تتناول هذه الدراسة التربية على المحيط وعلاقتها بالتنمية في جوانبها المختلفة، وخاصة التربية البشرية المستدامة، وتأثير ذلك على المجتمع المحلي، وما يمكن أن يحدثه التفاعل بينهما في التنمية المحلية ورفع شأنها لتتناغم وتتكامل مع التنمية الوطنية من جهة، ولتعمل على تفعيل دور الناس للمشاركة في عملية التنمية، من خلال تمكين المرأة، على الخصوص، ودفعها لتكون عاملاً مساعداً ومكمّلاً في هذه العملية، محلياً ووطنياً.
أولاً: التربية في العصور الحديثة
1- مفهوم التربية وتطوره
كانت التربية وما تزال الهاجس الأول في حياتنا البشرية وفي معظم الأديان السماوية بخاصة في الدين الإسلامي، وكانت غايتها تحقيق إنسانية الإنسان وتربيته تربية مستمرة دائمة حتى يلقى الله وهو راضٍ عنه. إن التربية على المحيط لها جذورها في تراثنا الأصيل وفي منظومة قيمنا الفكرية والاجتماعية والدينية. ومنذ القرن التاسع عشر لم تعد التربية موضوعاً لتأملات الفلاسفة، ولا من تخصص رجال الدين، فحسب، بل أصبحت أيضاً، علماً ذا أسس عقلية عملية، وبدأت تظهر في العالم الأبحاث والدراسات التربوية المختلفة والمتنوعة.
وكان للفلاسفة الإنكليز في هذا العصر دور كبير في تطور الفكر التربوي، حيث كانوا يميلون إلى النزعة التجريبية وطابعها العلمي الذي يعتمد على الملاحظة والتجربة الدقيقة، واعتنوا بالطرق الاستقرائية.
أما الفلاسفة الألمان فحاولوا أن يربطوا نظرياتهم بأفكارهم المتصلة بالطبيعة الإنسانية، واهتموا بالتربية القومية، وأبعدوا التربية الدينية عن المدارس.
وعاد الاهتمام بالتربية والعملية التربوية وازداد في العصر الحاضر. ونتيجة لذلك تميزت التربية عن غيرها بأنها متقدمة على التعليم، وقد أصبح الطفل والإنسان الفرد هو محور التربية. واهتمت التربية بالفرد كإنسان لكي يحقق نموه الإنساني، ولكنها لم تهمل الجانب الاجتماعي والتكيف مع الجماعة التي يعيش بينها. كما تعاونت التربية مع علم النفس لتقديم ما يناسب كل فرد على حدة. وتعاونت مع علم الاجتماع لكي تطبع الإنسان بطبائع المجتمع الذي يعيش فيه. كما تمّ الاهتمام بعالمية التربية، وذلك بالتوسع في الهدف التربوي، من التكيف مع المجتمع المحلي، إلى التكيف مع المجتمعات عامة، أو التكيف مع الثقافة الإنسانية. وأصبح الهدف التربوي هو إعداد الإنسان الصالح لكل مكان، وليس المواطن الصالح لوطنه فقط، وذلك باستعمال الأدوات والأجهزة والمخترعات الحديثة في العملية التربوية، وتسخير تلك الأدوات للتقدم والتطور الإنساني.
2- مفهوم التربية على المحيط
التربية عملية تكوين وإعداد أفراد إنسانيين في مجتمع معين له خصائصه الاجتماعية والثقافية في زمان ومكان محددين، مما يجعلها أداة تنموية تساهم في اكتساب المهارات والقيم والاتجاهات وأنماط السلوك المختلفة، والتي تيسّر لهم عملية التعامل مع البيئة الاجتماعية والمادية التي يعيشون فيها.
ومن معاني التربية التنموية أيضاً، أنها تسعى إلى تكوين المواطن الصالح المنتج المزود بالكفاية الاجتماعية، عن طريق تنمية قواه واستعداداته ومعاونتها حتى تصل إلى أقصى ما يمكن أن تبلغه من نمو، وعن طريق توفير البيئة الصالحة في الأسرة والمدرسة. ولا تتم التربية الحقة إلا بتعديل السلوك عند الفرد واكتسابه للخبرات في الوجهة الصالحة التي ترضاها الجماعة وتوافق عليها. ذلك أن التربية تعني: العملية الواعية المقصودة وغير المقصودة لإحداث نمو، وتغيير وتكيّف مستمرين للفرد من جميع جوانبه الجسمية والعقلية والوجدانية وتحقيق إنسانية الإنسان.
إن المواطن الصالح الذي تهدف التربية إلى تكوينه هو الذي يحمل ثقافة مجتمعه. والتربية عملية اجتماعية تقوم بها الجماعة لأفرادها عن قصد وتنظيم وتخطيط، وإعدادهم للمستقبل كأفراد وأعضاء في المجتمع الذي ينتمون إليه، بكل مكوناته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعقائدية، وأهدافه وفلسفته في الحياة. وهذا بالضبط ما يدعو إلى الحديث عن تربية مستقبلية تكفل لتلاميذ اليوم تحقيق تكيّف أفضل مع متطلبات العصر( )، بعد غربلتها ومناسبتها لقيمنا الروحية والفكرية والسلوكية.
إن التربية، كما رأينا، تعمل على تنمية أفراد المجتمع، وتحملهم على التكيف مع محيطهم. والتنمية مسألة معقدة شاملة بحيث لا تقتصر على جانب واحد من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئة وغيرها.
