الانتماء وعي الكائن الإنساني انه ينتمي لمجتمع ما، أما المواطنة فهي وعي الوعي نفسه، والتمرس به من حيث هو مرتبة اجتماعية إنسانية في تسامي الوعي الإنساني ذاته وعلاقاته ووجوده وحضوره الأجمل. وكلا الاتجاهين يصبان في مفهوم الوطن، ذلك أن الوطنية هي المنطق والمعيار والمقياس الذي نؤشر فيه على سلامة الهوية عبر الانتماء والمواطنة.
وقيمة الانتماء والمواطنة هي تكريسهما في حالة عملية مسلكية تطبيقية في سياق التفاعل الحيوي الاجتماعي ولا تقتصر على النظر والتجريد.
والمواطنة فكرة اجتماعية وقانونية وسياسية ساهمت في تطور المجتمع الإنساني بشكل كبير، بالإضافة إلى الرقي بالدولة إلى المساواة والعدل والإنصاف، وإلى الديمقراطية والشفافية، وإلى الشراكة وضمان الحقوق والواجبات. فالمواطنة هي المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الانتماءات الدينية أو المذهبية أو القبلية أو العرقية. وهي التعبير الطبيعي عن حالة التنوع والتعدد الموجودة في الوطن.
وتؤكد ثقافة المواطنة حاجة كل منا للآخر، كما تؤكد أن ثقافة الفرد هي محصلة ثقافة كل أبناء الوطن، فهي ليست ثقافة فئوية أو طائفية أو جنسوية، وإنما هي ثقافة وطن بكل تنوعاته وأطيافه وتعبيراته. والمواطنة أرقى من أن تكون مفهوماً مجرداً بل هي حضور متكامل حقوقياً ونفسياً واجتماعياً، هي مبدأ الدولة الحديثة ومرتكزها وعمودها الفقري في النشوء والاستمرارية، في التكوين والبقاء.
والمواطنة ليست شعوراً وطنياً، على الرغم من أهمية هذا الشعور، وإنما هي حالة سياسية قانونية ثقافية، يؤسس لها الدستور وتنظمها القوانين وترعاها القيم. ويشترط لتحقق المواطنة ثلاث مسائل هي: الحق في اكتساب جنسية، والحقوق والواجبات المترتبة عن اكتساب هذه الجنسية، والمشاركة في الحياة العامة. وتكون المواطنة منقوصة إن لم تتحقق للمواطنين، وبشكل كامل، مسألة واحدة من هذه المسائل الثلاث، إذ تكون منقوصة إن كان في البلاد مواطنون محرومون من جنسيتها، أو إن لم يكن مبدأ التساوي أمام القانون محترماً، أو إن كانت المشاركة الاجتماعية غير متاحة.
كما أن الحقوق التي تصونها المواطنة على ثلاثة أنواع: الحقوق المدنية، الحقوق السياسية والحقوق الاجتماعية. لكن هذه الحقوق مرتبطة بالمقابل بواجبات يجب على المواطن تأديتها لمصلحة المجتمع، مثل الدفاع عن الوطن ضد العدوان الخارجي، والمساهمة في دفع الضرائب واحترام القوانين وما شابه.
في ما يتعلق بسورية، المجتمع السوري مجتمع متعدد ومتنوع بطبيعته، متعدد القوميات (عرب، كرد، أرمن، شركس، تركمان…)، متنوع الطوائف والمذاهب، ومتعدد الإيديولوجيات والرؤى السياسية، وفي الواقع – ولم يكن يخطر على البال مناقشة أمور ومفاهيم مثل المواطنة والانتماء أو ما شابه، لأنها لم تكن تشكل مشكلة على أرض الواقع، ومعظم الشارع السوري يعترف بذلك ويقر به اليوم بعد أن ذاق من الأزمة ما لا قدرة له على تحمله، فمن أبسط مواطن إلى أعلى المستويات يقارن بين ما كنا عليه وما وصلنا إليه.
نقول ذلك لأن المواطن السوري تمتع بأهم حقوق المواطنة، مع الإشارة إلى أن هناك بعض التحفظات التي لا بد من العمل عليها لتلافي الخلل والنقص فيها، وأهمها: الحق في الحياة وفي السلامة الجسدية وفي العمل والتمتع بظروف عمل عادلة، وفي السكن وحق التعليم وفي دعم ورعاية الدولة وفي الخدمات الصحية، وحق اللجوء إلى القضاء والحق في الملكية الخاصة وممارسة النشاط الاقتصادي، وفي التصرف وفي الخصوصية وحق اللغة والحق في رفض ذكر القومية أو الدين في الوثائق، وفي الإدارة الذاتية والحماية والتعويض والإرث والشهادة والاختيار والحقوق الإجرائية، وحق المتهم أو الموقوف والحق في الجنسية وفي المساواة وفي الضمان الاجتماعي، وفي حرية التفكير وإبداء الرأي، وفي حرية العقيدة والعبادة، وفي الانتخاب والتمثيل النيابي والحق في تكوين الأحزاب السياسية، وفي تكوين النقابات والجمعيات، وفي حرمة الحياة الخاصة وفي المعاملة الإنسانية الكريمة، ومنع التعذيب وفي توفير العدالة، والحق في التنقل وفي تداول المعلومات والحق في بيئة نظيفة وغيرها…
الانتماء وعي
95
المقالة السابقة