Tahawolat
  تأسس الكيان اللبناني في 2 أيلول عام 1920. نشأ محكوماً بمصير الجغرافيا وقوانينه الصارمة.. واقع لبنان خلال تسعة عقود اكثر من مأساوي، فكلما تعرض لأزمة سياسية تحولت فوراً الى أزمة وجودية ومصيرية.
  وبرغم استفتاء لجنة كينغ-كراين التي اقترحتها عصبة الأمم المتحدة العام 1919، فإن الدول الانتداب المنتدبة من الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى أبطلت العمل بإرادة الشعب، وشرَّعت تنفذ خطة قررتها دوائر الاستعمار العالمية لأهداف صهيونية صرفة، من أجل تقسيم المنطقة المحيطة بفلسطين لحماية وضمان أمن وتفوق "إسرائيل".
  شرعت دولتا الانتداب المنتصرتين فرنسا وبريطانيا، اللتان تدعيان انهما صاحبتا أعرق ديمقراطيتين حديثتين، بتنفيذ الاتفاقيات السرية بينها، كإتفاقية سايكس-بيكو، ومن ثم بين الدول المنتصرة في الحرب والدولة العثمانية المهزومة كإتفاقيتي سيفر وسان ريمو، لتفرض معطيات ونتائج على الأرض تجعل المشرق كله في صراع على الهوية والبحث عن الذات وسط ركام إشكالات كيانية "دولتية" لا يسمح بنيانها الا أن تكون دولاً قابلة للطي في أي أزمة حقيقية. وهذا ما نشهده اليوم من محاولات لتقسيم المقسم، حيث يتم التداول بخرائط مجهزة ومعدة لهذه الغاية اي "سايكس-بيكو جديدة".
  ومم تلاحق تنفيذ كل هذه الاتفاقيات بعد الحرب، نرى اتفاقية سايكس-بيكو العام 1916 بين بريطانيا وفرنسا تهدق لاقتسام الهلال الخصيب، اذ سمحت لبريطانيا بالتصرف في فلسطين والعراق، واعطت الحق لفرنسا بالتصرف في لبنان وسورية، محاولة تأسيس حالات كيانية طائفية صرفة، حيث نجحوا في فلسطين بعد إنشاء "الوطن القومي اليهودي".
  في لبنان جرت محاولة لإنشاء وطن قومي للموارنة فاجهضت، كما جرت محاولات فاشلة لبناء دويلات طائفية وعرقية في الشام والعراق، ولم يكتب لها النجاح.
  وفق اتفاقية سايكس بيكو، عمد قائد جيش الغزو الفرنسي الجنرال غورو في 2 أيلول العام 1920 عند الاعلان عن دولة لبنان الكبير في قصر الصنوبر بجانب المتحف الوطني اليوم، الى  جمع فسيفساء طائفية حوله بالقوة المسلحة المذلة، مؤسساً بذلك لأكذوبة "لبنان لا يطير إلا بجناحيه المسيحي والمسلم"، ما ولّد حالة إنقسامية طائفية مستمرة أدت إلى حروب أهلية متواصلة هددت وتهدد وجود الكيان وإستمراره.
  ووفق اتفاقية سايكس بيكو أيضاً، استند وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور عليها لإصدار وعده الشهير بــ "وعد بلفور" لسيد الصهيونية العالمية حينذاك، اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، صاحب الإمبراطورية المالية، في 2 تشرين الثاني 1917، فتضمنت ترجمته الحرفية، كما تداولت ما يلي:
  "يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرّته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر."
  هكذا، نرى الترابط بين قيام الكيانات السياسية في المشرق والكيان الاغتصابي اليهودي عضوي ووظيفي. ففي لبنان، بقيت حتى الآن المادة 95 المؤقتة من الدستور، والتي تنص على ضرورة إلغاء الطائفية السياسية، خطاً أحمراً، تحميها كل قوى النظام السياسي الطائفية بالسلاح والقوانين والنفوذين المحلي والدولي ولو ارتكبت حرباً دموية لا تبقي ولا تذر، مستهينة نحر الأجيال على مذبح صراع لا ينتهي عبر التاريخ. من هنا، نجد ان إسرائيل قامت وفق وعد سياسي لإقامة دولة عنصرية، وهي تتجه بعد سبعة عقود من تاريخها لتهويد الدولة والأرض وفرض اليهودية ديناً وحيداً فيها على كل المقيمين فيها، فإما التهويد وإلا التهجير.
  وكذلك استمر الاثم الطائفي في المنطقة علناً وضمناً، فمع تصدع الدول الوطنية ظهرت إلى العلن حالات وحركات طائفية قبلية تهدد وحدة المجتمع.
  والتجربة الجديدة الخطيرة بالنزوح السوري تلقي الكثير من الأسئلة، لحجمها وسوء التنفيذ والإعداد والأذى النفسي والإهانة التي يتعرض لها النازحون بسبب الحرب على سورية، والضغط الاقتصادي والمديونية التي أفقرت اللبنانيين من نظام الريع الاقتصادي وعدم بناء اقتصاد منتج حقيقي غير اقتصاد سندات الخزينة والخدمات، إلى درجة تهيئة مناطق حدودية لبنانية بكاملها لإنشاء مخيمات خاصة بالنازحين السوريين المعارضين للنظام، وما قد ينتشر فيها من تطرف ديني ونزعات تكفيرية تجعل لبنان في بؤرة الحرب الدائمة ويرتفع معها منسوب الجريمة والقتل، المعروف دولياً بنظام "الأبارتهايد".
  أي لبنان، وأية هوية للبنان، وقد غشي على عينيه وقلبه ووجدانه، وقواه المدنية بقيت عاجزة عن التوحد على برنامج، ولو مرحلي للإنقاذ، بل ان الهوامش الكبيرة تبقى للقوى الطائفية، ولا تستطيع أن تكون عنصر الضمان المدني والوطني للسلم الأهلي والمستقبل القومي.
  أي لبنان هذا الذي يبقى مختبراً لكل نظرية في علوم السياسة وابتداع الدول، تُجرَّب فيه وتنطلق بعدها لتكون حرباً عنصرية لغاية في نفس المخططات الخارجية وغدراتها في الداخل.
  لبنان الكيان، الأزمة، بما يتعدى البحث عن هوية ونظام!
 
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net