93
يسعى الفنان التشكيلي السوري هادي قاصوص لاجتراح ما أمكنه من الفرح في ظل واقع مرير يعيشه شعبنا، لعله في رؤيته المتفائلة يبحث عن متنفس في محيط رمادي يختنق.
الوانه خليط من الإشراق حيث تصبح اللوحة مرآة للحنين الى مكان وزمان ما برحا ذاكرته، يمكن للأسير ان يرسم نافذة فتحمله الريح الى الحرية، ويمكن للجريح أن يخيط جراحه ولو بخياله ليتعالى عليها، فكيف بالفنان الذي يتقن ترجمة المستحيل على القماش الأبيض ويمنحه النبض أسلوب حياة مختلفاً.
وطنه، قريته والروابي أساس ألوانه، تبدو اشجاره باسقة تضج بالكثير وبيوته تشرّع أبوابها للأمل وحقول الياسمين والاقحوان تُلغي الاسلاك الشائكة والحواجز التي ابتدعها البعض قهراً. ويبقى الإنسان هو المحور لنلمح بين خطوط لوحته بعضاً من السلام الداخلي المنشود.
بدأنا حوارنا مع هادي من تظاهرة الالوان المشعة بالفرح ليقول: "ارتكز في عملي على الالوان الزاهية، وقد انتقدني الكثيرون من رواد الفن التشكيلي معتبرين أن جرأتي مبالغ فيها. ثم إني لا استعمل الريشة إلا في بعض الخطوط وعدا ذلك أرسم بواسطة السكين".
أما كيف كانت طبيعة النقد فيقول: "بصراحة احد رواد هذا الفن رفض أسلوبي لأنه لا يحبه بكل بساطة ولم تعجبه قوة الواني. علماً أن اللون يجب أن يأتي بإطار مدروس كي لا يزعج العين الناظرة للعمل الفني".
ويضيف حول تفاعل المتلقي مع خطوطه التشكيلية: "ما قدمته لفت المتلقي بشكل كبير، وقد لمست ذلك خلال مشاركتي في الزاوية الفنية على هامش معرض بيروت الدولي للكتاب، حيث أجرت رئيسة اللجنة الفنية أُسيمة دمشقية استطلاعاً للرأي حول انطباع الزوار على اللوحات المعروضة كافة وتبيّن أن لوحتي نالت استحسان الأغلبية مما ترك أثره الإيجابي عليّ. ولعل السبب أن الناس تحتاج للفرح، وحين يسألونني عن الواني أقول إن ما بين لوني وذاتي أنا، هذا من جهة، ومن جهة ثانية من عاش ببيئة تحمل كل هذه الالوان عليه أن يترجمها في طرحه الفني".
ويضيف في الإطار نفسه: "أنا أبن بيئتي وتأثري لا يوصف بما كان يحيط بي من جمال، وما أقدّمه في لوحاتي هو انعكاس لروعة المكان الذي نشأت فيه، أعرف الكثير من الفنانين السوريين يجسّدون لون أرضهم ومنطقتهم بتفاصيلها في اللوحة".
لكن إلى أي مدى يتأثر قاصوص بما تعانيه سوريا ويترجمه فنياً، يجيب: "بالطبع لا يمكن تجاهل الواقع، ولكني كفنان أحاول أن أجسّد الجمال بجمال والقبح بجمال، هو نوع من الأمل، وسأبقى أرسم وطني كما عهدته وكما سيكون على الدوام، حتى الدمار أسعى لتجميله قدر الإمكان".
حكاية مع الريشة
لقاصوص حكايته مع الريشة يخبرنا بها: "بدأت بالرسم منذ كنت في سن الثانية عشرة، وكنت أرسم لوحات تعبيرية وأنال الثناء من أساتذة الفنون في المدرسة، وامتلكت التقنية بشكل فطري، لاحقاً أتيت الى لبنان ولم أدرس الرسم أكاديمياً، بل درست التصميم الداخلي في أحد المعاهد وعملت في هذا المجال، ثم التقيت بالفنانة التشكيلية اللبنانية منى خوري خبصة التي تعرفت على أعمالي وطلبت مني الخروج من إطار المدرسة التعبيرية، وهكذا انتقلت الى المدرسة الانطباعية التي تعتمد على زهاء اللون والضوء وسعيت للتفرد، ثم تعرفت على الفنان السوري عبود السلمان الذي ساعدني كثيراً لأسير على السكة الصحيحة وبدأت أعرض أعمالي للناس".
