Tahawolat

لكي تفهم مشكلة بلدك الاقتصادية عليك أن تقرأ ذلك في الولايات المتحدة! هل هذا خطاب إيديولوجي أم مدخل إلزامي لفهم المرحلة؟ بل هو الواقع من جهة والنظرة الثاقبة لمدرسة النظام العالمي لتحليل أي تشكيلة اجتماعية اقتصادية تفترض وجوب البدء من النظام العالمي هبوطاً إلى التشكيلة المعطاة ونمط الإنتاج المهيمن فيها، وصولاً إلى التركيبة الطبقية فيها وبعدها نبدأ في الفهم.
الولايات المتحدة هي المركز الإداري والمالي لأكبر 500 شركة في العالم التي تشكل شبكة مصالح على صعيد العالم بلا استشناء، وهذه الشركات ليست مجرد مصالح اقتصادية محايدة سياسياً، هي المجمع المدني والعسكري معاً بمعنى أن النخب الحاكمة في الولايات المتحدة هي بين مالك ومشارك ومدير في هذه الشركات. هي النخبة الإدارية السياسية في البيت البيض، ونخبة المجمع الصناعي المدني، والمجمع الصناعي العسكري، والنخب الإعلامية، والنخبة الثقافية الأكاديمية، ونخبة المؤسسة الدينية بما هي مثقف عضوي لراس المال. وعليه، من يحكم الولايات المتحدة ليس رجلاً فرداً ولا مجموعة وزراء. هو تحالف طبقي يملك ويحكم وهو متداخل بين الحزبين الحاكمين اللذين يشكلان احتكار فضاء العمل السياسي على مستوى البلد، والمنافسة الداخلية فيما بينهما.
ما حصل في السنوات الأخيرة لهذه البلد الضخم والمتوحش معاً هو إفلاس قواعده الاقتصادية الأساسية الثلاثة:
- إفلاس المؤسسات المالية.
- إفلاس شركات السيارات (وهذه تمتد ضمن شبكة مكونة من شركات ضخمة غير مالية، التصنيع، شركات البناء وخدمات كثيرة. (اي قطاع الإنتاج ) لذا هي أزمة مالية اقتصادية.
- إفلاس الاستهلاك، اي تراجع القدرة الاستهلاكية للمواطن في الولايات المتحدة بما هو استهلاكي من الدرجة الأولى إن من حيث الكم أو الإمكانيات (والذي أثر على السيارات وقروض الطلاب، وبطاقات الائتمان ودفع أقساط القروض).
فماذا يعني هذا؟ يعني أن كامل شبكة الاقتصاد قد ضُربت باستثناء المجمع العسكري الذي حافظ على سوقه!
وهذا يفتح الباب واسعاً على دور الاقتصاد العسكري للولايات المتحدة ذات المصالح في مختلف بلدان العالم. فهي لها 1000 قاعدة عسكرية موزعة على مختلف بلدان العالم (وليست الـ 505 قواعد في العراق من هذا العدد) ولها قيادات عسكرية مناطقية لكل منطقة في العالم/ هي تحيط العالم بحزام عسكري أميركي. وجيش الولايات المتحدة اليوم مقود بقيادة لها مصالح في شركات الأسلحة والشركات المدنية (لاحظ أن الجيش المصري ايام مبارك ذهب بهذا الاتجاه اي شركة لكبار الضباط - يعلم الله كيف سينتهي)، وهذا الجيش يسلح ويدرب نخباً عسكرية في العديد من دول العالم. لذا لا غرابة أن الجنرال ماكرسيتال والجنرال بتريوس مرشحان محتملان للرئاسة المقبلة، وهو الأمر الذي لم يحصل بعد أيزنهاور في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهو نفسه الذي حذَر من المجمع الصناعي العسكري. بكلمة، فإن أمل احتفاظ هذه الدولة بسيطرتها الخارجية هو السلاح.
ما الذي يدعم النخبة العسكرية؟ هل تسيطر على النخب الأخرى؟ بالطبع لا. فالنخب متآلفة كطبقة حاكمة. إن ما يدعم النخبة العسكرية هو موقعها في تطورات الاقتصاد الأميركي الذي يعاني من أزمتين خطيرتين:
