Tahawolat
حوار ساره حمادة

تتابع "تحولات" الحوار الاستراتيجي مع الدكتور حسن حمادة في حلقة ثانية منه، متناولاً موضوعَي آلية عمل الستار الحديدي في الغرب وكيفية فقدان أوروبا شخصيتها الاستراتيجية.
أكد حمادة أن الاتحاد الأوروبي والمجموعة العربية فقدا شخصيتيهما الاستراتيجية بسبب حكومات صهيونية تحكمهما، مشدداً على إحكام طوق السرية والمنع على اتهام الولايات والمتحدة وإسرائيل بجرائم التصفية وبإدارة 20 سجناً سرياً للمخابرات الأميركية داخل أوروبا بحصانة مطلقة عن ملاحقة الإعلام والقوانين المرعية الإجراء في الدول الأوروبية وعدّد حمادة حوادث اغتيال وعزل عن العمل السياسي والعام وطرد منه لكبار الساسة الأوروبيين بسبب خرقهم المحظورات الاستراتيجية الأميركية. فأية حقوق إنسان يزعمون؟
 
-  كيف يعمل الستار الحديدي في الغرب عموماً وفي أوروبا بشكل خاص؟
قلنا سابقاً إن الستار الحديدي في الغرب هو أشد خبثاً من ذلك الذي كان قائماً في المعسكر الشرقي السابق وشرحنا ذلك.
إن الستار الحديدي في الغرب بات في ضوء التقنيات مكوناً من أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة على تعدّد أشكالها، من تلفزيونات وإذاعات إلى وسائط الاتصال الحديثة والـ multi media. ومنذ عشرات السنين والمنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة كما في أوروبا تعمل لغزو هذه المؤسسات والقبض على مراكز القرار الإداري والتحريري فيها، بحيث إن معظمها اليوم أصبح ساقطاً في قبضة الصهاينة. ففي الولايات المتحدة، ومنذ القرن التاسع عشر، ودور الصحافة كان يقضي بإمداد القارئ بما هو مسموح له أن يعرف، لا أكثر ولا أقل.
ولعل أبرز صورة لذاك الواقع هي الصورة التي أعطاها جون سوينتن John Swinton الذي كان رئيساً لتحرير صحيفة نيويورك تايمز New York Times في أواخر التسعينيات من القرن التاسع عشر.
ففي خطبة الوداع التي ألقاها بمناسبة مغادرته النهائية للصحيفة أوضح بما لا يقبل الشك في أن كل الهالة التي كانت تحيط بالإعلاميين كأصحاب رأي مستقل وكأمناء في نقل وقائع الأحداث للناس وبالتالي كأصحاب رسالة، كل هذه الصورة أسقطها سوينتون حين أكد أن أصحاب أجهزة الإعلام هم الذين يأمرون كيف يجب توجيه الأخبار والتحليلات  حتى أنه وصف الصحافيين بــ "البغايا"، مستخدماً بالإنكليزيةPresstitute . هذا يعني أن التلاعب بالإعلام هو ترجمة لثقافة الكذب وأن حجب الحقائق عن الناس يتطلّب كذباً هو في حد ذاته الستار الحديدي.
ولم يكن الكاتب والمؤرخ الإفريقي، ابن جزيرة مدغشقرة شارل أونغرن Angran على خطأ حين كتب أن:
"الرجل الأبيض رفع حضارة الكذب إلى مستويات لم يسبق أن بلغها الكذب عبر التاريخ".
في أوروبا يقبض الصهاينة، وبدرجات متفاوتة بين بلد وآخر على أجهزة الإعلام ومن خلال الإعلام يؤدّون خدمات ضخمة للولايات المتحدة، بمعنى أن الإعلام  في أوروبا، خصوصاً على سبيل المثال في دولة كفرنسا، يحرض دائماً على طمس كل ما له صلة بتناقض المصالح بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إذ أن الشعوب الأوروبية إذا ما عرفت إلى أي حد تقوم حكوماتها بتسخير مصالحها، بل بالتضحية بمصالحها، خدمة للمصالح الاقتصادية الأميركية، فإن هذه الشعوب يمكن أن تثور. ودور الستار الحديدي هو أن يمنع أي ثورة ضد الهيمنة الأميركية على أوروبا.
بل وأكثر من ذلك إن دور الستار الحديدي  هو أن يمنع حتى أن يصبح أمر التناقض في المصالح مادة نقاش أو جدال أو سجال في الميدان العام في الدول الأوروبية. على سبيل المثال وليس الحصر إن الإعلام الأوروبي يحجب بالكامل عن المواطنين أمر وجود ما يقارب عشرين سجناً سرياً لمخابرات الـ CIA على الأرض الأوروربية وبمأمن عن سطوة القوانين والتنظيمات المعتمدة في أوروبا على صعيد حقوق الإنسان وحقوق السجين وإلى ما هنالك من حقوق.
إن ثمة ما يقارب عشرين غونتناموا سرّياً في أوروبا ولا أحد يتحدث عنها. والأمثلة حول ذلك لا تحصى ولا تعدّ واليهود يقبضون في السياسة والنفوذ أثماناً باهظة للخدمات التي يقدمونها لواشنطن ناهيك عما هو أعظم وأفظع، وأقصد هنا دور الستار الحديدي هذا في تدمير الثقافات الأوروبية من خلال حقنها بلقاحات من الثقافة المادية السائدة في الولايات المتحدة. فالثقافة هي الأساس في كل شيء فحتّى الاقتصاد هو ابن الثقافة. وللكذب، كما هو معروف، مركز مميز في صدر الثقافة السائدة في الولايات المتحدة والتي ترعاها المؤسسات الدستورية للدولة هناك. الستار الحديدي هو أداة قوية جداً من أدوات الاحتلال، فلو أخذنا مثلاً وضع دولة مثل فرنسا نجد أن الولايات المتحدة حررتها في الماضي من الاحتلال الألماني: تُرى من سيحرّرها اليوم من الاحتلال الأميركي؟؟!
فمثل هذا السؤال مثلاً لا يمكن أن يسمح الستار الحديدي بطرحه...
 
