Tahawolat

النهايـــة

إذا كان لكل حياة نهاية، فأسأل: كيف تنتهي حياتي وهي لم تولد بعد؟!
أنا لم أزل نسمة تائهة في الفضاء الرحب الواسع الفسيح، تبحث عن كوكب تهبط فوقه. ما فتئتُ نسمة تتقاذفها نسائم الخزام من شاطئ لشاطئ عند بحر الوجود، ما أن تطل على أحد الشواطئ حتى تهبَّ نسائم الخلود وتقصيها الى أعمق أعماق سرٍّ ضائع يحلم بجزية الوعد أو شاطئ اللقاء.
لقد تعبت نفسي الترحال، فهل تطمئن؟
دعيني أرتاح عند انحناءة رأسك المشرئب للحرية شوقاً، شوق عاشق مشتاق الى ضمّة غافية، شاردة فوق صدر الطهارة، وتحتضنها زنود من حذر وسواعد من عطاء وأياد من إخلاص.
اشتقت إليكِ شوق عاق هدّه الشوق فانحنى يحول الوديان الى بحور من حنان، حتى إذا وصل إله الحب أدونيس ليبارك قدري، غسل يديه في دموعي قبل أن تمتد وتصافح يديك.
طالما أن هناك حياة، هناك عصافير تزقزق وأوراق تحفُّ ومياه تجري وأمواج تتلاطم وتسعى لتتكسر فوق صخور التاريخ المرمية عند حافة الوجود تحت الأجنحة البيضاء والسوداء، السابحة من نورس ضلَّ سربه، فاتخذ من الموجة عشّاً ومن الأفق حلماً ومن خيالي اتخذ حياة وغداً.
إذا كَلَّ النورسُ ومَلَّ الطيرانَ، يتعب خيالي من التحليق في كون عينيك.

عود على بدء

اشتقت الى السمرة المنحنية تواضعاً واحتراماً، وأحن الى العينين المشرقتين أبداً ثورة وعزّة وكرامة.
اشتقت الى الخجل المتفجّر من شفتين ثائرتين على كل بالً رثٍّ وعلى كل بائخ من الشرائع المثبتة الى أعناق الأدباء الأحرار نيراً من أصولية، تارةً، ونيراً من حداثة، تارةً أخرى.
اشتاقت شفتاي الى اللحن الخالد، الى النغم المنساب، المتماوج فوق بحار من وحي، وبحار من خيال، وبحار من أحلام... عندما تلفظ اسمك.
أرتمي تحت فيء أرزك فارساً قادماً من الزمن العتيق وأحلم. لقد أنهكني السفر أبحث عن غادة تقمصت بثينة في زيها الأنسي: أنوثتها القلم، ورقتها العلم.
هل وافاني القدر؟ أقف شريداً كأمة ضيّعها الحاكمُ ظلماً وعدواناً ورماها جهلُه عند قارعة الأمم امرأة عذراء، قرباناً رخيصاً، إرضاءً للجشع والطمع... وترتضي؟! وكيف ترضى أن ينتهي التاريخ وتموت؟!
من الرماد ستنطلق، من الحجر ستنبعث، من قلمك حبيبتي ستقوم.
بين قلمك والثورة موعد مع الحرية!
أرجو أن لا ينتابك الظن اتجاه نيتي. لا، ولا تأخذك الريبة أمام قلبي. قلبي جبل متدثّر بالثلوج، وهو لا يزيد في دقاته لغياب ولا يقلّها لحضور. إنه ما دقّ إلا للسمرة الرزينة، ويدق أبداً. فأنا كنت أرتاح تحت ظلال السيوف كغيوم ترتاح فوق فراش الندى، لا أعبث في الحروف من أجل قليل من الزهور.
أحلامي، سيدتي، حدائق ممتدة وأخرى معلقة. وأنتِ أمام أمواج العطر البتراء تسافرين بنا بين العقل والكبد، بين الحلم والواقع... أنت ملكة تحفُّ بثوبها الرصاصي ملائكةٌ تنثر الريحان وتنشر الاقحوان، وتنتشر مثلما ينتشر الليل حناناً وجناناً وجنوناً.

