أيّام قليلة مرّت على خبر انتقاله إلى دنيا الآخرة. مرّت بصمت قاهر. لم يعرف كل من تشرّف بمعرفته وأحبّه، للقيام بواجب العزاء. وأيّ عزاء لرجل سطع نجمه في دنيا الاغتراب، وغاب عنه وطنه!
ثلاثة وتسعون عاماً مرّت على ولادته المباركة. أمضاها جميعها في مساندة الصراع الأبدي ضد التخلّف العربي وضد التبعيّة والتزلّم الرخيص، وضد بثّ التفرقة بين الشعب الواحد، في هلالٍ خصيبٍ، أخصبت فيه الصراعات القبلية والعشائرية، وتخضّب تراب أرض الرسالات السماويّة بدماء أحرار فلسطين وجوارها، ولا يزال.
غصّته الوحيدة، هي عدم معايشته لعودة أهل الإيمان والبطولات إلى الوطن السليب.
بنى في دول غربي أفريقيا امبراطورية صناعيّة، لبّت الحاجات الأساسية والضرورية لهذه الشعوب، وأبعد عنهم شبح الاستغلال الغربي لتوفير هذه السلع لهم.
عاد إلى لبنان في العام 1972، وخاض معركة انتخابية نيابية حامية، للوصول إلى سدة البرلمان وتحقيق حلم نشر المصانع والمشاغل في القرى اللبنانية، ولم يحالفه الحظ، لأن وصول صاحب حلم كبير مثله، للنهوض بالشعب اللبناني، أمر مستحيل في مغارة الفساد والرشوة وقمع الأحرار. لقد كان سبّاقاً في مشروعه، لما قامت به لاحقاً سنغافورة وماليزيا من نهضة خلَّاقة في مجالات التصنيع والخدمات.
لم يؤرقه عدم وصوله إلى سدة البرلمان، بل عمل في قطاع السكن في لبنان، ووفّر المسكن لكثيرين من الطبقة الوسطى، لكن الفساد المستشري في القطاع العام، حال دون قدرته على متابعة هذا النشاط الإسكاني الفريد من نوعه.
إنه رجل ليس كباقي الرجال. إنه مغترب ليس كباقي الذين أثروا في دنيا الاغتراب. لو فارق الحياة في نيجيريا، لأعلنت الحكومة يوم حداد وطني.
إنه رجل فكر من الطراز الرفيع، ولم يغفل قلمه الجريء والحرّ عن الكتابة حتى النفس الأخير.
بقي واعياً ومدركاً وعالماً في جميع الأمور، ولم ينزل عن أكتافه أحمال هموم الناس المعوزين. ومسيرة المناضلين في وجه التعصّب المذهبي والطائفي المقيت.
ذهب منصور عازار بصمت. أسكنه الله فسيح جنانه.
لكن ذلك ليس نهاية المطاف. إنه رجل فكر ثاقب، ورؤيا ناضجة لخلاص هذا الشعب الذي أكسله الفساد والكبت والقهر، والعمل على إنهاضه من كبوته الطويلة، وتوفير وسائل إنتاج مستدامة لقيامته من جديد، من أجل بناء وطن خصب في تربته، وفي تربية أجياله الواعدة الخلّاقة.
منصور عازار، لم يعبر على هذه الحياة ليذهب الى عالم أبدي ويُنسى. وتكريمه يكون في نشر أقواله وأعماله الفكرية، وتبنِّي سياسته الاقتصادية التي ساعدت الشعوب الفقيرة في زمن الفجور الإمبريالي الغربي القاهر.