:
· الأمة وتحدي "الارهاب":
تشهد أمتنا تنامي تيارات التطرف الديني وقد سمّاها الزعيم سعاده "الحزبية الدينية"، وتعاني من موجات التخلف التي تدفعها قيادة التنظيم العالمي للقاعدة وفروعه من 74 دولة، لخوض حرب جهادية في سوريا بذريعة نصرة اهل السنة والتصدي لنظام يدعي أيمن الظواهري: أنه نظام يتولاه النصيريون والبعثيون والروافض. جاء كلامه هذا في نداءٍ وجهه الى جبهتي النصرة وداعش لوقف التقاتل بين الفصائل الجهادية والتفرغ لقتال الروافض والنصيريون والبعثيون و(الجيوش الصليبية).
الجهاد فرض عين وواجب لا يعلو فوقه واجب وأصبحت سوريا ساحة الجهاد الرئيسية بالنسبة للجماعات الإرهابية. هي القبلة للمجاهدين ومعراجهم إلى السماء وسبيلهم إلى إعادة إحياء الخلافة الإسلامية وإقامة شرع الله على الرض وخيار بعضهم لإستعادة زمن الإمبراطورية العثمانية ومجدها الغابر بزعامة الأخواني رجب طيب أردوغان وتتخذها المملكة العربية السعودية منطلقاً لنفوذها لإعادة تصدير العقيدة الإسلامية الوهابية وتشريعاتها وأحكامها. تلك الدعوة الوهابية التي حذر منها الزعيم أنطون سعاده في مقالته الهامة "نفوذ اليهود في الفاتيكان" الصادرة في جريدة الزوبعة في 4 أيلول 1944 حيث قال:"ومن مدهشات الدعاوى السياسية اللابسة لباس الدين محاولة إظهار الحركة الوهابية التي هي ليست سوى رجوع بالمحمدية إلى اوليات التفكير العربي الصحراوي المحدود بمظهر حركة إصلاحية في الدين".
أمام هذه التحديات وما تحمله من اخطار، يتصدى الحزب لهذا موضوع الخطير كمهمة أساسية راهنة بالدعوة لإقامة جبهة شعبية لمكافحة الإرهاب مستهدفاً تحصين وحدة المجتمع بالوعي القومي والوطني الجامع وتأصيل ثقافة النهضة وإشعاعها الفكري التنويري ضد مفاهيم القوى الظلامية الالغائية المتطرفة. هذه القوى التي تلجأ إلى إستنباط إجتهادات وتاويل بعض الآيات الدينية لأغراض سياسية لتبرير أعمالها الإجرامية. وبلا ريب، فإن مضمون هذا الفقه التكفيري والإلغائي يمس في العمق جوهر الرسالات الدينية ويحوّل المؤمنين بها إلى حطب ووقود في معارك طائفية ومذهبية وملّية ويجعل شعبنا مجموعات تستعدي بعضها بعضاً لا رابط أخوّة يوحده في الولاء القومي ولا في الإيمان التوحيدي، ويحوله خليطاً متنافراً يقتتل أبناؤه على السماء ويفقدون الأرض. وفي هذه الحالة المأساوية تنتفي قيمة الحياة الانسانية وتبطل كونها مسرح إنجاز للإنسان وإبداعه وتستحيل جحيماً حقيقياً يستفيد منه أعداء الأمة الغاصبين لأرضها وحقها والناهبين لثرواتها والساعين لشطب وجودها وكيانها وهويتها كأمة حضارية رائدة بين الأمم
.
في تعريف "الارهاب":
لقد تراوحت التعريفات والتحديدات لمفهوم "الإرهاب" وماهيته وطبيعة أعماله لدى الدول والمجتمعات والشعوب كلً من منظارٍ خاص يتجاوب مع مصالحه ويخدم أغراضه وقضاياه ويتماشى مع إستراتيجياته. وبشكل عام أعتبر العمل الإرهابي على أنه عمل عنفي يستهدف المدنيين والمواطنين والمؤسسات على أنواعها ويترك خلفه ضحايا بريئة ويوقع الخراب والدمار ويثير الرعب والخوف في المجتمع.
