Tahawolat
اقتربت الأزمة السورية من عامها الثالث، وما زالت النيران تحصد يومياً العشرات من السوريين، وتهدم البُنى التحتية، وتدّمر تاريخ أمة، وفي ظل انسداد الآفاق السياسية لحلول تحقن دماء الشعب السوري، كان لا بدّ من البحث عن رؤى جديدة نحاول من خلالها تقريب وجهات النظر.
مما لا شك فيه أن المثقفين السوريين هم الجزء الأهم في معادلة الصراع، وعليهم يقع الدور الأكبر في لمّ الشمل، وجمع الشتات السوري تحت سقف سورية جديدة، الثقافة اليوم هي المخرج الأسلم لكل السوريين، ولا بدّ من توحيد الرؤى، والالتزام بالثوابت الوطنية لبناء دولة تقوم على نظام ديمقراطي ركيزته الأساسية الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، نظام يضمن المواطنية ويحفظ كرامة الإنسان السوري.
المثقف الذي دفع جزءاً من حياته في السجون، أو قضاها في بلدان الشتات هو الوحيد الذي يملك القدرة على إعادة ترتيب المعادلة وترجيح الكفة لصالح الشعب في ظل عجز السياسيين عن ذلك، بإمكانه إحداث التغيير حتى لو كان معتكفاً بعيداً في صومعته عبر رسالته السامية التي يجب أن تُعلن وتكسر حواجز سنوات القهر والخوف، وتناهض العنف والتطرف. وذلك لن يتم إلا وفق ثوابت ومعطيات يلتزم بها المثقف قبل غيره وأبرزها:
ـ مقاومة العدو الإسرائيلي.
ـ رفض أي محاولة للتدخل الخارجي والتصدي لها.
ـ الحفاظ على وحدة سورية وتماسكها ورفض أي مشروع أو محاولة لتقسيمها.
ـ رفض الاستبداد والعنف بكل أنواعه وأشكاله من أي طرف كان.
ـ رفض كل منطق يرسخ التكفير ويمنع التفكير ويلغي الآخر لأنه يتعارض مع تاريخ سورية الحضارة التي هي خير نموذج يُحتذى عن الحضارة المنفتحة المتفاعلة والعقلانية.
ـ احترام الاختلاف ورفض منطق الإلغاء والصنمية الظلامية.
ـ العمل على بناء نظام وطني مدني ديمقراطي يضمن حرية الرأي والتعبير ويصون المواطنية والديمقراطية.
أظهرت الأحداث التي تشهدها سوريا ارتفاع منسوب العنف والكراهية وتنامي الاحتقان والحقد والضغينة، ومحاولة ترسيخ الانقسام والطائفية والمناطقية والعشائرية في بعض الأماكن عبر تداخل عوامل عدة داخلية وإقليمية ودولية، أدى ذلك إلى تعميم ثقافة الموت المجاني وتدمير الحضارة والتاريخ واستهداف الأوابد الأثرية.
يجب على المثقفين السوريين أن يوحدوا موقفهم، دون التحزب لطرف ضد طرف، عليهم أن يتحزبوا للوطن، وأن يحثوا الخطى لبناء نظام جديد يضمن حق المواطن السوري ويحفظ كرامته، وعليهم أن يتكتلوا من أجل سورية، والمحافظة على وحدتها وتماسكها، وحمايتها من العودة إلى مراحل ما قبل الدولة، وهذا ما نراه جلياً في بعض المناطق السورية التي خرجت عن سيطرة الدولة لتقع بيد الجماعات الإسلامية المتطرفة والمتشددة التي عاثت بها خراباً.
إن الحفاظ على المجتمع السوري متلاحماً كالبنيان المرصوص، ومنعه من العودة إلى مكوناته البدائية يُعد واجباً وطنياً، لأن خسارة وحدة المجتمع تعني الفشل في بناء الدولة والعودة بالمجتمع إلى مكوناته البدائية الأولى وبالتالي يصبح بناء الدولة مستحيلاً.
إن الثوابت القومية للنظام والمبادئ الثورية للمعارضة لا قيمة لها إن لم تكن ضمن مجتمع موحد متماسك متوحد حول الحق في الحياة والكرامة، ويحترم التعددية التي هي جزء لا يتجزأ من تاريخنا وهويتنا لنتمكن من بناء الدولة الجديدة مؤمنين بأن الحق في الحياة والكرامة إذا فقدتا لا يبقى معنى لأي قيم أو ثوابت.
«تحولات» في عددها الثمانين سلطت الضوء على الحراك الثقافي السوري في زمن المخاض العسير الذي تعيشه البلاد، وخصصت العدد ليكون «تحية لسوريا الكرامة والإنسان» من خلال الحديث عن الحركة الأدبية السورية خلال عامين ونصف من عمر الأزمة، كما سلطت الضوء على واقع الدراما السورية التي تألقت خلال السنوات الأخيرة وتلقت ضربة موجعة بسبب العنف الدائر في البلاد.
أفردت «تحولات» المساحة لأدباء وفنانين ومثقفين سوريين للتعبير عن خلجات أرواحهم ووجعهم الإنساني، وحاولت من خلال طرح رؤى مختلفة الوصول في نهاية المطاف إلى حالة ثقافية إنسانية توحد الصف في وجه الاستبداد أي كان مصدره.
هو نداء إلى مثقفي سوريا، ودعوة للاتحاد ضمن بوتقة واحدة وأهداف واحدة وروح واحدة لنبذ العنف والطائفية ومواجهة الاستبداد والدفاع عن حياة الإنسان وصون كرامته، والحفاظ على ما بقي من تاريخ الحضارة الإنسانية في سورية.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net