في الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب اللبنانية، تروي المحامية سعاد مارون في كتابها “جريمة موثّقة”، ١٩ قصّة مؤثّرة عاشها لبنانيون على مدى خمسة عقود، واختبروا خلالها مآسي الحرب وتفكّك الدولة وغياب المحاسبة، وانهيار العلاقات العائلية بصمت.
والكاتبة عاشت تجربة فريدة في كتابة المجموعة، تمثّلت في حال التدفق الفكريّ flow state, ل ١٢ ساعة متواصلة كتبت خلالها ١٣ قصة من الكتاب.
وتنقل الكاتبة التجارب المؤلمة لشخصيات القصص، التي تموت مرّة وتُبعث لتشهد موتاً أشدّ، فتمزج ببراعة، الشخصي بالوطني والفردي بالجماعي، لتشعرك بأنك لا تقرأ قصة فحسب، بل تتلمس ملفات الذاكرة الجماعية.
وتأتي القصص كلّها محمولة على أسئلة فلسفية جوهرية: ما هو العدل؟ من الضحية حين تُمّحى سيرتها؟
هل الغياب موت؟ أم أن الحياة نفسها، حين تُفرغ من المعنى، تصبح غيابًا أشدّ؟
هل الحب نجاة؟ أم فخّ جديد في عالم بلا يقين؟
وبأسلوب رمزيّ عميق ولغة ناضجة ومتماسكة، تجمع بين البعد النفسي والسرد الواقعي الرّشيق، تستخدم الكاتبة الصور البيانية بسلاسة بلا مبالغة، لتغني النصّ أدبيًا من دون أن يفقد بساطته.
وتقف الكاتبة عند حافّة الجنون الجماعي، لتفضح كيف تتحوّل القضايا الكبرى إلى “بيانات رسمية”، وكيف يُدفع المواطن إلى الموت أعزلاً.
وتخترق مارون جدران الصمت السياسي والإجتماعي، لتُحدث شقوقًا في بنية الفساد والعبث والظلم الأسريّ، لنجد بأنّ الجرم في قصة “جريمة موثقة” التي يحمل الكتاب عنوانها، لم يكن ضد فرد بل ضد الحقيقة… ضد العدالة نفسها، عندما تُكتب التقارير، وتُحذف الأسماء، ويُترك القاتل حرًّا فقط لأنه محميّ.
وفي “يوم استيقظت إلى الأبد” تضعنا أمام تجسيد مؤلم ليوميّات شهيد عاد إلى الحياة سعياً وراء الحقيقة، فاختبر موتاً آخر في زمن يكره الصدق.
وفي “الجرف”، تقدّم قصّة مشحونة ورمزية، لتظهر كيف يُدفع الإنسان في مجتمعاتنا الاستهلاكية نحو الحافة، لا ليسقط وحده، بل ليسقط المجتمع معه.
وفي “كيفورك ومحمّد” تتعالى الغربة والظلم والفشل العاطفيّ، على تفاصيل الحياة اليوميّة وزواريب الطائفيّة.
وتأتي القصص كلّها محمولة على أسئلة فلسفية جوهرية: ما هو العدل؟ هل الغياب موت؟ أم أن الحياة نفسها، حين تُفرغ من المعنى، تصبح غيابًا أشدّ؟
وتُمرّر هذه الأسئلة مغلّفة بالمشهد اليومي، وبلغّة حميميّة تجعل القارئ شريكاً، لا متلقّياً، أمّا الحوار فيحمل مع الوصف أبعادًا نفسية واجتماعية للشخصيات واضعاً القارئ أمام تساؤلات مؤلمة:
هل يُعدّ الإهمال الزوجي جريمة؟ هل يكفي أن تكون الجريمة “غير دموية” لتلبس ثوب البراءة؟
وهل الحب نجاة؟ أم فخّ جديد في عالم بلا يقين؟
وفيما تنطوي المجموعة على بعد نسويّ واضح
مع الإيمان بدور المرأة في التغيير، إلّا أنّ الكاتبة لا تتوقف عند النساء والحب والبيت، إلّا لتغوص في نقد اجتماعي وسياسي مباشر.
كتاب جريمة موثّقة صدر عن دار رقمنة الكتاب العربي- ستوكهولم، بنسخة ورقية أعقبت نسخة الكترونيّة أولى. ويضمّ الكتاب لوحات انطباعية للفنّان التشكيلي بسّام مارون تضفي طابعاً بصريّاً مميّزاً إلى النصوص وتمنح القارئ اختباراً يحاكي التنقّل داخل معرض فنّي.
ووقّعت مارون كتابها في ٥٢ أيّار الماضي في معرض بيروت العربي الدّولي للكتاب في دورته ال ٦٦ المقبلة، جناح إتّحاد الكتّاب اللبنانيين.