الحركة الصحافية النسائية، أو الحركة الصحافية العربية ، تحتل مكانة راقية في تاريخنا العربي المعاصر، هي حركة كفاح مرير قادتها المرأة بشكل عام تناضل من أجل حقوقها وفي سبيل تحقيق طموحها الثقافي والاجتماعي والانساني، ليس في بلد معيّن، بل في عموم بلدان أمتنا العربية. والنساء اللواتي أسهمن في هذه الحركة النسوية كن من لبنان ومصر وسوريا وفلسطين وبعض الدول العربية الاخرى التي كان لها إسهام في حركات التحرر في العالمين العربي والاسلامي.
إن قضية المرأة تعتبر من القضايا الوطنية والاجتماعية الحساسة، تتطلب منها العمل والاجتهاد والمثابرة، لأن قضية حقوق المرأة لم تكن قضية خاصة تتعلق بفرد او افراد، بل هي قضية النساء ككل ومشاركتهن، وإسهاماتهن الفعالة في الحياة العامة، هي قضية المرأة والرجل على حد سواء تتعلق بالتطور والرقي والتقدم بموازاة عجلة الزمن التي لا تتوقف.
وقد تناول عدد من الباحثين هذه القضية إما بالتأييد أو بالمعارضة، بحيث انقسموا حيالها الى فريقين، فريق تناولها من ناحية تحررها من ربقة الاعراف والتقاليد، وكان أن أعلن ذلك أول ما أعلن، هو قاسم أمين الذي نادى بحقوق المرأة ورفع الحجاب عنها، فاتّهم بالكفر والإلحاد والخروج عن الدين.
كذلك طالبت الآنسة نظيرة زين الدين، من عين قني، الشوف، برفع الحجاب فاتهمت بأشنع ما يمكن من الأقاويل والاحتجاجات ونشرت هذه التهم في مختلف الصحف والمجلات التي طالبت بتحرير المرأة ومنحها الحياة الحرة الكريمة الصالحة.
وكان كتابها: الفتاة والشيوخ، نظرات ومناظرات في السفور والحجاب، وتحرير العقل وتحرير المرأة والتجدد الاجتماعي عن العالم الاسلامي، وكان ذلك في سنة 1929.
وفريق ثانٍ تناولها من حيث التزامها بالأعراف والتقاليد الموروثة منذ القدم.
وقد نشب جراء هذا صراع فكري وعقلي كثرت فيه المجادلات والمصادقات وانقسمت البلدان العربية تجاهه الى قسمين متواجهين. وقد أثبتت المرأة عبر التاريخ قدرتها على تخطي الصعاب والعقبات، واستطاعت نيل بعض الحقوق، الى ان وصلت الى ما وصلت اليه من مكانة، ومطالب نسائية محقة، بعد صراع طويل، على طريق الشوك والآلام.
وقد تناولت في كتاب اصدرته منذ فترة وجيزة تحت عنوان «صحافيات لبنانيات رائدات وأديبات مبدعات». صدر عن دار نوفل للطباعة والنشر، في سنة 2007، بالبحث والتنقيب بعض نساء ممن عملن في الحقل الصحافي وكان لهنّ دور فاعل في الحياة الاجتماعية.
والحق يقال ان الصحافة النسائية اللبنانية كانت السباقة الى العمل والى مواكبة التطور والاحداث وملاحقة قضايا المرأة ومطاليبها، لذلك فلا عجب اذا قامت نساء وأصدرن جرائد ومجلات، انطلقت من لبنان وشملت أرض مصر وسورية وبعض البلدان العربية الشقيقة.
مجلة الفتاة
كان هناك حركة نسائية صحافية عربية انطلقت من لبنان ووجهتها مصر. وقد ظهرت الصحافة النسائية في مصر سنة 1892 م. ولم تكن قد عرفتها من قبل أية دولة عربية أخرى.
فقد أنشأت هند نوفل (1875-1957) أول مجلة أسمتها «الفتاة» في مصر. وهي صحافية لبنانية كان والدها وعمها نسيم وسليم صحافيين اشتغلا بالصحافة والترجمة في مكاتب الحكومة المصرية. وكان أن صدر العدد الاول من المجلة على نسق أوروبي في بلاد الغرب. وكان عنوان انطلاقتها: «جريدة علمية تاريخية أدبية فكاهية». وكانت مقدمة العدد الاول من المجلة تحت عنوان «إيضاح والتماس واستسماح» قالت فيها هند:
سيداتي
«ان مبدع العالم ومدير الكائنات قد أوجد العناصر واودعها من خصائص الفعل والانفعال والتجاوب والتدافع والتواصل والتفارق، وميز كلاً منها بخواص مختلفة، واوضاع شتى على وجه غريب ونمط عجيب، ثم الّف منها عالماً كبيراً، ركب من شموس وأقمار وكواكب ونجوم، لا تعد ولا تحصى، وخلق الأرض ذات نباتات متشابهة وغير متشابهة».
