Tahawolat
شهد العالم في نهاية القرن الماضي وبداية هذا القرن تحولات جيواستراتيجية كبرى واحداثاً مفصلية تركت اثارا وتداعيات سياسية كارثية على العالم بشكل عام وعلى امتنا بشكل خاص. فمنذ اكثر من ثلاث سنوات والعالم منشغل بالحرب الدائرة في سورية وعليها، وتتصدر الازمة السورية عناوين اي لقاء دولي او اقليمي يعقد. وتحتل هذه الازمة الخبر الاول في كل وسائل الاعلام بانواعها المختلفة، محليا واقليميا ودوليا. يتساءل المتابع لماذا هذا القدر من الاهتمام والاصطفاف الاقليمي والدولي بالازمة السورية، هل هذا الاهتمام نظراً لموقع سوريا ومحيطها (الهلال الخصيب) الجيواستراتيجي كنقطة التقاء ثلاث قارات وعقدة طرق برية وبحرية وجوية تربط العالم؟ وكواحدة من أهم مناطق التداخل بين هذه القوى البرية والبحرية والقوى الجوية، والتي تشكل جزءاً حساساً للغاية من منطقة مصير العالم وفق طرح عالم الجيوبوليتيك المارشال الكسندر دو سيفرسكي عن القوى الجوية عندما قال: «هذه المنطقة العربية هي المعبر الذي يربط قارتي آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهي مفتاح الدفاع الجوي عن قارتي أفريقيا وأوروبا»؟ او لان الدور الذي تلعبه سورية ومحيطها الطبيعي بهذا الموقع الجيواستراتيجي كبوابة آسيا الى اوروبا، وكحاجز يفصل تركيا عن العالم العربي، ويقف عقدة كأداء بوجه ما سمي الربيع الاسلامي الاخواني، وكيل المصالح الاميركية في المنطقة، والذي تخوض اميركا عبره حربها على المجتمعات العربية وحرب المجتمعات العربية على نفسها؟ او لان سوريا باتت خط الدفاع الاول عن الامن السياسي والاقتصادي الروسي والصيني والايراني خاصة، بعد ان اعتمدت سوريا استراتيجية البحار الاربعة وطريق الحرير التي تلاقت مع استراتيجية الصين لكسر الطوق الاميركي عليها في مضيق ملقا؟ او لان اكتشافات الغاز المؤكدة في سوريا ولبنان ومياههما الاقليمية والتي أسالت "لعاب" المتصارعين على امتلاك الطاقة للتحكم بمصير القرن الحالي؟ او لان سوريا عقدة مواصلات الغاز وعليها يتوقف مصير غاز (نابوكو) وتركيا واميركا وقطر لتحرير اوروبا من قبضة غاز (بروم) الروسية ومنافستها على امتلاك هذا السوق الكبير؟ لكل هذا ولان سورية لم ترضخ لمشيئة اميركة والغرب، بل عملت مع ايران على تقويض السياسة الاميركية والاطلسية والاسرائيلية وافشلتها عبر دعم المقاومات في لبنان والعراق وفلسطين. استهدفت سورية بهذه الحرب الكونية التي تخاض على ارضها لإسقاطها وتفتيتها وبقية العالم العربي الى دويلات عرقية طائفية عبر تقسيم المقسم (سايكس- بيكو) الى دويلات طائفية على اساس المذهب والعرق والطائفة لا على اساس سياسي كما وصفها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وذلك لإكمال فرض هيمنة اميركا على المنطقة واقامة الشرق الاوسط الجديد.
