Tahawolat
يناقش الباحث اللبناني أمين الياس أطروحة دكتوراه في التاريخ لنيل دبلوم الدكتوراه في التاريخ بعنوان: الندوة اللبنانيّة (1946-1984) منبر من أجل بلورة ليبانولوجيّة في إطارها العربيّ والمتوسطيّ، في جامعة لو مان الفرنسية (Université du Maine, Le Mans – France). وتتألف هيئة التحكيم من الأساتذة: دومينيك آفون، بروفيسور في جامعة لو مان (فرنسا)، كرم رزق، بروفيسور في جامعة الروح القدس ـ الكسليك (لبنان)، أنطوان حكيّم، بروفيسور في الجامعة اللبنانية (لبنان)، برنارد إيبيرجيه، بروفيسور في معهد الدراسات المتعلّقة بالإسلام وبالمجتمعات في العالم الإسلامي (فرنسا)، آن ـ لور دوبون، أستاذة محاضرة في جامعة السوربون (فرنسا).
لمناسبة مناقشة أطروحة أمين الياس هذه، تنشر "تحولات" دراسة موجزة للباحث الياس عن موضوع الأطروحة وتاريخ الندوة اللبنانية.
 
الأوّل من أيلول 1920 والثاني والعشرون من تشرين الثاني 1943 هما تاريخان مفصليّان شكّلا التعبير الأبرز للبنان الكيان والأمّة في مسيرته التاريخيّة نحو بلْوَرة شخصيّته القوميّة والدوليّة وإبرازها في محيطها العربي والمتوسطي ومن ثمّ العالمي. في التاريخ الأوّل أخذ لبنان شكله الجيوسياسي النهائي ليتحوّل من مجرّد "مسألة مطروحة على القانون الدولي" إلى لاعبٍ له شخصيّته القانونيّة المعترف بها دوليّاً. والأهمّ من هذا أنّ لبنان استقلّ سياسيّاً بكيانه عن محيطه الجغرافي القريب، وكان ذلك بإرادة جزء مهمّ من أبنائه، خاصّة الموارنة منهم. أمّا التاريخ الثاني فقد استَكْمَل فيه لبنان استقلاله، بانتفاضته ضدّ الانتداب الفرنسي. كانت تلك الانتفاضة وليدة الاتفاق - الميثاق الذي بُدئ ببَلْوَرته سنة 1936 مع كاظم الصلح ويوسف السودا، ليتبنّاه في صيف 1943، وبرعاية عربيّة وبريطانيّة، كلٌّ من بشارة الخوري ورياض الصلح. تكمن أهميّة هذا التاريخ في التقاء إرادة كلّ اللبنانيّين، المطالبين بلبنان الكبير ورافضيه سابقاً، على القبول نهائيّاً بـلبنان الكيان المستقلّ "ذي الوجه العربي" والمنفتح دائماً على الحضارة والثقافة الغربيّتَين، بحدوده التي أُقرَّت العام 1920 وتثبَّتَت العام 1936 بالمعاهدة اللبنانيّة - الفرنسيّة.
  للمرّة الأولى في تاريخهم السياسي، وجد اللبنانيّون أنفسهم أحراراً وأسيادَ مصيرهم ضمن كيانٍ خاصٍّ بهم، مُعترف به عربيّاً ودوليّاً، وغير مرتبط لا بدولة احتلال عثماني ولا بدولة انتداب فرنسي. تزامن هذا الحدث الضخم مع بروز نخبة لبنانيّة، وريثة عصر النهضة الأدبيّة والثقافيّة والسياسيّة التي عرفها جبل لبنان وبيروت والقاهرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر واستمرّت حتى أوائل القرن العشرين.
  وسْط هذا الجوّ السياسيّ والفكريّ ولد ميشال أسمر العام 1914 في عائلة متواضعة. مدفوعاً بما يعتبره خليل رامز سركيس بـ"الخطيئة الأصليّة"، خطيئة "حبّ القلم"، مال الأسمر منذ حداثته إلى العمل الثقافي، لا رغبة بترفٍ فكري، بل إرضاءً لعطشٍ أدبي تطوّر مع الوقت ليصبح التزاماً فكريّاً وثقافيّاً بلبنان. فمنذ تجربته الثقافيّة الأولى المتمثّلة بـ"ندوة الإثني عشر" التي امتدّت ما بين 1935 و1941، وانتهاءً بمشروع الندوة اللبنانية الذي أسّسه في العام 1946، وضع الأسمر نصْب عينَيْه محوراً أساسيّاً لعمله الثقافيّ: لبنان. فجيل الأسمر هو الثاني بعد ذاك الذي ضمّ بولس نجَيْم، ويوسف السودا، وميشال شيحا، وبشارة الخوري، وإميل إدّه، وهكتور خلاط، ورياض الصلح،  وكاظم الصلح، وعُمَر بيْهم، وشارل قُرم، وغيرهم الذين لعبوا دورَ الآباء المؤسِّسين للبنان. هذا الكيان الإشكاليّ منذ نشْأته كان "يشتَغِل" في نفوس هؤلاء الشبّان الجُدد. فمن نزاعٍ على شرعيّة وجوده وعلى هويّته ما بين "لبنانيّة" و"سوريّة" و"عربيّة" منذ العام 1920، إلى دستورٍ في العام 1926، فمحاولاتِ توفيقٍ في العام 1936، فميثاقٍ واستقلالٍ في العام 1943، ورث جيل الأسمر هذا الخوف من المجهول حول وجود لبنان ومصيره. متمسِّكاً بالميثاقِ ركناً أساسيّاً من دعائم البلد، اقتنع الأسمر بأنّ لبنان ما كان وما استمرّ لولا اتفاق بشارة الخوري ورياض الصلح، وهو لم ينفكّ يوماً على التشديد "لدى الجميع على أنّ لبنان لا يمكنه أنْ يطير إلا بجناحَيه" المسيحيّ والمسلم.
 
  في هذا الأطروحة يحاول أمين الياس أن يستخرج من محاضرات الندوة اللبنانية الخطوط الأساسية لما اصطلح على تسميته بـ"ليبانولوجية" أو "علم لبنان"، كما يعرّفها الأستاذ أنطوان مسرّة في كتاباته. وبشكل موازٍ فإنه سوف يقوم بعرض مفصّل لتاريخ الندوة اللبنانية ابتداءً من انطلاقها في العام 1946 على يد مؤسسها ميشال أسمر مبادرة وطموحاً ومغامرة ثقافية فردية لتتحوّل مع الوقت "ثقة مجموع" – على حدّ تعبير الأستاذ الكبير خليل رامز سركيس – ومشروعاً جماعياً وطنياً هدفه بناء لبنان، الفكرة والكيان والوطن والشعب والهوية والرسالة والدولة، بالثقافة والفكر.

 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net