صدرت مؤخراً رواية «خيوط الياسمين» عن دار الفارابي في بيروت، وهي الرواية الأولى للكاتبة العُمانية وفاء الفارسي، تأتي الرواية في ( 154 ص) من القطع المتوسط.
تحكي الروائية عن تفاصيل قصة عشق سرمدي شرقية الملامح تدور تفاصيلها في مدينة الضباب، أميرة طالبة عُمانية مُبتعثة إلى بريطانية لاتمام دراستها، تُغرم بالشاب اليمني فارس، إلا أن الظروف تكون أقوى من حبهما الذي يبقى مصيره معلقاً في نهاية الرواية بسؤال بلا إجابة.
«ما بين الابتسام والنشوة، ما بين السماوات، ما بين ثنايا الأرض وأزهارها، تقفين بجسدك الصغير وعينيك اللوزيتين، أميرة بين يدي فارسك يحتويك فتنسحبان بلطف كنسمة عبرت بعطر الزهر. أنت وفارس وضيق المكان المكان مع سعة الحب نغم يأبى أن يتوقف».
ما تلبث الروائية أن تغرقك بسحر العشق وجنون الغيرة الذي يسيطر على بطلة حكايتها أميرة مع اقتراب أي أنثى من حبيبها فارس في الشارع أو في الجامعة، حتى تقبض على أنفاسك باستحضار عالم السحر وغرائبتيه وعجائبه، يسأل فارس أميرة عن السحر وعوالمه، فهي من بلد يشتهر بالسحر والسحرة. وهذه ثيمة يجدر القول: إنه يكاد لا يخلو أي عمل أدبي عُماني من التطرق إليها، والخوض في تفاصيلها، ويُمكن أن نعزو ذلك إلى غموض هذا العالم الغرائبي والأسئلة التي يُثيرها في النفس البشرية ناهيك عن الدهشة والفضول. تروي الكاتبة قصصاً عن السحر والسحرة في بلادها معتمدة على الحكايات الشعبية المتوارثة إلا أنه استخدمت تقنية لغوية سردية تنقل القارئ إلى واقعية المشهد.
«مرة في صغري، طلب أبي مني ومن ابنة عمي أن نذهب إلى رجل في الحارة المقابلة ونستلم منه شيئاً، فذهبنا ووجدناه يمسك بحصاة ملساء بحجم حبة اللوز وقد وضعها بطريقة معينة على الأرض ثم أخذ يحركها، فتجرأت، وسألته: متى يوم سعدي؟ نظر إلي وحرك الحصاة، قال: الثلاثاء، قلت: ونحسي. قال: الأحد. ثم نظري إلي بحدة، ارتعبت وبسرعة أخذت ما لديه ورحنا نركض..».
آزفت ساعة الرحيل، اقترب موعد زفاف حمد الأخ الأكبر لأميرة، ويجب أن تكون حاضرة في مثل هذا الحدث. في الطائرة المسافرة من لندن إلى مسقط، تعصف بالروح ذكريات الطفولة ونشوة الحنين إلى الأهل والوطن والجيران، وتسرد الكاتبة بضع تفاصيل عن المجتمع العُماني، وروح التعاون والتآخي التي تحكم العلاقات الإنسانية بين الأفراد في الملمات الصعبة، إلا أنها لا تخلو من بعض منغصات القيم الأخلاقية كالحسد والضغينة والخيانة والغدر، ويبقى أخذ الثأر بطولة مطلقة في مجتمعاتنا القبلية.
«الوطن، الحكاية الأبدية، الكتاب الذي نقرؤه ونستشعر الأمن على جنباته، الوطن بيتنا الأكبر والأم التي نتلهف أن نلقي أحمالنا على صدرها، والتي نؤمن بحبها الأبدي وعطائها المخلص. عُمان يا وطناً نسج التاريخ أمجاداً على شطآنه».
تسرد الروائية تفاصيل رسائل أميرة من مسقط وردود فارس إليها من لندن، إذ لم يوفق حمد في زفافه وقضى ليلة عرسه في المشفى، هو عمل شيطاني من فعل ساحر، سحرته إحدى قريباته وعطلت ملكاته الذكورية، وفشل زواجه من ابنه عمه التي يحبها وحجزت له منذ الصغر. وتغوص الكاتبة في عادات وتقاليد المجتمع العُماني فهي تسلط الضوء على قضية هامة في مجتمعاتنا لكن بحنحكة وذكاء بحيث لا تُثير حفيظة هذا المجتمع، فهي لا تستطرد في الخوض بتفاصيل تقاليد الزواج بين أبناء العمومة إرضاء لرغبة الأهل، وإجبار البنت على الزواج دون انتظار رأيها، وتطرح هذه الأفكار بتحفظ مبتعدة عن خطاب التمرد على التابوهات الذي يصل إلى درجة الابتذال أحياناً. وكذلك كانت في كل تفاصيل الرواية تحافظ على التوازن وعدم الاسترسال في السرد، إنما حرصت على الاقتصاد في اللغة والحديث.
لم يختلف النهج السردي للكاتبة في طرحها لقضية الحريات السياسية والرغبة بالتغيير والتحرر والعيش الكريم عن حديثها المتحفظ عن طباع المجتمع وعاداته، فالبطلة كانت تحاول إبعاد حبيبها فارس عن قراءة هذه الكتب السياسية، وإخراجه من حزنه على حال الشعب اليمني، وإقناعه أن الحب وحده هو الذي يمتلك القدرة على التغيير والحقد والضغينة لن يجلبا للشعوب سوى الموت والدمار والتخلف.
« أميرة: يا فارس التغيير ليس بالسياسة، التغيير في قلوبنا أولاً، في تعليمنا أبنائنا، وإخلاصنا في تربيتنا لهم.
ـ فارس: هلى تستطيعين أنت أو أنا أن نغير.
ـ أميرة: أنا أستطيع، فالتغيير ليس بالاتفاقيات السياسية وغيرها، التغيير فينا نحن الشعوب».
تتحكم الروائية في سير النص فهي تتدخل في الحوارية إلى أن تضمن سيرها وفق النسق الذي تريده لها، ثم ما تلبث أن تنسحب وتترك الحوار ثنائياً بين بطلي روايتها، تشعر في لحظة أنها تتوارى خلف أبطالها وتحركهم كما تشاء من خلال تقنية الضمائر واعتماد ضمير المخاطب فكانت الرواية أشبه بحوارية، وهنا تخلصت من الهيمنة الأحادية وكسرت نمطية السرد بالتناوب بين الضمائر مما أضفى دينامية خاصة، وتشويقاً أغنته وجهات النظر. وهذا الأسلوب السردي كان أحد تطورات السردانية الروائية العالمية في بدايات القرن العشرين وأبرز رواده كافكا وهمنغواي..الخ.
وفاء الفارسي كاتبة من سلطة عُمان، تخرجت في جامعة السلطان قابوس، كلية التربية قسم اللغة العربية، عضو سابق في جمعية الخليل للأدب وعضو في جمعية الكتاب العُمانيين. تعكف حالياً على كتابة عملها الروائي الثاني الذي سيصدر قريباً.
رواية «خيوط الياسمين»: خلجات الروح في عوالم الحب والسحر
101
المقالة السابقة