السلام.. جديدي
يسعى قاصوص لتجسيد السلام في طرحه المقبل ولو بدا ذلك مستحيلاً وعن ذلك يقول: "طرحي الفني المقبل سيكون عنوانه السلام، ومن اقنعني بالفكرة هو الفنان غابريال عبد النور الذي أحب لوحتي "غرباء داخل الوطن"، فطلب أن تكون هذه اللوحة على المسرح في الحفل الذي قدمه في قصر الاونيسكو بمناسبة عيد الميلاد المجيد، وأخبرني أنه يغني للسلام العالمي وشجعني لخوض تجربة تجسيد الفن التشكيلي في هذا الإطار، في مواجهة ما نعيشه اليوم من تفرقة طائفية ومذهبية تقضي على بُنيتنا الاجتماعية".
لا يحب قاصوص الخوض في غمار السياسة فيختصر المشهد بالاشارة الى أن ما يجري في سوريا هو صراع مصالح بين دول كبرى، والنزاع أكبر من الشعب، وكل من يواجه هذا الواقع من موقعه الثقافي والفني مُعرّض للقتل.
اللون يفرضه الموضوع
ونعود الى الثورة اللونية لدى قاصوص فيقول: "اللون يفرضه موضوع اللوحة، ولو كان مأساوياً يبقى الأمل هو المقياس، في لوحتي "غرباء في الوطن" الرمادي شكّل الخلفية فكان الوطن الحاضن للجميع حيث أن اللغة الفنية تمنح هذا اللون صفة الحاضن للالوان كلها".
ويشير قاصوص الى عمله المقبل الذي يضم جملة من العناصر، قائلا: "حالياً أنا أعمل على معرض كامل يضم البشر والحجر والطبيعة، وتركيزي على الانسان اولاً القادر على بناء الحجر من جديد، وتبقى الطبيعة نهاية المطاف حيث ستزهر من جديد. هناك شخوص مبهمة في لوحاتي المقبلة قد تكون مرآة للكثيرين، قد تتحول إلى أبنية وصروح دينية وأشجار على أمل أن يحلّ السلام في بلدي وفي العالم كله".
ويستطرد في إطار متصل: "لا يمكنني تحديد زمن لإقامة معرضي المفترض، حيث أن الصعوبات موجودة لناحية قدرتنا على مواجهة منطق التجارة في مجالنا، اليوم بات التسويق التجاري هو المتحكم، بالاضافة الى غياب الثقافة الفنية. ثم أنه لا وجود للقاعات الفنية بعيداً عن الدائرة المادية التي تميّز بين فنان وآخر، وهذا الواقع ينسحب على مجالات الفن كافة وليس على الفن التشكيلي وحسب".
ويشير إلى أن أعماله وصلت الى المانيا بينما هناك غاليريات في لبنان رفضت استقباله مما يُشعره بالأسف.
"بلادي جنة سما" لن يعرض إلا في سوريا
ويأمل قاصوص أن يعرض في الشام قريباً فيقول: "لدي بالفعل معرض كامل تحت تسمية "بلادي جنة سما" يضم عشرين لوحة بمقاسات مختلفة، ولن أعرضها إلا في سوريا، ويبقى أملي بالسلام كبيراً على الأقل في ما بيننا".
أما كيف يرى قاصوص الدمار الحالي بعين الفنان، يجيب: "أرى الدمار بعين الأمل، لكن لا يمكنني تفسير المشهد بفكرة من بعيد، حين اواجهه قد أترجمه باللون تحت مظلة الأمل والسلام الداخلي".
ويختم قاصوص بالإشارة الى أهمية نقد الفنان لذاته وحسب، أما باقي الآراء النقدية فلا تؤثر عليه، حيث يرى أنه لا وجود للنقاد الفنيين بل هناك لوحة تحكي عن تفاصيلها بعين المتلقي وقد تقدّم له الفرح أو الحزن أو الأمل، كلٌ حسب نظرته إليها.
