Tahawolat
إنضمّت الجامعة العربية، بشكل علني هذه المرّة، الى المنظومة  التي تُشكّل (عدة شغل) الشرعية الدولية، التي تقودها الولايات المُتحدة الاميركية الساعية بوسائلها الى إمتصاص الصدمة الإستراتيجية التي تلقتها من إستعمال الفيتو الروسي – الصيني، الذي يؤشر في القراءة الاميركية، الى بروز شريك حقيقي على مُستوى القرار الدولي الذي إنفردت به  منذ سقوط الإتحاد السوفياتي وإنتهاء الحرب الباردة في تسعينات القرن الماضي، وإدراكها لحجم القوة المُرتكزة الى مجموعة البريكس  وقدرتها على تعطيل  مخططاتها، أكان في حماية دولة إسرائيل أم في عرقلة إستعادة روسيا لدورها وضرب مشروعها الإتحادي الذي يقوده بوتين، او قطع  الطريق على النفوذ الصيني المتعاظم في الإقتصاد والسياسة والقوة العسكرية  خصوصاً البحرية، اميركا التي تعاني أزمة إقتصادية حادَة وتدني في مستوى القيادات، تُعاني ايضاً  من عدم قدرتها على إنجاز مشروع الشرق الاوسط الجديد، فتبذل  جهوداً إعلامية وديبلوماسية لتغطية وحجب خسارتها وتأمين أكبر عملية تعتيم وتورية لإنسحابها من العراق، ساعية بما تملك من اوراق ضاغطة، الى قطع الطريق  عبر تفكيك سورية، كي تمنع روسيا وإيران  من الوصول الى المتوسط  بما يُتيح لهما السيطرة على ممرات النفط التي تُزوّد اوروبا وبعضاً من آسيا، خارج سيطرتها ونفوذها، وفي حال فشلها في إسقاط سورية، فخططها البديلة هي إستحداث ممرات نفطية آمنة عبر الموانيء التركية. هذا يُفسّر بعض الاسباب الإستراتيجية وراء ما يحدث في سورية. ولإستكمال عناصر المشهد الراهن فإن إستدارة كاملة  لرصد حركة المواقف العربية وادائها في الوقت الذي تواجه فيه المنطقة احداثاً مفصلية ومصيرية، يُظهر الإنعطافة الحادّة الناجمة عن تبدُل الاولويات الإستراتيجية  العربية على إيقاع التبعية القسرية التي فرضتها القواعد العسكرية في دول الخليج العربي، والجيوش في العراق وافغانستان، والخلل في موازين القوى الذي أفقد أنظمة الإعتدال حليفاً  فرضته نظرية التفوق التي حمت الجيش الإسرائيلي حتى عام 2006،   يُضاف إليه فشل الانظمة العربية  في إنجاز إستراتيجياتها  أكان على المستوى القومي في الوحدة والسياسة، أم الإجتماعي الإقتصادي في الإنماء والتخطيط والإستفادة من الثروة النفطية  او الفكري والثقافي في تأكيد الهوية والإنتماء والشخصية الوطنية، وتمظهر ذلك بعجز الانظمة العربية المُمنهج  في بناء دولة الإستقلال  او المشروع العربي الإستقلالي، فبقيت في حالة ركود غير مُبرر أبقى الانظمة والشعوب خارج سياق التقدُم التاريخي والتطور العلمي والتقني،   فإستمرار القراءة والتحليل فيما يُظهره  رأس جبل الجليد، اوقع   بلادنا في الخديعة، طيلة تاريخها، خصوصاً الحديث،  لعدم إستطاعة العقل السياسي تجاوز المباشر، وتخطي  الظاهر.
مُعظم  الأنظمة العربية، التي نشأت في القرن الماضي، وفق مصالح القوى العُظمى، وتوازنات مصالحها، تدفع اليوم فاتورة إلتزاماتها، بل إنصياعها، لمشيئة الغرب الإستعماري. القومية العربية التي فقدت نفودها عندما إصطدم مشروعها القومي بنشوء دعاوى إسلامية مُتطرفة، تلبية لحاجات المشروع الاميركي - الإسرائيلي، فنشوء العديد من المذاهب الإسلامية والتي بمُعظمها  خليجية المصدر والتمويل والرعاية والاداء، كان لها اليد الطولى في  تفريغ الحيوية العروبية من مضمونها القومي، عبر تصدّيها لجمال عبد الناصر وتالياً لفكرة القومية العربية التي اطلقها حافظ الاسد، هذه المذاهب التي تناقضت مع اصولها الفكرية  ووضعت إمكانياتها بتصرف الغرب أكان في أفغانستان  أم في سورية  او في فلسطين، وسوّقت لمبادرات السلام مع إسرائيل والعداء مع إيران، ضمنت للغرب التدخل والسيطرة على القرارات القومية والموارد الوطنية لإنظمة النفط العربية الساعية لإستمرار انظمتها على حساب فكرة القومية العربية، هذه الانظمة  نجدها اليوم  تجتهد، كأي خادم مُطيع، لتدمير ذاتها بذاتها، وتجهد لتُخرج من التداول التاريخي، حُلماً راود الملايين من الشعوب العربية  التائقة الى الحرية والإستقلال. هذا الإنزلاق الخطير، بات يُهدد  بسقوط الحضارة العربية وإندثارها  لتآكُلها الناجم  عن فقدانها لدورها الحقيقي، كرائد  في السياسة والإقتصاد والإجتماع، ولفشلها في إنشاء مُتحدها المسيطر على موارده الطبيعية، البترولي منها خصوصاً، ما افقدها دورها المؤثر في السياسات الدولية، فتحولت الى بلاد مُستعمرة وخاضعة بقرارها السياسي ومواردها الى الإرادات الخارجية، ومُبرمجة للعب اي دور يُطلب منها حتى لو ادى الى تدميرها. إن الناظر الى الدور الذي تلعبه الجامعة العربية، التي يُسيطر على قراراتها  مجلس التعاون الخليجي، يستنتج ماهيّة دورها وخطورته وتأثيره على مُجريات الاحداث الحاصلة على مدى الساحة العربية، من خلال المهام الخارجية المُوكلة إليها، كتأمين الغطاء لتدمير ليبيا وإجتياح البحرين والتسوية في اليمن وإفساح المجال أمام الصعود الإسلامي في تونس وبالتالي في المغرب العربي ومحاولتها لتدمير سورية بعد ان لعبت دوراً مركزياً بتدمير العراق، مما يطرح أسئلة إستراتيجية مُلّحة، عن ماهيّة التطورات والتحولات الجيو سياسية والجيو إقتصادية والجيو ثقافية.