- تراجع حجم وسوق الاقتصاد المدني الأميركي.
- وتراجع القدرة الاستهلاكية الأميركية، أزمة الملاذ اقتصاد الأخير.
وعليه، فالمجمع العسكري في الولايات المتحدة هو اليوم حصن الدفاع الأخير للحفاظ على الإمبراطورية، وهذا قد يفسر ضعف رفض المجتمع المدني الأميركي للدور المتوحش للجيش الأميركي في العالم وآخر مذابحه في ليبيا (القطر القتيل). إن عدم تطور رفض شعبي اميركي طبقي واسع وحقيقي لدور الولايات المتحدة العدواني في الخارج قائم على الاعتقاد بأن هذا الدور هو الملاذ الأخير لبقاء السيطرة بما هي مصلحة لهذا البلد، هذا الضعف نتاج شعور في اللاوعي أو الوعي بأنه في نهاية المطاف، لتذهب أمم الأرض إلى الجحيم على أن يخسر الأميركي ليلة حمراء. هذا دون حساب أدق بمعنى أيهما الأفضل الانكفاء إلى الداخل وتوفير نفقات العدوان أم البقاء الإمبراطوري بما فيه من كلف وبما يدر من نهب! وفي قراءة كلا الخيارين يغيب البعد الإنساني ومزاعم دور المجتمع المدني.
ولكن كيف تطورت سياسة السلاح؟
هناك لحظتان مفصليتان في النصف الثاني من القرن العشرين تكمنان وراء جنون السلاح والحرب الأميركية ونشهد اليوم تجليهما:
الأولى: منذ أن أطلق الاتحاد السوفياتي أول صاروخ إلى الفضاء التقط عتاة الإمبريالية الأمر وادركوا أن التفوق سيكون لمن يركب السماء. لذا، نقلوا الأمر من الفضاء من أجل الإنسانية إلى الفضاء لامتطاء الإنسانية. قد يلخص هذا الفارق بين الشيوعية والرأسمالية. كان التطور الأخطر قرار إدارة ريغان دخول حرب النجوم التي تبلورت لاحقاً إلى استخدام النجوم في حرب التخوم لا سيما بعد تفكك الاتحاد السوفياتي سواء ضد يوغسلافيا، العراق الصومال أفغانستان ثم ليبيا والوقوف على ابواب سورية.
والثانية: نتائج حرب فيتنام ودخول العالم الأزمة في جانب العرض حيث تبين للولايات المتحدة أن بوسع دولة مستجدة كالبرازيل ان تنافس صناعاتها. لذا قررت الذهاب عميقاً في اقتصاد التسلح.
وعليه، يبدو أن منافسة أو تفوق عدة دول في الإنتاج المدني على الولايات المتحدة قد دفعها لاتخاذ قرار حسم التفوق في السلاح لصالحها الأمر الذي جعل منها قوة رعب، وماكينة لإشعال الحروب في كل مكان. وهذا يؤكد أن التخصص والتبحر في إنتاج السلاح كان بقرار وليس نتيجة عفوية نجمت عن ضعف قدرة الولايات المتحدة على المنافسة كما يقول الرفيق مسعد عربيد.
لذا، كما كتب الرفيق الطاهر المعز، تصدر أميركا حوالي 52 في المئة من مجموع السلاح في العالم، وبلغت جملة صادراتها (المصرح بها) 65 مليار دولار، من سنة 2000 إلى 2009، وهي أول مصدر للسلاح في العالم، تليها روسيا... باعت فرنسا سلاحاً بقيمة 8,16 مليار يورو، سنة 2009، وحوالي 17 مليار يورو (مصرح بها) من 2005 إلى2009... هناك 35 دولة (منها 18 أوروبية) باعت أسلحة لأنظمة استبدادية، ثم نددت بها وبأسلوبها القمعي... عن تقرير "منظمة العفو الدولية" 21/10/2011.
1- أزمة المجمع المدني لصالح العسكري:
