فكّر الإنسان بالشمس ومنحها حيّزاً من تفكيره، فأشعتها، شروقها، غروبها وحركتها الظاهرية جعلته يؤول تأويلات نهضت بمعتقد ديني جعل منها محوراً دينياً في حياته، فهي المتعالية، والسامية الارتفاع، والمبهمة والغامضة. تبعث ضوءها الذهبي متلألئاً برّاقاً، فيبعث الحياة بكلّ شيء يلامسه. وقد حار الإنسان بها، فكانت منذ آلاف السنين محطّ تفكيره وتأويلاته، فقدّسها ووضع لها رموزاً تنسجم مع ميتافيزيقيته.
وإنه لمن غير المعروف تماماً متى حلّت عبادة الشمس محل عبادة القمر، فربّما حدث ذلك حينما حلّت الزراعة محل الصيد، أي خلال العصر الحجري الحديث، فعبد الناس الشمس العظيمة لأنها بمثابة الوالد الذي نفخ الحياة في كلّ شيء حيّ(1)، فسادت فكرة عبادة الشمس -وفق الأساطير- بعد أن استطاعت الميثولوجيا الشمسية بناء نفسها على الأسس السابقة للميثولوجيا القمرية، وأخذ الآلهة الشمسيون يتبنون خصائص وصلاحيات الأم القمرية وابنها، كما تحوّلت بعض الآلهة القمرية إلى شمسية(2). وبما أنّ العلاقة بين الأشياء المقدسة والمجتمع علاقة رمزية، وليست علاقة طبيعية فطرية وبما أنّه من دون الرموز تكون المشاعر الدينية عرضة للزوال، وأنّ الحياة الاجتماعية بكلّ مظاهرها، وفي كلّ لحظة من لحظات تاريخها تحتاج إلى هذه الرمزية الواسعة العريضة حتى تستمر في الوجود(3)، فكان لا بدّ من وجود المقدس ورمزه في ذهنية الإنسان، فتعددت تلك المقدسات، وتعددت تلك الرموز، وكانت الشمس ورموز عبادتها من أهمّ تلك المقدسات عبادة.
وكانت سوريا القديمة من المناطق التي تضم مواقع عديدة دلّت مكتشفاتها على تقديس وعبادة الشمس، وترميز تلك العبادة لتأخذ أشكالاً ورموزاً مختلفة، ومن أهم رموز إله الشمس النسر والأسد اللذان عدّا رمزين لإله الشمس، فالنسر رمز لارتفاع الروح مثل الشمس، وقد ارتبط مذْ تمّ التعرف عليه مع فكرة النشاط ومع الرعد والنار، وهذه الرمزية ممتدة من الشرق الأقصى وحتى شمال أوروبا، والنسر في السماء يعادل الأسد على الأرض فلذلك صوّر أحياناً برأس أسد وأمدجود(Imdugud) النسر برأس أسد يربط بين الأرضية والسماوية(4)، واستمر ربط الأسد بالشمس حتى العصر اليوناني واتخذ إله الشمس لديهم اسم أبولون، والذي يعني من أعماق الأسد ويعرب هذا المعنى عن علاقة بين الشمس والبرج الخامس، أي برج الأسد(5). كما دخلت الأعداد في قضية الترميز، فارتبط العدد 12 بالشمس من حيث هو تركيب للمبدأ الدائري، فهناك اثنتا عشرة إشارة للبروج الفلكية، واثنا عشر ربّاً كبيراً في الميثولوجيا القديمة، واثنا عشر شهراً، واثنا عشر ملكاً في الكتاب المقدّس، واثنتا عشرة ساعة في اليوم، واثنا عشر شعاعاً لعجلة العربة الشمسية(6). وقد وردت مؤشرات على عبادة الشمس من بعض المواقع السورية خلال عصور ما قبل التاريخ، ففي موقع شاتال هيوك في الأناضول، الذي يعود للألف السابع قبل الميلاد،عثر على لوحات جدارية في