فما هو مفهوم التنمية بشكل عام؟ وماذا يعني مفهوم التنمية البشرية، والتنمية المستدامة، والتنمية المحلية؟ وكيف تطوّرت هذه المفاهيم؟
ثانياً: مفهوم التنمية
يعني مفهوم التنمية Développement التغيير الجذري للنظام القائم، واستبداله بنظام آخر أكثر كفاءة وقدرة على تحقيق الأهداف. ولقد ذاع مفهوم التنمية منذ نحو قرن، وذلك في الدول الغربية. واقتصر مفهومه في هذه الدول على الجانب الاقتصادي، ثم تطور وأصبح من أهم المفاهيم العالمية في القرن العشرين، حيث أطلق على عملية تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متماسكة فيما يسمى بعملية التنمية( )، وإن كان يقتصر في الغالب على الجانب الاقتصادي. ويرتبط إلى حد بعيد بالعمل على زيادة الإنتاج الذي يؤدي بدوره، إلى زيادة الاستهلاك. لكن هذا المفهوم للتنمية الذي يجعل من الإنتاج مقياساً لها، بحيث إذا توفر نمو وزيادة في الإنتاج كانت هناك تنمية، وإذا انتفى انتفت. وقد ضيّق هذا المفهوم من مجالات التنمية في المجتمعات الإنسانية، ثم حصر طاقات الإنسان المتنوعة التي يمكن تنميتها في طاقة واحدة هي الطاقة المادية المتمثلة في الإنتاج والاستهلاك. كما أنه جعل الإنتاج مقياساً للتنمية، بحيث تكون التنمية الاقتصادية متوقفة على الإنتاج، فحسب. ومن المعلوم أن هذا ليس بمقياس سليم في حد ذاته، بل إن الواقع يشهد بخلاف ذلك، ولو كان قد حقق نجاحاً باهراً في البيئة الغربية، ذلك لأن هذا التوجّه في العملية التنموية كان منسجماً مع النظرة الغربية للكون والإنسان والحياة.
أما الكثير من الدول التي اصطلح على تسميتها بالنامية، والتي لا تتبنى النظرة نفسها، فقد انقضت بضعة عقود دون أن تحقق تقدماً ملحوظاً في معظم المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بل إنها تراجعت في كثير من هذه النواحي إلى مستويات من الممارسة والأداء والفعالية أدنى مما كانت عليه.( )
ونظراً لهذا الاجتزاء الذي اتسم به مفهوم التنمية في المراحل الأولى، فقد بدا من الباحثين مَن يرفض تلك المفاهيم للتنمية التي لا تخرج عن نطاق المال وزيادته، وتهمل العنصر البشري الذي هو المصدر الحقيقي للتنمية. فالتغيّر المادي مهما يكن حجمه لا جدوى منه ما لم يصاحبه أو يسبقه تغيير جوهري للإنسان من النواحي الجسمية والعقلية والنفسية، ومن ثم أكد العديد من الباحثين على أن جوهر التنمية يكمن في تحسين نوعية حياة الإنسان( ).
ومن ثم، تواجدت تعريفات مختلفة حيال ذلك المفهوم، يسعى كل منها لاستجلاء بعض جوانب غموضه ويركّز بعضها على أحد أبعاده من دون البعد الآخر( ).
لقد ذهب البعض إلى أن التنمية هي كل عمل إنساني بنّاء في مختلف المجالات( )، من حيث إنها عملية معقدة تشمل جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية كافة( ).
وهكذا، لا يقتصر دور أبناء المجتمع الذي يشهد عمليات التنمية على مجرد تنفيذ الأوامر، بل يتعداها إلى المشاركة الإيجابية الفعالة بشأن تحديد أهداف التنمية، والمشاركة في تحقيقها( ).
لقد شغل موضوع التنمية مختلف المشارب العلمية، الاقتصادية، السياسية والاجتماعية، نظراً للأهمية القصوى التي يكتسبها هذا الموضوع لتسليطه الضوء على الإنسان الذي هو أولاً، وقبل كل شيء، محور التنمية. لذا تمّت صياغة مفاهيم عدّة ومختلفة بمختلف المحطات التاريخية والانتماءات الجغرافية والاقتصادية، وكذا الوضعية الاجتماعية والسياسية للمفكّرين الذين حاولوا صياغة هذه المفاهيم. من هنا ارتأينا ضرورة التطرق إلى بعض تلك المفاهيم منها:
عرّف عبد الحليم عبد المطلب "التنمية بكونها عملية مجتمعية متعددة الأبعاد والجوانب تنطوي على تغيرات جذرية على مستوى الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية شريطة أن يسير ذلك كله بشكل متوازن تماماً مع زيادة النمو الاقتصادي وتحقيق العدالة في توزيع ثمار تلك التنمية، أي العدالة في توزيع الدخل الوطني.( )
ومن كل ما سبق يتضح لنا أن التنمية تُعَدّ أسلوباً من أساليب النهوض بالمجتمع الإنساني. وعلى هذا، فهي لا تعتبر غرضاً في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لتحقيق أغراض يبتغيها المجتمع( ).
وبهذا يُعَدّ مفهوم التنمية من المفاهيم الإشكالية. والمفهوم يشمل الحياة نفسها ليصف نمط الحياة بأنه متقدّم، أو أنه في نمو، أو سائر في سبيل التنمية، فتشمل الجوانب كافة إلى الدرجة التي يمكن دراسة كل شيء باعتباره تنمية( ).
ومما سبق يؤكد هنا أنه لا يوجد تعريف للتنمية جامع مانع، بحيث يعطينا مفهوماً مجدداً حاسماً للمصطلح المذكور développement، ولكننا نجد أن أغلب التعريفات للتنمية سواء المثالية أو الراديكالية وغيرها تدور جميعها حول العملية تشمل جوانب الحياة في المجتمع كافة. وهي عملية تستند أساساً إلى قدرات أفراد هذا المجتمع وإرادتهم، لتحقيق ما فيه مصلحتهم وتقدّمهم.
ولهذا تُعدّ التنمية ثورة على القديم. ولتحقيق هذه الثورة يجب تغيير الأطر الفكرية للإنسان. فظهر، لذلك، مفهوم التنمية البشرية.
