Tahawolat
 
تجتاح تركيا  تظاهرات كبيرة انطلقت من ساحة تقسيم إثر قرار حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان، رئيس الحكومة التركية، تحويل ساحة تقسيم مركزاً تجارياً، ما لبث أن أتى الجواب من حديقة "جيزي" المجاورة لساحة تقسيم في مدينة اسطنبول التركية، فصدحت أصوات الآلاف: أردوغان.. ارحل!
بدأ هذا الحراك الشعبي مع بداية حزيران الحالي رداً على قرار حكومة اردوغان الآنف الذكر، لكنه سرعان ما تحوّل من حراك محدود له دوافعه البيئية والاقتصادية إلى احتجاجات اتسعت رقعتها لتشمل عشرات المدن التركية، كأنقرة وأزمير وغازي عنتاب، وهو ما عزاه مراقبون إلى قمع رجال الشرطة للمتظاهرين, وإخلائهم ساحة تقسيم بالقوة واعتقال الآلاف منهم, وعناد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي مضى قدماً في قراره، مستخفاً بمطالب المتظاهرين واصفاً اياهم "بالغوغاء واللصوص والمشاغبين والمأجورين"، رغم أن معظمهم من النخبة المثقفة وطلاب الجامعات والفنانين والصحافيين، ما شكل حافزاً لإشعال فتيل التظاهرات في الشارع وارتفاع وتيرة المطالب، وصولاً إلى رفع شعار (إسقاط الحكومة).
فماذا تمثل (ساحة تقسيم ) من رمزية تاريخية حتى قوبل قرار الحكومة برفض شعبي عارم؟
ومَن هي الاحزاب والقوى السياسية التي استغلت الرفض الشعبي لقرار اردوغان ووقفت خلف هذه التظاهرات؟
وما هي الأسباب الحقيقية لهذا التحرّك هل هي اسباب داخلية ام بيئية ام اقتصادية ام لها علاقة بسياسة اردوغان الخارجية؟
وهل ستؤدي هذه التظاهرات الى اسقاط حكومة رجب طيب اردوغان؟
موقع (ساحة تقسيم) ورمزيتها التاريخية
تقع  ساحة تقسيم في الجزء الأوروبي من مدينة إسطنبول، وهي معلم سياحي يقصده السياح من كل أنحاء العالم، ويُنظر إليه على أنه قلب إسطنبول الحديثة. وتضم الساحة نصب الجمهورية التذكاري الذي شيد العام 1928 لتخليد الذكرى الخامسة لإنشاء الجمهورية التركية العام 1923، بعد حرب الاستقلال. ويعتبر "ميدان تقسيم" منذ عشرات السنوات الملتقى المفضل لسكان المدينة البالغ عددهم بحدود 17 مليون نسمة وهي مسرح لغالبية التظاهرات السياسية العمالية وبالتالي للمواجهات بين الشرطة والمتظاهرين الأتراك. وشهدت ساحة "تقسيم" أحداثاً تاريخية كثيرة, ففي احتفال الأول من ايار 1977، فتح مجهولون النار أثناء تجمع للنقابات مما أثار الهلع في صفوف الحشود، وتسبب بالنهاية في مقتل 34 شخصاً. ولم تكشف هوية مطلقي النار على الإطلاق، لكن النقابات شككت آنذاك في عناصر بأجهزة الاستخبارات التركية. وقبل ذلك، شهدت الساحة في 16 شباط من العام 1969 أحداث عنف عُرفت باسم «الأحد الدامي»، عندما أصيب نحو 150 متظاهراً يسارياً خلال مواجهات مع جناح اليمين. وبعد وقوع عدد من المواجهات وأحداث العنف في الساحة، قررت السلطات التركية حظر التجمّعات فيها، بينما حافظت قوات الشرطة على وجودها في «تقسيم» على مدار الساعة، لمنع حدوث أي مواجهات، واستمر ذلك حتى العام 2010، عندما سمحت الحكومة الإسلامية المحافظة الحاكمة منذ 2002 بعودة الأنشطة السياسية إلى الساحة.
وتعرضت الساحة ايضاً العام 2010 لهجوم انتحاري استهدف حافلة للشرطة فأوقع عدداً من القتلى والجرحى، وقد أعلنت مجموعة "صقور حرية كردستان" الكردية المسلحة المرتبطة بحزب العمال الكردستاني مسؤوليتها عن الاعتداء.