المعبد البيتي من ضمنها مناقير لنسور، ونسور تنشر جناحيها على أناس صغار يحنون أجسامهم ورؤوسهم مفقودة. إنّ وجود النسور في ذلك المعبد، ووجود أناس يحنون رؤوسهم أمامها دليل على مكانة مقدسة للنسر(7)، كما ظهرت رموز أخرى لعبادة الشمس في بلاد الرافدين، ذات البعد الحضاري المتقارب مع سوريا القديمة، ففي موقع حسونة ظهر رمز الصليب المشابه شكلاً للصليب المالطي بحدود الألف الخامس قبل الميلاد، ثمّ في ثقافة سامراء، وفي ثقافة حلف (موقع العربجية)، وإنّ سبب تمثيل إله الشمس بالصليب يرجع لكون الشمس ترسم خلال طلوعها ومغيبها نقاطاً أربعاً على الأرض تتمثل بالصليب. وكذلك في موقع جمدة نصر، فقد تحوّلت الدائرة إلى وردة الأقحوان، وظهر ذلك الرمز خلال الألف الرابع قبل الميلاد ممثلاً لرمزية عبادة الشمس(8). وفي أوروك أخذ جلجامش(9) يتشاور مع شيوخ أوروك ليحصل على رضا إله الشمس (شمش) حامي المسافرين كلّهم، وذلك ليبدأ رحلته هو وأنكيدو وليقطعا شجر الأرز، ويقضيا على كل ما هو شرّ في البلاد(10). وفي سومر ضمّ مجلس الثالوث الإلهي نانا: القمر، وأوتو: الشمس، الذي حضّ أخته إنانا على الزواج من الراعي دموزي(11)، الذي استجار بأوتو ليمسخه أفعى عندما اختلف مع إنانا(12).
وقد عُرِف إله الشمس عند السومريين بعدّة أسماء، منها أوتو Utu، ببار Babbar، كشر Gis-sir، زلمه Zalme، بُزر Buzer، مات Mat وأمنا Amna، ومن الممكن أن يكون الاسم الأخير أصل الإله المصري آمون(13) مثلما يعتقد أن أوتو هو مصدر إله الشمس المصري أتون(14)(15)، ومن الرموز الهندسية لإله الشمس في بلاد سومر الصليب، الزائد (+) علامة بار ( )، الدائرة، الصليب والدائرة سوية، السارية وفوقها قرص(16)، أمّا أهم الرموز الحيوانية: الأسد ذو الرأس الآدمي، الأسد، النسر، الصقر، والرجل العقرب الذي يظهر أمام قارب الإله الشمس على الأختام الأسطوانية(17). ومع اضمحلال الدور السومري تنتقل العبادة من أوتو إلى شمش الذي يعدّ الأهم في الديانتين البابلية والآشورية، فمن شمش يتسلم حمورابي تشريعاته الإلهية(18).
ومن الجدير بالذكر أنّه تم اكتشاف نسر منحوت على حجر بازلتي في موقع الجرف الأحمر، يعود إلى العصر الحجري الحديث، ومن المثير للاستغراب أنّ ريش جناحي النّسر المكتشف عددها 12 -ستة في كل جناح- والعدد 12 مرتبط مع الشمس. وبما أنّ رمزية النسر مرتبطة مع الشمس، فهل يمكن تقديم فرضية أن يكون النسر المكتشف في الجرف الأحمر هو أحد الرموز الأقدم لعبادة الشمس.؟
– إله الشمس خلال عصري البرونز والحديد: عثر في المعبدD – في إيبلا – والذي يعود للألف الثالث قبل الميلاد على زخرفة في مدخله تتمثل بلوحات بازلتية منحوتة ومزينة بأشكال الأسود، وظهر الإنسان الثور الذي يمثل شمش(19)، والذي ظهر ما يشابهه على أحد الأختام الأسطوانية التي عثر عليها في أور(20) خلال عصر فجر السلالات الباكر الثاني 2800- 2600 ق.م.
