Tahawolat
لعل من أبرز ما يواجه شعوب الدول المستهدفة، من قبل المستبدّين في العالم، المصطلحات التي يطلقها المستبدون فتستقر في الخطاب الثقافي – السياسي للمستهدفين وتفعل فعلها في عقولهم الى حدّ تعطيل قدراتهم على فهم الحقائق الميدانية التي تفرض عليهم، وبالتالي تعطيل قدرتهم على الفهم والتفسير السليم للتحديات، فينهزمون عقلياً، وينقادون وفق اتجاهات بوصلة أعدائهم. والهزيمة العقلية تتبعها بالضرورة هزيمة ثقافية – سياسية ، نظراً للتلازم ما بين الثقافة والسياسة، وما بين التنمية والسياسة، وما بين الاقتصاد والثقافة والسياسة، وما بين العدالة والاقتصاد والتنمية والثقافة والسياسة .... وكلها أوعية متصلة، مجرد المساس بأحداها بشكل مساساً بها كلها.
مثلاً" :
أولاً: مصطلح "العقوبات الدولية" .
لقد درجت الادارات الاميركية المتعاقبة ، ( وسوف نختصرها بعبارة " الادارة الاميركية" الا في حالة الاشارة الى إدارة محددة، كالقول " ادارة اوباما" او "ادارة ترومان" الخ ....) درجت الادارة الاميركية على إستخدام هذا المصطلح بحق الدول المغضوب عليها من قبل واشنطن. إن الإدارة الاميركية لا تملك شرعيةٍ معاقبة هذه الدولة او تلك من دول العالم. فالاجراءات التي تتخذها وتسميها "عقوبات" غالباً ما تشكل نوعاً من العدوان الاقتصادي الذي، بدوره  يشكل خطوة نحو العدوان العسكري، أي الحرب العدوانية، والحرب العدوانية هي " الجريمة الدولية الأرفع" حسب ما جاء في الفقرة الحكمية من محاكمات نورمبيرغ. و "الجريمة الدولية الارفع" مصطلح في غاية الخطورة، لذا تلاحظ ان الاعلام المهيمن عليه من الصهيونية العالمية، والخادم الأمين لمصالح الولايات المتحدة، والذي يشكل ستاراً حديدياً يحجب الحقائق ويشيع الاكاذيب والاضاليل ويرّوج للحروب وللفتن، يحجب هذا المصطلح ويعمد الى "تفطيسه" الى حدّ انه صار غير معروف الا في  الدوائر الضيقة جداً داخل الاوساط التي تهتم، بجدية، بالقانون الدولي.
والمذهل هو ان ضحايا هذه "العقوبات" من الدول المغضوب عليها من جانب الولايات، تتلقف المصطلح وتقوم بتداوله من دون الطعن بمشروعية الولايات المتحدة لاستخدامه، فتراها تستنكر " العقوبات الجائرة" التي تستهدفها، كما لو ان هذه "العقوبات" صادرة عمّا دٌرج على تسميته ب "الشرعية الدولية" المجسدة بمنظمة الامم المتحدة حصراً وذلك على الرغم من كون هذه المنظمة وجدت اساساً، في الصيغة التي وجدت فيها، لتخدم صالح الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية حصراً، وبالتالي اصبح من الواجب إدخال تعديلات جذرية على تركيبتها بما يستحيب لطموحات الدول الصاعدة اقتصادياً، بالاضافة الى دولتي اليابان والمانيا المهزومتان في الحرب العالمية الثانية والمنتصرتان اقتصادياً بعد تلك الحرب. صحيح ان الصيغة الجديدة المنشودة للأمم المتحدة ستظل قائمة على التمييز والتفضيل بين الدول اكثر مما ستقوم على المساواة أمام القانون الدولي، الا ان أفضلية الصيغة الجديدة على تلك القائمة حالياً تعود الى مبدأ "التعددية"، أي توسيع إطار دائرة القرار الدولي بدلاً عن تقليصها او تجميدها. فكلما توسعت الأطر تزداد قدرة الدول المستضعفة على التنفس. ففي مطلق الاحوال، ان "الشرعية الدولية" وفق الآلية التي تؤلفها، أي وفق تركيبتها، تظلّ أفضل من الاحادية التي عاثت بالارض فساداَ واجراماً على مدى 23 سنة، بلا انقطاع، وهي، أي "الشرعية  الدولية" هي الوحيدة التي يمكن ان تتخذ عقوبات بحق هذه الدولة او تلك.
ان مجّرد استخدام الدول المستهدفة لمصطلح "العقوبات" من خارج الامم المتحدة، فيه دونيّة ٍ واعتراف للولايات المتحدة بشرعية ٍ لا تمتلكها أساساً. وبحكم الضرورة فأن هذه الموقف ينعكس على سلوك الدولة المستهدفة لناحية ردود فعلها وخياراتها.
 
ثانياً : مصطلح "الضربة العسكرية" ومصطلح "الخروقات".
لقد كثر الحديث، بمناسبة الحرب العدوانية التي تشنها الولايات المتحدة، ومن خلفها دول الحلف الاطلسي واسرائيل وحكومات "الأعراب الاشدّ كفراً ونفاقاً" ( وفق النص القرآني) ومنظمات القتل والإجرام والإرهاب التي تنتحل صفة الاسلام وهي ممسوكة من رؤوسها ورقابها وليس بالضرورة من قواعدها من قبل الاستخبارات الاميركية والبريطانية .... بمناسبة هذه الحرب العدوانية التدميرية الشاملة صار مصطلح " الضربة العسكرية" يجول على كل شفة ولسان. المصطلح من انتاج الولايات المتحدة، واعلامها ومن خلفه الاعلام الاطلسي واعلام الاعراب، وجرى استخدامه ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية ثم ضد العراق وصولاً الى سورية اليوم.
