111
تطورت فكرة الألوهية في الهلال الخصيب من تقديس قوى الطبيعة، بعبودية حادة ونهائية، إلى اعتبار هذه القوى نفسها فعلاً ومظهراً لقوة أعظم أوجدتها، وفي إيجادها حكمة خفية، شَرَع العقل في سبرها وما زال، حتى اعتبر نفسه المخلوق الأول والإمام في مرحلة نضج الفكر والفلسفة وازدهار الثقافة العقلية، كما يشير إلى هذا فيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري:
كذب الظن لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء
وبالتوازي لعقلنة الإيمان وترشيده تكاملت إنسانيته ليصبح مضمّخاً بالرحمة والإنسانية وقيم الحق والخير والجمال ومعيار عبادة ونبل نهج وسماحة مسلك متوّجاً بالحب والتراحم.
تحرر الإنسان من نحر جميلة عذارى أسرته فدية سنوية للنهر، ومن تقديم بكر أولاده ليتم إخصاب الأرض، فبدلاً من اعتماد طقس دموي أخذ يتوجه إلى القوة الموجدة كل شيء، هي التي لا تنتظر ذبحاً لتفيض خيراً من لدنها عليه وعلى أسرته وبلده وامته، ففيض الخير طبيعتها المترفعة عن كل انتقام، حتى غدت دعوة الإله السوري المشرقي أساساً لكل روح بناءة في العالم منذ آلاف السنين:
"أيها الإنسان، دعْ سيفك، وامتشق معولك وتعال نبنِ" الأرض والإنسان خيراً وحباً وجمالاً وبهاء، لتكون كما إلهك المحبّ الجميل البهي، والمعطاء بلا حدود وبلا انتظار صلوات ودعاء.
مفهوم الإله السوري المشرقي هذا كان التأسيس للإيمان الإسلامي التوحيدي وهو الرحم العميق للإسلام برسالتيه المسيحية والمحمدية. بينما مفهوم الإله، فيما عُرف بالتوراة، مختلف جداً عن مفهوم الإله الإسلامي المحب الرحوم، فالإله التوراتي لا يُرى إلا منتقماً حقوداً مرابياً وتاجراً لا يُعطي إلا إذا دُعي وتم التُوسل إليه، وإذا لم يدعَ ولم يتم التضرع إليه دمّر وأظهر قوته في السحق بالنار، لأن "يهوه" الذي دعت له التوراة إلهاً، هو كما دلت الأحافير طوطم البراكين في بلاد حوران في جنوب سوريا، الغنية بالبراكين وذات الجيولوجيا المتحركة والمليئة بالمصهورات الصوانية السوداء من البازلت وغيره.
وهناك اوهام كثيرة منتشرة في التفكير الشعبي وفي التفكير الديني، تظن ان اليهودية المنسوبة إلى "يهوه" هي رسالة سماوية، وأنها اولى الرسالات السماوية، وهذا الظن زعم وبعيد جداً عن الحقيقة، إذ هو لا يتعدى خلطاً بين النهج السوري المشرقي الذي اعتبر ابراهيم الآرامي أحد دعاته وانبيائه، كما قدمته التوراة، ولاحقاً القرآن، وبين طقوس عبادة "يهوه" طوطم البراكين. من جهة ثانية بينما تطورت كل العبادات السورية بما فيها عبادة "يهوه" عند السوريين بكونه جزءاً من النسق الديني التوحيدي، نجد عبادته في التوراة تجمّدت في مرحلة اولية غير إنسانية ما جعل البشرية الراقية تترفع عن قيمه الأولية ولم تعد تلك القيم تخاطب حاجات الإنسانية النفسية وتقدمها وتطورها.
ها هو القرآن الكريم، وعبر سورتي آل عمران ومريم فضلاً عن غيرهما، يؤكد أن ديانة إبراهيم الآرامي المشرقي لم تكن اليهودية، مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (آل عمران، 67)"، من حيث أن النصرانية فهم شعبي ومحلي مدود للمسيحية وليست المسيحية نفسها، لقد كانت ديانة إبراهيم سورية توحيدية، وهو من شمالي بلاد آرام، وسمّى القرآن هذه الديانة بالإسلام، ولم تُعرف للإسلام قيامة تسبق على ابراهيم الآرامي السوري المشرقي، حيث كان قوام الإسلام الآرامي المشرقي هو الرضى والتسليم "يا أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن إرادتك على الأرض كما في السماء"، وهذا التسليم والرضى هو قوام الإسلام عينه الذي لهجت به صلاة يسوع، كما قالها المسيح عيسى جواباً على سؤاله "كيف نصلّي يا معلم؟".