2- مفهوم التنمية البشرية
مع دخول العقد الأخير من القرن العشرين، جاءت الإحصاءات المتعلقة بالتنمية في العالم صادمة: فلا يزال ثلاثة أرباع سكان العالم ممن يعيشون في الدول النامية لا يحصلون إلا على 16% من الدخل العالمي. ويعيش واحد من كل ثلاثة أشخاص في هذا العالم في فقر مدقع. هذا بالإضافة إلى مشكلة البطالة والعجز المتزايد في فرص العمل، وعلى الرغم من تحسن فرص الحياة، وانخفاض معدلات الوفيات نتيجة للتطور العلمي والطبي. وظهر أن السياسات المادية للتنمية أسفرت عن عواقب خطيرة على صحة الإنسان، نتيجة إهمال البيئة وإفسادها اللذين صارا يشكّلان مصدراً أساسياً لتهديد أمن الإنسان. إذ لا يزال أكثر من مليار نسمة محرومين من الخدمات الاجتماعية الأساسية كالرعاية الصحية الأولية، والتعليم الأساسي، ومياه الشرب المأمونة، والتغذية الكافية. لقد كانت تلك الصورة الإنسانية محزنة للأمم المتحدة، رغم كل ما حققته الإنسانية من مكاسب. وكانت تلك هي البيئة المواتية لظهور منظور جديد يحمل هدف وشعار التنمية من أجل البشر: وهو التنمية البشرية Human development التي أصبحت موضوعاً يحتل مكان الصدارة في ما يدور من نقاش حول التنمية العالمية. وقد جرى إدخالها كجزء من الاستراتيجيات الإنمائية لمختلف بلدان العالم. وهي الآن لب الاستراتيجية الإنمائية الدولية للأمم المتحدة( ). ذلك أن الهدف الأساسي للتنمية هو:
"خلق البيئة الملائمة ليتمتعوا (أي الناس) بحياة طويلة خالية من العلل وخلاّقة"( ).
لقد شاع أن الدخل هو بديل للخيارات الإنسانية الأخرى، لأن توافره يسمح بممارسة جميع الخيارات الأخرى. بيد أن خبرات بلاد كثيرة قد دلّت على إمكانية تحقيق مستويات عالية من التنمية البشرية، رغم تواضع مستويات الدخل فيها.
من ناحية أخرى، فإن مستوى الدخل الحالي لأي بلد، قد لا يعطي فكرة كافية عن احتمالات النمو في المستقبل. إلا أن استثمار بلد ما ثروته المادية في تنمية ثروته البشرية ينبئ بالضرورة، أن دخله سيكون أعلى بكثير مما يشير إليه مستوى الدخل الحالي.
والتنمية البشرية هي عملية تهدف إلى زيادة الخيارات المتاحة أمام الناس. ومن حيث المبدأ، فإن هذه الخيارات بلا حدود، وتتغير بمرور الوقت. أما من حيث التطبيق، فقد تبيّن أنه على جميع مستويات التنمية، تتركز الخيارات الأساسية في ثلاثة، هي:
• أن يحيا الناس حياة طويلة خالية من العلل.
• وأن يكتسبوا المعرفة.
• وأن يحصلوا على الموارد اللازمة لتحقيق مستوى حياة كريمة.
وما لم تكن هذه الخيارات الأساسية مكفولة، فإن الكثير من الفرص الأخرى سيظل بعيد المنال( ).
وإذا كان منظّرو التنمية البشرية يكادون يتفقون على أن المفهوم أوسع نطاقاً وأعمق مضموناً من الأساليب المتاحة لقياسه، فلا مناص، مع ذلك، من الاعتماد على المؤشرات والمقاييس المطروحة، مع التسليم بما قد يعتورها من قصور. ويمكن أن توجز هذه الأبعاد بما يلي:
– التنمية الاقتصادية، وهي في الدراسة الراهنة تعني النظرة العامة للاقتصاد والعمل والإنتاج، وضوابط المعاملات الاقتصادية والتجارية والفقر.
– التنمية الاجتماعية، وهي تشير إلى العدالة الاجتماعية (العدالة في الخدمات الصحية، العدالة في فرص التعليم، والعدالة في توزيع الدخل والثروة) الأحوال الشخصية والقرابة.
– التنمية الثقافية، وهي تشير إلى (مكانة العلم والعلماء، الموقف من الثقافات الأخرى ما بين التشكيك والتأييد والمعارضة، القيم، الخ).
– التنمية السياسية، وقصدنا بها مسؤوليات الدولة، وشروط الحاكم، والديمقراطية، احترام حقوق الإنسان، الانتماء، إمكانيات تطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع.
لقد تجاوز مفهوم التنمية البشرية المعاصر الكثير من الثنائيات التي لا تخلو من التبسيط؛ وأولها، ثنائية الاقتصاد الاجتماعي التي يتقابل فيها القطبان كأن أحدهما لا يتقدم إلا على حساب الآخر، وكأن العلاقة بينهما يجب أن تكون علاقة إخضاع أحدهما لأهداف الآخر، ويرتبط بها ثنائية السوق والدولة، وهي أيضاً علاقة إقصاء في الفهم التقليدي. في حين يفترض أن تكون علاقة تضافر وتكامل، لأن السوق والدولة هما أدوات ووسائل يجب أن تعمل معاً تحت إدارة المجتمع ورقابته، وفي خدمة أهدافه( ).
من ناحية أخرى، فإن مفهوم التنمية البشرية تعرّض بدوره للتآكل خلال العقود الأخيرة، حيث تم إهمال بعض مكوّناته (لا سيما المكوّنات الثقافية والسياسية والبيئية)، في حين حظي المكوّن الاقتصادي بالاهتمام الأكبر، يليه المكوّن الاجتماعي. ولم يخلُ فهم المكونات نفسها من بعض المشكلات أيضاً، حيث تم اختزال هذه المكونات في بعض جوانبها التقنية أو الجزئية، كاختزال البعد السياسي بالحوكمة gouvernance التي نظر إليها من منظور إداري وفني. واختزال البعد الاجتماعي أيضاً في المشكلات الاجتماعية والتعامل مع الآثار والنتائج، أكثر من النظر إليه من منظور "التنمية الاجتماعية كعملية تحويلية للمجتمع".
