الديموغرافيا، وما أدراك ما الديموغرافيا في مجتمع تعددي، أإتنيًا كان أن عرقيًا أم طائفيًا؟! فقد تغدو الديموغرافيا كابوساً مزعجًا لمجموعةٍ بشرية، تتأكَّل أعداد المنضوين عبر الزمن، وقد تغدو بالمقابل حلمًا يدغدغ مجموعة أخرى، تتزايد تناسلاً على إيقاع الخصوبة لديها، وبما يحيل الديموغرافيا عامل تفجير مجتمعي. وهكذا نجدنا بإزاء نعوت تطلق عليها، لعل أبرزها "القنبلة الديموغرافية"! ويأتيك الخبر اليقين، مثالًا فاقعًا، من فلسطين المحتلة، حيث باتت "القنبلة الديموغرافية" الفلسطينية مثار قلق وجودي للمجتمع الإسرائيلي!
تأسيسًا على ما سبق نتساءل: هل ثمة "قنبلة ديموغرافية إسلامية" في لبنان، تهدد صيغة العيش المشترك التي كرّسها "اتفاق الطائف" (1989) – وقاعدتها المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، لا سيما في مجلس النواب والمواقع العليا في جميع الإدارات الرسمية؟
هذه القنبلة، أحقيقية كانت أم افتراضية، يعمد الباحث د. شوقي عطيه، في كتابه "السكان في لبنان: من الواقع السياسي إلى التغير الاجتماعي والاقتصادي" إلى تلقفها بين يديه، يقلبها وجهًا على بطن وفي كل الاتجاهات، ليتحقق من فعاليتها، متسائلاً: أهي قنبلة صالحة للتفجر أم أنها مفرغة الحشوة ومعطل صاعقها إلى حين من الدهر؟ أهي، وفق التعبير الفلسفي، قنبلة بالقوة (En puissance) أم قنبلة بالفعل (En fait)؟ أي أن لها قابلية الانتقال من حال الإمكان إلى حال التحقق؟
إذا كانت الجغرافيا هي التي تصنع التاريخ وتسير عجلاته، فإن الديموغرافيا، حسبما نرى، تتحكم بطبيعة الاجتماع البشري وفي تشكيل صورته، بكونها إحدى الديناميات الأساسية المشتغلة في ميادين السياسة والاقتصاد والثقافة، وسائر البنى المجتمعية، التحتية منها والفوقية.
بيد أن المعطى الديموغرافي، وفق ما يخلص إليه الباحث د. شوقي عطيه، يحمل في أحشائه بذور ضموره، بمعنى أن هذا المعطى تتراجع تأثيراته، عبر جدلية الرفاه والخصوبة، طرداً وعكسًا، فتعود الديموغرافيا لتتوازن. وقد تنقلب الأدوار بين المكونات المجتمعية، وبما يجعل أكثرية اليوم أقلية الغد، والعكس صحيح!
لقد ذهب د. عطيه بعيداً في مقاربة مسأليته. فهو، إذ يرى أن الديموغرافيا اللبنانية باتت تشكل تحدياً جديًا للعيش المشترك، يطرح السؤال الآتي: هل قدرُ لبنان أن يبقى في حالة معاناة دائمة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عند كل تحوّل في ديموغرافية الطوائف، فتحلّ عليه المصائب؟
وبهدف الوصول إلى إجابة رائية وموضوعية عن هذا السؤال، يتطارح معنا جملة من الأسئلة المتمّمة، فتشكل بمجموعها جوهر الإشكالية التي يتصدّى لها بالبحث، وأبرزها: هل التفاوت عددياً بين المسيحيين والمسلمين يتجه إلى مزيد على هذا الصعيد أم هو إلى تراجع؟ وما هي العوامل الديموغرافية العائدة لهذه الطوائف التي تساهم في هذا التفاوت؟ وهل العامل الديني هو في أساس هذا التفاوت، أم ثمة عوامل اقتصادية واجتماعية وتربوية، غير مختصة لا بالمسلمين ولا بالمسيحيين، بل هي ظرفية تترجّح بين طرف وآخر؟
في إجابته عن إشكاليته، عمد الباحث، عبر اثني عشر فصلاً، مع مقدمة وخاتمة استنتاجية، إلى تعرية المسألة التي يقارب، وليصيب منها مقتلاً. ولقد راح غائصاً في ثنايا التاريخ اللبناني، بدءاً بمرحلة الإمارة، أي قبل العام 1841، وصولاً إلى الحقبة الحديثة التي يموقعها بين عامي 1990 و2010.
وإذ توسّل الباحث المنهج التاريخي، ناهيك عن المنهج الإحصائي التحليلي، فقد عزز دراسته بآليات العلم وتقنياته. وكان له أن يستعين بعشرات المصادر والمراجع، باللغات الثلاث: العربية والفرنسية والإنكليزية. وقد أفاد من مصادر إلكترونية: كتباً ومجلات.
إشارة إلى أن البحث أخضع لمعطيات العينة، وهي من مرتكزات الدراسة الميدانية.