ثم تمضي في افتتاحيتها قائلة:
«لا غرو اذا ظهرت الفتاة بحلة العصر وهي تتفيأ بظل ظليل اللواء الحميدي، لواء سيدنا السلطان عبد الحميد، فان الغازي أيدّ الله ملكه مدى الدوران، وبظهورها في السنة الاولى من تولى خديونا المعظم عباس حلمي الثاني، الاريكية الخديوية».
ثم اخذت تعرِّف بمجلتها وبأنها لا تخوض في الامور السياسية والمشاحنات الدينية، بل سوف تستمر بما يتصل بالنساء مثل: «الخوض في آداب الهيفاء، ومحاسن النساء فان مبدأها الوحيد هو الدفاع عن الحق المصري والاستلفات الى الواجب المطلوب».
وتعود الى «الفتاة» تتذكر دفاعها عن المرأة المصرية لأول مرة من خلال وسيلة اعلامية نسائية ظهرت في الشرق العربي، وتطلب من القارئات ان يعتبرن المجلة: «جريدتهن الوحيدة المدافعة عنهن في المحافل الدولية، وأن يكاتبنها ولا يعتبرن ذلك مما يحط من قدرهن او يخدش عفافهن، او يمس الطهر والأدب، كلا، فان أعظم نساء الافرنج علماً وأدباً وأرفعهن حسبا ونسبا هنّ محررات بعض الجرائد. وقد ورد في جرائدهن بان «مس كارفور» تكاتب جريدة «الديلي نيوز» في مدينة باريس». وخلاصة القول في هند نوفل انها رائدة الصحافة النسائية في الشرق، والصحافة النسائية هي في الواقع أهم ظاهرة حية للحركة النسائية في القرن التاسع عشر، والنصف الاول من القرن العشرين.
مجلة أنيس الجليس
وتأتي في المرتبة الثانية مجلة «أنيس الجليس» التي استمرت من سنة 1898 الى سنة 1908.
وكانت صاحبتها لبنانية هي الكسندرة الخوري افرينو، وكانت الكسندرة أول متحدثة عن الحركة النسائية في مصر، رئيسة اول مؤتمر نسائي عالمي يعقد لنزع السلاح.
تقول الكسندرة في إحدى مقالاتها في المجلة :
«…. ان المرأة في مصر تكاد ان تكون أشقى مخلوق فيها لكثرة جهدها وفرط صبرها واحتمالها، ولذلك نجدها فلاحة للأرض، حمالة للأثقال سائقة للبهائم، ومشاركة لها في كل أعمالها».وتضيف صاحبة المجلة قائلة:
«الواقع ان هذه المجلة لم يخل عدد منها من مقال يحث المرأة والمسؤولين على وضع حدّ لما تعانيه المرأة من مذلة وهوان».
ومهما يكن من أمر فان مجلة: «أنيس الجليس» أدت دوراً كبيراً في استنهاض الحركة النسائية المصرية، وتطورها في فترة صدورها. وقد امتازت صاحبة المجلة بقوة الشخصية وقدرتها على اكتساب صداقة الرجال الكبار واحترامهم لها لانها الوحيدة بين نساء الصحافة النسائية والحركة النسائية التي حصلت على عدد كبير من الاوسمة في حياتها من ملوك واباطرة.
مجلة السيدات
أسست هذه المجلة صاحبتها روز حداد من سنة 1903 الى سنة 1930. وقد ظهرت هذه المجلة لتعمل على ترقية المرأة في وظيفتها المنزلية ومعرفة ما يدور حولها خارج نطاق المنزل.
تقول روز في مقدمة العدد الاول:
«انها سوف تعتمد على الانتاج الاوروبي في تحرير المجلة مثل «قاموس وسير ومبادئ شهيرات النساء» و «ما يجب ان تعلمه الفتاة» و «طبيعة الولد» و «أصول التربية والتعليم». واعتمدت المجلة على مجلات تصدر بالانكليزية وهي: «مجلة النساء الخصوصية» و «المعلمة والمدرسة» و «المرأة في البيت» و «رفيق المرأة» و «الأزياء الحديثة» وأبواب المجلة كثيرة. وقد خصصت أبواباً مثل «المنزل والمطبخ والمائدة»، واهتمت بنشر أصول ترتيب المنزل ونظافته وآداب المائدة، وأسس جلوسهم حول المائدة في جميع وجبات الطعام وما يجب عليهم ان يفعلوه، وآداب السلوك نحو من يجلس معهم على المائدة.