أما البعد الثقافي فقد بقي الأكثر إهمالاً إلا من بعض الأفكار العامة.
لذلك كله، تطور مفهوم التنمية البشرية ليصل إلى التنمية البشرية المستدامة؟
ثالثاً- مفهوم التنمية البشرية المستدامة
1- تعريفه
عرّف الإعلان العالمي للحق في التنمية، مفهوم التنمية العام 1986 على الشكل التالي:
"التنمية هي سيرورة شاملة، اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، تهدف إلى تحقيق تقدم مستمر في حياة جميع السكان ورفاهيتهم. وهذه السيرورة تقوم على أساس مساهمة جميع الأفراد بشكل نشيط وحرّ في التنمية، وعلى أساس التوزيع العادل لعائداتها… كما أن الإنسان هو الموضوع المحوري لسيرورة التنمية. إن السياسات التنموية يجب أن تجعل من الكائن الإنساني المشارك الأساسي في عملية التنمية والمستفيد الأول منها".
وقد تبنّى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تعريفاً مختصراً للتنمية العام 1990 (اقتباساً عن الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد أرثلونيس: "التنمية هي توسيع خيارات الناس".
أما التعريف المفصّل الذي ورد في تقرير "مبادرة من أجل التغيير، لجون غوستاف سبيث" العام 1996، فهو: "التنمية البشرية المستدامة هي تنمية لا تكتفي بتوليد النمو وحسب، بل توزيع عائداته بشكل عادل أيضاً، وهي تجدّد البيئة بدل تدميرها، وتمكّن الناس بدل تهميشهم، وتوسع خياراتهم وفرصهم، وتؤهلهم للمشاركة في القرارات التي تؤثر في حياتهم".
إن التنمية البشرية المستدامة هي تنمية في مصلحة الفقراء، والطبيعة، وتوفير فرص عمل، وفي مصلحة المرأة. إنها تشدد على النمو الذي يولّد فرص عمل جديدة، ويحافظ على البيئة؛ تنمية تزيد من تمكين الناس وتحقّق العدالة فيما بينهم"( ).
وحسب تعريف لجنة برونتلاند الذي أصبح علامة فارقة في السياسات البيئية والتنموية منذ التسعينيات من القرن الماضي، فإن التنمية هي التي تأخذ بعين الاعتبار حاجات المجتمع الراهنة بدون المساس بحقوق الأجيال القادمة في الوفاء باحتياجاتهم".
إن قمة الأرض الثانية التي عقدت في أيلول 2002 في جوهانسبرج عُقدت تحت شعار "القمة العالمية للتنمية المستدامة".
وبالتالي فإن الاستدامة، حسب تعريف ومنهجية لجنة برونتلاند، تدعو إلى عدم استمرارية الأنماط الاستهلاكية الحالية، سواء في الشمال أو في الجنوب، والاستعاضة عنها بأنماط استهلاكية وإنتاجية مستدامة. وبدون تحقيق مثل هذه التطورات، فلا مجال لتطبيق حقيقي لمفاهيم التنمية المستدامة الشاملة. ويؤكد تقرير برونتلاند أيضاً، على الارتباط المتبادل والوثيق ما بين التنمية البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وأنه لا يمكن إعداد أو تطبيق أية استراتيجية أو سياسة مستدامة، بدون دمج هذه المكوّنات معاً. ويحتاج تحقيق التنمية المستدامة إلى تغييرات جوهرية في الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية على الأخص. ولكن مثل هذه التغييرات لا يمكن أن تتم من خلال "أمر من الأعلى"، أي من السلطة الحاكمة، بل من خلال التنظيم الشعبي والاجتماعي الذاتي، والتعاون ما بين القطاعات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، وممارسة الديمقراطية الاقتصادية من خلال عملية تشاورية تشاركية تتضمن قطاعات المجتمع كلها.
إن أهم الخصائص التي جاء بها مفهوم التنمية المستدامة، هو الربط العضوي التام ما بين الاقتصاد والبيئة والمجتمع، بحيث لا يمكن النظر إلى أي من هذه المكونات الثلاثة بشكل منفصل. فلا بد من أن تكون النظرة التحليلية إليها متكاملة معاً، باعتبارها أبعاد التنمية البشرية المستدامة.
إن هذه الأبعاد المتشابكة، تعني أن النظر إلى التنمية المستدامة يختلف حسب زاوية المقاربة، أو منهجية وخلفية التحليل. فالاقتصاديون سوف يركّزون على الأهداف الاقتصادية أكثر من غيرها. كما يؤكد البيئيون على أهمية حماية الطبيعة. ويشدّد الاجتماعيون على مبادئ العدالة الاجتماعية وتحسين نوعية الحياة. ولهذا تختلف تعريفات الاستدامة من اختلاف المنظور.
تعطي هذه التعريفات فكرة كافية عن المفهوم، وعن مضمون التنمية البشرية، والوجهة التي تحملها، وعن الالتزامات الوطنية المطلوبة لبناء استراتيجية تنمية، وتمهّد للتعمّق بالمفهوم نفسه، للوصول إلى مفهوم التنمية الشمولي.
2- مفهوم التنمية الشمولي
التنمية الشاملة كمفهوم تمكن الإشارة إليه من خلال أربعة مستويات متضمنة فيه، الرؤية، المنهجية، الاستراتيجية، وأسلوب العمل.
وعلى هذا الأساس يصح القول: رؤية تنموية، ومنهجية تنموية، واستراتيجية تنموية، وأسلوب عمل تنموي.
