Tahawolat
يُعدّ مستقبل الحرب على سوريا اهم محددات المستقبل الشامل للمنطقة إن لم نقل الاساسي، وعلى ضوء نتائج هذه الحرب تأتي التداعيات المفترضة لتكون مع التشكيلات الجيو - سياسية للمنطقة المشهد والصورة العامة التي ستحكم المنطقة لعقد من الزمن على اقل تقدير، ويحد القلق من هذا المستقبل في ظل سيناريوهات متوقعة من قدرة صناع القرار على اتخاذ قرارات تتعلق بالتعامل مع الوضع الراهن، ومن ثم يؤثر الخوف من المستقبل في البدائل المطروحة لمواجهته. ومنذ بدء هذه الحرب، هناك العديد من التصريحات التي صوّرت المستقبل في سوريا وفق سيناريوهات كارثية، في حالة سقوط النظام، وقد أثر ذلك في الخيارات المتاحة للتعامل مع الأزمة، وهو ما انعكس في اتجاه قوى إقليمية ودولية، صعدت سابقاً ضد نظام الرئيس بشار الأسد، إلى التراجع المحسوب.
ويعود فشل التحليلات بشأن الحرب على سوريا إلى سببين أساسيين: 
1 -  مجانسة التحليل مع  النتائج التي حكمت الحراك في باقي الدول العربية التي شملها ما يُسمّى الربيع العربي، بحيث استندت أغلب التقديرات بشأن مستقبل سوريا إلى قوة الاحداث التي أضافها سيناريو السقوط المتتالي للأنظمة العربية، وهو أمر جعل الاقتناع بسقوط النظام في دمشق الحقيقة الأساسية الماثلة. ومن ثم، جرى التعامل منذ البداية، انطلاقا من حقيقة أن النظام ساقط لا محالة، وهو أمر رفع من تكلفة الحرب على سوريا، حيث لم يكن هناك تحسب لاحتمال بقاء النظام لفترة أطول، وبنت قوى إقليمية موقفها الأساسي، وفق هذا السيناريو الوحيد.
2 -  تداخل التقدير السياسي بالحرب النفسية والتمنيات، حيث جاءت أغلب التقديرات بشأن هذه الحرب في خضم كم هائل من مؤشرات الحرب النفسية، ولم تبن التحليلات علي تقدير واقعي لأوضاع القوة داخل النظام السوري. وعلى سبيل المثال، فإن العديد من الزعماء طالبوا الأسد بالرحيل، وتعامل بعضهم مع نظام الأسد على أنه انتهى فعلياً. وقد لوحظ ذلك في تصريحات الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، ووزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، والمبعوث الدولي كوفي أنان (جميعهم طالبوا الأسد بالرحيل). وقد خلقت هذه التصريحات إحساساً بهجوم دولي كان له تأثير في التحليلات السياسية التي قدرت بقرب انهيار النظام.

ولكن الهزائم العسكرية في الحرب المفتوحة على سوريا والتي يشنها الغرب ودول الخليج، اثبتت فشلاً ذريعاً في مقياس جدوى الجيل الرابع من الحروب الاميركية، ولعل تحرير مدينة حمص من قبضة الجماعات المسلحة التابعة للناتو مثل ضربة قاسمة له، نظراً لما قدم الغرب من تدريب ودعم مالي ولوجستي وعسكري لهذه الجماعات، والذي كان الهدف من ورائه زرع منطقة عازلة للساحل السوري الممثل بمحافظتي اللاذقية وطرطوس عن العاصمة دمشق، وانشاء شريط امني يصل شمال لبنان بالاراضي التركية على طريقة التغذية الراجعة.
ولكن لا يمكننا القول إن النصر الذي أنجز قد يفضي الى قرب نهاية الحرب بل بالعكس فإن الولايات المتحدة الاميركية قد جعلت لحربها على محور الممانعة استراتيجية براغماتية تستطيع من خلالها استعمال الآلية المناسبة للهدف المناسب وبالطريقة الأقوم. ولعل طول الحدود بين سوريا وتركيا يمثل تهديداً جدياً ينبغي أخذه بعين الاعتبار لسببين، ان الدولة الاردوغانية منغمسة في الحرب على سوريا، وقد يشكل فشل الولايات المتحدة الاميركية في هذه الحرب فشلاً لها بكل المقاييس، والسبب الآخر هو ان هذه الفشل ايضاً سيكون له تداعيات على مستقبل حزب العدالة والتنمية في ميدان السياسة التركية كما سيصيب اي امل لهذه التجربة على صعيد المنطقة العربية بمجملها. ولا شك في ان النصر في سوريا هو نصر لمحور ايران - روسيا في مجابهة التسلط والسيطرة الاميركية على منطقة الشرق الاوسط والتي تمثل فيها سوريا دور القاطع العامودي في المفهوم الجغرافي والذي يصل حلفاء الغرب في الشمال (تركيا) بالحلفاء في الجنوب (دول الخليج) والذي إن فشل فستعود سوريا الى دور معكوس ومهدد لنجاح السيطرة الأميركية فيصبح قاطعاً أفقياً ويصل ايران في الشرق عبر العراق وصولا الى لبنان الساحل المتوسط، اذا اكتملت هذه الصورة، فقد يكون على الولايات المتحدة الاميركية تقديم الثكنة العسكرية (اسرائيل) كأسلوب جديد قديم في حربها للسيطرة على منطقة الشرق الاوسط، وهذا الامر الذي تتحاشاه منذ فشل اسرائيل في حسم الحرب لمصلحتها على المقاومة في لبنان ابان عدوان تموز 2006.