كما اهتمت المجلة بزينة المرأة وأزيائها، وتعليم الفتاة والعمل على ترقية مداركها العقلية. وقد وضعت شعاراً للمجلة تحت عنوان: «الجنة تحت أقدام الأمهات». و «نقاش درجة الامم بالنظر الى نسائها، وحينما يكون علو الهمم والإقدام والارتقاء فهناك النساء ملكات».
وتضيف الى ذلك قائلة:
«اذا أردتم اصلاح الهيئة الاجتماعية فاصلحوا النساء. وبهذا الاصلاح يتصلح الجنس البشري، لانهن مربيات ومدربات».
ان مجلة «السيدات» قامت بدور فاعل في ازدهار الحركة النسائية كما ايقظت المرأة الشرقية من سباتها، وعززت مكانتها، وأحبت النفس الشرقية. وكانت غيرتها لا توصف على شؤون المرأة في الوطن العربي .
مجلة فتاة الشرق
«فتاة الشرق» صاحبتها ورئيسة تحريرها لبيبة ماضي هاشم (1882-1952). وقد صدرت هذه المجلة في سنة 1906 وظلت تصدر الى سنة 1939 . وقد كانت لبيبة هاشم من اركان الحركة النسائية لما قدمته من نشاط ملحوظ لم يعرف التوقف منذ ان بدأت العمل في هذه الحركة منذ سنة 1896 م. حتى تاريخ تركها البلاد المصرية وهجرتها الى امريكا اللاتينية في نهاية سنة 1939.
صرحت لبيبة في مقدمة العدد الاول عن أسباب اصدارها المجلة والسياسة التي ستسير عليها في تحريرها، قالت:
«… وبعد حمد الله عز وجل والدعاء لسمو «أميرنا المعظم» لانه في عهده «تفتحت ازهار العلم وأصابت النساء نصيباً من طيب شذاه وانني ممن أصابهن نفحة من نسيم ذلك الروض، وأفسحت نفسي عن الصغائر وشواردها ومالت بي الي ارتشاف كؤوس العلم والتلذذ بعذب مواردهن فأنشأت عدة رسائل أودعتها ما تمثل لرقيّه فائدة للأدباء، ونشرتها على صفحات الجرائد والمجلات، رجاءان تقتدي بها فاضلات النساء».
وتضيف لبيبة قائلة:
«منذ تمكنت من تحريك القلم وأنا أفكر في إنشاء مجلة نسائية أقدم فيها سيدات وطني وبناته، وأنشر على صفحاتها ما يلذ رجال الشرق مطالعته من أيدي نسائه».
ولا شك في أن لبيبة هاشم قامت بحركة نسائية ناهضة. وكانت في الواقع نموذجاً رائعاً لمصابرة المرأة على العمل، فقد كانت مترجمة المجلة ومحررتها ومديرتها وموزعتها ومخرجتها ومندوبة الاعلان، وهيئة التحرير والتوزيع وادارة الاعلانات لمدة 34 سنة متواصلة دون كلل او ملل. وكانت كتابتها عن «أحوالنا الاجتماعية» و «اسم المستقبل» و«الحكومة المصرية وتعليم البنات».
وفي مقالها الاول بيّنت احوال مصر الاجتماعية وان سبب الانحطاط يعود الى العادات الخبيئة واتباع الطرق التي تؤدي الى تأخير أمور البلاد، واخذت أوضح الوسيلة الممكنة للقضاء على هذه العيوب الاجتماعية والتي تتلخص في سدّ نقص التربية البيتية والقضاء على فساد التعاليم المنزلية وان «مدارسنا الابتدائية لا تزال لسوء الحظ وسيلة لزيادة صدأ الاذهان أكثر منا لازالة أدران الجهل و«التربية البيتية» والاجتماعية مجموع سخافات وخرافات وأوهام، فهي تربي العواطف الى درجة التأثير الشديد وفقدان الشجاعة والثبات وتعدّ العقل لقبول أنواع الضلال».
كما طالبت العناية باللغة العربية لغة وادباً، وتنمية الشخصية العربية بمداومة الاطلاع والبحث عن المعارف والعلوم والتمسك بالاخلاق. وخصصت أبواباً «لتدبير الاطفال» وفيه عالجت مواضيع تربية الطفل صحياً وخلقياً وكانت الى ذلك كله تلخص بعض كتب الاطباء. كذلك طرقت باب «آداب وعادات» كانت تلخص فيه بعض العادات الذميمة. وباب آخر أسمته: «من معلم لتلميذه». وباب آخر «من أم لابنها» عندما يكون الحوار موجهاً من أم لولدها، كما خصصت في مجلتها باباً عن محاضرات مسائية تلقى على نساء مصر النابهات او من يقرأن ويكتبن منهنّ. ودعت لأجل هذا باحثة البادية لتلقي هذه المحاضرات ثم تبعتها لبيبة هاشم. وكان ذلك في سنة 1911. وكان موضوع اول محاضرة هو «التربية».