واستناداً الى دراسة الباحث الدكتور جميل يحي الفقيه بعنوان: "الارهاب في القانون الدولي" يعرض الى تعريف الارهاب قائلاً:
"يتضح لنا من المعاجم والقواميس العربية والمترجمة واللاتينية أن جوهر الإرهاب هو الرعب، فأصل كلمة إرهاب هو أرعب ولكن المعاجم أقرت كلمة إرهاب والتي تفيد الرهبة.
وفي المعاجم المترجمة إلى اللغتين الانجليزية والفرنسية، ورد لفظ الإرهاب بما يفيد أنة وسيلة لنشر الذعر والتخويف باستعمال وسائل عنيفة لتحقيق أهداف سياسية ((terrorism".
كما وردت كلمة "إرهاب" في أكثر من آية قرآنية كريمة وحملة مدلول الخوف أو الرهبة والترهيب، ومن هذه الآيات:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة الخيل… ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين". (الأنفال)، وآية: أوفوا بعهدي، أوفي بعهدكم وإياي فارهبون". (البقرة). وآية: "… وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون". (الأعراف).
· أما أشكال الإرهاب: في دراسة الباحث المذكورة أعلاه فهي:
– إرهاب الدولة.
– إرهاب الأفراد والجماعات.
ويستعرض كذلك،المحاولات القانونية لوضع تعريف للارهاب فيقول:
عرفت اتفاقية جنيف لقمع ومعاقبة الإرهاب لعام 1937 م، على أن الأعمال الإرهابية هي "الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ما وتستهدف، أو يقصد بها، خلق حاله من الرعب في أذهان أشخاص معينيين، أو مجموعة من الأشخاص، أو عامة الجمهور".
أما الاتفاقية الأوروبية لعام 1977 م، فلم تأتي بتعريف محدد للإرهاب فقد عددت مجموعة من الأفعال، منها ما كان قد حرم سابقاً باتفاقيات دولية سابقة، أو كان التعامل الدولي حرمها، وأضاف إليها كل الأفعال الخطرة التي تهدد حياة الأشخاص أو أموالهم، ومن المأخذ على هذا التعريف عدم إرضائه الدول المشاركة، وذلك لعدم مصادقة أية دولة على الاتفاقية، وبحصر هذا التعريف بالإرهاب في بث الرعب بين الأشخاص أي بين العامة، لكن الحقيقة تشير إلى أن للإرهاب أهدافاً أبعد وأشمل.
أما الاتفاقية العربية لعام 1998 م، فقد عرفت الإرهاب في مادتها الأولى فقرة ( 2) بأنه "كل فعل من أفعال العنف أو التهديد أيا آانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إفشاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر".
ويجمع الفقه الدولي على أن الإرهاب جريمة دولية حسب تعريف عدد من الفقهاء مثل (جلاسر، سالدن، سيبربولس) والذين يؤكدون أن الجريمة الدولية هي: "الفعل الذي يرتكب إخلالا بقواعد القانون الدولي، ويكون ضارا بالمصالح التي يحميها ذلك القانون، مع الاعتراف لهذا الفعل بصفة الجريمة واستحقاق فاعلة للعقاب) أو هي: (واقعة إجرامية مخالفة لقواعد القانون(الدولي، وتضر بمصالح الدول التي يحميها هذا القانون.
وكانت الولايات المتحدة قد تقدمت أيضاً إلى (اللجنة المتخصصة المعنية بالإرهاب الدولي) التابعة للأمم المتحدة، بمشروع إتفاقية دولية يهدف إلى مكافحة ما تسمية بالإرهاب من أجل الحيلولة دون حصول (الإرهابيين على ما سمته أي مأوى أو مكان آمن لاتطاله الملاحقة أو العقاب، في أي مكان من العالم. آما أن المشروع كان يعتبر أية هجمة إرهابية على أية دولة طرف في الإتفاقية هجمة على جميع الدول الأطراف).
ويذكر أن مجلس الأمن الدولي أطلق، ولأول مرة في 19 أيلول 2006 "استراتيجية عالمية لمكافحة الارهاب" في سابقة هي الأولى التي تتفق فيها البلدان المختلفة على نهج استراتيجي موحد لمكافحة الارهاب وحددت المجالات التي يفترض على جميع الدول اتخاذها في هذا الصدد.
· المقاومة و"الإرهاب":
"الارهاب" له مفهوم قانوني ذو بعد سياسي، ولم يتم وضع تعريفٍ موحد وحاسم له.