وانطلاقاً من التعريف الذي تحدثنا عنه في الإعلان العالمي "الحق في التنمية" وغيره، يمكن الإشارة إلى خمسة مجالات أو أبعاد رئيسية يجب أن تشملها أية استراتيجية تنموية، وهي:
المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية، عند التخطيط التنموي، سواء أكان ذلك على المستوى الوطني أم المحلي، إذ يجب استعراض هذه المجالات مجتمعة، وتصميم التدخل التنموي بشكل واقعي وعلمي، متضمناً مجالات التركيز والأولويات، ولكن دون إغفال أي بعد من هذه الأبعاد المذكورة، خصوصاً في مرحلة التحليل والتشخيص.
ويتضمّن مفهوم التنمية البشرية المستدامة أربعة مبادئ رئيسية يجب أن تلحظ في كل المجالات الاستراتيجية المذكورة، وهي: العدالة، الإنتاجية، الاستدامة، والتمكين.
هذه المبادئ هي بمثابة معايير لتقييم السياسات والبرامج لجهة مدى استجابتها لمتطلبات تحقيق التنمية. كما أنها تشير إلى أهداف يجب تحقيقها من ناحية ثانية. وتكمن المسألة في أن نعطي لكل منها المضمون الملموس على الصعيد الكوني، بالإضافة إلى إعطائها مضمونها الخاص المعبّر عن ظروف كل بلد ومجتمع، وعلى المستوى المحلي.
رابعاً- التنمية المحلية
لا بد من التأكيد على أهمية تضافر الجهود المحلية الذاتية، والجهود الحكومية، لتحسين نوعية الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية للمجتمعات المحلية، وإدماجها في منظومة التنمية الوطنية الشاملة، لكي تشارك مشاركة فعالة في التقدم على المستوى الوطني.
انطلاقاً من هذا التوجه في عملية التنمية المحلية، لا بد من البحث في المجتمع المحلي. فما هو المجتمع المحلي وكيف يمكن تنميته ( ) ؟
خامساً: المجتمع المحلي
1- مفهوم المجتمع المحلي
يمكن التعبير عن مفهوم المجتمع المحلي بأنه ارتباط بشري قائم على الإرادة الطبيعية، حيث تقوم العلاقات الشخصية فيه على القرابة والصداقة والجوار، كما تؤدي هذه العلاقات وظيفتها من خلال التضامن والعادات الشعبية والسنن والدين. فمفهوم المجتمع المحلي، على هذا الأساس من التضامن التقليدي والترابط القائم على الإرادة الطبيعية بين أفراده، هو ما يميّزه عن مفهوم المجتمع بما يمثله من إرادة تعاقدية تسود علاقات أفراده.
2- مفهوم تنمية المجتمع المحلي
تصنف المراجع عملية تنمية المجتمع المحلي بأنها عملية مستمرة يتعامل بها أكبر عدد من أفراد المجتمع المحلي، بهدف إحداث تغيير جذري لأوضاعه، ليتحول إلى مجتمع اقتصادي واجتماعي وثقافي جديد، يتمتع أفراده بنوعية من الحياة أفضل مما كانت عليه سابقاً.
وتستوجب عملية تنمية المجتمع المحلي تهيئة عوامل تقدمه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من خلال مساهمة أفراده وجماعاته، وعن طريق تنمية طاقاته وإمكانياته المادية والبشرية، ونتيجة لذلك يكتسب قدرة أكبر على مواجهة مشكلاته.
واستناداً إلى هذه المفاهيم مجتمعة، بالإضافة إلى برنامج الشبكة العربية للمنظمات الأهلية على مستوى العالم العربي، من جهة؛ وبالتعاون والتنسيق مع المجتمع المحلي وبرنامج الشبكة العربية للمنظمات الأهلية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية في لبنان، والعديد من الجمعيات الأهلية والمحلية في المناطق اللبنانية كافة، من جهة ثانية؛ حيث تم القيام بتجارب تنموية متعددة في كل المناطق والمحافظات اللبنانية؛ يمكن التعبير عن مفهوم تنمية المجتمع المحلي بأنه عملية تغيير، ارتقائي، مخطط للنهوض الشامل، المتكامل، لجميع نواحي الحياة فيه، يقوم بها أبناؤه بنهج ديمقراطي، وبتكاتف المساعدات من خارجه.
3- واقع المجتمع المحلي
تعاني المجتمعات المحلية، بصورة عامة، من تدنّي قدراتها الاقتصادية والاجتماعية على تلبية احتياجاتها الأساسية، ومن التقصير في التعامل مع مشاكل الفقر والبطالة والتهميش.
إن حدّة المشاكل وتفاقم العقبات التي تطال المرتكزات الأساسية للتنمية في المجتمعات المحلية، تشير إلى اتساع الهوة بين هذه المجتمعات المحلية ضمن البلد الواحد.
4- نظريات المجتمع المحلي
تتعدّد النظريات المتعلقة بالمجتمع المحلي. من هذه النظريات ما يركّز على تحقيق التنمية الاقتصادية. ومنها ما يركّز على تحقيق التنمية الاجتماعية. ومنها ما يتناول جميع المرافق والقطاعات الحياتية، من بشرية واقتصادية، وهي التي تُعرف بالتنمية المتكاملة. ويجمع مفهوم التنمية المتكاملة بين المفهومين السابقين، ويركّز على المشاركة الفعلية لأفراد المجتمع المحلي في تحديد مشكلاتهم وحلّها.
سادساً: في الميدان
إن التنمية التكاملية هي من مهام ونشاطات الدول والمنظمات على أنواعها، حيث إن أحدهم لا يستطيع أن يحقق التنمية بالمعنى الواسع للكلمة بدون التعاون والتنسيق والتكامل مع الآخر، أي الحكومات والمنظمات العالمية والإقليمية والوطنية والمحلية، لكي تساهم في تحقيق مفهوم التنمية بشكل عام.
وبما أن هذه الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية تمرّ الواحدة منها أحياناً بأزمات أو حروب وكوارث طبيعية وأزمات اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية، كان لا بد من التعاون والتنسيق مع بعضها بعضاً للمساهمة في معالجة المشاكل التنموية والإنمائية في المناطق المحرومة والفقيرة في العالم، وخاصة بين الدول المتجاورة، لأنها معرّضة بشكل دائم للتأثر والتأثير.