كي نفهم أزمة المجمع الاقتصادي المدني الأميركي لا بد أن نتذكر بداية الأزمة منذ 1973 والتي كانت مكوناتها عبء حرب فيتنام والطفرة النفطية ودخول شركاء منتجين في السوق العالمي انتزعوا من الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من حصتها في الإنتاج العالمي حيث تقلصت من 40 إلى أقل من 20 في المئة. وتقلص هذه الحصة يعني تقلص حصتها في السوق العالمي وهي ما تسمى الأزمة في جانب العرض اي وجود منتجات هائلة معروضة في السوق العالمي لا توازيها قدرات استهلاكية، وهي منتجات اوروبا واليابان والاقتصادات الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب افريقيا.
كان لهذه التطورات أن دفعت الولايات المتحدة إلى السوق الذي بوسعها التحكم بها بدرجة اكبر وهي سوق السلاح (كما أشرنا اعلاه)، بمعنى انها حافظت على تفوقها في إنتاج الأسلحة وتسويقها وخلق اسواق لهذه الأسلحة عبر:
- حروب تخوضها هي نفسها (أفغانستان والعراق)، وبشراكة مع الناتو(يوغوسلافيا والعراق وليبيا).
- أو حروب تشعلها هي نفسها وتزودها بالسلاح (الصومال، ساحل العاج، رواندا، اليمن... الخ).
وقد ساعدها ولا يزال على هذا وجود قواعد لها في العديد من بلدان العالم وحاجة انظمة تلك البلدان للخبراء العسكريين الأميركيين ووجود تحالف طبقي له مصالح مع الطبقة الحاكمة/ المالكة في الولايات المتحدة، وجوده على صعيد عالمي وكذلك تشارك مصالح شركاتها التسليحية مع أوروبا الغربية، وغياب قطب عالمي آخر ينافسها بجدارة او يهددها في هذا السوق. لذا، لا غرابة أن نجد وسطاء أميركيين في مختلف النزاعات داخل العديد من بلدان العالم الثالث وخصوصاً في الوطن العربي.
في هذا السياق تشكل دول النفط العربية رافعة أساسية للاقتصاد الأميركي حيث تحقق له أربع خدمات:
- فرصة التحكم بسوق النفط لصالح الشركات الأميركية مما يؤهل الولايات المتحدة للتحكم بصنبور النفط الذي تصطف لتشرب منه الدول الكبرى المنافسة لها اقتصادياً.
- الحصول على ريع بيع النفط بالدولار مما يحقق للولايات المتحدة فرصة الربح من استخدام الدولار في جميع صفقات بيع النفط عالمياً حيث تستخدم شيكات صفقات النفط دون ان تدفع شيئاً، وهذا ما دفعها للقضاء على الرئيسين صدام حسين والقذافي[1].
- السيطرة التجارية على السوق الاستهلاكي الواسع لبلدان النفط بما هي استهلاكية ولديها سيولة مالية.
- تصريف كميات هائلة من الأسلحة لهذه البلدان وهي صفقات تتراكم دون استعمال ثم تتقادم ليتم شراء صفقات جديدة.
ومن جانب آخر، فإن الولايات المتحدة تحمي هذه الأنظمة، وأنظمة أخرى في العالم، حماية مأجورة بمعنى أن حماية هذه الأنظمة ليست دون ثمن. فنفقات القواعد، (ولكن ليست نفقات الحروب)، والخبراء الأميركيين (في اليابان وكوريا الجنوبية والعراق وقطريات الخليج... الخ) هي على حساب هذه الدول ناهيك عن الهيمنة على اسواقها.
وقد يكون من الطرافة بمكان أن تصبح دول النفط العربية، أو أن تلعب، دور الملاذ الأخير للإمبريالية الأميركية نفسها. فمنذ بداية الأزمة الجارية في الولايات المتحدة وأوروبا وبقية العالم أو أكثره، كان لا بد للولايات المتحدة من استعادة دولاراتها من العالم لإسعاف اقتصادها.