سورية باتت ساحة صراع عالمي، كما وصفها بان كي مون الامين العام للامم المتحدة، والذي اعترف ان الاحداث في سورية هي (معركة بالنيابة بعد تداخل اخطر ملفات عالمية بها وحولها). هذه الورقة المختصرة هي مقدمة للنقاش تحدد هذه الاحداث التي انتجت هذه التحولات الكبرى، والملفات المتداخلة في سوريا والمنطقة وهي كما يلي:
1- الاحداث العالمية التي انتجت التحولات الكبرى:
1- سقوط جدار برلين ثم سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه في اواخر ثمانينيات القرن الماضي مما ادى الى اختلال التوازن الثنائي الدولي، وفقدان امتنا وحركات التحرر نصيراً كبيراً في صراعهما الوجودي مع عدونا الغاصب وقوى الاستعمار، مما ادى الى سقوط نظام الثنائية القطبية الذي حكم العالم بعد الحرب الكونية الثانية وابان الحرب الباردة، واخلى الساحة الدولية لاميركا كقوة احادية تتحكم بالكون بنظام احادي جائر.  
2- بروز اميركا كنظام استعماري احادي الاستقطاب على اثر سقوط الاتحاد السوفياتي، واستلام المحافظين الجدد الحكم فيها بحلمهم الامبراطوري لحكم العالم، وتوسيع الحلف الاطلسي ليشمل قسماً من دول اوروبا الشرقية سابقاً (بولندا، والتشيك، وسلوفاكيا، وهنغاريا) مما ادى الى تطويق روسيا وعزلها بغية تفكيكها. واعتمادهم الليبرالية كنظام اقتصادي حاكم للكون بعد سقوط الشيوعية. واعتبارهم مفتاح بقاء اميركا كامبراطورية تحكم العالم هو السيطرة على مصادر النفط والطاقة، والتحكم بمساراتها (لأنها المادة المحركة للعجلة الاقتصادية) وإبقاء تسعيرها بالدولار فقط، واعتمادهم الحروب الاستباقية كعقيدة جديدة لهذا الفكر الامبراطوري. ولما كانت أمتنا والعالم العربي تختزن اكثر من 60 % من احتياط العالم من الطاقة، واجهت امتنا ولاتزال تواجه مع محيطها المقاوم تداعيات هذا الحلم الاميركي حروباً واجتياحات وتدميراً للدولة والمجتمع والاقتصاد.
3- تغيير الادارة الاميركية اولوياتها في عهدي اوباما الاول والثاني، حيث أصبحت:
 أولاً: مواجهة العجز التجاري والدين الداخلي، للخروج من ازمتها الاقتصادية التي اصابتها العام 2008 ولا تزال دون حل.
وثانياً: التصدي للصعود الاقتصادي الصيني المتوقع ان يساوي الاقتصاد الاميركي العام 2018 ويتجاوزه العام 2025. ولهذا قررت اميركا الانسحاب من الشرق الاوسط الى الشرق الاقصى وجنوب آسيا للتصدي للعملاق الصيني المزاحم لها اقتصاديا وسياسيا. واعتمادها الاخوان المسلمين والتنظيمات التكفيرية كوكيل للمصالح الاميركية الاسرائيلية في المنطقة، ثم بعد فشلهم استنفروا جيش القوى التكفيرية العالمية وتكليف السعودية وقطر بتمويل وتسليح وحشد الارهابيين بالتنسيق مع تركيا واسرائيل لتنفيذ حروبها بالوكالة وتدمير سوريا والمنطقة. واقامة الشرق الاوسط "الاثني" الجديد وسايكس بيكو 2 بعد استنفاد اهداف سايكس بيكو 1، لتقسيم المقسم الى كيانات عرقية مذهبية تخدم اذكاء الفتنة السنية الشيعية التي تضرب وحدة المجتمع وتتصدى للتمدد الايراني الروسي الصيني في المنطقة الذي تم تصويره بأنه العدو لليعاربة في المنطقة، بما يخدم ويبرر بقاء اسرائيل كدولة يهودية عنصرية في امتنا. 
4- دخول العالم عصر العولمة وثورة الاتصالات والمعلوماتية التي اختصرت الزمن والمسافات وجعلت العالم قرية كونية مشرعة الابواب والنوافذ امام التدخل الخارجي.