فقد انقسم الختم إلى مشهدين، المشهد الأول يظهر فيه ثور السماء والذي تحرق أنفاسه الحبوب. أمّا المشهد الثاني (تحت المشهد الأول) فيُشاهد ثوران كلّ واحد منهما يرعى باتجاه، وعلى رأس أحدهما يقف نسر مرفرفاً فوق رأسه بجناحيه(21).
أما على الساحل السوري، فقد عبد إله الشمس في: أوغاريت وصور، ففي أوغاريت كان قرص الشمس رمز الإله إيل(22)، وأسطورة حورون تدلّل على عبادة الشمس فيها، حيث كان الطائر الصغير القصير الذنب المائل إلى الخضرة، والذي ارتبط بالشمس يسمى (حُر). وقد ارتبط هذا الإله بـ"رشف" والإله شلمان أو شاليم والإلهة عناة، وكذلك في أسطورة شبشSapash ، فقد مثلت شبش عبادة الشمس(23). وفي صور يبرز ملقارت الذي كان له معبد مهم فيها… وكان عيده يجري في كانون الثاني من كل عام، ويسمى بعث ملقارت، حيث تنصب محرقة كبيرة يوضع عليها تمثال الإله وحده أو ممتطياً حصان البحر، ثمّ يقوم الكهنة بحركات تمثل قتال ملقارت مع التنين تيفون وتوضع طيور الإله الميت ملقارت، فيقوم وسط النار ويُبعث، ممّا يستدعي بدء طقوس الفرح، حيث تمثل طيور السلوى ترميزاً للطيور الشمسية التي تتحول إلى ما يشبه السبب في عودة ملقارت إلى الحياة وكأنّها قبس شمسي أعاد الحياة إليه(24)، أمّا الفينيقيون فكان رشف من أهم آلهتهم، وتأويله الصاعقة، أي النار السماوية التي سمّاها اليونان فيما بعد أبولو وثاوس(25).
وعدّ إله الشمس عند الآشوريين إلهاً كونياً، حيث عثر على نص في مكتبة الملك الآشوري آشور بانيبال(26) في نينوى 668- 632 ق.م. وهو عبارة عن صلاة لإله الشمس البابلي شمش باعتباره قوة كونية شمولية وإلهاً للقانون والنظام والعدالة(27)، أمّا عند الآراميين فقد عُدّ الإله حدد أعظم إله لهم، فهو إله الزوابع والرّعد وسمّي (أدد أو أدو)، ومن أهم معابده معبد هيرابوليس (منبج)، وامتزجت عبادته فيما بعد بعبادة الشمس، وزخرف رأسه عند ذلك بالأشعة كما في بعلبك. و ذكر إله الشمس باسم شمش في نص زاكير(28) ملك حماة المكتشف في تل أفس(29)، وظهرت منحوتة الأسد برمزيتها الشمسية في العديد من المواقع الأثرية ومنها معابد تل طعينات وعين دارة وفي مدينتي حلف وحماة(30).