الوانه خليط من الإشراق حيث تصبح اللوحة مرآة للحنين الى مكان وزمان ما برحا ذاكرته، يمكن للأسير ان يرسم نافذة فتحمله الريح الى الحرية، ويمكن للجريح أن يخيط جراحه ولو بخياله ليتعالى عليها، فكيف بالفنان الذي يتقن ترجمة المستحيل على القماش الأبيض ويمنحه النبض أسلوب حياة مختلفاً.
وطنه، قريته والروابي أساس ألوانه، تبدو اشجاره باسقة تضج بالكثير وبيوته تشرّع أبوابها للأمل وحقول الياسمين والاقحوان تُلغي الاسلاك الشائكة والحواجز التي ابتدعها البعض قهراً. ويبقى الإنسان هو المحور لنلمح بين خطوط لوحته بعضاً من السلام الداخلي المنشود.
بدأنا حوارنا مع هادي من تظاهرة الالوان المشعة بالفرح ليقول: "ارتكز في عملي على الالوان الزاهية، وقد انتقدني الكثيرون من رواد الفن التشكيلي معتبرين أن جرأتي مبالغ فيها. ثم إني لا استعمل الريشة إلا في بعض الخطوط وعدا ذلك أرسم بواسطة السكين".
أما كيف كانت طبيعة النقد فيقول: "بصراحة احد رواد هذا الفن رفض أسلوبي لأنه لا يحبه بكل بساطة ولم تعجبه قوة الواني. علماً أن اللون يجب أن يأتي بإطار مدروس كي لا يزعج العين الناظرة للعمل الفني".
ويضيف حول تفاعل المتلقي مع خطوطه التشكيلية: "ما قدمته لفت المتلقي بشكل كبير، وقد لمست ذلك خلال مشاركتي في الزاوية الفنية على هامش معرض بيروت الدولي للكتاب، حيث أجرت رئيسة اللجنة الفنية أُسيمة دمشقية استطلاعاً للرأي حول انطباع الزوار على اللوحات المعروضة كافة وتبيّن أن لوحتي نالت استحسان الأغلبية مما ترك أثره الإيجابي عليّ. ولعل السبب أن الناس تحتاج للفرح، وحين يسألونني عن الواني أقول إن ما بين لوني وذاتي أنا، هذا من جهة، ومن جهة ثانية من عاش ببيئة تحمل كل هذه الالوان عليه أن يترجمها في طرحه الفني".
ويضيف في الإطار نفسه: "أنا أبن بيئتي وتأثري لا يوصف بما كان يحيط بي من جمال، وما أقدّمه في لوحاتي هو انعكاس لروعة المكان الذي نشأت فيه، أعرف الكثير من الفنانين السوريين يجسّدون لون أرضهم ومنطقتهم بتفاصيلها في اللوحة".
لكن إلى أي مدى يتأثر قاصوص بما تعانيه سوريا ويترجمه فنياً، يجيب: "بالطبع لا يمكن تجاهل الواقع، ولكني كفنان أحاول أن أجسّد الجمال بجمال والقبح بجمال، هو نوع من الأمل، وسأبقى أرسم وطني كما عهدته وكما سيكون على الدوام، حتى الدمار أسعى لتجميله قدر الإمكان".
حكاية مع الريشة
لقاصوص حكايته مع الريشة يخبرنا بها: "بدأت بالرسم منذ كنت في سن الثانية عشرة، وكنت أرسم لوحات تعبيرية وأنال الثناء من أساتذة الفنون في المدرسة، وامتلكت التقنية بشكل فطري، لاحقاً أتيت الى لبنان ولم أدرس الرسم أكاديمياً، بل درست التصميم الداخلي في أحد المعاهد وعملت في هذا المجال، ثم التقيت بالفنانة التشكيلية اللبنانية منى خوري خبصة التي تعرفت على أعمالي وطلبت مني الخروج من إطار المدرسة التعبيرية، وهكذا انتقلت الى المدرسة الانطباعية التي تعتمد على زهاء اللون والضوء وسعيت للتفرد، ثم تعرفت على الفنان السوري عبود السلمان الذي ساعدني كثيراً لأسير على السكة الصحيحة وبدأت أعرض أعمالي للناس".