رسم النـار

تعالي نرسم بالنار أبعادنا الفكرية ونتخذ من اللهب أسلحتنا الثورية، حتى إذا اقترب منا ضعفاء النفوس، أحرقتهم بلهيبها الأسمر.
سمرتك تاريخ أقرأ صفحاته، فأرى أجدادي بإبائهم يكلّمون التراب، فيقوم أزهاراً، ويشوشون الأشجار فتنتفض ثورة، وينظرون الى الأقلام فتنهض حرية.
عيونك أبعاد تختصر المسافات وقلمك نار فادركيه. ربما كان سؤالي مثمراً: لماذا غلبني الكلام وحبست كلماتك خلف مرعى نحلتي...؟
الشجرة المثمرة تُرمى بحجر، أحياناً.
أصرخ ألماً... كم أحب أن يُتَمِم الحجر، رسولي للثمر، دورته ثم يرتد ويصيب جبيني هنا بين العينين، ويشجّه.
وقفت أستأذن الانصراف، ووقفتِ مودعةً. موقعنا وسط الغرفة كان، وكنا كنجمين منفردين في الكون الفسيح. سألتني... تقهقرتُ خطوة... هل أخطأتُ؟
ألا كان يجب أن أتقدم خطوة و...
فارقتها... شيّعتني كطائر عاشق، كشمس لا مدار لها، ككلمة لا تفارق معناها.
أَطبق الصمت، فتحطمت أضلعي.
فتحت الباب، فوقع قلبي كثمرة رذلتها الأقدار.
وشيعتني حتى الرمق الأخير...!
أمشي  نحو العدم
أتعثّر بالقدم
أجرّ خيبات الندم
هبطت الدرجات وكانت تهبط معي حرارة الدماء.
أحس أنني أنا الآثم المنفي للجحيم، الى أسفل السافلين، الى الدرك العظيم.
حذوت الدرجة الأخيرة، تطلّعت صوب الأعلى، فأعماني النور المنهمر من عيون النعيم، معاتباً، مشفقاً، مؤنّباً... جمعت من كوني المتداعي بعض قوةٍ في لسان كليل يتلعثم: هل أغلق الباب؟
هزت رأسها... فاهتزت لها الألباب ومارت الأرض وخرّت الجبال، فعلمتُ أنه لأمرٍ عظيمٍ ارتكبتُ. وتبلّغت الجواب نفياً، وتصدّعت روحي.
كم أنا مخطئ! كم أنا وضيع! أجرؤ أن أسألها عن الباب، لكن لا أجرؤ وأسألها عن قلبها. يا لسخرية القدر! ذنبي اختصر ذنوبَ الأرض جميعها، منذ بدء التكوين وحتى يومنا، لن يبلغ فعليَ مذنبٌ؟
قطّبت حاجبيها، فأقبلت العيون مشتاقة تعانق العيون.
نزلت، وصلت الباب الرابع والأخير من أبوابها الأربعة، كدت أتعثر ثانية بحالي لولا أن خيالي ثار وتدارك بلبالي. دلفت الى الطريق العام، كم تمنيت سيارةً تهبّ مسرعة وتصدمني وبذلك أُكفِّر عن أخطائي تجاهها! باختصار... وصلتُ سيارتي، فتحت بابها بيد راعشة، واهنة، ضعيفة. جبان هكذا نعتُّ حالي: ارجع وبح لها بأسرار قلبك. تشجعت والتفت، لأنهزم، كانت عيونها تشيّعني حتى السيارة. لم أقدر أن أبدي بذمة، دخلت السيارة بجسد متهالك وروح تائهة سكرى، لم أستيقظ منها إلا بعد مسافة قدتُ فيها السيارة بغير هدى.
هل اضطرم الهوى واحترقت؟
أأبداً تبقى النار مضطرمة؟
هل أنا نار الحساب؟
بعضي يأكل بعضي
والخطأ يجلد ضميري
متى ينتهي هذا العذاب؟
               
كلنا نسـقط

أكره مبارحة غرفة نومي قبل أن أتمم قداسي وأكتب لعينيك. ضريبة القلم إليك واجب يعتنقه الأحرار وسرٌّ يعتقده الأبرار. لا تفارقينني في الوعي، وترافقينني في اللاوعي الى خدر أسراري. إذاً، لماذا أحياناً تفارقين قلمي؟ ماذا فعلت حتى انقطع الوحي؟
كلنا نسقط معاً!
لا أقدر أن أحبك مرتين.
أتفاجأ عندما يتحدث الناس عن الظلام. هل يوجد ظلام حقاً؟
عندما أقطف زهرة، أندم، ألوم نفسي وأقول: كان الأولى أن تقطف هكذا، كان الأجدى أن تمسك من هنا وتقطع من هناك... وأعرض طريقة أخرى... جميع محاولاتي قد تكون باءت بالفشل.
معظم الناس في بلادي ينظرون للحب بعين المرأة... أنا لست منهم. ومعظم الناس، هناك في البلاد البعيدة، ينظرون الى المرأة بعين الحب... وأنا لست منهم.
معظم ذاتي تنظر الى المرأة على أنها إلاهة، أحادثها وتحادثني، أنظر في عينيها وتنظر، أرتمي في حضنها وأشهق وأبتسم مطمئناً... بعضي يعتبرها بشرية من لحم ودم. أقبل عليها، أعانقها، أقبّلها وأحاول أن أخلف في الأرض نسلاً جديداً.
أشاح ببصره صوب الأفق، وسرعان ما انكسف احتراماً وخجلاً... كانت الشمس تتعرى، كانت تخلع ألوانها لوناً، لوناً وترميها على ثنايا الشفق بين أحضان الغيوم، استعداداً لكي تحلم فوق صدر حبيبها الكون.

حـرّاً كنتُ

قرأت حروفي، فامتلكت روحي، أنا عبدها وهي سيدتي
حرّاً كنت
بيدي سلّمت نفسي
إن وافقت،
كانت روحي فديتي.
 استمهلتها، استمهلتني
ندمتُ...
وماذا تنفع ندامتي؟
عبدٌ، عشت حريتي
وحرٌّ، أعيش اليوم في عبوديتي
فكري أسير ملهمتي
أسير ويسير برفقتي نومي
أنام في يقظتي
العيون متجمهرة... كلمتني
وأكلمها في العيون
شاردة شريدتي
قرأت شِعراً، فامتلكتني
هل أقرأها؟
إن قرأتها
حرّرتها وحرّرتني.
           


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net