إله الشمس خلال العصور الكلاسيكية: لقد سجل التاريخ بعد ألف وخمسمئة سنة من وفاة أخناتون محاولة جديدة لجعل إله الشمس إلهاً أوحد للكون، وذلك بالاستناد إلى أقوى سلطة زمنية في ذلك العصر ألا وهي سلطة رومة ممثلة بإمبراطورها(31)، فكان من أهم مراكز عبادة إله الشمس؛ هيكل إيلاجابال Elagabal في حمص، وإيلاجابال تعني في السريانية إيل (الله)، وجابال تلة أو جبل، ويوجد تفسير آخر هو الإله الخالق(32). ومعنى إيلاجابال تعكس ارتباط إله الشمس بالنسر وبالقمم، فالنسر لا يرتضي العيش إلا في القمم شامخاً، وكذلك إله الشمس فهو في المكان العُلوي. وكاهن المعبد الأعظم، أي معبد إيلاجابال هو سمسي سيراموس الذي كان يحكم حمص عند دخول بومبي سورية، ثمّ تعاظمت قوة ومعبد الإله الشمس أيام الكاهن جوليوس باسانيوس Julius Bassnius والد كلّ من جوليا دومنا وجوليا ميسا(33). وقد جُسد الإله في معبد حمص بحجر من الصخر الأسود (النيزكي) اصطحبه معه الإمبراطور إيلاجابال إلى روما. ذلك الإمبراطور الذي ورث لقب الكاهن الأعظم في معبد حمص، وأنشأ معبداً خاصاً ميّزه على سائر الأشكال المقدسة، وبنى قربه مذبحاً، وكان يمارس الطقوس على الطريقة السورية، ويتبعه في ذلك جميع رجال الدولة، ثمّ أنشأ معبداً آخر في ضواحي روما، وجعل الحجر الأسود ينتقل بين المعبدين على عربة محلّاة بالذهب والأحجار الكريمة في احتفال رسمي، وكان من نتيجة تلك العبادة وتلك الشعائر أن قام القادة الرومان بالتآمر على الإمبراطور وقتله هو وأمه جوليا سوميا وكثيراً من رجال حاشيته السورية، وألقوا بجثتيهما في نهر التيبر عام 222م، وهدّموا المعبد وأعيد الحجر إلى سوريا بعد أن أصبح اسكندر سفيروس(34) إمبراطوراً(35). وفي بَعْلبك (هليوبولس) وهو الاسم الإغريقي الذي يعني (مدينة الشمس) كان السلوقيون قد فرضوا الإله بعل حين جعلوه معادلاً للإله الشمس(36)، وكان إله الشمس له المرتبة الأولى خلال العصور القديمة ولكنّه لم يستطع أن يحافظ على المرتبة الأولى بين الآلهة في بعلبك خلال العصر الروماني، فجوبيتر(37) هو من تحلى بدور الصدارة بين الآلهة، وتقلص دور إله الشمس، ليصبح شبيه الرسول الإلهي "مركور"(38) الذي اتخذ دور الرسول للإله جوبيتر(39).
وفي تدمر عُرف إله الشمس باسم ملك بل واتصف بهالته المشعة، ويؤكد مكانته عند التدمريين معبده الذي احتوى زخارف شمسية وقد خرّب أورليان بعض أجزائه(40)، كما عثر على العديد من التماثيل والنصب التي تمثل ملك بل (الإله الشمس) ومنها تمثال ارتفاعه 31سم محفوظ في متحف الكابيتول في روما، وقد دوّن عليه بالخط الآرامي واليوناني ما ملخصه أنّ مقي بن ملا وسعدو بن تيما صنعا التمثال وقدماه قرباناً لأجل الإله شمش(41)
.
وفي دورا أوربوس -فإنّ منحوتة ميثرا(42) التي تظهر في دائرة الأبراج المقسومة في الوسط بالإكليل المشع لتمثال الإله الشمس، حيث تبدأ إشارات دائرة الأبراج ببرج الحمل في أقصى اليسار، وتنتهي ببرج الحوت في أقصى اليمين. وباستثناء برج السرطان وبرج القوس، فإنّ الوجوه كلّها مع إشارات الأبراج تكون باتجاه اليسار، فوق ظهر الحمل، ويظهر قرص الشمس فوق الثور، بينما يظهر نجم على رأس الجوزاء، وفوق الأسد يظهر قرص الشمس أيضاً(43) وفي لوحة الإله "غاد" المنحوتة البارثية المقدمة للإله، والتي رسمت على الجدار بالقرب من قدس الأقداس في معبد الإله نفسه، تمثل الإله غاد على أنّه كاهن يقدّم القربان إلى طائر النسر رمز إله الشمس في سوريا، والنسر واقف على مذبح، يعلو رأسه تاج، أما الرجل الذي يقدم للكاهن القرابين فهو بارثي الملامح(44).
