Tahawolat

يحتمل النقد جملةً من المفاهيم منها المباشر المفصّل، ومنها المبطّن الملغوم، مما يضع القارئ المهتم بكلا الحالتين أمام تساؤلات قد تنتهي بنتائج فاعلة على مستوى الإدراك الفردي ومن ثم قد يتمّ نقلها إلى المستوى العام باتجاه طرح مرتكز تفاعلي يتناوله المتلقّي بمختلف اتجاهاته واهتماماته، فيتم تشكيل علامة قد تكون فارقة أو واهية باهتة، وهذا يعتمد على المادة الخاضعة للنقد بداية ومن ثمّ عمليّة النقد وصولاً إلى من يتلقاها وكلّه يتمحور حول المرتكز التفاعلي الذي تمّ خلقه.


هنا في نص سارة عاصي "صورة على جدار مسرح الفنون الحديثة" لاحظت وجود هذه  العناصر كلّها.


إنّ العنوان وحده كفيل بتقديم فكرة مبدئية عن هذا.. نص يحتوي نقداً لاذعاً، ثم النص ذاته يخضع لنقدنا كقراء لنصل بالتتالي إلى تقديم – وهذا ما نقوم به هنا – هذا التقديم الذي من الممكن أن يحضّر لمرتكز تفاعلي تدور حوله وضمنه أفقياً وبالعمق غاية الكاتب وما يصل إليه المتلقي.

هذا النص


من البديهي أننا نستطيع تناول أي نص بتفصيل وتحليل لكنّنا نكون هنا قد صادرنا حق القارئ بالتصوّر وبناء الرأي ولو جزئياً. لذلك ووفقاً لرؤيتنا هنا، نجد أن الإضاءة الشمولية هي الأكثر فائدة وهذا لا يمكن أن يُنجز إلا بطرق معينة،ولمس البنية العامة للنصّ بإدراك محوريته والجهة التي يهدفها


هذه الصورة على جدار مسرح الفنون الحديثة دامية مليئة بالعنف تتشابك فيها وتتفرع معطيات الحالة النفسية لمن تبدو كممثلة على خشبة هذا المسرح وما هو إلا الحياة. صورة دامية تحتوي آلاماً كبيرة ترغب بالموت علّ ماينتج بعدها هو متحف يزوره غرباء لا نعرفهم. ولا تعرفهم كاتبة النص حتى. هذا انعكاس لغربة نرصدها على طول النص وعرضه وما بين سطوره وفي أعمق ثناياه.


تتعمّق الغربة أكثر عندما تُدخلنا سارة عاصي إلى قلب غرفتها التي تتحوّل إلى كون قائم بكيانه لنرصد "كوزموبوليتانية" من نوع معاصر تعكس حالة الفراغ أمام جمهور افتقد للإحساس بعمق الألم البشري. أمام صراع وجودي قوامه الزحف ربما لوصول إلى هدف ما رغم دموية المشهد. وكانت سابقاً قد استحضرت بيتها ومن ثمّ مقهى توزع لرواده قصاصات من ورق مخملية. هذه العوالم كلّها تعكس غربة كاتبتنا وانتقادها الدلالي بالإشارة لمجتمع بتفاصيله.


أمام هذه الخطوط العريضة التي قدمناها نُدرك ونصل للمسؤولية التي تتبناها كاتبتنا هنا من خلال هذا النص المكثّف بصوره وحركيّته المسرحية المتمثلة بصورة! لنجد أنفسنا معها أمام هذه المسؤولية لكن؛ ألا يجب علينا التوضيح أكثر والإشارة بشكل مباشر إلى هذه المسؤولية ولمن نتجه بها أم نترك الأمور مشرعة لاستنتاجات قد يصل إليها المعنيون أو لا يصلون؟!


من المؤكد أن الحياة تختبرنا بتجاربها فكيف إذا كانت التجربة تحمل هذا الثقل من العنف الدّامي المشرع أبوابه ونوافذه أمام أعين أجيال ستأتي لترصد وتعيش وتعايش وتُدين خلوّنا مسلكياً ووجدانياً من أية حركة تقدّم حلولاً اجتماعية حقيقية تُنهي بعد أن تعالج دمويّة عصرنا وعنفيّته بل وتحولنا إلى جمهور أبله يصفّق لهذا العنف وهذا الدم وأكثر من هذا يُصادر الحلم الذي قرأناه في نص سارة عاصي حلماً زاحفاً على السحنة القانية.


جملة حوارية كبيرة وهامة تضعنا بالمواجهة معها سارة عاصي من خلال نص راديكالي جديد يؤرخ لموهبة تنمو تدريجياً تستحقّ منا الإهتمام والقراءة والإشارة إلى إيجابياتها وسلبياتها وتحفّز أمامنا خلق تفاعل ثقافي نحن مسؤولون عنه من مواقعنا جميعاً خصوصاً أنها صوت يأتينا من المغترب ويرصد إشكالياتنا الإجتماعية بتفنيد وقوّة و بمصداقية نلحظها من خلال كثافة المشاعر التي تصلنا بشكل مباشر وغير مباشر بعد قراءتنا لها.


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net