هنا نسأل هل كل عمل عنفي هو عمل إرهابي ويدرج في خانة ما يصطلح عليه في اللغة السياسية المعاصرة على انه عمل إرهابي؟
هل المقاومة عمل إرهابي؟
هل العنف ضد المحتل والمستعمر والمغتصب لحقوق الأمم والشعوب عمل إرهابي؟
· "الارهاب" في فكر سعاده:
حاولت في هذه المساهمة أن أسبر غور تراث زعيمنا الخالد سعاده مدققاً إذا ما كان قد تناول موضوع الإرهاب في كتاباته وإنتاجه. وقد تبين لي أن سعاده قاربَ عبارة الإرهاب على صعيدين:
على صعيد الحق القومي وما يستوجبه من مقاومة عنفية لأعداء الأمة وهو قد حدد دوراً نضالياً للحزب السوري القومي الإجتماعي باعتباره: حركة عنف قومي في مواجهة العنف الأجنبي (القوى الإستعمارية والحركة الصهيونية الغاصبة).
لذلك فإن كل شعبٍ محتلةٌ أرضه ومغتصبة حقوقه ومنتهكة سيادته صاحب حق طبيعي في المقاومة بكل الأشكال والوسائل. إن المقاومة ظاهرة قومية وإنسانية نبيلة كرستها مواثيق الأمم المتحدة وميزتها أعمال العنف بكل أشكاله، ولا يمكن والحالة هذه، وصفها بالإرهاب لأنها ردٌ طبيعي على الفعل الإرهابي الذي يمثل إعتداء صارخاً على الحق وهي تعبير صادق عن إرادة الشعب المتمسك بهويته وتاريخه وثرواته وسيادته.
وقارب سعاده الإرهاب أيضاً من خلال ما قامت به العصابات اليهودية الصهيونية في فلسطين المحتلة وقوى الإستعمار البريطاني الداعمة لها ونعت ممارساتها بالأعمالِ الإرهابية ضد شعبنا في فلسطين. هذه الاعمال التي طاولت في وقت لاحق إغتيال الكونت برنادوت ممثل الأمم المتحدة.
وفي مقال له في 6 تشرين الثاني 1937 وتحت عنوان "المستقبل للحق لا لبريطانيا" يقول سعاده: "لا تزال الأنباء المثيرة المفجعة تتوارد من فلسطين الشهيدة ولا يزال العرب في كل قطر ومصر ثكالى حيارة لا يعرفون على التحقيق ماذا يجب عليهم أن يفعلوا لإيقاف الإنكليز عند حدهم في إرهاق فلسطين وأعمال الإرهاب فيها… حيث ظهرت العصابات في كل مكان…" ويكمل "على أن ذلك لا يهمنا وإنما يهمنا إقرار هذه الحقيقة وهي ان بريطانيا مهما بالغت في سياستها الإرهابية فإنها لم تفّل إيمان السوريين بحقهم الطبيعي والتاريخي في أرضهم وأرض آبائهم وأجداداهم".
في مواجهة قوى الإستعمار الأجنبي وكيان الإغتصاب اليهودي الصهيوني وأطماعه في أرضنا القومية وحدها القوة في نظر سعاده هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره وإن الإتصال باليهود هو إتصال الحديد بالحديد والنار بالنار وإن معركة فلسطين تطلب كل ذرة من ذرات قوانا لأنها معركة وجود ومصير.
ان وجهة الجهاد القومي في فكر سعادة ترتكز على رؤية واضحة تحدد بجلاء عدو الأمة الأوحد، وهو العدو اليهودي الصهيوني، لذلك توجه الى أبناء أمته (ليتقوا الله) ويتركوا تأويل الحزبيات الدينية ويضيف أننا كلنا مسلمون لرب العالمين منا من أسلم لله بالأنجيل ومن من أسلم لله بالقرآن ومن من أسلم لله بالحكمة فلا عدو لنا يقاتلنا في ديننا وأرضنا وحقنا إلا اليهود.
هذا المفهوم الشامل، أدخل كل مكونات الأمة كل فئاتها وعناصرها في معركة المصير القومي. لم يستثني أحد لا طائفة ولا مذهب، لا علماني ولا متدين من تأدية هذا الدور الذي يقرر مصير الأمة ومستقبلها.