لقد ظهر ذلك جلياً التأثير الإيجابي للتعاون والتنسيق بين الشبكة العربية والمنظمات الأهلية والوطنية والمحلية، من خلال العمل على الأرض في لبنان. وكان من ضمن الأهداف الأساسية، تدريب العاملين والمتطوّعين في العمل التنموي، وتمكينهم من مساعدة أنفسهم.
وبما أن لبنان مصنّف من ضمن البلدان النامية، بحسب تقارير الأمم المتحدة undp العام 1998 التي صدرت بالتعاون والتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية، فقد صنف هذا التقرير المناطق الريفية في لبنان، وحدّد المناطق الأكثر حرماناً، والتي تعاني الكثير من النقص في الخدمات الإنمائية والتنموية.
وبما أن الحرمان يصيب المرأة اللبنانية الريفية أكثر من الرجل، وذلك لعدم توفر الفرص التعليمية والتنموية لها، كما هي الحال في المدينة، كان للشراكة الإقليمية بين الشبكة العربية للمنظمات الأهلية والمنظمات الإنسانية والوطنية والجمعيات المحلية الجذورية (الجندرية) الدور الهام في مجال التربية على المحيط وتنمية المجتمعات. وقد ظهر ذلك من خلال المساهمة في عمليات التدريب وتمكين المرأة اللبنانية الريفية في المجتمعات المحلية. وكان ذلك حصيلة أطر تنظيمية تنسيقية، عبر تبادل الخبرات والمعلومات، وترشيد العمل الأهلي بسبل مختلفة.
لقد ساد الاقتناع بأن تحقيق التنمية المجتمعية الشاملة قائم على تدريب المجتمع المحلي وتمكينه، ليكون مشاركاً باتخاذ القرارات المناسبة لبيئته وحاجاتها، من خلال فعاليات المجتمع المحلي، بكون أبنائه أكثر معرفة ودراية بحاجاتهم الأساسية لتنمية مجتمعاتهم. وهذا ما يدفعهم إلى العمل على تنمية القدرات البشرية المحيطة بهم، من خلال إرشادهم وتربيتهم على المشاركة الفعالة والمنظمة، بالتعاون والتنسيق مع مؤسسات إقليمية ووطنية داعمة للجمعيات المحلية في مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وغيرها.
هذا كله يتطابق مع الهدف الثامن من الأهداف الإنمائية للألفية التي وضعتها الأمم المتحدة، ومنظمة الإسكوا، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (2011) للبلدان العربية.
وينطلق هذا التقرير من قناعة تقول بأن التعاون الإقليمي هو أحد الأولويات الضرورية لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. ويستخدم الهدف الإنمائي الثامن المحدّد على المستوى العالمي كإطار ممهّد لمسار تكامل إقليمي من أجل خلق بيئة إقليمية مساعدة شاملة لتحقيق الأهداف الإنمائية الأخرى. وتتحمل أقل البلدان العربية نمواً المسؤولية الأولى في العمل على تحقيق الأهداف الإنمائية السبعة على أراضيها. في المقابل، تقع على عاتق البلدان العربية الأكثر ثراء المسؤولية نفسها، بالإضافة إلى دورها الأساسي في دعم جيرانها الأكثر فقراً، من خلال تقديم مساعدات أكثر فعالية، بالإضافة إلى المساعدة في التخفيف من عبء الديون، وتأمين عدالة أكبر في الأسواق، عبر التجارة والاستثمار، وغيرها من المجالات. وينادي الهدف الثامن المحدد على المستوى العالمي، أيضاً، بالعدالة في الطبابة والتكنولوجيا. ويمكن للهدف الثامن الخاص بالمنطقة العربية أن يدعو إلى تنسيق السياسات الاجتماعية، والنفاذ إلى الاتصالات من خلال التكنولوجيا والبنية التحتية.( )
عملاً بهذه المبادئ والمفاهيم التي تبنتها معظم المنظمات الدولية والإقليمية والمفكرين التنمويين أو العاملين في الحقل التنموي، شاركت شخصياً وعملياً في عمل المنظمات الأهلية، بالتعاون والتنسيق مع الشبكة العربية للمنظمات الأهلية، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية في لبنان، ومؤسسات محلية في مناطق لبنانية متعددة موزعة من أقصى الشمال (جمعية جديدة القيطع الخيرية والتي أتشرف برئاستها حالياً) إلى أقصى الجنوب (منظمة جمعية عبدو حسين حمد للتنمية الاجتماعية (اهدى) (Ahda))، وغيرها من الجمعيات في بيروت والبقاع والشمال.
جدول رقم (1) توزع المتدربات والمتدربين لجمعيات عدة:
نوع الدورات
الجمعيات المشاركة محاضرات محو الأمية التزيين النسائي الخياطة المجموع
جمعية جديدة القيطع – – 31 25 56
جمعية عبدو حسين حمد للتنمية (أهدى) – 20 – 50 70
جمعية العبدة الخيرية 70 – – – 70
جمعية الرؤية الصالحة 50 – – – 50
المجموع 120 20 31 75 246
وبما أن المجال لا يتسع لعرضها جميعاً، أو شرح مخرجاتها التنموية، فإننا سنقوم بعرض نماذج تطبيقية عن العمل المشترك الأول للجمعيتين المذكورتين أعلاه، كنموذجين تطبيقيين قدّما للمجتمع المحلي دورات تمكين، وتنمية مهارات وقدرات للمرأة الريفية اللبنانية. وقد أنتجت هذه الشراكة تنمية قدرات عشرات من المتدربات في البلدات والقرى المحيطة بهذه الجمعيات الجذورية المحلية في محافظتي الشمال (جديدة القيطع – عكار) والجنوب (شبعا – حاصبيا). علماً أن هذه الشراكة قد شملت العديد من الجمعيات المحلية والجذورية في المحافظات اللبنانية كافة، وكذلك في عدد من البلدان العربية، وأنتجت مئات من المتدربين والمتدربات على تنمية قدراتهم.