 5- تعرضت اميركا في 11 سبتمبر 2001 لهجوم ارهابي حيث تم تحويل اتجاه أربع طائرات نقل مدني تجارية وتوجيهها لتصطدم ببرجي مركز التجارة الدولية بمنهاتن ومقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون). استغلت اميركا هذا الحدث واتهمت القاعدة بالقيام به فاحتلت افغانستان لتصفية القاعدة وحكومة طالبان ومن ثم اجتاحت قواتها العراق بحجة امتلاكه اسلحة دمار شامل تبين بطلانه. منفذة بهذين الاحتلالين خطط احتلال 6 دول من ضمنها افغانستان والعراق كانت موضوعة سلفاً من قبل ادارة المحافظين الجدد، وذلك للهيمنة على نفط العراق وبحر قزوين ولتطويق ايران وروسيا، حيث صرح ريتشارد بيرل بوضوح "نبدأ من العراق ثم لبنان فسورية، فالسعودية، فالجائزة الكبرى مصر".
6- قصف قوات الناتو ليوغسلافيا في 24 اذار1999 لمدة 78 يوماً على اثر المعارك التي حدثت بين القوات الصربية والكوسوفيين الألبان. وقد شكل هذا الحدث سابقة ومنحى خطيرين في العلافات الدولية عند مشارف القرن الحادي والعشرين. هزت هذه الأحداث القواعد القليلة للاستقرار الدولي، على الأقل بالمفهوم التقليدي لها. حيث مثلت كوسوفو، ذروة منطق المحافظين الجدد الذي نما وتطور خلال سنوات التسعينيات، ومثل نقطة انطلاق لعصر جديد. وكانت البداية لمزيد من إلغاء سيادة الدولة بحجة المصالح العريضة للأمن والسلام الدوليين، ولكن على عكس الحالات الأخرى، لم يكن ذلك مشفوعا بقرارات من مجلس الأمن. وهذه الحقيقة وحدها أبرزت التغيير الذي لحق بالمجتمع الدولي، من حيث أن أوضاعاً داخلية لدولة ما يمكن أن تمثل تهديداً لاستقرار الدول الأخرى المجاورة لها، سواء اتخذ مجلس الأمن أو لم يتخذ الإجراءات المناسبة تستطيع اميركا والناتو أن يتدخلا.
7- سقوط النيو ليبرالية في بداية هذا القرن بسبب الازمة الاقتصادية التي ضربت العالم العام 2008 وافقرت اوروبا واميركا والعالم الرأسمالي، وبدّدت مدخرات الخليج العربي ولاتزال تداعياتها وترداداتها دون حل وترخي بظلالها على الاقتصاد العالمي.
8- سقوط النظام الأحادي الاستقطاب الذي قادته اميركا بعد فشله الذريع في حل المشكلات السياسية والاقتصادية والبيئية. مما اورث العالم وامتنا كوارث وحروباً لا نزال نواجهها حتى الآن. وبروز حالة اللاقطبية كمقدمة لولادة نظام متعدد الاقطاب بدء بالظهور. وشاء موقع سوريا الجيواستراتيجي ان يكون هو المكون والحاضن لهذه الولادة. بعد استعمال روسيا والصين ثلاثة فيتوات متتالية لمنع اقامة منطقة حظر جوي او استهداف سوريا بقوات اطلسية كما حصل لليبيا، على اثر الحرب الكونية التي تخاض في سوريا وعليها.
9- حدوث ثورة اقتصادية عظيمة في الصين ادهشت العالم في نهاية القرن الماضي وبداية هذا القرن مما ادى الى انتقال مركز الثقل الاقتصادي وبالتالي السياسي من الغرب الى الشرق وتحديدا الى جنوب آسيا، وما تركه من اثر كبير في تغيير موازين القوى واولويات الدول العظمى واستراتيجياتها. ودفعت الصين الى الخروج لتأمين مصادر الطاقة من وسط آسيا الى الشرق الاوسط وافريقيا. اضافة الى احيائها طريق الحرير التاريخي الذي يصل سوريا بشنغهاي مرورا بوسط آسيا، لخروج الصين من تطويق اميركا لها بسيطرتها على مضيق ملقا الذي يمر عبره 75% من النفط الى المصانع الصينية. مما جعل سوريا كبوابة لطريق الحرير الى اوروبا وكخزان للغاز على ساحل المتوسط، جزءاً من الامن الاستراتيجي الطاقوي والاقتصادي الصيني والتي تلاقت استراتيجيتها مع استراتيجية البحار الاربعة التي اعلنها الرئيس الاسد بعد ان قرر الاتجاه شرقاً واعتبار ان اوروبا لم تعد موجودة على الخارطة سياسياً.
