115
القامة التي لهم، من حيث الشهامة الكاملة، غير التي لغيرهم، غير التي لنا، غير التي توالت كالسحابة من سماء إلى سماء، ومن لغة إلى لغة، ومن قلم إلى قلم. منذ ذلك القبل أي هم، إلى ذلك البعد أي الذين سبقوا والذين أقبلوا على الجنائن في مسار الأيام والحقبة التي أعقبت حقبة ما فعلوا وما أنتجوا وما جرجروا من أذيال على ساحات وساحات هنا وهنالك حتى إلى المحافل الواقعة في الجوار وفي البلاد، بلاد الضاد. وفي البلاد التي عكفت عليهم وحاولت أن تزور أبعادهم وتحنو على سرائر فصولهم.
والقامة تلك، قامة أمين نخلة، ورقة دلب كما وصفتها ذات مرة في جريدة النهار، في نطاق نصوص عن صداح ذلك البلبل، أي ذلك الطائر الذي طالما أخذه إليه في الطبيعة الشوفية الوضاءة، في طبيعة الباروك حيث هو ولد ونشأ وإنغمس وطوّف في عذباتها، في أشجارها، في الشيح والأخضر الأخضر والأطرى والأطرى والمزهر المزهر. وحيث الشوق ألمّ به وحيث الريف أوصله إلى المفكرة، وإلى أن يمجد ما يحتويه من ألطف اللطائف ومن أعذب العذوبة. وحيث الطل الذي يكاد كالغيث يهمي وحيث ذلك المطرب البلبل تكراراً الذي هو يذكره واحداً من السكان القدامى والنزلاء الأوفياء في تلك الناحية، في تلك الضاحية الغناء.
وقامة أمين نخلة إنما تنهض عموداً بل أعمدة في النثر اللبناني، في الإنشاء العربي جملة وفي محيّاه إحدى الشامات، إحدى الطرف، إحدى العلامات. وتنهض أجمل وأوضح من قنطرة القناطر ومن المندلون الذي لنا، كما لها الرندحة الغنائية من فرط بيانها الأصيل والذي يظل كأنه يفرك عينيه مثلما هي إمرأة الدلال وصبايا الغنج ومشق الزعرورة. ومثلما هن هاتيك الحلوات في مسقطه ذي الطيب والوان المسك والإثمد وكلاهما منبسطان. ووالده الملهم رشيد إنما هو الساهر لهن، ويحرص على أن ينقل عطورهن وحضورهن إلى الهودج، إلى نفسه في قصائده التي ذاعت والتي ، من كونها تميل الى الميسم الخاص والمعاصر، هي أساس وفي صدارة خروج الشعر اللبناني المحكي، إلى أن يكون في ما هو عليه من مجاراة لخصمه الفصيح.
ولئن لم يكن أمين نخلة، في ملء غرار والده، وعلى حد سيفه في مجال الغزل، وفي جلب المرأة الى الديوان، الى السطور، فإنه جعل نصه غزلاً، وربما يكون ذلك يطابق كتاباته التي كأنها تقاسيم على العود وعلى خطاب الأنثى. وهي كأنها نقلة حجل من خطوة إلى أخرى إلى نقلة أخرى. وتهدأ العاصفة كل مرة ويطرب الأمين إبن الرشيد أكثر مما هي المرأة له، أي الثانية الجديدة ومن أن تكون موجودة بين يديه، بين ذراعيه.
وإنما هي اللغة العربية، هي صنيعه هي التي من نادلة بين أصابعه، بين تضاعيف القلم، من مغنية مجهولة ، من جارية في التراث لكنها جذابة له في قرارته دائماً ، رفعها، كما في الحكايات، مما سلف ومما خلف، من جارية صمّاء وخفيفة ومثقلة إلى مرهفة جد الرهافة ، إلى التي تبدي وتعيد، إلى التي تجيد كل الإجادة والتي تميل بالجسد وتميل بالجيد، وترقص ليل نهار.
ولا يخفى عن أحد من أي طبقة أمين نخلة، لأنه صنع الرداء والنكهة في لبنان ولأنه مكرّ مفر ويشتهى كالتفاحة ويشع في وجوه الجميع، في قاطبة الأقطار والبلدان، في قاطبة الأذواق ومضطربات الأفكار.
ولأنه هو الملك الذي في الرواية ولأنه هو الغرام والتمثال ولأنه بغماليون كان أياها تلك اللغة وكان العاشق الذي نالها فائزاً معانقاَ إلى لا نهاية ولا نهايات للسعادة المحفورة في خواتمه هذه المجلوبة من مطارح الخبرة ومسارح المعرفة ومن داخل منجمه ليكون ذلك الكلّي المهارة والحاذق في نحت أطباق الكلم وعلوقه بما هو إما من فضة وإما من ذهب، إفتتاناَ بما كانت عليه إرم ذات العماد التي تراوده ويراودها، ووقوفاً على أطلالها الكريمة اللمّاعة حتى في مصائرها إلى الهاوية والخراب. وربما تغضب عليه بقية معادن ومعادن، وربما يغار زبرجد وياقوت في تلك العمارة، وبقية الأسواق والأبواب المفتوحة على هذه الآونة حيث الصعوبات المتعاقبة أغاريد وتنشر مخالبها. وحيث السهولات في الفنون وحدها في الأمداء وفي الأفنان وفي الأقفاص.