وتشهد اسطنبول اليوم اشتباكات بين عناصر الأمن ومتظاهرين احتلوا حديقة غازي العامة احتجاجاً على مشروع شمول هذه الحديقة بمشروع تطوير ساحة "تقسيم" المجاورة. ويقول معارضو خطة أردوغان لتطوير حديقة غازي العامة إنها - أي الحديقة - واحدة من المساحات الخضراء القليلة المتبقية في إسطنبول، حيث انطلقت نهاية العام المنصرم ورشة أشغال واسعة لتحويل ميدان "تقسيم" في اسطنبول إلى منطقة للمشاة. هذه الورشة تقوم خصوصاً على حفر نفق طويل تحت الساحة لتجنيبها أزمات السير الخانقة اليومية. وإضافة إلى النفق، تشمل الأشغال بناء مركز تجاري ضخم في وسط الساحة، حيث برر  رئيس بلدية اسطنبول قدير توباس "ان هذا المشروع يرمي الى تسهيل حركة النقل في محيط ميدان "تقسيم" الذي تشله زحمة السيارات محولة إياه إلى مجرد نقطة عبور". وأضاف "نريد أن نضخ دماً جديداً إلى الساحة وتخصيص مكان للمشاة على غرار ساحة الشانزيليزيه الباريسية".
وتشمل المرحلة الأولى من الأعمال حفر نفق متعدّد الاتجاهات يكون مخصصاً للسيارات التي تتزاحم حالياً مع المشاة ومع الترامواي الأحمر القديم والمعالم التاريخية للساحة مثل نصب أبطال الجمهورية التركية. وتصل كلفة هذه الورشة إلى 28 مليون دولار
 أثار هذا المشروع معارضة كبيرة من المواطنين المقيمين هناك. وقد تظاهر آلاف الأشخاص الذين أطلقوا على مبادرتهم اسم «تضامن مع تقسيم» منددين بالمشروع الهادف برأيهم إلى «إضفاء طابع تجاري» على الساحة, وتحويلها غابة من الاسمنت لمصلحة الشركات المتعددة الجنسيات, على حسب ابنائها، متهمين حزب العدالة والتنمية بطمس الهوية المتمردة (لساحة تقسيم).
 
مَن هي الأحزاب في المعارضة التركية والتي تدعم التظاهرات؟
 اضافة الى سكان المنطقة, تتصدر التظاهرات المعارضة في تركيا قرابة عشرة أحزاب أقدمها حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، وأنشطها على الأرض منظمة اتحاد الشباب التركي، فيما يتمتع الحزب الديمقراطي اليساري بتأثير سياسي كبير.
اما أبرز أحزاب المعارضة التركية، فهي:
حزب الشعب الجمهوري هو أول الأحزاب السياسية التركية بعد إعلان الجمهورية، أسّسه مصطفى كمال أتاتورك العام 1923 ويقوده اليوم كمال كيليتشدار أوغلو، حيث اتهم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بالكذب على مناصريه داعياً إياه إلى الاستقالة. وعقد حزب الشعب مؤتمراً صحافياً، أكد فيه أن تركيا "أصبحت دولة تحتضن الإرهاب والجماعات الراديكالية".
حزب الحركة القومية، قوميّ متشدِّد، أسّسه الضابط التركي ألب أرصلان توركش، ودخل أكثر من ائتلاف حكوميّ خصوصاً مع الأحزاب اليمينية، له 52 مقعداً في البرلمان.
حزب السلام والديمقراطية، حزب كردي يقوده صلاح الدين ديمرطاش، تأسس العام 2008، يعدّ الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني، ولدى الحزب الآن 29 مقعداً في البرلمان .
حزب العمل التركي، يساري علماني، تأسس العام 1992 على يد زعيمه الحالي دوغو برينتشك، وهو يعارض الأحزاب كافة التي تتبنى الدين والعرق خطاً أساسياً في نهج سياستها ونظامها الداخلي، ويضع الوقوف في وجه الإمبريالية الغربية على رأس اولوياته.
الحزب الشيوعي التركي، تأسس رسمياً العام 2001 ويتزعمه ياشار تشليك، يعدّ من أهمِّ الأحزاب التركية المعارضة خارج البرلمان، له دور كبير في دعم كل الفعاليات الحزبية والشعبية المناهضة لسياسة حكومة أردوغان.
حزب تركيا المستقلة، حزب يمينيّ تأسس 2011 بزعامة حيدرباش. يعتبَر من أهمّ معارضي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. فهو يؤمن بأنّ تركيا دولة شرقية إسلامية ومكانها هو العالم الإسلامي والشرق.