وعلى صعيد آخر قارب سعاده موضوع الإرهاب من زاوية قيم الحق والحريات العامة والممارسة السياسية الديمقراطية وكيفية إستخدام السلطة وتداولها وإدارة الشأن العام وحقوق المواطنين بالتعبير والإنتخاب وإنشاء الأحزاب وغيرها من الحقوق المدنية
ورداً على ممارسات الحكومة اللبنانية وإضطهادها وتنكيلها كتب سعاده مقالاً في حزيران 1947 بعنوان "الحكم بالإرهاب ومصادرة السلاح من الشعب" دان فيه ممارسات وقمع وإرهاب الحكومة بوجه الشعب والحزب.
وفي بلاغ قيادة الثورة القومية الإجتماعية العليا وصف سعاده قمع النظام بالإرهاب في أكثر من فقرة وموضع، وكشف عن إجتماع قررت الحكومة فيه إغتنام فرصة الحادث ومفاجأة الحزب القومي الإجتماعي بحملة تنكيل وإرهاب مستهدفة القضاء عل هذا الحزب وأضاف في موضع آخر "لن تتوقف الحملة العسكرية على الحزب… حتى بلغت في بضعة أيام حداً عالياً من الشدة الارهابية في حميع المناطق دون إستثناء… وأنه في جميع أعمال المداهمة والإرهاب التي تجاوزت الثلاثة أسابيع لم تجر من قبل أعضاء الحزب أية مقاومة". وفي موضع آخر يقول: "وإلى هذه الساعة التي يعلن فيها الحزب السوري القومي الإجتماعي الثورة على "الإرهاب" والطغيان المسلح لم يبدو ان حملة الحكومة ستقف عند حد". ويضيف في مكان آخر "لم تجد الحكومة على الرغم من اتساع الاضطهاد والتحريات: أي مبرر حقيقي لحملتها الإرهابية على الحزب فلجأت إلى ما يسد سد المبررات تجاه الرأي العام فأوعزت إلى بعض الصحف التي تعمل بإيعاز رئيس الوزراء ان تثير الأخبار الكاذبة عن العثور على كميات أسلحة كبيرة في منزل الزعيم وغيرها من الوثائق المزعومة والأمور الملفقة" وينتهي سعاده إلى الخلاصة التالية: "إن الرجال المتسلطين على الشعب اللبناني بطرق الإرهاب والتزوير في الإنتخابات (1947) والتنكيل بالقوى السياسية الفتية الناهضة بمبادئ الحياة، الحياة الإجتماعية الجديدة قد داسوا إرادة الشعب الحر، ووقفوا حجر عثرة في سبيل حريته ومحاربين للمبادئ السياسية العامة التي تؤمن خيره وإرتقاءه وعبثوا بسلامة الأفراد والعائلات وعرضوا حياة الأفراد الآمنين للخطر وعائلاتهم للترويع وقصدوا إذلال النفوس بواسطة الإرهاب والتنكيل، فشكلا نوعاً خطراً من قطع الطريق السياسي أو الحكومي فضلاً عما وزعوه من مفاسد ملأوا يها الدواوين".
وبناء على ممارسات الحكومة اللبنانية أعلن سعاده: ان الحزب السوري القومي الإجتماعي يعلن الحكومة طاغية خارجة عن غرادة الشعب ويدعو إلى الثورة على الطغيان والخيانة (بلاغ الثورة في 9 حزيران 1949).
· "الارهاب" ظاهرة تاريخية:
أن "الإرهاب" ظاهرة ضاربة في التاريخ الإنساني في كل زمان ومكان وتجد تعبيراتها بأشكال مختلفة وكثيرة هي أحداث التاريخ وحوادثه التي إنطوت على مجازر وعمليات إجرامية وهي سابقة لظهور الأديان ولاحقة لها وليست بالضرورة أن تكون منابعها دينية وأنه: (من الخطأ إتهام حضارة ما أو ديناً ما أو شعباً معيناً بالإرهاب) كما يقول الكاتب الأكاديمي د. كمال حسن وهبي في كتابه "إيديولوجية الإرهاب" والذي يعتبر: أن الإرهاب ليس له جغرافية محددة أو أصول واحدة. أن الظاهرة الشاذة عن هذه القاعدة الثقافية والحضارية والإنسانية كما أعتقد هي ما يتصل باليهود حيث تجد في معتقداتهم وثقافتهم جذوراً متأصلة ودعوات صارخة للقتل والإبادة والإرهاب وعدم الإعتراف بالآخر لا بل إستئصاله وإلغاؤه وتصفيته. إذا كان من نماذج مجسدة للإرهاب فإن الكيان الصهيوني الغاصب يمثل أعلى مراتب إرهاب الدول المنظم. لأن هذا الكيان قام على إغتصاب ارضٍ وطرد شعبٍ وإقتلاعه من جذوره وإبادته بالمجازر الموصوفة، على حساب حضارته وحقه التاريخي والقومي.