المصطلح جرى إطلاقه ليحجب كلمة حرب، او عدوان، او حرب ٍ عدوانية، كما جرى اطلاقه في صيغة توحي بأن "الضربة" هي "عقوبة عسكرية " صادرة عن الولايات المتحدة التي نصبت نفسها كسلطة أمر واقع على المستوى الدولي، يحق لها ما لا يحق لغيرها، تكافىء من تراه يستحق المكافأة وتعاقب من تراه يستحق العقاب، مختصرة بنفسها سلطة الوصاية على حسن سير الامور في العالم.
ولقد نجح الاعلام الحربي التابع لحكومة الولايات المتحدة، والذي يطغى على الاعلام داخل  الولايات ، وعلى المساحة الاطلسية وفي دنيا "الاعراب" ومن هم على شاكلة  الاعراب، نجح في فرض المصطلح وجعله يتجول على كل شفة ولسان ويخترق العقل الباطني للبشر، بدءاً من المستهدفين من "الضربة"، وهنا بالذات يبلغ الاعلام الحربي لواشنطن ذروة نجاحه اذ ان ضحاياه صاروا يتداولون مصطلحه، وبتداولهم هذا يخففون، من حيث لا يعلمون، من خطورة الامر علماً أنهم، كمجتمعات بشرية، كمدنيين، يتم إخضاعهم لحالات من الرعب المستدام، لانه رعب متواصل يومياً، يستهدف أعصابهم وعقولهم وهو أعلى درجات الارهاب واكثرها فتكاً وإجراماً.
استخدام المصطلح هذا، من جانب الضحايا، فيه أيضاً "دونية" تضفي على أصحاب الحرب العدوانية شيئاً من الشرعية التي يفتقدون اليها بالكامل، فاذا بهم يحصلون عليها من ضحاياهم.... يا للمفارقة.
ولعل أبرز الآثار التخفيفية لاستخدام مصطلح "الضربة" من قبل الضحايا كونها تضع المعتدي في منأى عن أية مسؤولية تحتمها عليه الجرائم التي يرتكبها، عبر الرعب المتواصل، وسوف يرتكبها، وهي جرائم "حرب عدوانية"، والحرب العدوانية، كما ذكرنا في الفصل الاول، تصّنف في الفقرة الحكمية من محاكمات نورمبرغ باعتبارها "الجريمة الدولية الأرفع" Le Crime international Supreme.
والجريمة الدولية الأرفع " تحتم سوق أصحابها أمام قضاء دوليّ متخصصّ بغية محاكمتهم كمجرمي حرب، وهي معركة لا بدّ من خوضها، كحق مكتسب اولاً، ومن منطلق احترام القانون الدولي وحقوق الانسان وأولها حق الانسان في الحياة.
ان عدم اعتماد هذه الطريقة في مواجهة قوى الاجرام العالمي والهيمنة الكريهة يشجع هذه القوى على المضي في نهجها التدميري الارهابي، ويحرم الضحايا من حماية مصالحهم.
وبالاضافة الى ذلك، يلاحظ ان استخدام الضحايا لمصطلح "الضربة" بدلاً عن الحرب العدوانية انساها ما تحمله هذه الحرب من أهوال خصوصاً ان المعتدي لم يخف ِ وللحظة واحدة ان هذه الحرب ستشن بواسطة ما يعتبره هو أسلحة دمار شامل، أي بواسطة صواريخ عابرة للقارات من فصيلة "توما هوك" ناهيك عن كون هذه تحمل رؤوساً مزودة بمادة اليورانيوم المنضب الذي أختبر على نطاق واسع في العراق وفي ليبيا، حسب ما يؤكده كبار الخبراء الدوليين مثل هانس كريستوفر فون سبونك ودنيس هاليداي وغيرهما من المرجعيات التي تحملت مسؤوليات، في إطار الامم المتحدة، في متابعة الملف العراقي حيث يؤكد الاثنان ان الولايات المتحدة أستخدمت في حرب تدمير العراق أكثر من 4500 طن من اليورانيوم المنضب واستخدمت في حرب افغانستان أكثر من ألف طن من هذه المادة النووية التي تنشر الاشعاعات وتدّمر البيئة، والتي استخدمها العدوان الاميركي للتخفيف من تكلفة الحرب نظراً لقدراتها التدميرية الهائلة.
لذا فأن عدم اعتراف الدولة العراقية بوقوع حرب عدوانية عليها من جيوش الولايات المتحدة يحرمها، يا لسخرية القدر من مقاضاة الادارة الاميركية المجرمة كما يحرمها من الحصول على تعويضات عن الأضرار البيئية الهائلة والتشوهات الحاصلة بالبشر خصوصاً المواليد.
وما ينطبق على مصطلح "الضربة" ينطبق على مصطلح "الخروقات". فهذا المصطلح درج على استخدامه في ما يخص الطيران الحربي الاسرائيلي الذي تجاوزت عملياته الحربية العدوانية ضد الاجواء الاقليمية اللبنانية العشرة الآف عمل حربي عدواني فمن سخرية القدر ان الدولة اللبنانية هي التي تستخدم مصطلح "الخروقات" الامر الذي يسّر الاسرائيليين الى أقصى الحدود. وعلى هذا  الصعيد يلاحظ تقاعس الدولة  اللبنانية عن المطالبة بحقوق الشعب اللبناني وعن مقاضاة مجرمي الحرب الاسرائيليين.
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net