"السعادة"، حزب إسلامي، تأسس 2001 بزعامة مصطفى كمالاك، وهو امتداد لحزب الفضيلة الذي خرج منه أردوغان وأغلب أعضاء حكومته.
الحزب الديمقراطي اليساري، حزب علماني تأسس العام 1985 يتزعمه السياسي المعروف معصوم توركر ويتمتع بتأثير سياسي كبير، على الرغم من أنه لم يتمثل في البرلمان منذ العام  2002.
الحزب الاشتراكي العمالي، يتبنى النهج اليساري المتشدد. تأسس العام 1974 ويعتبر من ألد أعداء حكومة أردوغان. يتميز بنشاطاته الشعبية المناهضة للحكومة.
منظمة اتحاد الشباب التركي، ذات توجّه علماني مناهض للإمبريالية والاستعمار، تعتبر من أكثر المنظمات الشعبية الناشطة على الأرض، ويترأسها الكار يوجال.
هذا إضافة الى تأييد عبدلله اوجلان من سجنه لدعم حركة المتظاهرين. وأيضاً تأييد نقابات العمال التي انضمت أخيراً الى التظاهرات احتجاجاً على قمع السلطة وابرزها نقابة الاطباء الذين تعرضوا للتحقيق لانهم اسعفوا جرحى التظاهرات.
 
الاسباب الحقيقية وراء التظاهرات: أسلمة تركيا
يبدو ان أسباباً عديدة تكمن خلف هذه الاحتجاجات المستمرة في تركيا،  ومن السذاجة اختصار اسباب التظاهرات "بقطع عدد من الأشجار من حديقة جيزي من أجل بناء مركز تجاري"، مقللين بذلك أيضاً من أهمية ما تمّت إثارته عن أن المتظاهرين ضد أردوغان "هم فقط مجموعة من العلمانيين المعارضين لأردوغان الذي يريد من خلال بناء المركز التجاري إلغاء أحد رموز العلمنة، أي ساحة تقسيم، مما يشكل وجهاً من وجوه أسلمة تركيا". ويدعم وجهة النظر هذه استطلاع للرأي أجرته جامعة "بيلغي" في اسطنبول يفيد بأن "53 % من المتظاهرين لم يشاركوا مطلقاً في حياتهم في تجمع سياسي، و70% لا ينتمون إلى أي حزب سياسي، لكن 92 % منهم يؤكدون أن القمع الذي مارسته الشرطة والقيود التي فرضتها الحكومة على الحريات هما من الدوافع الرئيسية لتعبئتهم ومشاركتهم في الاحتجاجات".
تتقاطع نتائج استطلاع الرأي هذه مع ما اكده الكاتب والمحلل السياسي التركي حسني محلي لتلفزيون "المنار"، قائلاً إن "المتظاهرين ضد حكومة أردوغان ليسوا فقط من معارضي أردوغان في الأساس، بل إن نسبة من المتواجدين في الشارع هم من الذين سبق أن صوتوا لمصلحة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة". ويعزو محلي هذا الانحدار في شعبية أردوغان إلى سياسات الأخير الداخلية والخارجية، "خصوصاً في ما يتعلق بالموضوع السوري، عندما اتخذ رجب طيب أردوغان موقفاً عدائياً مذهبياً من دمشق، حيث كان يصرّ على اتهام ايران الشيعية بدعم الرئيس بشار الأسد العلوي"، موضحاً أن "هذا النهج الطائفي كان له ارتدادات كبيرة في بعض الأوساط التركية، خصوصاً أن في تركيا حوالي عشرين مليون علوي، لقد نأت حكومة إردوغان بنفسها عن شعبها. إذ إن أقلية من السنة فقط يتماهونَ مع برنامج "الإخوان" الاردوغاني. وكما هو واقع الأمر فإن 50% من الأتراك سنة, و 20% علويون, و20% أكراد (معظمهم سنة), وينتمي 10% إلى أقليات أخرى. من الواضح إحصائياً أنه ليس بمقدور حكومة إردوغان الصمود في وجه الانتفاضة التي ساهمت سياساتها الهوجاء بإشعالها.
