كانت الصورة ضبابية الى حدٍ ما قبل عامين من الآن في المنظور السياسي لتسارع الاحداث في المنطقة العربية والتي اسرجت سرجها على منظومة الربيع العربي إيماناً بالخلاص من حالة الاستبداد وحكم الحكام. كيف يمكن تقييم هذا التسارع بعد اربع سنوات من تطور هذه الاحداث وتوصيفها من الزاوية السياسية في ظل انعدام الحلول والتسويات؟
كما كان مخططاً لها ومبرجاً وفق اجندات براغماتية خارجية تم التسويق والتخطيط لها على امتداد الخريطة الشرق اوسطية بأحداث تفاعلية ووسائل تقنية منها الاعلامية والمادية والتنظيمية والفكرية وحتى في المحافل الدولية وشراء المنظمات الحقوقية والانسانية خدمة واجلال لهذا المشروع الصهيوامريكي بعنونة اصبحت سوقية "مكافحة الارهاب ونشر الديمقراطية" مستخدمين في ساحات التقاتل المارقين والخارجين عن القانون في السجون العربية والاجنبية، مسلحين بالعرقية والطائفية والاقليمية والوهابية تحت مسميات اسلامية هدفهم بناء الدولة العصرية الارهابية التكفيرية والعودة الى الخلافة الاسلامية التي هي منهم براء وبعيدة كل البعد عما يفعلون، واذا ما توقفنا على العوامل المشتركة بين محطات الربيع العربي من عامل القمع والاستبداد وعامل الحالة العفوية للحراك الشعبي والاحتجاجات وعدم نضج الثقافة العربية لمفهوم الاستعمار الجديد وتفاوت دور الجيوش لكل بلد في التصدي والمواجهة واستخدام مقدرات تلك الشعوب في زمن اصبح متحولاً بفعل القوة والضعف لا بفعل الظواهر والقدرات الطبيعية ما استدعى التدخل العسكري في ليبيا والتدخل السياسي في تونس والامني والمالي في اليمن والاعلامي والسياسي والمادي في مصر وكان نصيب الجيش العربي السوري ان يقاتل حالة التدخل على ارضه من خلال استقدام عشرات آلاف المسلحين من انحاء العالم لتعويض عدم التدخل العسكري.
ان ما تشهده الجغرافيا السورية والتي تشكل الجزء الاهم من هذا المخطط منذ اربع سنوات من حرب تآمرية كونية ابتكر فيها المتآمرون اساليب جديدة في القتال وقد أثبتت فاعليتها من خلال حفر الانفاق والممرات الارضية في كثير من المناطق بعد استعصاء التقدم على الجبهات بفعل القوة النارية للجيش العربي السوري فوق الأرض، وادرك المسلحون المنافقون ان المواجهة مع الجيش العربي السوري لم تعد مجدية ناهيك لما يفرضه عليهم من طوق خانق في كثير من المناطق تمنع عنهم الامداد والمؤن, هنا كان اتباع الاسلوب القديم الجديد وهو الانفاق، وقد ذكرت تقارير صحافية انه تم مؤخرا اكتشاف المئات من الانفاق في اكثر المناطق التي كان يسيطر عليه المسلحون في محاولات لخرق صفوف الجيش اولاً وامداد مقاتليهم بالمؤن ومنها يكون لأهداف تخريبية كتفجير البنى التحتية واماكن تمركز قوات الجيش العربي السوري .
وفي السياق ذاته تناولت صحيفة وورلد تربيون الأمريكية قضية حساسة تؤرق الأمن الإسرائيلي وهي العمليات الحربية التي يتم التدرب عليها في الضفة الغربية. حيث قالت الصحيفة في تقريرها "أكد الجيش الإسرائيلي أن الفصائل الفلسطينية تطور عملياتها العسكرية داخل الأنفاق في الضفة الغربية".
وأضاف المصدر أن "هذه الأنفاق تستخدم لحفظ الأسلحة، وتستخدم أيضا كمركز لتجمع المتمردين".
فهل مسلحو "الجيش الحر" ومقاتلي الكتائب الإسلامية والداعشية في سوريا امتداد لما ذكرته الصحيفة الامريكية في حفر وإنشاء أنفاق عديدة وطويلة تمتد لمئات الأمتار؟ فيما ينجح الجيش السوري في تعقّب واكتشاف تلك الأنفاق وتدميرها أيضاً. فالأنفاق ساحة المواجهة الجديدة في العديد من المناطق السورية، لاسيما في البلدات والأحياء ذات التربة الرخوة التي يسهُل الحفر فيها.
تحت الأرض السورية حرب من نوع آخر، تحت الأرض حرب استخباراتية بامتياز، استخبارات الجيش وأجهزة الرصد التابعة له تعمل على مدار الساعة لتحديد المواقع التي يحفر فيها المسلحون أنفاقهم في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية واشتباكات عنيفة.
ونحن اليوم مطالبون بصحوة وطنية وقومية تجسدها برامج وصيغ كفاحية لا صحوات قبلية وانفعالات مذهبية من شأنها تعميق الشرخ وزيادة التشرذم وتعميم القتل والدمار وتقديم خدمات اضافية للعدو الصهيوني والاستعماري .. وللتكفير والاجرام والتخلف
.
باحث في الشؤون السياسية
حرب النفاق عبر الانفاق
91
المقالة السابقة