ولقياس مدى امكانية اسرائيل في شن حرب جديدة وضمان عودتها كبديل جيد في الحرب الاميركية، علينا البحث في قدرتها على صناعة خارطة ثابتة لصورة المنطقة فنجد عدم قدرتها على ذلك لتعدد الاهداف في المرحلة ومناعتها /سوريا/ ايران/ حزب الله/غزة، ولسبب مهم ان اسرائيل تعيش مرحلة صعبة في إثبات هويتها اليهودية في قلب الشرق الاوسط، لعدم الحصول على عامل القوة في هذا الأمر إن خسرت الولايات المتحدة الاميركية الحرب على سوريا، وبالتالي عدم قدرتها على استكمال مشروع التهويد الحاصل في فلسطين المحتلة، هذا بالإضافة الى عودة الحركات النضالية في فلسطين إن كان في غزة او القطاع الى الوجهة الاساسية في جوهر الصراع وضوح الرؤية بعد النصر في سوريا، كما أعدت خلط الاوراق عند بعض الحركات التي اشتبه عليها الواقع في المرحلة التي مرت ومررنا بها.
اما في الميدان الشرقي لسوريا وهو العراق، فنجد ان القوات العراقية نجحت نجاحاً غير مسبوق في حربها على جماعات الكونترا في الرمادي وتليها الفلوجة والتي أعطت اوضح الاشارات للساسة في واشنطن ان العملية الاميركية أشرفت على نهايتها ولا بد من تحرّك بديل، وهو الامر الذي دفع بالبيت الابيض الى تغيير التركيبة الأمنية للفريق السعودي الموكل ادارة الصراع في سوريا وعلى رأسه الامير بندر بن سلطان، كما اعادة اولويات التحرك السياسي في المنطقة، ودليلاً على ذلك ان حديث وزير الخارجية الاميركية جون كيري عن عدم تمديد خطة الدعم العسكري لفصائل المعارضة السورية في الكونغرس الاميركي مهما كثر الحديث على ان الجيل الرابع من الحروب قد فشل على الساحة السورية لفشله في تأمين الاهداف الحميدة على زعم الاميركيين، ومن تداعيات النجاح التي تحققه القوات العراقية، ما حصل من تحول في الخارطة الجيو - سياسية وخاصة بعد الانتخابات التي حصلت والنتائج التي ستؤول اليها هذه العملية الانتخابية، بحيث نجد ان نهج استبعاد التأثير الاميركي عن جوهر الساحة العراقية سوف يبقى وسوف نرى نمواً فعالاً بعد التحول الذي شهدته كردستان العراق من تقدّم لحزب الاتحاد الكردستاني الذي يتزعمه الملا جلال طالباني على منافسه الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يتزعّمه البارازاني والذي طالما ربطته علاقة وطيدة بالساسة في البيت الأبيض، ومن هنا سوف تعكس هذه النتيجة على مكانة تركيا في شمال العراق وستحدّ من تأثير تركيا على مجمل صناعة القرار في هذه الجغرافيا، وبالتالي سوف ينعطف كل الشامل الكردي انعطافة غنية على الحد التركي إذا توافرت الظروف السياسية لاستغلاله.
الى جانب هذا، لا بد من الاشارة الى القوة التي يتمتع بها محور الممانعة في غرب المنطقة المأزومة وأقصد حزب الله والذي أثبت انه عنصر فعال في رسم الصورة الجيواستراتيجية في الشرق الاوسط وإن اي مشروع له مخاضه، لن يكتمل الا بإنزال هذا العامل في ميدان الصراع، فأمسى على الولايات المتحدة الاميركية، البحث عن مفاتيح جديدة لأبواب الصراع لضمان أمنها القومي بالسيطرة وضمان أمن دولة اسرائيل والممالك التابعة في منطقة الخليج عموماً، وبذلك ضمان تدفق النفط والوجود العسكري فيه لتأمين حلقة الوصل مع القرن الافريقي.
من هنا لا بد من القول إن انهيار سوريا حاجة اميركية ملحة والحرب فيها حرب ضرورة لا حرب اختيار وإن استعمال واشنطن للطلقة الاخيرة بات قاب قوسين او أدنى بالتدخل المباشر، وما يحصل في اوكرانيا حالياً ليس إلا محاولة أميركية لتغييب روسيا قليلاً عن مسرح العمليات في سوريا الأمر الذي سيتوضح في المستقبل القريب.
وفي الختام، يمكن القول إن هذه السيناريوهات المختلفة لا تمثل بدائل لبعضها، وإنما يمكن أن تشهدها سوريا على مراحل مختلفة، فالواقع السوري تتوافر به احتمالات لكل منها حيثياته، وقد يتخذ المستقبل طريقاً آخر، أو أشكالاً مختلفة من كل سيناريو.
* إعلامي وباحث في الشؤون الدولية

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net