10- بروز أخطار الاحتباس الحراري والتغير المناخي بسبب التلوث الذي احدثته الدول الصناعية بسبب استعمالها المفرط للبترول والفحم الحجري لتحريك عجلة مصانعها، وبروز الصراع على الغاز كمادة نظيفة للطاقة نتيجة الضغوط لتبني توصيات (قمة الارض في ريودجنيرو العام 1992 ومؤتمر كيوتو في اليابان العام 1994) بضرورة استعمال الغاز كبديل طاقوي لتخفيف انبعاث ثاني اوكسيد الكربون بنسبة 20% قبل 2020 (لأن نسبة التلوث الذي يحدثه استعمال الغاز هو 10% مما يحدثه النفط او الفحم الحجري). والتحذير من كارثة ستحل بالكرة الارضية إن لم تلتزم الدول الصناعية بهذا الامر، والتزام اوروبا بهذه المقررات، مما جعلها اكبر سوق عالمي ناشئ للغاز. ولأن اوروبا تعتمد على الغاز الروسي لتلبية ثلث حاجتها من الغاز، باتت هي رهن ارادة روسيا الطاقوية التي تضغط بها سياسياً على اوروبا.
وبعد اكتشاف هيئة المسح الجيولوجي الاميركية USGS. المخزونات الكبيرة من النفط والغاز في الاراضي السورية ومياهها الاقليمية في المتوسط والتي قدرت بأكثر من 700 تريليون م م من الغاز، (مما جعل سوريا خزان غاز المتوسط وتشبه السعودية يوم اكتشاف النفط). وبعد انكشاف موقع سوريا كعقدة مرور أنابيب الغاز لتحرير اوروبا من احتكار غاز بروم عبر (مشروع غاز نابوكو). اصبحت سوريا خزان الغاز للمتوسط وعقدة طرقه الى اوروبا، ولما كان الرئيس الاسد غير موثوق من قبل اميركا وازلامها في تركيا والخليج، وبعد رفض الرئيس بشار الاسد مرور هذا الانبوب في سوريا والذي يحمل غاز اسرائيل وينافس حليفته روسيا في سوق اوروبا واستعاض عنه بانبوب الغاز الايراني الذي سيعبر ايران والعراق وسوريا ويكون رافداً لغاز بروم لا منافساً له، وناقل غاز المتوسط مستقبلا الى الصين. بدأت الحرب على سوريا لإسقاطها لانها بموقعها الجيواستراتيجي باتت قطب الرحى وعقدة مواصلات انابيب الغاز العالمية اضافة الى انها عقدة طرق برية وجوية وبحرية ونقطة التقاء ثلاث قارات اسيا، اوروبا وافريقيا.