كيف يتم هذا السحب بغية منع انهيارها؟

ما أشبه اليوم بالبارحة، وما اشبه تابع بتابع، فما حصل حين لهفت الولايات المتحدة الدولارات المتراكمة في بلدان النمور الاسيوية 1997 قامت بشبيه له في بلدان نفط العرب. لذا طلبت من مجلس التعاون الخليجي اتخاذ عدّة إجراءات أهمها السماح لمحافظ مالية أميركية بالاستثمار في بورصات الخليج، وجاءت المحافظ الأميركية لتنهب شعوب الخليج بموافقة حكوماته وعادت إلى واشنطن تلك الأموال، السعودية أعلنت عن خسائر 120 مليار دولار، والكويت أعلنت عن 80 مليار دولار، ولم تعلن باقي الدول خسائرها، ولكن خبراء يقولون إن الخسائر الحقيقية وصلت إلى 1000 مليار دولار. وإذا اعتبرنا خسائر البورصات حرب اسواق ولا نقل لعبة أسواق، وبالتالي فإن الخسائر في المضاربات متوقعة، فإن الولايات المتحدة بعد سحب العملة الخضراء من الخليج ذهبت المحافظ المالية الخليجية إلى الولايات المتحدة واشترت معظم الأسهم التي ستنهار في الأزمة، وكانت خسائر بنوك الخليج تزيد عن 2000 مليار دولار. وللمقارنة وحسب، فإن الصين الشعبية قد دفعت لإنقاذ الاقتصاد الأميركي 2 تريليون دولار وحصلت على أمرين اساسيين هيهات لخليج النفط المتآكل بالحت أن يفعلها:
أولاً: حصلت على سندات / ضمانات من الخزينة الأميركية.
ثانياً: ابقت بل وزادت عدد الشركات الأميركية التي نقلت الكثير من صناعاتها إلى الصين حيث فرص الاستغلال والربح أعلى، وبالتالي تعاونت الولايات المتحدة والصين على سلخ القيمة الزائدة من العمال الصينيين، أو تقاسمتا الاستغلال فبقي تدفق الربح للشركات الأميركية وبقيت للصين فرصها في تحقيق عمالة أعلى والحصول على سيولة مالية.
2- أزمة الملاذ الأخير:
في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث خرجت الولايات المتحدة الدولة القوية الوحيدة قاد هذا إلى دخل عال لمواطنيها ومن ثم قدرة استهلاكية عالية. وهو ما نتج عنه مسلَّمات منها:
- تدفق مدخرات من مختلف بلدان العالم إلى مصارفها بما هي الأكثر قوة وموثوقية.
- اعتماد كثير من بلدان العالم على التصدير إلى السوق الأميركي.
- وبالطبع اعتماد الصناعة الأميركية على هذا السوق الأقدر استهلاكياً.
ما كشفت عنه الإزمة الجارية هو تراجع القدرة الاستهلاكية في الولايات المتحدة حيث يشكل الإنفاق الاستهلاكي 70 في المئة من اقتصاد الولايات المتحدة. وهذا يجد تفسيره ليس في استهلاك الطبقة الرأسمالية رغم شراهة استهلاكها، بل في تدني استهلاك الطبقة الوسطى واقتران ذلك مع تراجع كبير في خلق الوظائف بسبب عجز الأشغال الصغيرة عن التوظيف.

الكرسي المرن يفقد عجلاته

حينما بدت بوادر الأزمة الجارية، وكانت محصورة، ظاهرياً، في المستوى المالي وصفنا وضع الرأسمالية الأميركية بالجلوس على كرسي مرن يسمح لها بالحركة والاستدارة والمناورة أفقياً دون الاضطرار للهبوط إلى الأسفل. لكن تطورات الأزمة في الولايات المتحدة نفسها بوصولها عصب الاقتصاد الحقيقي اي الإنتاجي وليس انحصارها مالياً، وتفشيها إلى اوروبا ومختلف بلدان العالم قلل من مرونة هذا الكرسي. فلم تحل سياسات عدم التضبيط دون انفجار الأزمة، كما أن علاج الأزمة بتمويل مسبباتها، اي إنقاذ وإسعاف المؤسسات المالية التي خلقت الأزمة، لم يقرِّب حل الأزمة. وتكفي الإشارة إلى أن البنوك التي مُنحت مقادير مالية هائلة لإسعافها لم تتعاون مع بعضها ولم تقدم تسهيلات إقراضية للمواطنين الذين هم أحق بهذه الأموال. لذا، لم تعد هناك توليدات لفرص عمل تستوعب الذين تم الاستغناء عنهم والذين يدخلون سوق العمل والعاطلين حتى قبل الأزمة، واصبح هناك 70 مليون أميركي يعيشون على المساعدات الغذائية الحكومية، وفقد عشرات الملايين مساكنهم التي صبوا فيها مداخيلهم ومدخراتهم، واتضح أن الانخراط في الحروب الخارجية والتمسك بالسيطرة تستهلك إمكانات مالية هائلة... الخ بينما مكاسبها المالية تذهب للشركات.
وإذا كانت الإسعافات المالية الأولية قد حمت الاقتصاد الأميركي حتى اللحظة فإن بلدان جنوب أوروبا تقف على حافة الإفلاس أو عدم نجاعة العلاج. ومثال اليونان اليوم أوضح. فيبدو أن سياسة التقشف وما توفره للاقتصاد على حساب حياة المواطنين هي بمثابة الضغط على صدر المصاب بالذبحة الصدرية كي يشتغل القلب وما زال الأمر في شك مريب.
 لقد شكل هذا المناخ الاختبار الحقيقي لمرونة الكرسي الليبرالي الرأسمالي، مرونة ما تسمى الديموقراطية. بكلمة أخرى، اتضح الفارق الطبقي بشكل أكبر. ففي الأزمة الاقتصادية للبلد لا بد من تضحية ما، فأي طبقة هي التي سوف تضحي؟ وهل التضحية طوعاً؟ بالطبع لا، إذن من هي الطبقة التي سوف ترغم الأخرى على التضحية ككبش فداء؟ فلنرى إن كان لهذا معنى في الصراع الطبقي.
 