ولقد اهتمت هذه المجلة دون غيرها من الصحف والمجلات بموضوع التربية وكان شعارها هو: «العمل على إيجاد المرأة الفاضلة قبل إيجاد المرأة المتعلمة. لذلك اهتمت بهذا الباب اهتماما خاصا وكان العنوان: «نساء شهيرات».
ونشرت أيضا بابا آخر تحت عنوان: «جوامع الكلم» كانت تأتي فيه بأمثلة حكيمة من الكلمات المأثورة.
وعالجت في العشرينيات: «خروج المرأة من منزلها دون حاجة الى ذلك. وقالت إن خروج النساء دون داعٍ لذلك، يحط من قدرهن ويقلل احترام اولادهن لهن، كما هاجمت المتبرجات في الطرقات وقالت:
«ان اللاتي يتبرجن لسن من المعلمات بل من الجاهلات المتشبهات بالاوروبيات لشعورهن بالنقص».
ومجلة «فتاة الشرق» أول مجلة تمنح هدايا مجانية للقارئ، وذلك عندما وزعت مع العدد الاول من سنتها الحادية عشرة في اكتوبر/ تشرين الاول سنة 1917 رسما لمفرش يشغل بالابرة، ثم توالت هذه الرسوم في السنوات التالية .
ومهما يكن من أمر فقد أدت مجلة «فتاة الشرق» دورها بكل أمانة وصدق، وعملت صاحبتها على ان تجاري الرجل في صناعة القلم، فهي تقول في ذلك الصدد:
«ان المجلات التي تتناول شؤون المرأة يملكها رجال والمجلات التي تحررها نساء قليلة جداً لا تكفي لتحقيق الآمال خاصة، وان الرجل يكتب عن المرأة كما يعلم ويفكر، أما المرأة فتكتب عن نفسها كما تعتقد وتشعر، ويمكنها ان تتخذ من شعورها دليلاً على كل مستحسن في الرجل فتدفعه اليه، او ممقوت فتقبحه في عينه، فضلا عن انها أدرى بحال السيدات ومواضع الضعف منهن وكيفية اكتساب أجيالهن والذهاب بها الى ما فيه خير البلاد وفائدة نفوسهن».
وتقول لبيبة في نهاية مقالها «انني واثقة من النجاح بما توخيت في تحرير هذه المجلة من الاعتماد على النفس وانتهاج سبل الفائدة والاصلاح».
صحيفة الريحانة
ونأتي الى صحيفة «الريحانة» لصاحبتها ورئيسة تحريرها جميلة حافظ، وقد صدرت من سنة 1907 الى سنة 1908، أصدرتها من بلدتها «حلوان» وكانت صحيفة متواضعة، لم تعش طويلا سوى سنتين فقط. كانت صاحبتها امرأة شجاعة. وكانت سياسة الصحيفة قائمة على ان مصر للمصريين: «كشعار غيرنا من الوطنيين المخلصين الصادقين». وقد أبرزت هذا الشعار في العدد الاول آذار/مارس سنة 1908.
وقد طالبت جميلة حافظ الشعب التمسك: «باستقلال البلاد والا يتوانوا عن المطالبة به بالصراحة والمجاهرة وان يعملوا بقول المتنبي:
واذا لم يكن من الموت بدّ فمن العجز ان تموت جباناً
وكانت سياستها نحو المرأة:
«ان أهم مبادئ الريحانة العمرانية هو الانتصار للمرأة والمطالبة بحقوقها التي خولتها لها الشريعة الاسلامية وتعضيد كل قائم بخدمة الاطفال والايتام والفقراء وبالجملة الانتصار لكل ضعيف».
وظهور صحيفة «الريحانة» مدلول على تقدم الحركة النسائية. وقد دل هذا الشيء على وعي صاحبتها بعقل منطقي سليم. لقد خرجت جميلة بين زميلاتها ووقفت على منبر نسائي رفيع في أشد الحاجة لمن يرشده في هذه الظروف الصعبة ويضيء له المستقبل السياسي فهذا هو الشيء الذي يستحق الاحترام والتقدير والاشادة لأنه نوع من البطولة النسائية النادرة.