هل يُمكن قراءة الاحداث الراهنة وإعتبارها خطوة ثانية في تفكيك العالم العربي بعد إسقاط الإتحاد السوفياتي وضم اوروبا الشرقية الى ملاك الرأسمالية تمهيداً للخطوة الثالثة الحاسمة، السيطرة على التنين الصيني؟. ما هي الغاية من بقاء الجامعة العربية بصيغتها وبأدوارها الراهنة، في المرحلة المفصلية التي تمر بها المنطقة؟، وهل من الضروري بدء البحث عن بدائل، مثالاً على ذلك، جامعة الخليج العربي، وجامعة المغرب العربي، وجامعة وادي النيل، وجامعة المشرق العربي. فتهتم كل جامعة بمشكلاتها وإرتباطاتها ومشاريعها، وتكف عن التدخل بسيادة مُتحدات مُغايرة بأهدافها وتكوينها لباقي المُتحدات، وهذا ما أثبتته  الاحداث والوقائع التي يشهدها العالم العربي، المُتعدد الإلتزامات والولاءات، مما بات يُهدد بسقوط إسترتيجية الوحدة العربية، وتباعاً سقوط الجامعة العربية التي تحولت الى جامعة الانظمة المُرتبطة بأجندات  مُغايرة  ومُتناقضة مع مصالح شعوبها .
أفرزت قرارات الجامعة العربية التي إتخذتها بحق سورية، وقائع ومفاهيم جديدة، تمظهرت بمواقف الدول المُجاورة لسورية، العراق ولبنان والاردن وفلسطين، هذا المُتحد الذي يترابط بوحدة الاهداف والغايات والمصير، المُثلث الإستراتيجي التاريخي، بغداد – بيروت - بيسان (فلسطين)، تفككه يؤثر على مفهوم العروبة وكذلك وحدته. فمُلاحظة المعـوقات والموانع التي واجهت دول المشرق العربي في عدم قدرتها على تطبيق العقوبات العربية على سورية، وهذا ما شكل ضربة قاسية اصابت المُريدين للعقوبات في الجامعة العربية، حالت وتحول دون القدرة على تجاوز الجغرافية والتاريخ ووحدة المصالح ودورة الحياة في مُجتمع ذات ناتج حضاري ثقافي اسس لشخصية مُجتمعية مُميزة>
إن وقوع المنطقة على فالق الزلازل الاميركية - الإسرائيلية بات يُحتِم نشوء إستراتيجية جديدة تستجيب للتحديات والتحولات الخطيرة، كون الإنخرط  العربي ـ التركي في الإقليمي يهدُف الى إحداث تغييرات جوهرية في السلطة والسياسة والثقافة والإجتماع، والمأزق الاميركي ـ الاسرائيلي الذي يحاول إنطلاقاً من حروبه في سورية، تغيير الجغرافية السياسية والإثنية من خلال إعتماد التجربة التركية ومُزاوجتها بالإعتدال العربي كصيغة مُلائمة لضرب المحور القومي المقاوم ولتحاشي الحرب الكبيرة في مواجهة الصعود السياسي - الإقتصادي - العسكري لكل من إيران وروسيا والصين وما بات يُعرف بمجموعة البريكس. ولإن الازمات الكبيرة تُرتِب إستنباط  حلول على مستوى الأزمة ولإن الفكر السياسي المُرتكز على حضارة يتحمل مسؤولية الخروج من المأزق بإجتراح حيوية سياسية، تُعيد التوازن لإختلال تاريخي صبغ الواقع العربي الرسمي بالإنهزام الطوعي، وتخليه عن المواقف القومية الجامعة.
ان وحدة المشرق العربي، على ضوء التفكك والإنهيار العربي الشامل، أصبحت ضرورة إستراتيجية، لسد ثغرة سقوط النفوذ العربي في حين تشهد نفوذ إسرائيلي ـ تركي ـ إيراني، فإستعادة النفوذ في دول الهلال الخصيب، وإطلاق مشروع مرحلي يعتمد البناء على المصالح المُشتركة في السياسة والإقتصاد - تجارة وصناعة وزراعة ـ  والإستفادة من الثروة البترولية، وفي تقوية الروابط الإجتماعية كمقدمات وطنية لقيام الدولة القوية  صاحبة الإستقلال والنفوذ، فتتصدى لمحاولة التمدد التركي وتكبح جماح المشروع الاميركي ـ الإسرائيلي، وتؤكد تحالفاتها مع إيران وروسيا ومجموعة دول البريكس، قد تكون هذه لحظة مُوءاتية إذا ما تسنى لها فكر سياسي جامع لحقائق ما زال يفرضها علم الإجتماع.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net