السلام.. جديدي
يسعى قاصوص لتجسيد السلام في طرحه المقبل ولو بدا ذلك مستحيلاً وعن ذلك يقول: "طرحي الفني المقبل سيكون عنوانه السلام، ومن اقنعني بالفكرة هو الفنان غابريال عبد النور الذي أحب لوحتي "غرباء داخل الوطن"، فطلب أن تكون هذه اللوحة على المسرح في الحفل الذي قدمه في قصر الاونيسكو بمناسبة عيد الميلاد المجيد، وأخبرني أنه يغني للسلام العالمي وشجعني لخوض تجربة تجسيد الفن التشكيلي في هذا الإطار، في مواجهة ما نعيشه اليوم من تفرقة طائفية ومذهبية تقضي على بُنيتنا الاجتماعية".
لا يحب قاصوص الخوض في غمار السياسة فيختصر المشهد بالاشارة الى أن ما يجري في سوريا هو صراع مصالح بين دول كبرى، والنزاع أكبر من الشعب، وكل من يواجه هذا الواقع من موقعه الثقافي والفني مُعرّض للقتل.
اللون يفرضه الموضوع
ونعود الى الثورة اللونية لدى قاصوص فيقول: "اللون يفرضه موضوع اللوحة، ولو كان مأساوياً يبقى الأمل هو المقياس، في لوحتي "غرباء في الوطن" الرمادي شكّل الخلفية فكان الوطن الحاضن للجميع حيث أن اللغة الفنية تمنح هذا اللون صفة الحاضن للالوان كلها".
ويشير قاصوص الى عمله المقبل الذي يضم جملة من العناصر، قائلا: "حالياً أنا أعمل على معرض كامل يضم البشر والحجر والطبيعة، وتركيزي على الانسان اولاً القادر على بناء الحجر من جديد، وتبقى الطبيعة نهاية المطاف حيث ستزهر من جديد. هناك شخوص مبهمة في لوحاتي المقبلة قد تكون مرآة للكثيرين، قد تتحول إلى أبنية وصروح دينية وأشجار على أمل أن يحلّ السلام في بلدي وفي العالم كله".
ويستطرد في إطار متصل: "لا يمكنني تحديد زمن لإقامة معرضي المفترض، حيث أن الصعوبات موجودة لناحية قدرتنا على مواجهة منطق التجارة في مجالنا، اليوم بات التسويق التجاري هو المتحكم، بالاضافة الى غياب الثقافة الفنية. ثم أنه لا وجود للقاعات الفنية بعيداً عن الدائرة المادية التي تميّز بين فنان وآخر، وهذا الواقع ينسحب على مجالات الفن كافة وليس على الفن التشكيلي وحسب".
ويشير إلى أن أعماله وصلت الى المانيا بينما هناك غاليريات في لبنان رفضت استقباله مما يُشعره بالأسف.
"بلادي جنة سما" لن يعرض إلا في سوريا
ويأمل قاصوص أن يعرض في الشام قريباً فيقول: "لدي بالفعل معرض كامل تحت تسمية "بلادي جنة سما" يضم عشرين لوحة بمقاسات مختلفة، ولن أعرضها إلا في سوريا، ويبقى أملي بالسلام كبيراً على الأقل في ما بيننا".
أما كيف يرى قاصوص الدمار الحالي بعين الفنان، يجيب: "أرى الدمار بعين الأمل، لكن لا يمكنني تفسير المشهد بفكرة من بعيد، حين اواجهه قد أترجمه باللون تحت مظلة الأمل والسلام الداخلي".
ويختم قاصوص بالإشارة الى أهمية نقد الفنان لذاته وحسب، أما باقي الآراء النقدية فلا تؤثر عليه، حيث يرى أنه لا وجود للنقاد الفنيين بل هناك لوحة تحكي عن تفاصيلها بعين المتلقي وقد تقدّم له الفرح أو الحزن أو الأمل، كلٌ حسب نظرته إليها.