هكذا تبينت أن نشأة الإسلام وتكامله كانا في الهلال الخصيب وتظهّر في رسالات عدة، انتشر منها في سوريا المسيحية والمحمدية وطال في إشعاعه العالم كله تحت مسميات مختلفة في حقب متفاوتة، "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (آل عمران، 19)".
لم يكن دخول العرب إلى سوريا الطبيعية تحت راية الإسلام فتحاً لبلاد عصية عليه او هو اجنبي فيها، كما يُظن، بل كان عودة روح أصيل منه إلينا بحرف عربي آرامي أفصح وأنقى لم يختلط بلهجات أعجمية أخرى ولا بالجدل البيزنطي على جنس الملائكة حتى التبس الحق على ذوي الألباب. فلفظ الفتح يصح على دخول غلإسلام كل بلاد غير سوريا الطبيعية لأنه كان غريباً عنها، كبلاد فارس والأناضول وبلاد السند والهند وما وراء النهر، وبلاد النيل والمغرب والأندلس.
أعاد الإسلام بوضوحه المباشر الدال إلى سمو الإله وواجب الطاعة المؤمن، الدين إلى صفائه لعبادة إله خالق ومعيد "وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (سورة مريم، 66)"؛ إله السموات والأرض "رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (سورة مريم، 65)"؛ وإله له الحساب "فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (آل عمران، 19)"؛ وإله أنزل الكتب والشرائع "نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (آل عمران 3)"، هكذا أصبحت كل شريعة من شأنها تحسين الحياة وتجويدها في الهلال الخصيب ونَسبت للمشرعين لبيت عشتار او أورنمو او حمورابي شأناً توحيدياً ودينياً؛ وإله يقيم الجنة والنار والحشر "تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (سورة مريم، 63)"؛ ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء "وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (سورة مريم، 57)".
بأفعالكم تدانون، أيها الغلاة التكفيريون، باسم الإسلام، ديننا الشامل الوحيد، والذي إليه نحتكم، ما معياركم غير رب السموات والأرض وقرآنه إن كنتم صادقين؟ وفي ما تذبحون وتقتلون وتدمرون وتقطعون الرؤوس يحكم عليكم أنكم لستم منه وهو منكم براء إلى أبد الآبدين. فهل يبقى مغرر بهم بيننا وقوداً للفتنة العمياء.
كذب الظن لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء
وبالتوازي لعقلنة الإيمان وترشيده تكاملت إنسانيته ليصبح مضمّخاً بالرحمة والإنسانية وقيم الحق والخير والجمال ومعيار عبادة ونبل نهج وسماحة مسلك متوّجاً بالحب والتراحم.
تحرر الإنسان من نحر جميلة عذارى أسرته فدية سنوية للنهر، ومن تقديم بكر أولاده ليتم إخصاب الأرض، فبدلاً من اعتماد طقس دموي أخذ يتوجه إلى القوة الموجدة كل شيء، هي التي لا تنتظر ذبحاً لتفيض خيراً من لدنها عليه وعلى أسرته وبلده وامته، ففيض الخير طبيعتها المترفعة عن كل انتقام، حتى غدت دعوة الإله السوري المشرقي أساساً لكل روح بناءة في العالم منذ آلاف السنين:
"أيها الإنسان، دعْ سيفك، وامتشق معولك وتعال نبنِ" الأرض والإنسان خيراً وحباً وجمالاً وبهاء، لتكون كما إلهك المحبّ الجميل البهي، والمعطاء بلا حدود وبلا انتظار صلوات ودعاء.
مفهوم الإله السوري المشرقي هذا كان التأسيس للإيمان الإسلامي التوحيدي وهو الرحم العميق للإسلام برسالتيه المسيحية والمحمدية. بينما مفهوم الإله، فيما عُرف بالتوراة، مختلف جداً عن مفهوم الإله الإسلامي المحب الرحوم، فالإله التوراتي لا يُرى إلا منتقماً حقوداً مرابياً وتاجراً لا يُعطي إلا إذا دُعي وتم التُوسل إليه، وإذا لم يدعَ ولم يتم التضرع إليه دمّر وأظهر قوته في السحق بالنار، لأن "يهوه" الذي دعت له التوراة إلهاً، هو كما دلت الأحافير طوطم البراكين في بلاد حوران في جنوب سوريا، الغنية بالبراكين وذات الجيولوجيا المتحركة والمليئة بالمصهورات الصوانية السوداء من البازلت وغيره.
