يعود “مهرجان Cabriolet” للأفلام القصيرة هذا العام بزخمٍ متجدّد، حاملاً معه رسالة ثقافيّة تتجاوز حدود الفنّ نحو صميم التّواصل الإنساني. ففي نسخته السّابعة عشرة، يطلق المهرجان فعاليّاته التي تنظّمها جمعيّة “Laboratoire d’Art” (مختبر الفنّ)، بهدف ترسيخ السّينما كجسرٍ يجمع اللّبنانيين حول شغفٍ مشترك بالثّقافة والفنّ.
في الهواء الطّلق وحول الشّاشة الكبيرة، يواصل “كابريوليه” إشعاعه عبر عروض أفلامٍ قصيرة من مختلف أنحاء العالم، مقدِّماً تجربة فريدة تنبض بالحياة والعفويّة، إذ يمنح المهرجان الجمهور اللبنانيّ بمختلف فئاته تجربة سينمائيّة تجمع بين سحر الفضاء الرّحب وروائع الحكايات وفنّيّة الشّاشات المعلّقة فوق الرّؤوس.
عرض موحّد
في خطوةٍ غير مسبوقة منذ انطلاقته الأولى عام 2009 على “درج مار نقولا” في الجمّيزة، يوسّع “مهرجان كابريوليه للأفلام القصيرة” هذا العام رقعته الجغرافيّة، ليصل إلى مختلف المناطق اللّبنانيّة. إذ تُقام النّسخة السّابعة عشرة من المهرجان في 6 و 7 و 8 حزيران 2025، وتُعرض خلالها جميع الأفلام القصيرة المشاركة، والبالغ عددها 42 من أصل 3500 مشارَكة وصلت من حول العالم، في الوقت ذاته وفي اللّحظة ذاتها، مجاناً، في 13 منطقة لبنانيّة مركزيّة تشمل: بيروت، جونيه، جبيل، راس مسقا، إهدن، دوما، بعلبك، زحلة، ضهور الشّوير، عماطور، دير القمر، صيدا وصور.
ويؤكّد مؤسّس المهرجان إبراهيم سماحة لـ “نداء الوطن” أنّ هذا التّوسّع يهدف إلى نشر الثّقافة الفنيّة في كلّ أنحاء لبنان، خصوصاً أنّ “درج الجمّيزة” تجاوز قدرته على استيعاب الجمهور الذي يحضر إلى المهرجان، ما استدعى التّفكير بحلّ يتّسع لشغف الجمهور المتزايد، ويُسهم في الوقت نفسه في تنشيط السّياحة الداخليّة.
العصيان
تتمحور دورة هذا العام من “مهرجان كابريوليه للأفلام القصيرة” حول موضوع “العصيان”، حيث تتناول الأفلام المختارة قصصاً جريئة ومتنوّعة تدعو إلى كسر القواعد التّقليديّة، والتّشكيك بالمعايير السّائدة، والانفتاح على حوارٍ ثقافي عميق من خلال لغة السّينما المستقلّة. ويشرح سماحة أنّ اختيار “العصيان” كعنوانٍ محوريّ لهذه النّسخة لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة التّراكمات والظّروف الصّعبة الّتي عاشها لبنان، ولا سيّما منطقة الجمّيزة التي تضرّرت بشدّةٍ من جرّاء انفجار 4 آب 2020. ويتابع سماحة أنّ العصيان الحقيقي ينبغي أن يكون ضدّ ذواتنا، أي ضد~ يأسنا وخوفنا واستسلامنا، بهدف تحقيق أحلامنا ورغباتنا، رغم ما يحيط بنا من ظروفٍ قاهرة.
يُذكر أنّ عناوين محوريّة مختلفة للمهرجان، اختيرت خلال الأعوام الماضية، مثل “الآخر” عام 2024، بهدف الاعتراف أنّ كلّ شخص هو كونٌ غامض بحدّ ذاته، يثير فينا مشاعر عديدة ومتنوّعة.