حزبان أم حزب واحد؟
 
شهدت الأشهر الأخيرة تطوراً لافتاً في علاقات الحزبين الأميركيين. فرغم بقاء عام واحد قبل الانتخابات الرئاسية، فإن السياسة الاقتصادية للحزبين تتقارب؟ لماذا يتفق الحزبان على سياسة تقشفية لتخفيض الدين وإن كان الفارق أن اوباما يحاول حفز التشغيل مقابل تمسك الجمهوريين بحماية رأس المال كي يتمكن من إدرار دخل أعلى، لهم بالطبع، دون ان يقلقوا على الفقراء، فتخفيض الدين يعني تقليص الخدمات التي تقدمها الحكومة، وبالتالي، فإن من سيعانون من تقليص الخدمات هم اكثر ممن سوف يستفيدون من تقليص الضرائب اي الأغنياء. ولكي يضطر الديموقراطيون لتخفيض الإنفاق يصر الجمهوريون على رفض زيادة الضرائب ولو بنسبة بسيطة مما يقلل قدرة الحكومة على مساعدة الفقراء.
المفترض، ضمن معتقد الليبرالية، أن يتبنى أوباما وصفات كالتي طرحها بول كروجمان: استثمار اكثر في البنية التحتية، وقف الحروب، اغلاق القواعد، وتقييدات عقلانية على رأس المال الجشع، وهذا يفتح له نافذة حوار عام لتجنيد شعبوي لصالحه مقابل الجمهوريين. على الرغم من وعوده الانتخابية إلا أن ثلاث سنوات من حكمه كانت اقتراب ما تسمى الراسمالية العقلانية من سياسة الجمهوريين التي تتمثل في رأسمالية الربح السريع وتقليل الخدمات؟
قد تكمن الإجابة في وضوح شدة الأزمة مما يرغم الديموقراطيين على الانحياز الطبقي وليس تمثيل دور حكومة لكل البلد فهم في النهاية جزء من النخب التي تتشكل منها الطبقة الحاكمة/ المالكة.
وحين يقف الديموقراطيون مع طبقتهم ضد الطبقات الأخرى في المجتمع، فهم لا شك سيكونوا اكثر شراسة تجاه الأمم الأخرى. وعليه، إذا كانت فرصة زيادة الضرائب غير متاحة حتى ولو بنسبة ضئيلة، فما الذي يغري الحكومة بالتوقف عن النهب من الخارج؟ والحكومة هنا تمثل الشركات نفسها التي لا تريد دفع ضرائب في الداخل؟
لذا، فالحكومة لن توقف حروبها بل تتوسع بها خدمة بشكل اساسي للمجمع الصناعي العسكري، فالسلاح وضواري الحرب والتجسس هم ثروة البلد الأساسية للتصدير في هذه المرحلة. أما الطبقة العاملة والوسطى فليست لديها بعد خياراً ثالثاً اي حزب آخر يستقطب اصواتها وينافس كي تُحل الأزمة عبر صناديق الاقتراع اي ان الطبقة العاملة هي طبقة لم تتمكن من فرز حزبها!. بكلام آخر، فإن الأكثرية الشعبية بلا حزب تقف الآن في مواجهة ديكتاتورية راس المال بحزبيها وأمنها وجيشها.