11- وصول فلادمير بوتين قائد المخابرات الروسية (الكي حي بي) الى سدة الحكم في روسيا العام 2000 بعد مخاض فكري حول سؤال الهوية من نحن، وما هي الاسباب التي ادت الى انهيار الاتحاد السوفياتي. وبروز الاوراسية كعقيدة جيوبوليتيكية جديدة تحكم تطلعات وسياسة روسيا الاتحادية المستقبلية. وبعد الارتفاع الكبير في اسعار النفط والغاز الذي ساعد روسيا بالخروج من العجز الكبير (300 مليار دولار) الذي سببته سيطرة المافيا الروسية على الاقتصاد الروسي في عهد (يلتسين)، حيث استطاع بوتين ان يخرج روسيا من عجزها المالي ويحقق فائضاً مالياً تجاوز الـ1 تريليون دولار حتى الآن. قرأ بوتين جيداً اسباب انهيار الاتحاد السوفياتي سابقا وتفككه، وقرأ أهمية الغاز المستقبلية (حيث اطلقت منظمة الطاقة العالمية تسمية القرن الحادي والعشرين بالعصر الذهبي للغاز)، ولان روسيا هي الدولة الاولى المنتجة للغاز في العالم. ولأن بوتين قرأ خطورة (غاز نابكو) على الاقتصاد الروسي. وخطورة المخططات الاميركية على روسيا من خلال نشر القواعد الاميركية والدروع الصاروخية المواجهة لروسيا في اوروبا ووسط آسيا وتركيا . وقف مع الصين عقبة كأداء في مجلس الامن بوجه المخططات الاطلسية في سوريا ومنع اسقاطها بحمايتها بثلاثة فيتوات حفاظا على مصالح روسيا الاستراتيجية في المتوسط، وحفاظا على قاعدة طرطوس (القاعد الوحيدة المتبقية لروسيا خارج اراضيها بعد القرم) مما جعل سوريا ايضا تصبح في صميم الامن السياسي والاقتصادي والقومي الروسي.
12- تشكيل منظمة شنغهاي للتعاون اهدافها، ودورها بإلزام اميركا لاخراج قواعدها من آسيا قبل نهاية العام 2015 وتشكيل دول البريكس ودورهما بإنهاء نظام الاحادية القطبية وبروز نظام عالمي جديد متعدد المحاور والأقطاب وموقع سوريا كنقطة صدام جيوسياسي لاعادة تشكيل هذا النظام.
13- انتصار الثورة الاسلامية في ايران وتأثيره على المنطقة خاصة بعد انسحاب الاحتلال الاميركي من العراق وقرب انسحابه من افغانستان هذا العام مما اعاد تموقع العراق مع المحور المقاوم وبروز دور ايران في جيوبوليتيك الطاقة الصينية والروسية وموقعها الجيواستراتيجي في وسط آسيا، ودورها في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين كداعم اساسي للمقاومات بوجه المخططات الاميركية والاطلسية والاسرائيلية والتركية والخليجية الارهابية والتكفيرية .
 14- سقوط النظام العربي الذي كان اصلاً وليد الاستعمار بعد استنفاد مهمته، وسقوط الانظمة الكيانية، وسقوط الاسلام السياسي بشقيه الاخواني والتكفيري وسقوط العروبة الوهمية بمؤسساتها القائمة التي حولت الجامعة العربية الى حصان طروادة يستدعي الاطلسي لضرب العراق فليبيا ثم سوريا. وسقوط النظام القومي العربي الذي فشل في تحقيق نظام الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وضرب الفساد والمفسدين وصيانة وحدة المجتمع وتطوير النظام الشمولي، لمنع استغلال القوى الخارجية لهذه الثغرات والنفاذ منها لضرب خياراته القومية والسياسية المحقة المقاومة لاميركا والاطلسي واسرائيل، وسقوط منظومة الامن القومي العربي، وبالتالي باتت الأمة بغياب المشروع القومي مكشوفة تواجه ثلاثة مشاريع إقليمية تتصارع فيها وعليها وهي:
أ- المشروع الاسرائيلي المتلاقي مع المشروع السعودي الوهابي المدعوم اميركياً لتصفية القضية الفلسطينية، وانشاء شرق اوسط جديد "اثني عرقي" يفتت المفتت.
ب- المشروع العثماني التركي المتحالف مع قطر والاخوان المسلمين والمدعوم اوروبياً واميركياً ايضا ويلتقي باهدافه مع المشروع الاول.
ج- المشروع الايراني المقاوم للمشروعين (أ و ب) بتحالفاته الممتدة من لبنان المقاومة الى سوريا الى العراق حتى محور شنغهاي للتعاون وروسيا والصين.
