من مستنبطات اميركا وتقليعاتها الجديدة "الشرق الاوسط الجديد"، "الفوضى الخلاقة"، "الربيع العربي" وثلاثتها لا تعط معناها الحقيقي، ولم تتحقق ولن تتحقق. فالشرق الاوسط الجديد صار قديماً منذ سقوط مؤامرة سايكس بيكو، والفوضى الخلاقة سقطت لان الشرّ لا يولد منه الاّ الشر، ثم متى كانت الفوضى خلاّقة، انما الحق الفوضّى هدامة ومدمرة، اما الربيع العربي، فايّ ربيع هذا، ربيع الشعب العربي بالقتل والخطف والتفجير والموت... فسقطت كل الاقنعة، وكشفت اميركا والصهيونية عن وجهها القبيح، وصحّ القول الذي كان ينادي منذ خمسينات القرن الماضي "اميركا عدوّة الشعوب، وهي الشيطان الاكبر".
والعودة الى عالم المستنبطات، ينتصف أمامنا مصطلح او مستنبط "الارض المتنازع عليها" في العراق، والادهى ان هذا المصطلح يدخل في الدستور دون حق قانوني، ولا قاعدة شرعية.
"الارض المتنازع عليها" أرض لا وجود لها، فالعراق أرض واحدة لا تتجزأ ولا تنقسم، ونتساءل: أيّ أرض هي؟ ومن المتنازع عليها؟، هذه الارض التي تدخل في خانة الاقوال الباطلة والآراء الفائلة.
"الارض المتنازع عليها" ارض لا وجود لها منذ ايام السومريين والاكديين، مروراً بالبابليين والاشوريين ثم العرب، ارض متنازع عليها ولا حتى في الاوهام والاحلام.
و"الارض المتنازع عليها" لا توجد الا بمخيلة الاكراد والاميركان إضافة الى انها لا توجد الا في المناطق التي يقطنها المسيحيون في محافظة نينوى ومحافظة كركوك والمتنازعين عليها، بعرف الدستور، العرب والاكراد. العرب اصحاب الدولة منذ ايام الفتح الاسلامي والاكراد الزاحفين الى المنطقة منذ القرن السادس عشر.
وهنا نتساءل، كيف جرى هذا النزاع، هل اثر غزوات وحروب، أم اثر احتلال واقتحام؟ فان كانت حروباً، فهذه لا وجود لها بالاصل ولا يذكرها التاريخ. وان كان احتلالاً واقتحاماً، فهذا ايضاً لم يحصل في التاريخ، فلم نقرأ في التاريخ القديم ولا الحديث ان الاكراد إحتلوا هذه المناطق أو اقتحموها حرباً او سلاماً، فهو ادّعاء باطل لا اصل له. فالعرب كانوا واستمروا وما زالوا هم سادة الارض، والاكراد استوطنوا فيها جزافاً في غفلة من التاريخ. فعلى اي استناد او دليل إدّعوا على الاراضي هذه، هل هناك استناد تاريخي او دليل صريح؟، ام مجرد شهود التوسع الاقليمي لانفسهم هذا اولاً.
وثانياً وهو الاهم، لماذا هذه المناطق المتنازع عليها هي ارض القرى المسيحية - كما اسلفنا - حول الموصل وسهلها امتداداً من سنجار ودهوك شمالاً، والى حمام العليل والشرقاط جنوباً.
كما اننا نتساءل، لماذا الاكراد في الستينات وقبلها استولوا على عشرات القرى المسيحية في منطقة كردستان، علماً ان هذه المنطقة كانت مسيحية منذ فجر الكنيسة ان لم نقل مناصفة مع الاكراد وحتى القرن الخامس عشر.
ومن خلال هذه المصطلحات نشجع ذوي المصالح المشتركة، والاستغلال المشتركة سيما بعدما تعددت الحكومات والمجالس في العراق الجديد. الحكومة المركزية في بغداد، الحكومة الاقليمية في كردستان، حكومات محلية في المحافظات، اضافة الى المجالس المحكية، فتعددت السلطة الواحدة الى سلطات يقظة ونائمة، علماً ان هذه كلها دخلت الدستور فاضحى الدستور هذا كشكول المحاسبين.