والقامة تلك، قامة أمين نخلة، ورقة دلب كما وصفتها ذات مرة في جريدة النهار، في نطاق نصوص عن صداح ذلك البلبل، أي ذلك الطائر الذي طالما أخذه إليه في الطبيعة الشوفية الوضاءة، في طبيعة الباروك حيث هو ولد ونشأ وإنغمس وطوّف في عذباتها، في أشجارها، في الشيح والأخضر الأخضر والأطرى والأطرى والمزهر المزهر. وحيث الشوق ألمّ به وحيث الريف أوصله إلى المفكرة، وإلى أن يمجد ما يحتويه من ألطف اللطائف ومن أعذب العذوبة. وحيث الطل الذي يكاد كالغيث يهمي وحيث ذلك المطرب البلبل تكراراً الذي هو يذكره واحداً من السكان القدامى والنزلاء الأوفياء في تلك الناحية، في تلك الضاحية الغناء.
وقامة أمين نخلة إنما تنهض عموداً بل أعمدة في النثر اللبناني، في الإنشاء العربي جملة وفي محيّاه إحدى الشامات، إحدى الطرف، إحدى العلامات. وتنهض أجمل وأوضح من قنطرة القناطر ومن المندلون الذي لنا، كما لها الرندحة الغنائية من فرط بيانها الأصيل والذي يظل كأنه يفرك عينيه مثلما هي إمرأة الدلال وصبايا الغنج ومشق الزعرورة. ومثلما هن هاتيك الحلوات في مسقطه ذي الطيب والوان المسك والإثمد وكلاهما منبسطان. ووالده الملهم رشيد إنما هو الساهر لهن، ويحرص على أن ينقل عطورهن وحضورهن إلى الهودج، إلى نفسه في قصائده التي ذاعت والتي ، من كونها تميل الى الميسم الخاص والمعاصر، هي أساس وفي صدارة خروج الشعر اللبناني المحكي، إلى أن يكون في ما هو عليه من مجاراة لخصمه الفصيح.
ولئن لم يكن أمين نخلة، في ملء غرار والده، وعلى حد سيفه في مجال الغزل، وفي جلب المرأة الى الديوان، الى السطور، فإنه جعل نصه غزلاً، وربما يكون ذلك يطابق كتاباته التي كأنها تقاسيم على العود وعلى خطاب الأنثى. وهي كأنها نقلة حجل من خطوة إلى أخرى إلى نقلة أخرى. وتهدأ العاصفة كل مرة ويطرب الأمين إبن الرشيد أكثر مما هي المرأة له، أي الثانية الجديدة ومن أن تكون موجودة بين يديه، بين ذراعيه.
وإنما هي اللغة العربية، هي صنيعه هي التي من نادلة بين أصابعه، بين تضاعيف القلم، من مغنية مجهولة ، من جارية في التراث لكنها جذابة له في قرارته دائماً ، رفعها، كما في الحكايات، مما سلف ومما خلف، من جارية صمّاء وخفيفة ومثقلة إلى مرهفة جد الرهافة ، إلى التي تبدي وتعيد، إلى التي تجيد كل الإجادة والتي تميل بالجسد وتميل بالجيد، وترقص ليل نهار.
ولا يخفى عن أحد من أي طبقة أمين نخلة، لأنه صنع الرداء والنكهة في لبنان ولأنه مكرّ مفر ويشتهى كالتفاحة ويشع في وجوه الجميع، في قاطبة الأقطار والبلدان، في قاطبة الأذواق ومضطربات الأفكار.
ولأنه هو الملك الذي في الرواية ولأنه هو الغرام والتمثال ولأنه بغماليون كان أياها تلك اللغة وكان العاشق الذي نالها فائزاً معانقاَ إلى لا نهاية ولا نهايات للسعادة المحفورة في خواتمه هذه المجلوبة من مطارح الخبرة ومسارح المعرفة ومن داخل منجمه ليكون ذلك الكلّي المهارة والحاذق في نحت أطباق الكلم وعلوقه بما هو إما من فضة وإما من ذهب، إفتتاناَ بما كانت عليه إرم ذات العماد التي تراوده ويراودها، ووقوفاً على أطلالها الكريمة اللمّاعة حتى في مصائرها إلى الهاوية والخراب. وربما تغضب عليه بقية معادن ومعادن، وربما يغار زبرجد وياقوت في تلك العمارة، وبقية الأسواق والأبواب المفتوحة على هذه الآونة حيث الصعوبات المتعاقبة أغاريد وتنشر مخالبها. وحيث السهولات في الفنون وحدها في الأمداء وفي الأفنان وفي الأقفاص.