Tahawolat
وسط التطورات والأحداث الجسام التي تمر بها بلادنا وفي خضم الحراك الذي يأخذ أشكالاً مختلفة ومتعددة ومتشعبة ومعقدة في آن، يُطرح كمٌ هائل من إشكاليات في الهوية والانتماء، ومسائل الوحدة والتقدم والنمو والتنمية، والفكر والدين والسياسة، والمقاومة وإعادة البناء وحماية الوجود، ويتم استيلاد إشكاليات متتالية لا متناهية في مسار تصاعدي ومتواصل.
لذا السؤال: هل يستطيع مجتمع كهذا أن يواجه كل هذه الإشكاليات وما تمثله من تحديات من دون أن يمتلك قاعدة فكرية شمولية تقارب هذه الموضوعات على ضوء معطيات العقل، وتؤسس لرؤية مشتركة تضع خارطة طريق للنهوض؟
سؤال يمتلك مشروعيته في الواقع، وتتفرع منه مجموعة أسئلة لا بد من الاجابة عنها، أو على الأقل التفكر فيها لتلمس بدايات حلول. 
هل الجذرية في مقاربة المسائل هي نقطة ضعف؟ أم هي نقطة قوة قد تشكل مخرجاً نظرياً لمجتمع تحاصره  تسويات تستولد تسويات وتعطل الحلول؟ هل الفكر الشمولي ينتمي الى شيء ماضٍ أم، وعلى خلاف ما هو سائد، قد يكون حاجة في زمن النكبة القومية والمجتمعية وسبيلاً للنهوض من كبوة طالت وتجذرت في الواقع؟
هناك من يطرح المسائل من زاوية مختلفة فيتحدث عن نسف التجربة من الأساس عندما تفشل في التطبيق، وينسف الأساس النظري الذي قامت على أساسه التجربة نفسها، هل هذه المقاربة كافية؟
هناك إقرار بتراجع المشروع القومي النهضوي في مسارات متعددة، هذه حقيقة، ونحن لا نكابر...
ولكن، هل فشل المشروع القومي النهضوي نفسه يعود لقصور في ذاته وفي بنيته أم ماذا؟
هل نستخلص أن "المشروع الديني" هو مشروع النهضة الراهنة؟ هل يستوعب الفكر الديني قضية الأمة بأسرها؟ هل هو مشروع الخلاص المجتمعي الواقعي الذي يلوح في الأفق؟
أعتقد بأنه يجب عدم التسرع في إطلاق الأحكام.
لا تمكن الإجابة على هذه التساؤلات إجابات موضعية مجردة من الإطار الفكري الشامل، بل في إطار فكري شمولي واضح.
المسألة في جذورها ثقافية بامتياز، المشاكل التي نعاني منها لها علاقة بالوعي والمعرفة والثقافة، وبالتالي تلمس الحلول لن يكون إلا بالتأسيس الثقافي المتعدد الأبعاد الشامل كل مناحي حياتنا.
المشروع القومي النهضوي بطبيعته شمولي في الفكر والممارسة لأنه يقارب المجتمع من زاوية فسيفساء تكوينه القومي الاجتماعي المتنوعة والمتعددة والتي تشمل في أحد جوانبها الروحية المسألة الدينية والفكر الديني، وتطال في جوانبها المادية المسألة الاجتماعية والفكر الاجتماعي الاقتصادي في حقوله المختلفة.
الشمولية ليست نقيصة في زمن أزمة وجودية عميقة تطال البنية بكليتها، وأكثر من ذلك ليست الشمولية في الرؤية مكمن الخلل، بل التجزئة والانتقائية والقطع في التفاصيل والتطبيقات والسلوكيات بين الرؤية – الأم والرؤى التفصيلية المتفرعة عنها.
الانفصال بين مجموعة رؤى لا تربط بينها روابط الارتكاز على شمولية الرؤية أدى الى خلل بنيوي في النظرة وفي التطبيق، وليس العكس.
لذا لا مفر من الاجابة على أسئلة بسيطة تتمحور حول الفكر القومي الاجتماعي الشمولي لقياس راهنيته.
وقياس الراهنية نفسها لا يتم بمعزل عن الربط المتواصل والمستدام بين النظرية والواقع والتطورات والأحداث والمستجدات في الداخل والخارج.
الخلاصة المستقاة - عكس ما يعتقد البعض -  تفيد أن القومية الاجتماعية هي رؤية متقدمة وحقيقة وسط المتغيرات.
خارطة تموضع الأمم والشعوب على مساحة الكوكب هي خارطة تموضع قومي بامتياز تتجاوز الديني والماورائي وكل التنظيرات.
المسألة القومية حيوية وتشكل محور استقطاب حقيقي وعنصر فعل في الحراك العالمي، وعلى قاعدتها الصلبة تشيد عمارات الحضارة العالمية.
الجذرية تنطلق من الشمول في الرؤية وصولاً الى صياغات تفصيلية لخطط مرحلية تتناول جوانب ولكن تنشدّ دائماً الى الأصول؟
الحداثة نفسها لا تلغي الماضي بل تبني عليه، والعصرنة  تقرأ في كتاب الماضي لتضع رؤيتها التحديثية الجديدة.
نحن، أحوج ما نكون الى نظرة أصلية أرست قواعدها العقيدة القومية الاجتماعية وبقيت مسألة LINK  أي الربط بين أجزائها في حركة الصراع القومي.
نحن بأمسّ الحاجة اليوم الى أصولية قومية اجتماعية تعود الى المنابع والأصول لتقيم خطتها النظامية المعاكسة، وإسقاط الرؤى من فضاء الهيولى الذي تسقط فيه أوزان الأشياء الى أرض الواقع القومي الصلبة والتي تعطي للرؤى إمكانية التحقيق!
ولكن، تبقى الثقافة الوطنية الانسانية المنفتحة المرتكزة على بعد الانتماء الى واقع الأمة والمجتمع الواحد، والتاريخ والجغرافيا ووحدة الحياة هي المسار العملي الطويل ولكن العميق في بناء المستقبل الواعد.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net