مجلة ترقية المرأة
انشأت هذه المجلة صاحبتها فاطمة نعمت راشد، وقد ظهرت في سنة 1908، وهي زوجة المفكر محمد فريد وجدي «صاحب جريدة الدستور».عالجت المجلة موضوعات مختلفة منها تقوية الشَّعر وازالة النمش من بشرة الوجه وازالة الشعر الزائد، وكانت فاطمة المتحدثة الرسمية باسم المرأة في المنتديات الدولية.
قالت السيدة فاطمة، في اول عدد تصدره من المجلة الشهرية:
«مجلتنا ناشرة لآرائنا، ومعبرة عن شعور طموحاتنا، تسمع آراء جميع الناس وصوتها حتى يعترفوا بوجودنا، واننا نصف الهيئة الاجتماعية لنا ما للنصف الآخر وعلينا ما عليه على ما حددته شريعتنا او سمحت به مدنياتنا».
«انها استعدت لتكوين حركة نسائية حتى يتماسك نصف المجتمع. لا أن يقف الرجال وحدهم فلا تتقدم الأمة. ان فكرتنا وجدت صدى بين سيدات الطبقة الراقية، وبذلك شرعت في تنفيذها خاصة، وان علمت نفسي استعداداً لهذا الأمر»
لقد عبرت الكثيرات من النساء عن: «مدى تأثير المرأة في النظام الاجتماعي» من بور سعيد وأسوان والقاهرة.
وطالبت بـ «ترقية المرأة» و «حقوق المرأة» و«تعليم المرأة» ومساواتها بالرجل، وكان صوتها داوياً مدوياً في الآفاق وله الاثر الفعال في تطور الحركة النسائية في فترة لم يتناولها أحد في التاريخ.
مجلة الجنس اللطيف
صاحبة هذه المجلة ورئيسة تحريرها ملكة سعد، وقد استمرت المجلة من سنة 1908 الى سنة 1921. عاصرت المجلة احداثاً نسائية مهمة مثل ثورة النساء في سنة 1919، وعالجت اهتمام النساء بالزينة واهمالهن تنمية قدراتهن العقلية
قلت ملكة في العدد الاول من المجلة في سنتها الاولى:
«ان هدف المجلة من الصدور هو ان تأخذ المرأة مكانها كإنسانة تعرف ان الحرية ليست التبرج والتزين بالملابس الفاخرة والسير وراء هوى النفس، لكن الحرية هي ان نعرف ما لنا وما علينا من الحقوق فلا نهان ولا نباع بثمن. ولا نكون ألعوبة في أيدي الجنس النشيط الذي يتصور أننا لم نخلق لنكون له عوناً، وانما خلقنا لنكون في وهاد الذل راتعات، نضرب كالأنعام ونحرم من الاشتراك معه في الاعمال النافعة العمومية».
ثم وضعت مبادئ ستة لتكون عليها سياسة المجلة في المستقبل، وفي العدد الاول، السنة الأولى، في 5 تموز سنة 1908، أوضحت هدف المجلة وبرنامجها والخطط التي تراها مناسبة، وهي التالية:
– ترقية شعور المرأة الشرقية واعدادها بالوسائط الأدبية المفيدة لكي تكون في يوم ما في مستوى واحد مع المرأة الغربية.
– إرشادها الى حالة الوسط الذي تعيش فيه، وبيان مركزها بالنسبة الى الرجل.
– إفهامها واجبها نحو وطنها وأمتها وعائلتها وأولادها وزوجها.
– مساعدتها على التخلص من ربقة الأعراف والتقاليد المستهجنة.
– ترويض عقلها والترويح عنها بما نورد من حين الى آخر في هذه المجلة من النكات الأدبية الفكاهية المقبولة.
– تفهيمها واجباتها نحو الهيئة الاجتماعية بصفتها عضواً نافعاً في جسم العمران.
وقد حاولت هذه المجلة ان تعمل على اعداد المرأة عقلياً وفكرياً، فنشرت لها موضوعات تبين لها كيفية تربية الاولاد، وكيف تعامل زوجها كزميل وشريك، كما نشرت مقالاً لمصطفى المنفلوطي نقلاً عن جريدة «المؤيد» وعنوانه: «البائسات من النساء». واهتمت المجلة بنشر كتاب: «البارونة ستاف» الذي كان مغزاه:
المرأة في أدوارها، حياة المرأة الاولى كفتاة منذ ولادتها حتى تتزوج، وحياة الزوجية، وكيفية ولوج المرأة هذه الحياة الجديدة وعوامل نجاحها فيها وعلاج الفشل اذا وجد، ثم حياتها كأم وما يجب عليها ان تسلكه منذ ولادة الأطفال حتى يصبحوا بالغين في السن.
ونشرت أيضاً تصريح حسين كامل باشا لمجلة «الطان» الفرنسية (Le Temps) عن رأيه في المرأة المصرية، وتعليم المرأة، وتحريرها والخلاص من الجهل بتربية النساء.