فسحة للأطفال
وفي خطوةٍ نوعيّة تُضاف إلى مسيرته السّينمائية، يُطلق “مهرجان كابريوليه للأفلام القصيرة” للمرّة الأولى منذ انطلاقته، نسخة مخصّصة للأطفال تحت عنوان “كابريوليه كيدز”، بالتّعاون مع “مهرجان كليرمون فيران الدّولي للأفلام القصيرة”، أحد أبرز المهرجانات السّينمائية في العالم.
العروض الخاصّة بالأطفال تقام يوم 7 حزيران 2025، في أربع مناطق لبنانيّة هي: الأشرفية في “متحف سرسق”، صيدا في “مسرح إشبيليا”، دوما، وزحلة. ويتضمّن البرنامج عرضَين حسب الفئات العمريّة:
– عرض مخصّص للأطفال من عمر 4 إلى 8 سنوات.
– عرض مخصّص للمراهقين من عمر 8 إلى 14 سنة.
ويشير إبراهيم سماحة إلى أنّ إشراك الأطفال في نسخة هذا العام يأتي انطلاقاً من الرّغبة في تعريفهم على محتوى سينمائي مميّز لا يمكن مشاهدته إلّا ضمن هذا النّوع من المهرجانات، مضيفاً أنّها تجربة فريدة للأطفال، تتيح لهم الجلوس معاً في الهواء الطّلق، والتّفاعل مع الأفلام، ومناقشة مضمونها بطريقة ممتعة وتربويّة في آنٍ.
كما يشهد “متحف سرسق” بعد العروض ورشة تمثيل مجانيّة للأطفال الرّاغبين في تعلّم أسس التّمثيل، إلى جانب جولة تعريفيّة وتثقيفيّة في المتحف الشّهير برفقة مرشد متخصّص، في تجربةٍ شاملة تمزج بين السّينما والفنّ والتعلّم التّفاعلي في آنٍ واحد.
كميل سلامة وجه داعم
كعادته كلّ عام، يختار المهرجان شخصيّة فنيّة بارزة ترافقه في رحلته وتضفي عليه بريقاً من حضورها وتجربتها. فقد سبق أن احتفى بأسماء لامعة تركت بصماتٍ مميّزة في السّينما والمسرح اللّبناني، من بينها الممثّلون: جوليا قصّار، ريتا حايك، رودريغ سليمان، ندى بو فرحات، بديع أبو شقرا، جورج خبّاز، نادين لبكي، غبريال يمين، عادل كرم، وكارمن بصيبص. أما في نسخة 2025، فينضمّ إلى عائلة المهرجان الفنّان كميل سلامة، أحد أعلام الشّاشة والمسرح في لبنان، كوجهٍ داعمٍ وملهم. سلامة معروف بمسيرته الحافلة الّتي تمتدّ لأكثر من أربعة عقود، قدّم خلالها أعمالاً مسرحيّة وتلفزيونيّة وسينمائيّة أثرت الذّاكرة الثّقافية اللّبنانيّة، واختياره يأتي بمثابة تحيّة لفنانٍ يعرفه الجمهور جيداً، ويقدّر صدقه الفنّي وعمق رسائله.
السّينما السّعوديّة
وفي إطار التزامه المستمرّ بتعزيز التّبادل الثقافي العربي، يقدّم “مهرجان كابريوليه للأفلام القصيرة 2025” فيلمَين قصيرَين من المملكة العربية السّعودية ضمن برنامجه الرّسمي، ليُعرَضا أمام الجمهور اللّبناني في عدد من المناطق المشاركة في المهرجان. وتأتي هذه المبادرة كخطوةٍ نوعيّة على طريق تعميق الحوار السّينمائي بين لبنان والسّعودية، وفتح آفاق جديدة للتّعاون الثّقافي والفنّي بين البلدين. هذه المشاركة السّعودية تُعدّ انطلاقة واعدة في مسار الانفتاح السّينمائي العربي، وتأكيداً على الدّور الّذي يمكن أن تلعبه المهرجانات المستقلّة في بناء جسور بين الشّعوب من خلال الفنّ.
ويمكن الاطّلاع على برنامج العروض المفصّل وأماكنها من خلال الموقع الإلكتروني للمهرجان: www.cabrioletfilmfestival.com، وعلى مواقع التواصل.