ويطرح هنا سؤال: هل أعمال المقاومة ضد الغزوة اليهودية الصهيونية التي تطال المستوطنين اليهود هي أعمال إرهابية؟.
من منظور الأمم المتحدة التي إعترفت بالكيان الصهيوني الغاصب ومنحته عضوية الدولة كباقي الدول فإن أعمال المقاومة التي تطال المستوطنين هي أعمال إرهابية على إعتبار أنهم مواطنون مدنيون في دولة عادية وطبيعية معترف بها.
لكن من منظورنا القومي الإجتماعي، ومن منظور العدالة الدولية إن وجدت وإحتراماً لشرائع الأمم المتحدة لا خضوعاً لقراراتها الظالمة فإننا نعتبر وبكل موضوعية ان هذا الكيان الصهيوني برمته، بمؤسساته، وكامل بنيته وتركيبته العسكرية والديمغرافية، هو كيان غازٍ و"المدني" فيه مستوطنٌ قاتل مثله مثل من يرتكب الجرائم بالطائرات أو الدبابات او الإجتياحات، ولا يوجد في هذا الكيان مواطن مدني بل خليطه هجرات معتدية على حقنا القومي وعلى كل فرد من ابناء شعبنا…
وإذا كان من نماذج لإرهاب الدول فهو النموذج الذي تمارسه الدول الإستعمارية التي تلغي الآخر فرداً أم جماعة أم أمة وثمة تسويق وترويج لمفهوم الإرهاب الذي يطاول حق الأفراد إذا ما أعتدي عليها أو قمعت أو سجنت أو نفيت أو أرهبت… وهذا صحيح. ولكن ماذا عن الإرهاب الذي يقضي على الشعوب ويستعبدها بذريعة أيديولوجيات التفوق كما حصل للهنود الحمر في أمريكا، أو بذريعة ايديولوجيات العنصرية كما مارسته النازية، واللجوء الى إستخدام الأسلحة الدولية المحرمة وعن الإرهاب الذي دمّر دولة بأكملها كالعراق والانتهاكات التي رافقت الإحتلال الأميركي مدة عقد من الزمن في سجن أبو غريب وغيرها.
إن القوى الإستعمارية تنظر إلى حركات مقاومة الشعوب للغزوات الإستعمارية على انها حركات إرهابية. فالإدارة الأميركية مثلاً التي رعت ظاهرة اسامة بن لادن ودفعت المملكة العربية السعودية لتمويل جهاده في أفغانستان في مقاومة الغزو السوفياتي إعتبرته ومجموعاته: مقاتلون من اجل الحرية freedom fighters، ودفعت بهم من جديد إلى سورية تحت مظلة ان هذه المجموعات هي قوى جهادية تندفع لرفع الظلم والقمع الذي يلحق بالشعب السوري، تحاربها في العراق وترعاها في سوريا كما فرنسا تحارب الإرهاب في مالي وترعاه في سوريا. ولكن في أحيان كثيرة ينقلب السحر على الساحر.
ان صمود الدولة السورية وانجازات الجيش السوري وإفتضاح أدوار المجموعات المسلحة الإرهابية التي أخذت تقاتل بعضها بعضاً في حرب إلغاء وتصفية وتطبق أحكام الشريعة التي تقوّض أركان المجتمع والدولة وتقضي على المفاهيم الحضارية المدنية والحقوقية، وتكفّر كل مخالف لها في الرأي، أو المذهب، أو الدين، أو المعتقد، أجبرها ان تعيد النظرفي تعاملها مع بعض هذه المجموعات وتدرج بعض تنظيماتها كالنصرة، ودولة الاسلام في العراق والشام(داعش)، على لوائح الإرهاب وتستثني الجبهة الإسلامية مثلاً من هذا التصنيف، التي هي جبهة من نفس الطينة والعجينة مما يثبت سياستها الانتقائية واعتمادها المعيار المزدوج خدمة لمصالحها الاستراتيجية .