ثم جاءت ثورة سنة 1919 واشتركت المرأة المصرية فيها بجميع طبقاتها وكان هذا سبباً في ظهور قيادات نسائية ساهمت بالوسائل الاعلامية نشر الوعي الوطني وضرورة جلاء الانكليز عن ارض مصر.
مجلة المرأة المصرية
استمرت هذه المجلة من سنة 1920 الى سنة 1939 باسم باسم عبد الملك التي وضعت رسماً للأميرة الفرعونية «نفرتيتي» ليكون شعار المجلة ويعبر عن المرأة المصرية الكادحة بعد أن نهضت من سباتها العميق: «لتأخذ بيد القابعات في ظلام الجهل. وأن هذا الرسم سوف يكون على صدر كل فتاة للاستدلال على ان المجلة مصرية بحتة، وانها ستقوم بخدمة المرأة التي نهضت في المدة الأخيرة في سبيل ترقية الأمة. هذه المجلة عبرت تعبيراً صادقاً عن المرأة المصرية وافكارها واحاسيسها وانتسابها العلمي.
كما خاضت المجلة حملة صحافية ضد الدكتور طه حسين الذي طالب المدرسات الاجنبيات باستمرار العمل في المدارس المصرية، وإلغاء قرار وزير المعارف أحمد زكي أبو السعود الذي نص على إحلال المصريات محل الأجنبيات في إدراة المدارس والتدريس بها
قالت المجلة إن طه حسين يتجنى على المصرية بادعائه انها أقل كفاءة وعلما وأقل إدراة واخلاقاً من الاجنبية …».
وان «طه حسين يقول ذلك لهوى في نفسه لأنه لم ير المصريات إلا عن طريق زوجته الاجنبية.
ومهما يكن من أمر فإن إصدارها هذه المجلة واستمرارها في التحرير وادارتها بنجاح، لهو خير دليل على جعل هذه المجلة تتصدر الصحافة النسائية طوال سنوات عدة، هو دليل ساطع على تقدم الحركة النسائية في مصر واتخاذها مظهراً جديداً هو خروج المرأة المصرية الى ميدان الإعلام وحملها القلم تعبيرا عن آرائها نحو قضايا الوطن السياسية والاجتماعية والثقافية، وتناقش الرجل على اساس منطقي وتشاركه نشاطه الفكري والادبي.
صحيفة الأمل
كان لمجلة الأمل لصاحبتها منيرة ثابت وهي من المجلات النسائية، تأثير واضحفي تقدم الحركة النسائية اذ وضعت برنامجا واضحا ذا أهداف سياسية واجتماعية واقتصادية. وهي اول مجلة نسائية حزبية تنحاز الى مبادئ «حزب الوفد».
قالت صاحبتها بأنها: «صحيفة الدفاع عن حقوق المرأة المصرية، وأضافت بأنها انشأت «صحيفة الدفاع عن حقوق المرأة المصرية». وأن هذه الصحيفة في حاجة إلى مؤازرة نساء مصر وتضامنهن معها «حتى تكون المرأة المصرية قدوة لنساء الشرق».
أما برنامج عمل هذه المجلة فقد حددته تحت باب «نسائيات» وقسمته إلى الأهداف التالية:
– السعي إلى ترقية التعليم الابتدائي للبنات وتوسيع تعليمهن الثانوي، واشتراكهن في التعليم العالي.
– السعي إلى تحرير المرأة المصرية من قيود العادات والتقاليد.
– السعي إلى نشر السفور المحتشم وتعضيده.
– السعي إلى تقرير تمتع المرأة باستقلالها الشخصي وحريتها كالرجل، على الا يتعدى استقلال كل منهم دائرة الأدب والفضيلة ونعني تقرير مبدأ « الوحدة الحقيقية بين الجنسين في دائرة الفضيلة».
– السعي إلى الحصول على حق التصويت للمرأة، ثم حق تمتعها بالعضوية في المجالس النيابية على اختلافها.
– السعي إلى استصدار قانون بتعديل شروط الزواج والطلاق لحفظ حقوق المرأة فيها ثم قانون آخر لمنع تعدد الزوجات.
وكان من الطبيعي ان يهاجم بعض السياسيين ورجال مصر منيرة ثابت لآرائها التقدمية ويرمونها بالخروج على «الأخلاق والدين باعتبارها فتاة مدللة لم تعرف التربية الحقيقية».
مجلة أمهات المستقبل
صاحبة هذه المجلة هي تفيدة علام. عاشت هذه المجلة فترة قصيرة امتدت من سنة 1930 إلى سنة 1932 فقط.