 
استعداء "الجيران" والاستئثار بالداخل
هو الفتيل الذي ساهم في إشعال الشارع. لقد بدأت سياسة حزب العدالة والتنمية بتصفير المشاكل مع دول الجوار, فإذ بهذه السياسة تتحول تصفير حلول نتيجة أحلام اردوغان العثمانية ورهاناته السياسية المدمرة وارتباطه بالاجندة الاميركية. فتركيا على خصومة مع روسيا نتيجة الدرع الصاروخية والبتريوت المنصوبة على ارضها والمستهدفة روسيا وايران. وعلاقات تركيا متوترة مع ايران نتيجة حربها المعلنة لإسقاط سوريا  ودعم القوي التكفيرية فيها, وهي ايضاً على خلاف مع حكومة المالكي في العراق لتدخلها في الشأن العراقي الداخلي وتحديداً مع اقليم كردستان واستلاب نفطه. وفي هذا السياق، أكد نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض جورسال تكين، في حديث لصحيفة الشرق الأوسط، أنه "عندما ننظر إلى خريطة الشرق الأوسط نرى بجوارنا سوريا والعراق وايران، وجميعها يوجد لنا معهم صلة قرابة بين العائلات، والتصعيد يخلق مشكلات وعداء مع هؤلاء الجيران. وهذا ليس بالمعقول ولا بالمنطق"، وتابع تكين أن على هذه الأحداث التي استجدت على الداخل التركي أن "تجبر الحكومة على تغيير سياستها العدائية التي تمارسها حيال الجيران"، في إشارة إلى النظام في سوريا.
أما على صعيد السياسة الداخلية، فيرى مراقبون أن الخطوات العملية التي اتبعها أردوغان منذ أن كان رئيساً لبلدية اسطنبول العام 1994، كانت تهدف إلى "أسلمة الدولة واجتثاث المنظومة العلمانية" ، كما استمر أردوغان بعد نجاحه في الانتخابات "بتجاهل مطالب العلويين والتصدي لحرية الصحافة والتعبير وتهديد المعارضين"، ويذكر الخبير في الشأن التركي محمد نورالدين في مقالة له في صحيفة "السفير" ان أردوغان "لم يتردد في إيلاء كل المشاريع الاقتصادية لمقربين منه ومن حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه، وجيّر لنفسه، في مخالفة لأبسط قواعد الديمقراطية، التصرف بهواجس وحساسيات ومطالب أكثر من نصف المجتمع الذي عارض سياساته الاستئثارية والاستئصالية، ففي تركيا 81 محافظة كل المحافظين فيها سنة ولا يوجد اي  محافظ  ينتمي الى طائفة اخرى.
الاسباب الاقتصادية
لقد أهدرت تركيا ليس فقط عقداً من الجهود الدبلوماسية لاستعادة علاقاتها الدولية, بل نموَها الاقتصادي أيضاً، ففي شهر آذار/مارس 2011, شاركت تركيا في عملية الناتو ضد ليبيا التي كانت أحد شركائها الاقتصاديين الرئيسيين. وبعد تدمير ليبيا نتيجة للحرب, خسرت تركيا سوقَها هناك. وفي الوقت نفسه, انكبت أنقرة على الحرب ضد سوريا التي كانت قد وقعت معها, قبل ذلك بسنة واحدة, اتفاقية لتحرير التجارة بين البلدين. وسوريا تشكل بوابة تركيا الى العالم العربي وجاءت النتيجة بسرعة البرق: لقد كان معدل النمو في تركيا سنة 2010 (9.2%), لكنه هبط في سنة 2012 إلى (2.2%), ولا يزال مستمراً بالهبوط. والشركات والمصانع التركية تعاني الامرّين نتيجة سياسة اردوغان الهوجاء. لقد ألغى 600,000 سائح حجوزاتهم الى تركيا نتيجة التظاهرات الاخيرة, وتساهم السياحة بـ30 مليار دولار من الدخل القومي التركي. إضافة إلى ذلك فقد أدّت سياسة أردوغان تجاه سوريا إلى انهيار الاقتصاد في المناطق الحدودية كأنطاكية مثلاً، حيث كانت هذه المناطق تستفيد من العلاقات السورية - التركية الجيدة، إضافة إلى عامل تواجد المسلحين وبعض الجماعات التكفيرية في هذه المناطق.
 
هل بدأ العد العكسي لإردوغان؟
حاز حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على 50% من الأصوات في الانتخابات التشريعية الأخيرة،  وقيل عنه وقتها إنه فوز ساحق للحزب. لكن وبعد الاحتجاجات الأخيرة التي لم تهدأ حتى الآن، يبدو أن شعبية "العدالة والتنمية" باتت برسم ما ستؤول إليه الأمور في الشارع التركي. ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي التركي حسني محلي أن هذه التحركات "وضعت حداً لطموحات أردوغان الذي يحلم بأن يصبح رئيساً للجمهورية بصلاحيات واسعة بعد التعديل الدستوري العام المقبل"، لافتاً إلى أن ما جرى أثبت أن "معارضي الحكومة سيخرجون إلى الشارع عندما يشعرون أن حريتهم مهددة، غير آبهين بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع".
