ميساك باغبادوريان: الموسيقى ترافق حياة الانسان بكل تفاصيله
تكمل الفرقة السمفونية الوطنية السورية عملها محاولة التفاعل مع الاحداث والازمة التي تمر بها البلاد، قائد الفرقة السمفونية "ميساك باغبادوريان يتحدث عن الثقافة والموسيقى ومستقبلها في ظل الازمة التي تمر بها البلاد.
1- في ظل الازمة والحرب، ما هو دور الموسيقى والفن في سوريا عامة؟ وبشكل خاص الفرقة السمفونية الوطنية السورية؟
منذ بداية الانسانية، والموسيقا ترافق حياة الانسان والمجتمع بكل تفاصيله وهي مرآة تعكس حالته النفسية والاجتماعية. للأسف ولفترة طويلة من الزمن فقدت الموسيقا دورها في حياة المجتمعات العربية بشكل عام وكانت النظرة العامة للموسيقا أنها وسيلة ترف وتسلية ويمكننا أن نلجأ إليها فقط عندما تكتمل كل المتطلبات الأخرى لحياة الانسان.
ومع بدء الازمة السورية ظهر جلياً هذا المفهوم الخاطئ السائد بما يخص دور الفن والموسيقا حتى ان العديد من الموسيقيين والفرق الموسيقية في سوريا تأثروا بهذا المفهوم وتوقفوا او تريثوا في تقديم الأمسيات الموسيقية وفي بعض الأحيان تم توجيه اصابع الانتقاد إلى من استمر في واجبه الثقافي الاجتماعي كالفرقة السمفونية الوطنية السورية لكونها تقدم أمسيات موسيقية بحجة انه "هذه الأيام ليست وقت تسلية وترفيه وهناك أشياء أهم من الموسيقا"، إلا ان الفرقة تابعت نشاطها إيماناً منا بضرورة استمرار الموسيقا في أداء دورها الانساني والاجتماعي إضافة لدورها الثقافي. ولا يجب ان ننسى ان أعضاء الفرقة السمفونية الوطنية السورية هم جزء من المجتمع السوري وهم يعيشون كل يوم جميع المآسي والآلام مع باقي أفراد المجتمع إلا أننا كموسيقيين وسيلة تعبيرنا المثلى لكل مشاعرنا هي الموسيقا وبالتالي وبالرغم من كل المصاعب التقنية والنفسية دأب أعضاء الفرقة على مواصلة المسيرة لنكون جزءا من هذا الحدث ولنعبر ونتشارك بالموسيقا مع بقية أعضاء المجتمع ممن حضرو إلى المسرح. فمنذ بداية الأزمة والبرامج الموسيقية التي نقدمها تغيرت جذريا لتكون معبرة أكثر عن حياتنا اليومية إضافة إلى جرعة أمل نقدمها لنستطيع التغلب على هذه الازمة خاصة على الصعيد النفسي. وما نقوم به وما قمنا به هو استمرار لما قدمته الموسيقا للانسانية في تاريخ البشرية، وخاصة في الازمات والحروب.
إضافة لفكرة ان أي فرقة سمفونية هي مثال للتعايش والانسجام بين آلات مختلفة في الشكل واللون والمادة المصنوعة ونوع الصوت الصادر إلا ان هذه الآلات تجتمع لتعطي موسيقا منسجمة.
2- ما هي مخاوفك على مستقبل الموسيقا بعد هذا الدمار الجسدي والنفسي في سوريا؟
إن الدمار الجسدي الذي أصاب سوريا، أصاب الفرقة أيضاً. إذ خسرنا عدداً من أعضاء الفرقة بسبب سفرهم خارج القطر إلا ان الخوف الكبير هو ما يحدث بجيل الشباب والأطفال. إذ ان الخبراء الذين كنا نستعين بهم لتدريس الآلات النادرة والجديدة بالنسبة لمجتمعنا كآلات النفخ قد غادروا سوريا حتى ان بعض الاساتذة السوريين غادروا البلد، وبالتالي نحن نفتقد إلى أساتذة يقومون بتهيئة جيل جديد يحمل الرسالة الموسيقية في المستقبل. ومع استمرار الأزمة سيكون من الصعب تعويض النقص الحاصل في عدد الموسيقيين وبالتالي لا بد من حلول اسعافية سريعة لتدارك هذا الوضع.