وفي أفاميا عثر على تمثال نصفي للإله هليوس45 نفذ بتقنية النحت النافر وأبعاده 80×60 سم. تبرز من أعلى الكتفين هالة تحيط برأسه، وقد نحت عليها حزم من الأشعة تنطلق في كلّ الاتجاهات، ويؤرخ التمثال على القرن الثالث الميلادي(46)
وفي دمشق خلال العصر الروماني، سك نقد برونزي يحمل رأس إله الشمس هليوس على أحد وجهيه(47).
– تأثيرات عبادة إله الشمس السوري: كانت سوريا خلال عصور متعاقبة ملتقى للحضارات، فتأثر السوريون بالشعوب التي احتكوا بها كما أثروا بتلك الشعوب، فكانت عبادة الشمس هي أحد النقاط الدينية والحضارية والميثولوجية التي أثر السوريون بغيرهم من خلالها. فقد نشر التجار السوريون عبادة إله الشمس، وظلت تنمو حتى حَكمَ روما الإمبراطور إيلاجابال(48). وقد تأثر المصريون بعبادات السوريين ومنها عبادة الشمس فقصة آلام أوزيريس(49) الذي قطّع جسمه، ووضع تحت شجرة الأثل في جبيل، والتي قد تكون عبادته برمّتها مأخوذة من الساحل السوري(50).
كما أدخل الإله حورون وهو الإله الرئيس في "يبنة"(51) إلى معابد مصر أيام أمنحوتب الثاني(52)، كما يظهر اسم الإله في اسم مؤسس السلالة التاسعة عشرة 1350ق.م وهو حورمحب. كما يمكن الاستدلال على عبادة عشتاروت(53) في منتصف القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وذلك من اسم أحد أبناء رمسيس الثاني(54) والذي كان ميري استروت أي محبوب عشتاروت، وفيما يخص تأثرهم بعبادة الشمس، فتظهر من خلال طائر الفينيق وتسميته جلية تكشف نشكونيته نسبةً وأصلاً في أساطيرهم، فهيرودوت(55) شاهد رسوماً تصوّره، وعدّه من العجائب، فالطائر لا يأتي إلى مصر إلّا مرّة كلّ خمسمئة سنة، حسب رواية أهل هيليوبوليس ليموت فيها، وهو طائر له ريش بعضه أحمر اللون وبعضه ذهبي(56). وهو قريب الشبه من النسر وقد كان اسمه المصري (بنو Bnu) و(وبن Wbn) بمعنى أشرق أو برق، ومن هنا جاءت الصلة بين اسم الطائر والحجر الهرمي المقدس (بنْ بنْ) الذي رمز به المصريون إلى التل العتيق الذي برز من النون، أي الماء الأزلي فهذا الطائر يلألئ فيملأ الكون نوراً، ويستمر الربط بينه وبين الحجر المدبب ثم بينه وبين العمود الذي سمي إيونو بحيث يجعل المصريون من كلّ ذلك رمزاً لظهور إله الكون العتيق آتوم، وكذلك المسلاّت فهي رمز للشمس، كان المصريون يدبّبون قممها مثل حجر (بنْ بنْ) ثمّ يكسونها بصفائح من مخلوط الذهب والفضة حتى إذا أشرقت الشمس أصابت أشعتها قمّة المسلّة فتشع نوراً في كلّ الأنحاء(57). وطائر الفينيق الذي يتحول إلى نسر هو رمز حورس إله الشمس الأقوى في مصر(58). وحورس يجسد السماء وعيناه جرماها الكبيران، الشمس والقمر(59). وفي معبد الشمس في الكرنك يقف إله الشمس على حجر (بِنْ بِنْ) وهو أقدس شيء في المعبد(60). وتتجلى عقيدة أخناتون بإله يجسده قرص الشمس أتون(61).