· ازدواجية المعايير في السياسة الدولية:
وهنا تكمن المعضلة الكبرى حول الفوارق في النظر ووحدة المعايير. فالقوى الإستعمارية التي تمارس الارهاب وترعى المجموعات الإرهابية وتغذيها وتوظفها في خدمة إستراتيجياتها إنما تقوم بأعمال مشروعة وفي صالح الشعوب وخدمة للسلم العالمي والأمن الدولي وللحضارة الإنسانية. وعندما تشذّ بعض هذه المجموعات عن خدمة الأهداف وتنفذ أجندة خاصة بها وبأيديولوجياتها ومنطلقاتها وغاياتها ولا ترضى عنها القوى الإستعمارية تبادر فوراً إلى تسليط الضوء على إرهابها وعلى فكرها وإيديولوجياتها وخطرها.
ولعل ما تتعرضله سوريا من مؤامرة خير مثال على إزدواجية المعيار في تعامل القوى الإستعمارية والكيان الصهيوني ذاته مع الجماعات الإسلامية التكفيرية المتطرفة.
في تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن الإرهاب لهذا العام إلى الكونغرس الأميركي بعنوان "الإرهاب في دول العالم للعام 2013" أبقت الولايات المتحدة الأميركية كل من إيران وسوريا بشكل أساس على لائحتها للدول الداعمة للإرهاب. والمفارقة أن الرئيس الراحل حافظ الأسد تقدم في العام 1986 باقتراح عقد ندوة دولية حول المقاومة والارهاب ولم يلقى هذا الاقتراح تجاوباً لا من الأمم المتحدة ولا من الولايات المتحدة أو غيرها من الدول، لسبب وحيد هو إصرار الادارة الأميركية ومن خلفها اللبوبي الصهيوني على نعت عمليات المقاومة بالارهاب.
لقد أشار الباحث الأمين يوسف الأشقر في كتابه "عولمة الرعب" إلى أن الإدارة الأميركية في مؤتمر شرم الشيخ عام 1995 إعتبرت سورية انها دولة "مارقة" ومن المعلوم ان هذا المؤتمر قد إنعقد لغرض واحد وهو غرض شن الحرب على المقاومة بكل اطرافها في فلسطين ولبنان والدول الداعمة لها وفي الطليعة سوريا وإيران. والمفارقة اليوم أن أركان الإدارة الأميركية إستخباراتها يحذرون علناً من أن سوريا تحوّلت بدلاً عن أفغانستان إلى قاعدة للإرهاب فمن هو الإرهابي يا ترى في سوريا ومن يغذيه ويدعمه ويموله وينميه؟. كما صنفت انتفاضة الشعب الفلسطيني، انتفاضة إرهابية خلال مفاوضات اتفاقية أوسلو عام 1993.
بلا ريب فإن تنظيمات القوى الإرهابية تمثّل خطراً حقيقياً على الحضارة الإنسانية وعلى تقدم المجتمعات وإرتقائها وعلى النزوع لتحقيق الخير العام والعدالة وهي تمثل الوجه الاخر والمكمّل لحرب الوجود التي تخوضها أمتنا مع الكيان اليهودي الصهيوني الغاصب. وقد يسأل سائل: هل قضية الحزب السوري القومي الإجتماعي واولويته قضية مواجهة قوى الارهاب وتنظيماته أم أن قضيته: القضية القومية ووحدة المجتمع وتحرير الأرض المغتصبة.