15- تشكل محور المقاومة من لبنان الى طهران الى شنغهاي، موقع سوريا في هذا المحور واستراتيجية هذا المحور التوحيدية بوجه استراتيجية سايكس بيكو 2 التقسيمية. ودور المقاومة المركزي في هذا المحور كنواة لحرب تحرير قومية يجب إطلاقها، تنقذ الأمة من الموت المحتم بالتصدي للفتنة المذهبية وتحافظ على وحدة المجتمع والامة، وتدفعها لأخذ دورها كبوابة طريق الحرير الى اوروبا، وكعقدة طرق طاقوية، وكموقع متقدم وكخط تماس لهذا المحور المقاوم بوجه الاطلسي في تركيا، وكنموذج لفكر مدني جامع موحد بوجه فكر تكفيري ظلامي مفتت.
 
2- الملفات الإقليمة والدولية المتداخلة في سوريا والمنطقة.
لكي نفهم حقيقة هذه الحرب الكونية التي تجري في سورية ومحيطها الطبيعي والى اين مآل هذه الحرب واستنباط الحلول، علينا ان ندرس هذه المتغيرات الجيواستراتيجية الكونية المذكورة اعلاه، والملفات الاقليمية والدولية التي تداخلت في سوريا والمنطقة والتي كانت سببا للتداخل الدولي والاقليمي والعربي في سوريا وعليها، فالمنطقة تقع على فاصل جيوبوليتيكي بين الاوراسية الروسية والاوراسية الاميركية، ويتجاذبها صراع عالمي للسيطرة عليها وعلى مخزون الطاقة فيها ومساراته منذ بداية القرن الماضي حتى الآن. والقوى الكبرى المتنافسة على الموارد لا تهتم لحريات الشعوب ولا للديمقراطية وتداول السلطة بل تستغل هذه الشعارات لنهب خيرات الامم وتقسيمها والسيطرة عليها.
وهذه الملفات نوجزها كالتالي:
 الاول: ملف الطاقة العالمي (الغاز) مصادره وطرق امداده.
الثاني: معركة التحدي بين روسيا واميركا على الغاز والقواعد العسكرية, والصراع على القرن الجديد وملف النزاع على المناطق الاستراتيجية العالمية كوسط آسيا والبحار الاربعة والمضائق والبحر الابيض المتوسط والدول المطلة عليه.
الثالث: معركة التحدي الصيني - الاميركي على الاقتصاد والطاقة وطريق الحرير والنظام العالمي الجديد والمحيط الهادي وموقع سوريا والمنطقة في هذا الصراع.
الرابع: الملف النووي الايراني ودور ايران الاقليمي وامن الخليج ومنابع الطاقة ومساراتها.
الخامس: التدافع بين ايران وحلفائها والسعودية وقطر وحلفائهما على دور ومستقبل المنطقة.
السادس: ملف الصراع التركي - السوري (حزب العمال الكردستاني) والاحلام العثمانية المتجددة.
السابع: ملف الصراع بين سورية وحزب الله من جهة واسرائيل من جهة اخرى.
الثامن: الربيع الاسلامي العربي الاميركي المتصهين، والنزاع الطائفي في العالم العربي والاسلامي وتحدياته وملف القاعدة والجماعات التكفيرية المتطرفة .
 هذه الملفات المفصلية والمعقدة والمستعصية أصبحت كلها لاعبة وحاضرة ومطروحة على نسب مختلفة في كل ابعاد الازمة السورية وتداعياتها على المنطقة بطريقة لم يشهد لها مثيل في العالم منذ انتهاء الحرب الباردة بين القطبين العالميين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الاميركية حتى الآن. والتي على حلها يتوقف مصير سورية المنطقة ورسم خرائطها الجغرافية، ومصيرالقرن الـ 21.
اخيراً اعتذر عن الاطالة وذلك لحجم التحولات الكونية وضرورة الاحاطة بها ودراستها، لتحركها في زمن انتقالي لم يستقر بعد ومحكوم بالتحرك وعدم الاستقرار، ولتأثيرها الكبير على وطننا الحبيب والمنطقة. وآمل ان اكون قد ساهمت بهذه القراءة المتواضعة بوضع لبنة صغيرة في بناء "حلقات التفكير"، التي يقيمها مركزكم "مركز دلتا للأبحاث المعمقة" في هذا الملتقى الفكري التخصصي.   

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net