الانسداد والثغرة:

إذا كانت قراءة وضع اي بلد يجب أن تنطلق من النظام العالمي، فإن قراءة وضع الولايات المتحدة هو الأكثر التصاقاً بهذه القناعة. وهذا يعني أن التحرك ضد الطبقة الحاكمة هناك لا بد ان يكون داخلياً وخارجياً لأن الولايات المتحدة فاعل سياسي على صعيد العالم باسره.
وحضور الولايات المتحدة على صعيد عالمي ليس فقط في مستوى العدوان وبيع السلاح بل كذلك في ديون بنوكها التجارية على صعيد عالمي وهو الأمر الذي طالما قاد إلى تجريف ثروات بلدان كثيرة دون أن تحاول مصارفها تخفيف أو شطب ديونها الأمر الذي قلل شراكاتها عالمياً وهو ما قاد إلى خلق ظروف متوترة اجتماعياً في بلدان كثيرة حتى في أوروبا نفسها وكذلك في الولايات المتحدة حيث تراكم الثروة مقابل تراكم الفقر.
هناك بدايات اولية للحراك الداخلي في الولايات المتحدة والذي بدأ قبل أكثر من عشرة اعوام في سياتل، واليوم احتلال وول ستريت، وهو تيمن باحتلال المصانع في أوروبا إبان ثورة 1968. ولكن هذا ما زال محدوداً وبدون مضمون طبقي واضح وبدون نطاق واسع ولا حركة ثورية تقوده. كما أنه لا يُردف بحراك على صعيد عالمي بمعنى حراك ثوري سواء ضد الوجود والدور الأميركي أو ضد الأنظمة الحليفة والتابعة لها.
كما ان الإمبريالية توسع عدوانها سواء على ليبيا القطر القتيل وليس الأخير أو اليمن او سورية أو إيران أو كوريا الشمالية. صحيح أن هذا العدوان من جهة ووجود حراك شعبي - عربي من جهة ثانية هي آليات تصعيد المقاومة ضد راس المال، ولكن الثورة المضادة تحاول الإمساك بالمبادرة وتبدأ بالهجوم لأن شريان حياتها هو في الحرب والتدمير ثم إعادة البناء. هذا قانون عام اساسي في الرأسمالية. ودونما إطالة، فإن تأجيل المذبحة في سورية ناجم عن حسابات تشير إلى كلف عالية وربما فشل كامل.
لكنه قانون تحدٍّ في الوقت نفسه بمعنى أن لا خيار أمام الطبقات الشعبية على صعيد عالمي سوى المقاومة. إن مناخ الأزمة الاقتصادية مؤات للاصطفاف الطبقي للطبقات الشعبية، وهو رغم قصور العامل الذاتي إلا أنه يفتح آفاقاً يمكن أن تتطور، سواء من خلال الحراك العربي، أو تبلور أنظمة تقدمية في أميركا اللاتينية، أو تعميق التعاون الديبلوماسي والاقتصادي الروسي/الصيني ولا سيما في التصدي للتغول الأميركي. هذه التطورات إلى جانب آفاق توسع الحركة المناهضة للحرب والعولمة يمكن أن تشكل رافعة تغيير على صعيد عالمي. ولكن تبقى الحكمة في الاستمرار وليس التوهم بسقوط سريع لرأس المال. إن نظام رأس المال الذي يهيمن على العالم منذ قرون لا يسقط في فترات قصيرة مما يستدعي من القوى الثورية وعياً بالعمل الدؤوب على مستويي كل من الخطاب والوعي من جهة والانتظام العملي من جهة ثانية. على هذه القاعدة فقط يمكن التأسيس لاقتلاع النظام الرأسمالي وليس لإدارة أزمته.
بقي أن نكرس حقيقتين اساسيتين: الأولى، إن تفكيك بلدان الاشتراكية المحققة كان خطوة إلى الوراء في الثورة العالمية رغم كل نقدنا عليها، والثانية، إن ما بدأنا به هذه المقالة عن أهمية المنظور العالمي وهو منظور ماركسي بالطبع، منظور يحتفظ بمشروعيته بمعنى أن مركز الثورة أو على الأقل مبتداها ما زال ممكناً في المحيط.
 


________________________________________
[1] سرَّع قرار الرئيس صدام حسين بيع النفط باليورو بدل الدولار، العدوان على العراق ومن ثم إعدام الرجل، أنظر: عادل سمارة المشروع القومي واليورو واحتلال العراق في مجلة كنعان العدد 115 تشرين أول 2003 ص ص 15-26، وانظر الرابط التالي كيف يكشف بالصوت والصورة عن الحرب على ليبيا وخصوصاً عزم القذافي على استخدام وحدة النقد الذهبية بدل الدولار في بيع النفط. وهذه أمور لا حاجة أن يكون المرء متخصصاً في الاقتصاد كي يفهمها، فكل المطلوب قوة روح معنوية وجرأة على إدراك وحشية الغرب الرأسمالي.





آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net