وكان الإغريق من الشعوب التي تأثرت بعبادة السوريين لإله الشمس سيّد المجمع الإلهي الكنعاني هو الإله إيل الذي شبهه الإغريق بـ"كرونوس"، وهو الإله زيوس، ويصور في صورة الثور أو العجل، ومقرّه حقول آيل في الغرب، ويظهر كقرص الشمس(62). ويبدو أنّ هليوس تطابق مع أبولون بدءاً من القرن الخامس ق.م(63). ومن قدرته وعَظمته تفسح كل الآلهة السماوية له المكان كما تفسح الحاشية لملك حاكم(64)، وقد صُوِّر في الأعمال الفنية كشاب يقود عربة حربية بأربعة أحصنة، وبأشعة شمسية حول رأسه وانتشرت معابده في كورينتوس(65) وأرغوس(66). أمّا المركز الرئيس لعبادته، فهو في جزيرة رودوس(67) (68).
لقد شكل الجانب الروحي والعقائدي مسألة مهمة في حياة السوريين والشعوب التي امتزجت معها. فسوريا التي أنتجت واحتوت ضمن جغرافيتها الكثير من العقائد والديانات، وكوّنت نموذجاً فكرياً وحضارياً وثقافياً قلّ نظيره، برهنت من خلال عبادة الشمس وقدمها وأصالتها في سوريا دليلاً على وعي الإنسان السوري بأهمية الشمس التي صوّر لها في كلّ عصر من العصور رموزاً استخدمها في عبادتها، فرسخت تلك العبادة خلال عصور متعاقبة، وقد أثر السوريون بمن حولهم وتأثروا بهم ونشروا تلك العبادة حيثما وصل تجارهم وقرّبوها إلى أذهان الآخرين، فبلغت تلك العبادة أوجها، وبلغ ذلك التأثير مبلغه في روما عندما حكمها الإمبراطور السوري إيلاجابال.
الحواشي:
1- ديورانت، ويل، قصة الحضارة، ج1، ترجمة: زكي نجيب محمود، الاسكندرية 2002، ص199.
2- السواح، فراس، لغز عشتار، دمشق 1996، ص81.
3- وايلد، أوسكار، الرمز والأسطورة والبناء الاجتماعي، عالم الفكر، مج16، العدد3، 2-28، الكويت 1985، ص15.
4- Cirlot, J.E., A dictionary of symbols, Transleted from theSpanish by Jack Sage, 2° edition, London 1971, p92-93.
5- Cirlot, J., E., Ibid, p16.
6- بنوا، لوك، إشارات رموز وأساطير، ترجمة: فايز كم نقش، بيروت 2001، ص54،70.
7- كوفان، جاك، الألوهية والزراعة ثورة الرموز في العصر النيوليتي، ترجمة: موسى ديب خوري، دمشق 1999، ص57.
8- الماجدي، خزعل، متون سومر، عمان 1998، ص118-119.
9- جلجامش: (Gilgamesh) خامس ملوك أورك حسب قائمة الملوك السومريين سافر مع صديقه أنكيدو بحثاً عن نبتة الخلود.
10- كريمر، صموئيل، من ألواح سومر، ترجمة: طه باقر، القاهرة 1957، ص 308.
11- الشواف، قاسم، ديوان الأساطير سومر وآكاد وآشور، الكتاب الأول، بيروت 1996، ص107.
12- إلياد، مرسيا، تاريخ المعتقدات والأفكار الدينية، ج1، ترجمة: عبد الهادي عباس، دمشق 1986، ص89.
13- آمون: إله الشمس والريح والخصوبة وأحد الآلهة الرئيسيين في الميثولوجيا المصرية القديمة ، ومعنى اسمه الخفي.
14- آتون: هو الإله الذي أعلن عنه الملك إخناتون واعتبر الشمس الإله الموحد الذي لا شريك له ونور آتون يفيد جميع الأجناس، ويمثل آتون في شكل قرص الشمس، بأشعتها.
15- الماجدي، خزعل، المرجع السابق، ص117.
16- الماجدي، خزعل، المرجع السابق، ص118.