ويبين الجدول أدناه الجدوى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أنتجتها مثل هذه الشراكة في المناطق المحيطة بالجمعيتين النموذجيتين المذكورتين أعلاه.
جدول رقم (2) توزع المتدرّبات على أنواع الدورات في الجمعيتين
الدورات
الجمعيات دورة محو أمية
التزيين النسائي الخياطة المجموع
جمعية جديدة القيطع الخيرية – 31 25 56
جمعية عبدو حسين حمد (أهدى) 20 – 50 70
المجموع 20 31 75 126
أما في ما يتعلق بأبعاد مبادرة المجموعات التنموية، فقد جاءت على الشكل التالي:
– البعد الأول لمبادرة "المجموعات التنموية" هو: استهدف تفعيل وتنشيط الدور التنموي للمنظمات الأهلية من خلال تدمير عناصر القوة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية (من خلال الثقافة والتوعية) للفئات المهمّشة والفقيرة، لكي تتمكن من الاعتماد على ذاتها.
– البعد الآخر هو تحقيق أفضل اقتراب من الفئات المستهدفة من خلال جمعيات ومنظمات جذورية قاعدية (كما يُطلق عليها أحياناً) تتواجد في المناطق المحلية "وبين الناس"، على أن تقوم منظمة تنموية لها خبرة وقدرات على التواصل، بلعب دور المنسق أو ضابط الاتصال بين الجمعيات الصغيرة الجادة التي تم استقطابها.
– تقوم إحدى الجمعيات بمهمة تشكيل المجموعة التنموية في تحقيق شبكة صغيرة (ثم شبكات أخرى متتالية) بين مجموعة من المنظمات يمكنها أن تتعاون معاً. وتعمل بروح الفريق، في مختلف المناطق التي تتواجد فيها المجموعات التنموية. فالتشبيك من جانب، والعمل الجماعي لتحقيق أهداف محدّدة من جانب آخر، يكونان جزءاً مهماً في منطلقات المشروع.
– توافر روح المبادرة والاستقلالية في اختيار مشروعات ضمن المجموعات التنموية. فالمنظمة السائدة في البلد الواحد (لبنان) ضمن المجموعة تقوم بدور اليسر ولا تعرض رؤيتها أو اقتراحاتها على المجموعة، إنما تيسّر الحوار والنقاش بين أعضائها للتوجه نحو اقتراح المشروع التنموي.
– بناء شراكات حقيقية بين كل مجموعة والأجهزة المحلية والحكومية في المنطقة، محل الاهتمام، لدعمها وتيسير جهودها، وفي الوقت نفسه، تحديد إمكانات تفاعل كل مجموعة تنموية مع القطاع الخاص (لتسويق الإنتاج، والمساهمة في التدريب وتوفير فرص عمل…).
– تفاعل مقترحات ومشروعات المجموعات التنموية في كل منطقة تم فيها تطبيق المبادرة، مع الاحتياجات المجتمعية والثقافية السائدة.
وقد التزمت المتدربات في كلتا الجمعيتين بالدوام والحضور والمشاركة الفعالة، كما شاركن في نشاطات ورحلات رياضية، مثل اليوم الرياضي مع الجيش اللبناني، بغية تعزيز مبدأ الاستقرار الاجتماعي والوطني في العلاقة ما بين الجيش اللبناني وشعبه. وقد أعطى هذا النشاط وغيره من النشاطات نتائج ملموسة على العديد من المستويات، وعزّز روح الإلفة والمحبة بين المتدربات، وبث فيهن روح التعاون والعيش المشترك.
كما أقامت المتدربات حلقات الدبكة على موسيقى الجيش اللبناني التي نفذتها الفرقة الموسيقية للجيش، مما أدى إلى تنمية البعد الثقافي والإنساني لديهنّ. كما استفدن من المحاضرات وخاصة المحاضرة الصحية عن الصحة الإنجابية التي ألقيت من قبل جمعية تنظيم الأسرة، حيث جرى حوار علمي مسؤول بين المتدربات والمحاضرات.
هذا، وقد اكتسبت الجمعيتان خبرات فنية وإدارية عدة، مثلاً:
– زادت من قدراتهما التنظيمية والإدارية من خلال الالتصاق بقضايا المحيط ومشاكله التنموية، خاصة في قطاعَي المرأة والشباب.
– تطور مفهوم العمل التطوعي لفريق عمل الجمعيتين من خلال استقطابهن فريق عملهن من الطالبات الجامعيات خاصة، ومن المتطوّعات الراغبات في العمل من الفئات الاجتماعية كلها.
وبالنسبة للمتدربات فقد:
– استفادت 126 متدربة من دورتي الخياطة والتزيين النسائي ومحو الأمية مما زاد من قدراتهن العملية والذهنية، كما أثرت على سلوكهن النفسي والاجتماعي، مما انعكس إيجاباً على أهاليهنّ وأقربائهنّ في المنازل، وفي الأحياء ضمن القرية. (انظر الملحق رقم2)
– خلقت الدورات جواً من التفاعل في ما بينهنّ وبين المدربات من حيث العلاقات الاجتماعية.
– فتحت فرص العمل لدى عدد كبير منهن وأصبحن يعملن بمهنهن اللواتي تدربن عليها والبعض منهن فتحن مؤسسات خاصة بهن.
– تحسنت أحوالهن الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
– أصبح لديهن دافع من الثقة بالنفس والاعتزاز بما فعلن، وبأهميتهن كعناصر فاعلة في مجتمعهن ومحيطهن.
– أصبح لديهن الرغبة في المشاركة في الأعمال الاجتماعية من خلال رغبتهن بالانتساب إلى الجمعية، وتقديم أنفسهن للعمل التطوعي والخيري والتنموي.