هذا منطق صحيح وسليم. ولكن،
هل الحرب ضد "الإرهاب" وقواه منفصلة أم مكملة لمعركة الحزب وأهدافه من أجل القضية القومية والإجتماعية؟
وهل مقاومة "الإرهاب" وقواه لا تصب في خدمة الوحدة القومية ووحدة المجتمع وتحرير الأرض؟
وهل الحفاظ على هويتنا الثقافية الحضارية ممكن إذا ما إستحكمت مفاهيم القوى الظلامية في ثقافتنا وأغلقت عقولنا وكمّت أفواهنا وحوّلت بوصلة الجهاد من فلسطين إلى مكان آخر في خدمة مكشوفة وموصوفة للعدو اليهودي الصهيوني وحلفائه الدوليين، وإذا ما إنتصر في معركة العلم والدين والفكر اجتهاد إبن تيمية الذي أفتى بهدر دم العلويين وأخرجهم كما أخرج غيرهم من دين الاسلام، أو أنتصر فكر محمد عبد الوهاب الوهابي أو فكر أسامة بن لادن وأيمن الظواهري أو أمثالهم فهل يبقى للدين جوهر الرحمة والمحبة والتسامح ويحتفظ برسالته لتشريف الحياة؟
وهل إذا انتصرت دعوات الإماميين الاسلاميين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو أصحاب كتاب العروة الوثقى: الى قيام الجامعة الاسلامية أو الدولة الدينية، أو الجنسية الاسلامية حيث يقول أحدهما: ان لا جنسية للمسلم إلا في دينه، يبقى لنا من هوية قومية أو انتماءٍ.
وهل إذا نجح مخطط إشعال فتنة مذهبية سنية – شيعية، أو سنية – علوية، أو إسلامية – مسيحية، أو سنية- سنية ننصر الدين ونرفع مقامه ونستعيد حقوقنا القومية المسلوبة أو مقدسات شعبنا المنتهكة أو ثرواتنا المنوهبة.
ان تصدينا لحركات القوى الاسلامية المتطرفة لا يحمي فقط هويتنا القومية بل يصون جوهر الدين، وينقذ اتباعه والمؤمنين به من حملات التشهير الممنهجة التي تقف وراءها أوساطٌ سياسية وثقافية ودوائر استخباراتية متعصبة تسعى بشكل محموم مع الحركة الصهيونية واللوبي اليهودي لتظهير أن الدين الاسلامي دينٌ إرهابي، بذريعة ما تقوم به التنظيمات الاسلامية المتطرفة من أعمالٍ غير مشروعة وغير مبررة بكل المقاييس.
ألا يستوقفنا هذا المخطط الصهيوني الذي يجد أدوات له بين قوى المعارضة السورية المشبوهة في إنتماءاتها ويرتسم جبهة موحدة تستهدف الجيش السوري والدولة السورية والشعب السوري في الجولان والقنيطرة ودرعا أو الدعوات التي يطلقها كمال اللبواني وأمثاله في الإستنجاد بالعدو "الإسرائيلي" على سوريا وكيف يمكن ان نقرأ إنتقال الدور "الإسرائيلي" من دور مضمر إلى دور معلن في الأزمة السورية يشن الغارات لمنع إنجازات الجيش السوري على الأرض في خدمة مكشوفة لقوى التطرف "والإرهاب" والمعارضة الخارجية لينهك الدولة السورية ويشغل الجيش السوري ويحرف إتجاه الصراع الحقيقي في الأمة وفي العالم العربي.
· مواجهة "الارهاب":
نحن نخوض مواجهة ضد قوى "الارهاب" لأنها تحرف وجهة صراعنا مع العدو القومي وتنقل المواجهة الى داخل مجتمعنا. لأننا أصحاب قضية، قضية الصراع القومي نتصدى لأية جهة أو فئة، سواء كانت جهادية إسلامية، أو قوى ليبرالية تخلت عن انتمائها القومي وارتبطت بمشاريع ودوائر غربية استعمارية وتنازلت عن أولوية الصراع، أو كان أنظمة سياسية مهما كان طبيعة نظامها ارتهنت أو تنازلت أو تخلت عن موجبات الصراع القومي بحجة أو بأخرى .
اختم محاضرتي مؤكداً أن المواجهة الفكرية والثقافية والاعلامية والسياسية والنفسية مع الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإلغائية تتكامل مع المواجهة الميدانية، لقناعتي ان هذه الظاهرة المرضية لا يقتصر علاجها والتخلص منها بالوسائل المادية فقط .
ان اجتثاث جذور "الارهاب" وتجفيف مصادره، له أكثر من بعد، وهو مسؤولية مجتمعية، ومهمة نهضوية بامتياز، يتولاها حزبنا، حزب النهضة السورية القومية الاجتماعية، الحزب الذي يمثل خشبة الخلاص المرتجى لمصيرنا القومي برمته.
نص محاضرة قدمها نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي توفيق مهنا في الندوة الثقافية المركزية في تاريخ 07/05/2014