17- الماجدي، خزعل، المرجع السابق، ص120.
18- السواح، فراس، لغز عشتار، مرجع سابق، ص81.
19- Matthiae, Paolo- Pinnock, Frances- Matthiae, Gabriella, Ebla, Milano1995, p329.
20- أور: موقع أثري لمدينة سومرية بتل المقير جنوب العراق. وكانت عاصمة للسومريين عام 2100 ق.م.
21- لويد، ستين، فن الشرق الأدنى القديم، ترجمة: محمد درويش، بغداد 1988، ص89-90.
22- الحكيم، صالح، الحياة الدينية في المجتمع الأوغاريتي في الألف الثاني قبل الميلاد، دمشق 2010، ص142.
23- الحكيم، صالح، المرجع السابق، ص196-197.
24- الحكيم، صالح، المرجع السابق، ص 260- 261.
25- الدبس، يوسف، تاريخ سورية الدنيوي والديني، ج1، بيروت 1994، ص336.
26- آشور بانيبال/آشور- باني- ابلي (توفي في 627 ق.م.) وهو آخر ملك للإمبراطورية الآشورية.
27- السواح، فراس، مدخل إلى نصوص الشرق القديم، دمشق 2006، ص340.
28- زاكير: ملك حماة أوائل القرن الثامن قبل الميلاد، عثر على نصب له في تل "آفس" بالقرب من إدلب.
29- حتي، فيليب، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ج1، ط2، ترجمة: جورج حداد- عبد الكريم رافق، بيروت 1957، 187، 189.
30- أبو عساف، علي، عين دارة ((1)) المعبد، دمشق 1991، ص96.
31- السواح، فراس، دين الإنسان، ط4، دمشق 2002، ص97.
32- تورتون، جودفري، أميرات سوريات حكمن روما، ترجمة: خالد أسعد عيسى- أحمد سبانو، ط2، دمشق 2000، ص31-32.
33- تورتون، جودفري، المرجع السابق، ص21.
34- الاسكندر سيفيروس: تولى عرش الإمبراطورية الرومانية 235 -222 بعد أن أضاف إلى اسمه لقب سيفيروس تأكيداً لعودة العرش إلى الأسرة السيفيرية.
35- صائب، سعد، دور سوريا في بناء الحضارة الإنسانية عبر التاريخ القديم، دمشق 1994، ص 65.
36- حتي، فيليب، المرجع السابق، 343.
37- جوبيتر: يوبيتر : Iupiterهو ملك الآلهة الرومانية وإله السماء والبرق في الميثولوجيا الرومانية. يعد مناظرًا للإله الإغريقي زيوس.
38- مركور: الإله الحامي للتجار والتجارة عند قدماء الرومان.
39- التهايم، فرانتس، إله الشمس الحمصي، ترجمة: إيرينا داوود، دمشق 1990، ص40.
40- روبرت، وود، آثار تدمر، ترجمة: إبراهيم أسعد، حمص 1993، ص76.
41- صقر، علي أحمد، النقوش التدمرية القديمة، ج1، دمشق 2009، ص131.
42- ميثرا: الإله الذي عبدته الشعوب الهندية والفارسية وخلال العصر الروماني أصبحت شعبية ميثرا متزايدة بين الجنود الرومان حوالي 100م وقد انضم إلى عبادة ميثرا الإمبراطور الروماني كومودوس (Commodus).
43- Rostovtzeff, M.,I., and others, E. D.E.,thePreliminary, Report of the Seventh Eighth 1933-1935, London, 1939, p95.
44- Rostovtzeff, M., I., Dura-Europos and its Art, Oxford, 1938, p187.
45- هليوس: إله الشمس عند اليونان وهو لا يشيخ أبداً، وقد اقترن اسمه بمدينة بعلبك التي أطلق عليها اسم "HELIOPOLIS" أي مدينة الشمس.