  وبرغم النهوض الاقتصادي والتنمية الهائلة التي شهدتها تركيا في عهد اردوغان, لم يشفع ذلك للأخير سياساته الداخلية الموسومة بالمركزية المتشددة وكبت الحريات خاصة الاعلامية منها. وهذا اكبر دليل على ان العيش والعدالة الاجتماعية لا يستويان من دون الضلع الثالث لمثلث الازدهار وهو ضلع الحرية.
واعتقد أنَّ الاستجابة لمطالب المتظاهرين، يتطلب تغييراً جذرياً في سلوك حزب "العدالة والتنمية" تجاه القوى المعارضة، وأن هذا "التغيير المستحيل في السلوك السياسي لاردوغان المكابر يعني الاعتراف بالفشل، فحال الحزب اليوم هي تماماً كحال الأنظمة المطلقة غير ممكن إصلاحها إلا بانهيارها، لذا اعتقد إن العد العكسي لـ"العدالة والتنمية" قد بدأ"، هذا اضافة الى تماهي اردوغان مع القوى التكفيرية و"القاعدة" في سوريا مما اخاف اوروبا وخاصة المانيا التي فيها 5 ملايين مسلم من اصل تركي, مما يمثل قنبلة موقوته تخشى المانيا من تأثرها بمناخ تركيا الاصولي. لذلك لمصلحة المانيا تحجيم اندفاعة اردوغان الاصولية واسقاطه. واوروبا تناسبها تركيا علمانية وليست اصولية اسلامية. كذلك ان مناخ التسوية الروسية الاميركية للازمة السورية عبر "جنيف 2" قد كرس في قمة الثمانية في ايرلندا بالتسليم للارادة الروسية بالحل السياسي السلمي للازمة, وبضرب "جبهة النصرة" و"القاعدة" في سوريا, وببقاء الرئيس الاسد حتى انتخابات 2014, والارجحية وفق الاستطلاعات الغربية انه اذا ترشح مجدداً يحظى بـ70% من الاصوات. وسيخرج رابحاً. كل الازمات والحروب تنتج رابحين  وخاسرين. ابرز الخاسرين هما قطر وتركيا والسعودية. قطر بدأ فيها التغيير وسيتسلم ولي العهد الامير تميم حكم الامارة في آب المقبل, واردوغان سيلحق بأمير قطر، لانه لا يمكن ان يبقى هو ان استمر الرئيس الاسد في الحكم الذي يبدو أنه قوي ومستمر. لقد بات اردوغان يمثل مشكلة لروسيا واميركا في آن معاً، لانه  تمرد على ارادة اميركا وعطل هو وقطر تأليف وفد المعارضة للتفاوض, واميركا لا تقبل حلفاء لها في المنطقة بل ازلاماً. لقد كان انتقاد اميركا لاردوغان قاسياً بسبب قمعه للمتظاهرين، وفي توبيخ وصف بأنه نادر من الولايات المتحدة لحليفتها, أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها بشأن الأشخاص الذين جرحوا في الاحتجاجات. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جينيفر بساكي إن السبيل الأفضل لضمان الاستقرار والأمن والازدهار في تركيا هو بدعم حريات التعبير والتجمع وتشكيل الجمعيات "التي كان هؤلاء الأشخاص يمارسونها على ما يبدو".
لقد بات اردوغان يمثل مشكلة للمصالح التركية وللتسوية المزمع انجازها في سوريا والمنطقة, ولرعاتها الإقليميين والدوليين الذين باتوا مقتنعين أن استمرار الحرب في سوريا سيشعل الشرق الأوسط برمّته, اضافة الى سيطرة جبهة النصرة والتكفيريين على المشهد العسكري المعارض, لقد احرق اردوغان كل اوراقه في الحرب على سوريا ولم يعد يستطيع العودة الا مهزوماً. فهل يستطيع ان يصمد للانتخابات المقبلة, ام سيجرفه الحراك المستمر في الساحات التركية وتكون بذلك  بداية إقفال الستارة على مشروع ربيع الاخوان المسلمين في المنطقة, وبدء ربيع مدني علماني معاكس؟  

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net