قالت تفيدة في معرض حديثها عن المجلة بأنها «لسان حال الشابات المصرية». ومن خلال رئاستها لجمعية: «أمهات المستقبل». مما جعلها تعطي أحقية إدارة «مجلة أمهات المستقبل» خاصة ان الجمعية تضم بعض سيدات الجمعية وان تستحوذ على ثقة بعض المسؤولات في الجمعية وتعهد اليهن الإشراف على تحرير المجلة.
جاء في العدد الأول من المجلة كانون الثاني / يناير سنة 1930، من مقال مستفيض لتفيدة علاّم. قالت:
«مهما يكن من أمر فإن ظهور الصحافة النسائية في حدّ ذاته من أبرز مظاهر التطور الذي اعترى الفكر النسائي في مصر وخرج به عن سابق عهد حيث كان منصباً على التفكير في امور انثوية فقط الى التفكير في امور عامة تمس القضايا الوطنية بابعادها المختلفة. كما ان تناول هذه الصحافة للقضايا النسائية المعاصرة لكل منها وإفساح صفحاتها للمؤيدين لإنجاح هذه القضايا، أو للمعارضين لها أضاء الطريق أمام المرأة وبيّن لها سبل النجاح وأمدها بقوة تحدّث بها الواقفين في سبيلها وقضت على كثير من العقبات».
وهناك صحف ومجلات أخرى غير هذه التي ذكرناها فهناك: «المصرية» لهدى شعراوي، و«الفتاة» لنبوية موسى، و «فتاة الغد» و «بنت النيل» كما ان هناك امتيازات صحافية اخرى. وقد نجحت الصحافة النسائية المصرية إلى حد بعيد في التعبير عن الحركة النسائية.
مجلة المرأة الجديدة
ونأتي الآن للحديث عن
جلة نسائية لبنانية رائدة تحت اسم: «المرأة الجديدة» لجوليا طعمه دمشقية، مجلة أنشأت في شهر نيسان سنة 1921، وامتدت في الصدور حتى نهاية العام 1926 وهي مجلة نسائية كانت لسان حال: «جامعة السيدات» في بيروت. وكان شعار هذه المجلة: «مجلة نسائية شهرية تأسست في سنة 1921 غايتها بث روح التربية الاستقلالية وتحسين الحياة العائلية وترقية المرأة السورية أدبياً وعلمياً واجتماعياً».
تزوجت جوليا في عام 1913 من الوجيه بدر دمشقية من بيروت حيث انطلقت الى المنابر الخطابية، وسكنت منطقة رأس بيروت حيث أصبح منزلها منتدىً أدبياً لأهل العلم والقلم والأدب والثقافة والصحافة. وكان من رواد منزلها كل من:
أحمد شوقي وفارس نمر وفؤاد صروف وخليل مطران وجميل صدقي الزهاوي ونقولا والياس فياض وجبران تويني ومي زيادة وماري يني وابتهاج قدورة وسلمى صايغ وعنبرة سلام وفؤاد حبيش وميشال زكور وأمين تقي الدين.
كما كانت على معرفة ببعض أساتذة الجامعة الامريكية في بيروت أمثال: جبر ضومط وجرجس الخوري المقدسي وبولس الخولي وأنيس الخوري المقدسي وشحادة شحاده ونقولا ربيز وابراهيم طوقان وغيرهم.
قامت جوليا ببعض النشاطات الاجتماعية وتحضير اللقاءات والاجتماعات وحضور المؤتمرات بين سنة 1925 و 1935.
سافرت الى مصر مع ماري كساب في سنة 1927، وجمعت بعض الاموال دعماً للمدرسة الاهلية في بيروت ومجلة «المرأة الجديدة» ومثلت لبنان في المؤتمر النسائي الذي أقيم في اسطمبول. وفي سنة 1947 منحها رئيس الجمهورية اللبنانية الشيخ بشارة الخوري وسام الارز المذهب.
أما الكتّاب الذين كتبوا في هذه المجلة فنذكر منهم
:
أحمد شوقي وراجي الراعي وسليم سركيس وميخائيل نعيمة وأمين تقي الدين والياس فياض ووديع عقل وسعيد تقي الدين وخليل مطران وميشال ابو شهلا ونقولا حداد وسلمى صائغ وماري يني وجوزف أبو خاطر وجرجي نقولا باز وأحمد محرم وماري عجمي وولي الدين يكن وجبر ضومط وعيسى اسكندر المعلوف وطانيوس عبده وسليمان أبو عز الدين ومحيي الدين النصولي وحليم دموس وأمين الغريب ومـــي زيادة ومحمد كامل شعيب العاملي وغيرهم كثير.