في هذه الفوضى فكر بعض المسيحيين باحدى الاعيب السياسة ان يكون لهم محافظة مسيحية بسهل نينوى لها مجلسها وحكومتها ومن ثم تدخل في الدوامة العاصفة والفكرة غير المستقرة واللاعقلانية. باستنباط المحافظة للمسيحيين وحدهم، وهل هذا يعقل، وان حدث بقدرة قادر يعني يجب ان يكون محافظة لليزيدية، ومحافظة للشبك ومحافظة للصابئة ولغيرهم، اي ان نقسم ونجزّء العراق الى محافظات قومية ودينية ومذهبية، فهل هذه الدولة العصرية الطامحة الى الديموقراطية والتطور والتحديث والعصرنة؟
فازداد اللغط في سهل نينوى هذه الايام، وهذا ايضاً قادم من فكرة المصطلحات الاميركية الجديدة بالاتفاق مع الاكراد الذين يطمعون في توسيع اقليمهم على حساب المسيحيين الذين سيغرقون في المستنقع الكبير ويضيعون. فعلى المسيحيين ان ينتبهوا الى مصيرهم المحفوف بالمخاطر والضياع في العاصفة الى حيث لا مستقر.
هذه الايام في سهل نينوى يكثر اللغط بإنشاء "المحافظة المسيحية" في العراق، وكأنه إنجاز كبير للمسيحيين.
لا ادري ما هو الجديد في هذا الانجاز المشبوه؟
هل هناك اكتشاف جديد بجمع المسيحيين في مستنقع واحد يسهل فيه صيد اسماكه؟
هل هو وتر جديد اضافه زرياب او المرحوم منير بشير على اوتار الفن العراقي السياسي ليعزفوا عليه لحناً منفرداً لمؤامرة منفردة؟
هل هناك طبخة جديدة تطبخ في مطابخ باخديدا وبرطلي وكرمليس وتلكيف وتللسقف والقوش وغيرها من طبخات المسيحيين الموّحدة، فينتج من هذه ما نسميه في الموصل بـ "طبخ المكاري" اي طبخ الشحادين.
ثم متى كان المسيحيون العراقيون بمعزل عن اخوتهم مكوّنات الشعب العراقي: المسلمين واليزيدية والشبك والصابئة... صحيح، صحّ ذلك عندما غزا المكونات هذه القرى المسيحية لظروف خاصة مؤقتة وعندما اصبح نصف سكان برطلي من الشبك لذلك قطنوا في كرمليس، وصار نصف تلكيف واكثر بقليل من المسلمين، وهكذا اصبح في قره قوش حوالي العشرين في المئة من المسلمين. فهنا يصح ان ننادي بالمحافظة العراقية الواحدة وليس المسيحية لان عدد المسيحيين في هذه المنطقة لن يكون الاكثرية بل الموّحدة، يديرها المسيحيون. او بالامرية نستطيع ان نصل الى الحكم الذاتي اي كل قرية او بلدة تدير نفسها من سكانها بحسب طائفهم او مذاهبهم.
متى كانت مكونات الشعب العراقي متفرقة منعزلة، الكلدان بعيدين عن الاكراد، والتركمان عن العرب، والسريان بشقيهم الارثوذكسي والكاثوليكي بعيدين عن اخوانهم الايزيدية والشبك والصابئة... الخ. لهم دوائر خاصة يشتغلون فيها واسواق خاصة بهم يتبضعون منها واحياء سكنية ومحلات وحارات ودواوين ... وغيرها.
ألم يكن المسيحيون وطيلة هذه العقود منذ نشوء الحكم الوطني عام 1921 في حيّ واحد وحارة واحدة ومدينة واحدة وبلد واحد... اليس هم موجودون في العراق من شماله الى جنوبه، ومن شرقه الى غربه، عاملين في دوائر واحدة رسمية وشبه رسمية ومعامل ومصانع حكومية واهلية، عاملين في غرفة واحدة وعلى منضدة واحدة، يأكلون على مائدة واحدة من مأكل واحد بينهم الخبز والملح...
هل كان يستطيع كائن من كان ان يميز بين المسلم والمسيحي في العراق - قبل السقوط 2003 - الم يكونوا كاخوّة كل يتكلم بلغته دون استغراب او تأويل، الم يكونوا صفاً واحداً في السرّاء والضرّاء، وكانت الحرب العراقية الايرانية اكبر برهان على صمودهم سوية لحماية العراق وطنهم الواحد؟
هل رفض طبيب مسيحي معالجة مريض مسلم، والعكس صحيح، ام ان معلماً مسلماً رفض ان يعلم في مدرسة مسيحية والعكس صحيح؟
يا ربّاه، ماذا يجري في العراق، عراقنا الحبيب!!