وهناك اوهام كثيرة منتشرة في التفكير الشعبي وفي التفكير الديني، تظن ان اليهودية المنسوبة إلى "يهوه" هي رسالة سماوية، وأنها اولى الرسالات السماوية، وهذا الظن زعم وبعيد جداً عن الحقيقة، إذ هو لا يتعدى خلطاً بين النهج السوري المشرقي الذي اعتبر ابراهيم الآرامي أحد دعاته وانبيائه، كما قدمته التوراة، ولاحقاً القرآن، وبين طقوس عبادة "يهوه" طوطم البراكين. من جهة ثانية بينما تطورت كل العبادات السورية بما فيها عبادة "يهوه" عند السوريين بكونه جزءاً من النسق الديني التوحيدي، نجد عبادته في التوراة تجمّدت في مرحلة اولية غير إنسانية ما جعل البشرية الراقية تترفع عن قيمه الأولية ولم تعد تلك القيم تخاطب حاجات الإنسانية النفسية وتقدمها وتطورها.
ها هو القرآن الكريم، وعبر سورتي آل عمران ومريم فضلاً عن غيرهما، يؤكد أن ديانة إبراهيم الآرامي المشرقي لم تكن اليهودية، مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (آل عمران، 67)"، من حيث أن النصرانية فهم شعبي ومحلي مدود للمسيحية وليست المسيحية نفسها، لقد كانت ديانة إبراهيم سورية توحيدية، وهو من شمالي بلاد آرام، وسمّى القرآن هذه الديانة بالإسلام، ولم تُعرف للإسلام قيامة تسبق على ابراهيم الآرامي السوري المشرقي، حيث كان قوام الإسلام الآرامي المشرقي هو الرضى والتسليم "يا أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن إرادتك على الأرض كما في السماء"، وهذا التسليم والرضى هو قوام الإسلام عينه الذي لهجت به صلاة يسوع، كما قالها المسيح عيسى جواباً على سؤاله "كيف نصلّي يا معلم؟".
هكذا تبينت أن نشأة الإسلام وتكامله كانا في الهلال الخصيب وتظهّر في رسالات عدة، انتشر منها في سوريا المسيحية والمحمدية وطال في إشعاعه العالم كله تحت مسميات مختلفة في حقب متفاوتة، "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (آل عمران، 19)".
لم يكن دخول العرب إلى سوريا الطبيعية تحت راية الإسلام فتحاً لبلاد عصية عليه او هو اجنبي فيها، كما يُظن، بل كان عودة روح أصيل منه إلينا بحرف عربي آرامي أفصح وأنقى لم يختلط بلهجات أعجمية أخرى ولا بالجدل البيزنطي على جنس الملائكة حتى التبس الحق على ذوي الألباب. فلفظ الفتح يصح على دخول غلإسلام كل بلاد غير سوريا الطبيعية لأنه كان غريباً عنها، كبلاد فارس والأناضول وبلاد السند والهند وما وراء النهر، وبلاد النيل والمغرب والأندلس.
أعاد الإسلام بوضوحه المباشر الدال إلى سمو الإله وواجب الطاعة المؤمن، الدين إلى صفائه لعبادة إله خالق ومعيد "وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (سورة مريم، 66)"؛ إله السموات والأرض "رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (سورة مريم، 65)"؛ وإله له الحساب "فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (آل عمران، 19)"؛ وإله أنزل الكتب والشرائع "نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (آل عمران 3)"، هكذا أصبحت كل شريعة من شأنها تحسين الحياة وتجويدها في الهلال الخصيب ونَسبت للمشرعين لبيت عشتار او أورنمو او حمورابي شأناً توحيدياً ودينياً؛ وإله يقيم الجنة والنار والحشر "تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (سورة مريم، 63)"؛ ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء "وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (سورة مريم، 57)".
بأفعالكم تدانون، أيها الغلاة التكفيريون، باسم الإسلام، ديننا الشامل الوحيد، والذي إليه نحتكم، ما معياركم غير رب السموات والأرض وقرآنه إن كنتم صادقين؟ وفي ما تذبحون وتقتلون وتدمرون وتقطعون الرؤوس يحكم عليكم أنكم لستم منه وهو منكم براء إلى أبد الآبدين. فهل يبقى مغرر بهم بيننا وقوداً للفتنة العمياء.