أما بالنسبة للجانب النفسي فهنا بيت القصيد. فالدمار النفسي الذي لحق بالانسان السوري هو دمار كبير جدا وسنرى عواقبه في المستقبل وبالتالي يترتب علينا واجب وطني كبير في المساهمة في معالجة الازمة النفسية للمجتمع. وانطلاقا من هذا الواجب، لا بد لنا من الدراسة والاستفادة من التجارب العالمية في معالجة الازمات النفسية بالموسيقا لنستطيع تطبيقها على مجتمعنا. والتحدي الكبير كموسيقيين هو التغلب على أزمتنا الداخلية لنستطيع زرع الانسجام والامل في المجتمع.
3- ما هي المشاريع المستقبلية للفرقة السمفونية؟
حاليا نحن نعمل على أصعدة عدة. الصعيد الأول هو استمرارية عمل الفرقة للمحافظة على المستوى الموسيقي الفني. أما الصعيد الثاني فهو استمرارية وجودنا في المحافل الدولية وبالتالي المحافظة على العلاقات الخارجية والمشاركات في المهرجانات وحالياً نحن بصدد التحضير للمشاركة في مهرجان الموسيقا السمفونية بالجزائر وهو مهرجان دولي سنوي شاركنا فيه منذ تأسيس المهرجان.
اما الصعيد الأهم وهو الصعيد الاجتماعي. ففي السنوات الخمس الاخيرة بادرت الفرقة السمفونية إلى إضافة جانب اجتماعي لعملها الثقافي من خلال حفلات موسيقية تساهم في جمع التبرعات او مرافقة لحملات توعية متعددة ومع الازمة تحول هذا الجانب إلى ضرورة ملحة. وبالتالي ظهرت فكرة "من أجل شتاء دافئ.. نعزف حين طلبنا من الجمهور إحضار قطعة ملابس للأطفال بدل بطاقة الدخول وتم فرز هذه الملابس وتوزيعها على العديد من مراكز الإيواء في مدينة دمشق وريفها إضافة إلى مبادرة بعنوان "اكتشف الموسيقا وهي مبادرة تهدف إلى تعريف الموسيقا للأطفال وخاصة الأطفال الموجودين في مراكز الايواء. واستضفنا عدداً كبيراً من هؤلاء الأطفال أثناء تدريباتنا لتكون فرصة لهم للالتقاء بالموسيقا العالمية وتم الحديث والنقاش عن الموسيقا بشكل عام والفرقة السمفونية بشكل خاص وتم تعريفهم على الآلات الموسيقية وكانت هذه تجربة جديدة بالنسبة لنا ولهم ولا بد من تطويرها لتكون مبادرة تشمل كل أطفال سوريا.
4- كيف يمكنك توصيف حالة الثقافة السورية في ظل الازمة؟
الأزمة السورية كانت مفاجأة بالنسبة للحياة الثقافية السورية ومن يعمل بها. فالحياة الثقافية كانت تعيش انتعاشاً كبيراً في السنوات الأخيرة قبل الأزمة ونشط العديد من الفرق الموسيقية والمهرجانات، وبالتالي جاءت الأزمة لتكون صدمة غير متوقعة للجميع والكل تأثر سلباً في البداية وظهر تباين كبير في مواقف من يعمل في مجال الثقافة. فبالنسبة للجانب الموسيقي، هناك أشخاص قرروا الانسحاب والتوقف عن العمل وأشخاص حاولو الاستمرار، ولكن لم يستطيعوا ذلك بسبب توقف الدعم المادي من الجهات الممولة وأشخاص استمروا في العمل بالرغم من كل الصعوبات. أما الفرق التابعة لوزارة الثقافة ومن بحكمها، مثل الفرقة السمفونية الوطنية السورية تابعت عملها انطلاقاً من إيمانها بأهمية الحياة الثقافية إضافة لوجود دعم مادي للموسيقيين. ومع مرور الوقت واستمرار الازمة، ظهرت مبادرات عدة مختلفة من موسيقيين شباب اجتمعوا ليعبروا عن آلامهم وآمالهم ورؤيتهم بما يحصل للمجتمع وهو ما أراه أمراً إيجابياً وضرورياً وهو يحاكي الفكرة التي بدأنا الحديث بها أي دور الموسيقا في التعبير عن حياة الانسان بكل تفاصيله. هنا لا بد من الاشارة إلى دور وزارة الثقافة في تمويل الأمسيات الموسيقية المختلفة لتكون شعاع أمل وفرصة للمحافظة على الجانب الانساني للمجتمع الذي يتعرض لدمار مادي ومعنوي.