صدرت المجلة شهرياً وكانت تطبع في مطبعة زنكوغراف طبارة، ومركزها بيروت، سوق أياس، والمدير المسؤول: فؤاد مغبغب، وقيمة الاشتراك السنوي 250 غرشاً سورياً في سورية وليرة انكليزية في الخارج.
وقد وجهت إدارة المجلة في أعدادها الأولى الإعلام التالي إلى جميع قرائها ومشتركيها البيان التالي:
«المرأة الجديدة» مجلة العائلة تفيد الأم والزوجة والفتاة والولد.. بمواضيعها التهذيبية، وأبحاثها المنزلية، وحكاياتها الاخلاقية، فهي أفضل هدية يقدمها الصديق لصديقه والقريب لقريبه».
وفي عدد كانون الثاني من سنة 1927، نشرت قائمة الياناصيب الاولى لمجلة المرأة الجديدة، أي في كل عدد من اعداد المجلة توجد ورقة ياناصيب مرقمة، ذات فائدة لصاحب الحظ، وادرجت في العدد الجوائز المقدمة من المحلات والمؤسسات.
وفي سنة 1926 أقعد المرض جوليا طعمه دمشقية فكانت تطلق صيحات مدوية مع مقالها الشهري» «يا ابنة بلادي» تتناول منه مواضيع اجتماعية مختلفة من تأملات وخواطر وذكريات ووصايا ومعلومات عن المرأة والمجتمع والاخلاق، متوخية الالتزام بقضايا المرأة والمجتمع عبر إصلاحية ومنهجية دعاة التقويم والاصلاح والبناء.
آمنت جوليا طعمه دمشقية بالمبادئ السامية ونعمة الحرية ووحدة الشعب، وان الطائفية جدار يحول دون انطلاق هذه الوحدة في مجال التعاون المثمر بين أبناء الوطن الواحد. فأعطت للوطن كل طاقاتها طاقة اللسان والقلم والجنان، والدعوة المخلصة الى المحبة والإخاء والسلام والتعاون.
ومهما يكن من أمر فإن ظهور الصحافة النسائية العربية في حدّ ذاته يعدّ مظهراَ من أبرز مظاهر التطور والرقي الذي أصاب الفكر النسائي في كل من مصر ولبنان وسورية وبعض البلدان العربية، وكان أثره فعالاً في المجتمعات العربية، كما ان تناول هذه الصحافة للقضايا النسائية المعاصرة وإفساح صفحاتها للمؤيدين والمطالبين بإعطاء المرأة حقوقها هو الأمر الذي يمهد أمام المرأة بلوغ ما تريد وتمهيد سبل النجاح لإيصال كلمتها إلى الرأي العام العربي وتذليل العقبات من مثل حق التصويت والتمثيل في المجالس النيابية والقضاء على تعدد الزوجات والحد من الطلاق، وتسلّم المناصب الرفيعة في الدولة الصغرى منها والكبرى، وما كان هذا يخطر ببال الرواد الأوائل للحركة النسائية في القرن الماضي وما كان ليحدث لولا وجود الصحافة النسائية التي نجحت في التعبير عن آرائها وأفكارها وتطلعاتها. كما كان هناك ميدان فسيح لتدريب بعض العناصر من الحركة النسائية وصقلها، وما كان هذا متاحاً للنساء في مجالات غير مجال الصحافة النسائية، وكان لعدد من النساء فضل كبير على الحضارة أمثال: لبيبة أحمد ونبوية موسى وعائشة عبد الرحمن ومي زيادة والكسندرة الخوري افرينو وملكة سعد ولويزا حبالين وروز انطون حداد وحبوبة حداد وزينب فواز وأمينة الخوري المقدسي وعفيفة صعب وابتهاج قدورة وزاهية سلمان وعائشة التيمورية ولبيبة ميخائيل صوايا وعفيفة كرم وسلمى صائغ ونظيرة زين الدين. وغيرهن من العائلات في الشؤون النسائية.
بذلت المرأة جهوداً في سبييل تأكيد مكانتها الطبيعية في الحياة الى جانب جهودها في مجالات العلم والعمل، بحيث غيرت نظرة المجتمع اليها، وتحّمل المسوؤليات الملقاة على عاتقها، فاستطاعت ان تحرر نفسها مادياً ومعنوياً، وان تكافح من أجل تطوير المجتمع على أساس العدالة والمنطق وتكافؤ الفرص بين كلا الجنسين.
وقد رأينا اليوم أن المرأة قد تقدمت فأصبحت نائباً ووزيرة ومسؤولة في الإدارات الرسمية وفي رئاسة الشركات وفي اقتصاديات البلاد بل على قواعد وأسس الحياة العربية بأبعادها المختلفة.