هل تغيّر العراق، ام تغيّر سكانه العراقيون؟
ما هذا الهراء الذي نسمعه اليوم؟، ولماذا حصر المسيحيين في العراق في محافظة واحدة؟، ومعلمهم اوصاهم "انت نور العالم، انتم ملح الارض"، فلماذا نطفئ هذا النور، ونفسد هذا الملح بمدن العراق وقراه، ونجعله مصباحاً واحداً ليضيء سماء محافظة واحدة وكذلك الملح...
وهنا نتساءل، من ايقظ هذا الشعور المخالف للوطن...؟، ولماذا النداء بمحافظة خاصة بالمسيحيين وليس لغيرهم؟
نحن وبلسان كل المسيحيين العراقيين نقول صارخين وهاتفين:
نشجب ونستنكر هذا الادعاء، ونسكت هذا النداء، وليسقط كل من يعمل من اجله، لان كلهم لهم غاياتهم الخاصة ومصالحهم المشبوهة، فهناك من يحلم ان يصير محافظاً لها، وآخر ليكون قائمقاماً فيها... وثالثاً ورابعاً... مدير ناحية من نواحيها... وآخرون اصحاب صناديق خاصة "الغاية تبرر الوسيلة" مبدأ ميكافيلي.
ان اقامة مثل هذه المحافظة بلا شك هو تدمير وانهاء آخر وجود للمسيحيين في العراق، وهو من جانب آخر سيشدّ من تعاظم الارهاب بشكل اشدّ على المسيحيين العراقيين، فهل يريدون من المسيحيين ان ينطووا على انفسهم وينسلخوا من واقعهم العراقي ويتقوقعوا في محافظة خاصة بهم ومستهدفين من كل جانب ومن كل طرف، لا امن لهم ولا استقرار، لا طموحات ولا سلام.
الا يفكر من ينادي بذلك بان المحافظة هذه ستكون بين المطرقة والسندان، تتقاذفها الارجل ككرة القدم، كل يحاول ان يُدخِل هدفه دون روية ودراية.
انني باسمي شخصياً، وباسم مئات الالاف من المسيحيين العراقيين الاصلاء في الوطن والمهجر، نناشد كل الشرفاء العراقيين وكلّ من بيده القرار، ان هناك مؤامرة جاهزة للايقاع بالمسيحيين في شباك الصيادين غايتها القضاء على هذا المشىروع المشبوه ويتحقق هدف الاشرار وعلى رأسهم اميركا واسرائيل.
فلدرء هذا المشروع الشرير هو التحدي والتصدي له والوقوف ضدّه بكل ما لنا ولكم من قوّة، فأسسوا على أساس متين وكوّنوا جمعاً من الشرفاء الاصلاء يفتخر بهم العراق والمسيحيين وسمّوه "تجمع اوركي" لان لفظة "اورك، أَرَك، آركي" وتعني النور، الضوء، الفجر، وتعني العراق الواحد والموّحد، فلا تترددوا بل الى الامام والله ولي التوّفيق.
فيا ايها الكلدان والسريان والاشوريين العراقيين، اصولكم متجذرة في العراق الواحد العظيم منذ آلاف السنين فسكنوا البصرة والناصرية والحيرة والنجف وكربلاء واور الكلدان، كما سكنوا اشور ونينوى ودهوك واربيل وكركوك والسليمانية والموصل، فدياراتهم وكنائسهم وآثارهم ما زالت شاخصة في العراق كله من شماله حتى جنوبه، فمن كانت له هكذا حضارة وهكذا تاريخ كيف يمكن ان نحصره في بودقة قابلة للانفجار في كل لحظة، وكيف نقوقعه في محافظة واحدة تتوجه اليها الانظار كالسهام المسمومة القاتلة.
نحن المسيحيون لكل العراق، وكل العراق لنا، نرفض ونشجب، ونستنكر وبشدة الصيحات المبحوحة التي تتعالى في إنشاء محافظة للمسيحيين ونقولها بل ونعلنها بصراحة وبكل قوة، يكفينا تفرقة وانقساماً واختلافاً لان جرح العراق ينزف في قلوبنا.
بدمائنا سقينا تربة العراق منذ معركة ذي قار ضد الفرس وكذلك في معركة القادسية الاولى الى معركة المحمّرة، فصار العراق كله لنا ونحن له، مجبولة تربتنا بدمائنا.
ونختم مناشدين كل ذوي المصالح الخاصة ان يكفوا عن هذه الصيحات التي غايتها تدمير المسيحيين العراقيين وهم اصحاب الحضارة الاولى. فلا تثقوا بالذين يصفقون لكم ويحثونكم على خراب بيتكم.
والشاعر يقول:
إن الافاعي وان لانت ملامسها
فعند التقلب باذنابها العطب
