أعرفُ ما معنى
أن يكونَ الشخصُ بائساً يا صديقي
أن تبيعَ ملابسكَ الثمينةَ
لمحلاتِ الرهانِ
كما تبيعُ روحكَ لهذا الهواءِ المتسخِ!
أن يتملككَ البؤسُ
كما يتملكُ هوسُ الدقائقِ شعرَ امرأة عانسٍ..
أن تخوض صراعاً مع ذاتك
دون أن تخدش هواء المكان
أو تعكر عطر ياسمينة في الجوار
أو تؤنب ضمير الجدران
لأنها سادية في الصمت
رغم لوحات الجوع عليها رغم طنين الميل في ساعاتها
دون أن يعطيك سبباً للعيش
أو جواباً لكل هذا التأخر في الوصول!.
يا صديقي
نحن المتكررون عبثاً
لا نزرع التفاح في بساتيننا
لئلا نهبط أكثر من ذلك
هذهِ الحياةُ محضُ مصادفةٍ
وُلدتْ عن سهوِ أب كان يشعرُ بالجوعِ!
لا تعتقد أن الحنطة التي لا تصير خبزاً
حنطة تالفة
هي الحسرة التي كسرت ظهر الحنطة
هي أغنيات المسافر في دمه دون وصول
هي قبعات الغيم المثقوبة فوق أعمار الفقراء
هي أدراج العفن في صدر العالم
عليكَ أن تُخفيَ كلَ أشيائك الحقيقيةِ
وتنسى كلَ ما شاهدتَهُ من خلالِ سُرةِ أُمك..
صرخةُ أخيكَ
وهو يطلبُ منكَ عدمَ المجيءِ لهذا المكانِ العبثيِّ
خيانةُ أبيكَ
وهو يبتسمُ لامرأةٍ في السوقِ
برامجُ التلفازِ
لإعطائكَ غذاء مجففاً رخيصاً
يا صديقي
لا مكانَ للفرحِ
عندما يُحدثكَ خريفُ السريرِ
عن ربيعٍ يُطلُ من النافذةِ!
عليكَ أن تحزنَ بما يكفي
لتُقنعَ الآخرينَ بالحياةِ!
وبإسمِ كؤوسِ النبيذِ الفارغةِ
انتظرْ شيئاً يُفرحُ الربَ
وكأنكَ قسيسٌ
تركَ الصلاةَ وأناشيدَ الربِ البعيدِ
ليعملَ نادلاً في مطعمٍ فرنسيٍ مشهورٍ!
يا صديقي
رأيتُ امرأةً قبيحة تصبغُ روحها
لأنها تحلمُ كلِ يومٍ أن يغازلها أحد
رأيتُ طفلاً يكرهُ الحلويات الأجنبية
ليسَ لكونهِ عربياً
بلْ لأنه لا يعرفُ كيفَ يسرق
رأيتُ حصاناً ينزعُ حذاءهُ الفضيّ
ليعودَ ولو كذباً إلى طفولتهِ
رأيت فقيراً يهمس لذاته المريضة بالوحدة:
هل سنرى الرب قريباً لنعتذر عن خطيئة الأب؟
ليسَ هنالكَ
متسعٌ للحقيقةِ في العالم
الكلُ
يُحاولُ سرقةَ الهواءِ
أنتَ لستَ غريباً كالعصافيرِ!
ضعْ نظارتكَ
على ساحلٍ برتقاليِ النكهةِ
واصنعْ أُحجيةً من الرملِ
… وارحلْ!
دع العالمَ يلتقطُ صوراً لخيبةٍ أُخرى!.
نبذة عن مصطفى عبود
مواليد البصرة – 1993.
مؤلفاته:
– مخطوطة شعرية بعنوان "لو أنها أنجبت سلحفاة.."