– أبدين استعداداً تاماً لاستمرار التواصل مع بعضهن بعضاً، من خلال تبادل الزيارات، والمشاركة في يوم الجيران الذي أقامه مجمع عكار للتنمية للجمعيات المجاورة والمحيطة به.
– المطالبة بالمزيد من الدورات والتدريبات على اللغات والأشغال الفنية والتكنولوجية.
الاستنتاج
لقد ثبت لنا أن التعاون والتنسيق بين المنظمات الإقليمية والوطنية والمحلية كانت له نتائج إيجابية ومفيدة على صعيد التربية على المحيط والتنمية المستدامة. وتبين لنا أن الشراكة عمل مفيد ومنتج يؤدي إلى تنمية القدرات وتبادل الخبرات، ويساهم في تحريك المجتمع وإبراز قدراته وإمكانياته. وقد ساهم ذلك في جزء بسيط من العملية التنموية، كونها تتطلب تكاتف جميع مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة لكي تتحقق التنمية، بالمعنى الشامل للكلمة.
المراجع:
المراجع باللغة العربية:
1- عبد السلام نوير، العولمة وسياسات التنمية البشرية في أفريقيا، سلسلة دراسات مصرية أفريقية يصدرها برنامج الدراسات المصرية الأفريقية، كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة 2004 م.
2- حسن بن إبراهيم الهنداوي، التعليم وإشكالية التنمية، كتاب الأمة، السنة الثالثة والعشرون، عدد 98 ، (ذو القعدة 1424هـ).
3- انظر مثالاً لهذه التعريفات في:
– إسماعيل صبري عبد الله، ندوة الأهرام عن حرب أكتوبر وحاجتنا إلى عقد اجتماعي، الأهرام، القاهرة في 6/10/1988م.
– عبد الباسط محمد حسن، التنمية الاجتماعية، المطبعة العالمية، القاهرة، 1972م.
4- سمير نعيم، الدراسة العلمية للسلوك الإجرامي، ومقالات في المشكلات الاجتماعية والانحراف الاجتماعي، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، محمد شفيق، المساكن والتنمية القضايا والمشكلات، المكتب الجامعي الحديث، الاسكندرية 1988م.
– ناهد عز الدين عبد الفتاح، العلاقة بين التنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان: دراسة مقارنة بين مصر وكوريا، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد – جامعة القاهرة، 1977.
5- محمد جمال برعي، التخطيط للتدريب في مجالات التنمية، مكتبة القاهرة الحديثة، ط1.
6- السيد محمد جمال برعين التخطيط والتدريب في مجالات التنمية، مكتبة القاهرة الحديثة، ط1، 1988.
7- السيد محمد الحسيني وآخرون، دراسات في التنمية الاجتماعية، دار المعارف بمصر، الطبعة الأولى، 1973م.
– ناهد عز الدين عبد الفتاح، العلاقة بين التنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان: دراسة مقارنة بين مصر وكوريا، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد – جامعة القاهرة، 1977.
8- متولي مصطفى السلماوي، التنمية وقضية الديمقراطية في مصر 1952-1972م رسالة مقدمة للحصول على الدبلوم الخاصة، جامعة الاسكندرية، كلية الآداب، معهد العلوم الاجتماعية، شعبة التنمية الاجتماعية، 1990.
9- محمد الجوهري، مقدمة في علم اجتماع التنمية، دار الكتاب للتوزيع، القاهرة، 1979، ط2.
10- محمد عبد المنعم نور، الحضارة والتحضير: دراسة أساسية لعلم الاجتماع الحضري، مكتبة القاهرة الحديثة، ط1، 1970م.
11- فراسوبيرو، فلسفة لتنمية جديدة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر: بيروت، اليونسكو، 1983.
12- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية 1991.
13- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية 1990.
14- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، المرجع السابق.
15- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية 1990.
16- انظر بالتفصيل: جلال عبد الله معوض، الديمقراطية والتنمية السياسية – كلية الآداب – جامعة عن شمس، د.ت. وكذلك:
– Francis Fukuyama & Sanjay marwah: comparing East asia and latin America: Dimensions of development Journal of democracy. Vol 11. No 4 (2000)
17- انظر في هذا الصدد:
– محمد عبد السلام أبو زيد، التحليل السوسيولوجي لمفهوم الحلال والحرام، عند بعض الشرائح الاجتماعية في المجتمع المصري، ماجستير غير منشورة، قسم الاجتماع، الآداب القاهرة 1977م.
– عاطف العقلة عضييات، الدين والتغير الاجتماعي في المجتمع العربي دراسة سوسيولوجية، مرجع سابق.
– مصطفى شاهين، علم الاجتماعي الديني، دار إحياء التراث، القاهرة، 1991م.
– محمد علي محمد، رواد علم الاجتماع: قراءة جديدة للفكر الاجتماعي العربي الغربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1976م.
– ج. تيمونز روبير تس& ايمي هايت، من الحداثة إلى العولمة: رؤى ووجهات نظر في قضية التطور الاجتماعي، ترجمة: سكر التشكيلي، الكويت: عالم المعرفة (سلسلة كتب شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والعلوم والآداب)، نوفمبر 2004.
المراجع باللغة الأجنبية:
1- Richard L. saklar. Developmental democracy. Comparative studies in society and history. Vol 29, No 4 (Oct 1987).
2- Guy Feuer et Herve Cassan; droit international du développement, paris Dalloz, 1985,
3- Guy Feuer et Herve Cassan; droit international du développement, Paris, Dalloz, 1985
المواقع الإلكترونية:
– http://www.unesco.org/most/sd-arab/fiche2b.htmm
– Jeramy/townsley: marx, weber and Durkheim on Religion, in:
– http://www.jeramyt.org/papers/sociology-of religion.html
– Sociology at Hewette: the sociology of religion… Durkheim in:
http:// www.hewett.norfolksch.uk/curric/soc/durkheim/durkw3.htm.