في الدنيا رسولا
ذرةً من تبْرِ غزَّه
فهناك الطفل خيال الرجوله
زاجرٌ أحلام أطوار الطفوله
يحمل الرشاش كالطودِ العنيدْ
قلبه يطوي الحديدْ
صدرهُ كالرمح يمضي لا يحيدْ
جمرةً من شهب هاتيك الجباهْ
من نسورٍ فجرتْ أرضي حياهْ
لكأن النسر يحيا في رداهْ
من دماءٍ غسلت سود الرِّمالْ
شعشعتْ أمواج وهجٍ واشتعال
وأتاتينا تنادتْ للقتالْ
رجلٌ بالكاد يهوي…يثبُ المهوى
رجالْ
تقفز الأرض خييلاء اختيالْ
تشرق الأرض عروساً ثلجها
يهمي دماءْ
تقرع الأجراس طوبى للفداءْ!!!
يصدح الأذان ميدي يا سماء!
مذبح الأحرار في ساحِ الإبا:
نثر لحم الشمس في فحم المساءْ
لم يزلْ صوتي سيولاً من حرابْ
فإذا المقهى سرابٌ في سرابْ
وإذِ البوليس إخراسي يحاولْ
بالمطارقْ
وبأعقاب البنادقْ
وبأحداقٍ تقاتلْ
VII
عُدت وحدي لاصقاً جلد الجدارْ
ناسياً رأسي يخطّ اليأس ثلماً
في الغبارْ
فجأةً جنّحتُ في صعق القرارْ
"سوف أمضي صوب أرضي
سهمَ نارْ"
سأبيع اليومَ أقلامي وكتبي
وثيابي بلْ دمي لوْ ضاقَ دربي
لأشاركْ
في المعاركْ
بين أترابٍ على مدِّ النَّهارْ
وكبارٍ في صغارٍ كالقمارْ
ركْبُنا يذري دمهُ
لنحوكَ الملحمهْ
قدرُ الثوريّ ألاّ يهزمهْ
قوةٌ في الأرض سادتْ أممهْ
طالما اشتقَّ الكفاحْ
عبر وديان الجراحْ
لنْ يساومْ
بل يقاومْ
ويقاومْ
ويقاومْ