46- أبو صالح، عبد الوهاب، النحت والفسيفساء في أفاميا خلال العصرين الروماني والبيزنطي، رسالة ماجستير، الجامعة اللبنانية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بيروت 2012، ص60.
47- كيوان، خالد، إنتاج المسكوكات وتداولها في دمشق وريفها بالفترة الرومانية، دمشق 2010، ص317.
48- ديورانت، ويل، قصة الحضارة، ج1، ترجمة: زكي نجيب محمود، الاسكندرية 2002، ص3595.
49- أوزيريس، إله مصري كبير، زوج إيزيس وأبو حورس وأخو ست. ملك الموتى ومبدأ الخير والمحبة على عكس أخوه ست الذي قتله.
50- حتي، فيليب، المرجع السابق، ص146.
51- يبنة: قرية في فلسطين، تبعد 15كم جنوب غربي مدينة الرملة.
52- أمنحوتب الثاني: الفرعون السابع في الأسرة الثامنة عشرة، وهو ابن الملك تحوتمس الثالث من زوجته الملكة ميريترع حتشبسوت، وقد شارك والده في الحكم، ويعتقد أنّه حكم في الفترة من 1427 إلى 1401 ق.م.
53- عشتاروت أو عشتروت(Astarte): إلهة الخصب لدى الفينيقيين والكنعانيين، وهي أصل عقيدة إيزيس لدى قدماء المصريين، ويطلق عليها البابليون عشتار، وتانيت لدى القرطاجيين.
54- رمسيس الثاني: الفرعون الثالث من حكام الأسرة التاسعة عشرة، يعدّ الفرعون الأكثر شهرة والأقوى طوال عهد الإمبراطورية المصرية، سماه خلفائه والحكام اللاحقون له بالجد الأعظم.
55- هيرودوت: وهيرودوتس، : Herodotus كان مؤرخاً إغريقياً عاش في القرن الخامس قبل الميلاد (484 ق.م- حوالي 425 ق.م.
56- هيرودوت، تاريخ هيرودوت، ترجمة: عبد الهادي الملاح، أبو ظبي 2001، 166.
57- صقر خفاجة، محمد، هيرودوت يتحدث عن مصر، القاهرة 1966، ص178.
58- الحكيم، صالح، مرجع سابق، ص166.
59- السواح، فراس، مدخل إلى نصوص الشرق القديم، مرجع سابق، ص312.
60- داوود، أحمد، تاريخ سوريا الحضاري القديم، ط3، دمشق2004، ص156.
61- السواح، فراس، مدخل إلى نصوص الشرق القديم، مرجع سابق، ص333.
62- عصفور، محمد أبو المحاسن، المدن الفينيقية، بيروت1981، ص140.
63- بودفينيك، م.، ن- كوكان، م.، أ- رابينوفيتش،م.، ب- سيلتسكي، ب.، معجم الآلهة والأساطير، ترجمة: ألكسندر كشيشيان، حلب 2011، ص323.
64- داوود، أحمد، المرجع سابق، ص179.
65- كورينتوس: تقع في بلاد اليونان، كانت من المدن المشهورة ويوجد إلى جنوبها مرتفع شاهق علوه 2000 قدم سمي أكمة كورنثوس.
66- آرغوس: مدينة يونانية تقع في جنوب البلاد ضمن مقاطعة أرغوليذا، التابعة لمنطقة البيلوبونيز الإدارية.
67- رودوس: جزيرة تقع في اليونان في منتصف المسافة بين جزر اليونان الرئيسة وقبرص.
68- بودفينيك، م.، ن- كوكان، م.، أ- رابينوفيتش، م.، ب- سيلتسكي ، ب.، مرجع سابق، ص23.
* عبد الوهاب أبو صالح – مواليد 1975 ـ دكتوراه في الفنون والآثار ـ صدر له كتاب شعري بعنوان (فلسفات)، 2015، كتاب عن "تاريخ أفاميا"، نشر العديد من الأبحاث التاريخية في المجلات المتخصصة وموسوعة الآثار السورية.