-  لماذا تصر على القول إن أوروبا فقدت شخصيتها الاستراتيجية؟
 
بمجرد أن تفقد دولة ما سيادتها على صعيد الخيارات الاستراتيجية، اقتصادياً، ثقافياً، قضائياً، أمنياً ودبلوماسياً تبدأ بفقدان شخصيتها الاستراتيجية. هذا مثلاً وضع المجموعة العربية، وكذلك وضع المجموعة الأوروبية الذي بات من المحظور عليها، أو على أي من دولها، اتخاذ أي موقف مستقل عن إرادة الـ Mr. Washington فلنتذكر كيف أن رجل الدولة الإيطالي  ألدومورو AldoMoro قد جرت تصفيته كعقوبة له على إبرام ما عرف بـ"المساومة التاريخية" Compromis historique  بين حزبه "الديمقراطي المسيحي" والحزب الشيوعي الإيطالي في أواخر السبعينيات، أي في المرحلة التي كان الـ Mr. Washington يفرض على الأوروبيين حظر التعامل مع الأحزاب الشيوعية. المعروف أن ألدومورو خُطف وقُتل على أيدي منظمة "الألوية الحمراء" اليسارية المتطرفة ثم تبين أن هذه الألوية كانت من صنع المخابرات الأميركية وأن هذه الألوية كانت تنفذ عمليات إرهابية في أوروبا بواسطة تلك. وعلى الرغم من ذلك، ومما تكشفه الحقائق، فإن الدولة الإيطالية لم تحِد قيد أنمله عن إرادة الولايات المتحدة وخياراتها الاستراتيجية. هذا يعني أن من يحاول خرق القواعد الأميركية، في كل ما  له صلة بالاستراتيجية، يتعرض للتصفية ولا تثار حول تصفيته أي شكوك بخصوص تورط الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويمكن إعطاء أمثلة عديدة في دولة مثل ألمانيا، حيث جرى التقليد أن تتم لفلفة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل أو المخابرات الأميركية على الأرض الألمانية، ولعل من أبرزها محاولة قتل الزعيم الديمقراطي المسيحي كونراد أيدينارو Conrad Adenauer في مطلع الخمسينيات، وكان يومها مستشاراً لألمانيا الاتحادية ورمزاً ألمانياً من رموز المعارضة للنازية. يومها أرسل له الإسرائيليون طرداً ملغوماً وكانت هي المرة الأولى في العالم التي تستخدم فيها الطرود الملغومة التي ترسل بواسطة البريد. كما أن الولايات المتحدة وأجهزتها كانت تصفي السياسيين غير المنصاعين. هكذا جرت إزاحة المستشار فيلي برانت Villy Brandt لأنه خرج عن المحظور الأميركي وأطلق سياسة "الانفتاح على الشرق" Ospolitics أي الانفتاح على الاتحاد السوفياتي، في الربع الأول من السبعينيات في القرن العشرين، حيث كان المستر واشنطن يحظر قيام أي علاقة مع المعسكر الشرقي من دون أخذ موافقته المسبقة... ثم جرى طرد Oscar La fantaine زعيم الحزب الاشتراكي الذي أراد السير على خطى فيلي برانت فأرسل له من طَعَنَهُ بالسكين في رقبته ثم أخبر بأن عليه أن يخرج من الحياة السياسية والـ.... وكما سبق وقلت الأمثلة لا تحصى ومنها على سبيل المثال حادثة طرد نيل كينوك من الحياة العامة في بريطانيا، بسبب ارتكاب المحظور بمحاولته  قيادة حزب العمال البريطاني للخروج عن بيت الطاعة الأميركي.... ومع ذلك لم تقم القيامة ضد الولايات المتحدة في بريطانيا، لأن الستار الحديدي موجود، وهو يلقن الناس بأكاذيب ويبعدها عن سكة الحقائق ويطمس كل ما له صلة بالتناقض بين أوروبا والولايات المتحدة.
واليوم فإن المثال الأبرز على فقدان أوروبا شخصيتها الاستراتيجية يتمثل بوثيقة الاستسلام المخملي أمام البيت الأبيض والتي تحمل اسم "اتفاقية التعاون ضد الإرهاب"، الموّقع عليها في واشنطن بتاريخ 26 حزيران 2003، والتي تحمل تواقيع جورج بوش عن الولايات المتحدة وكل من رومانو برودي، وسيميتس Simitis عن الاتحاد الأوروبي.
بعد هذه الوثيقة التي أعقبت سقوط بغداد بأسابيع قليلة، أصدر مؤتمر قمة الاتحاد الأوروبي المنعقد في لندن، أواخر شهر كانون الأول من العام نفسه، وثيقة تحمل عنوان: "من أجل أوروبا قوية في عالم أكثر أمناً" وجاء فيها الآتي:
على الاتحاد الأوروبي أن يلتصق التصاقاً كاملاً بالسياسة الأميركية في القضايا الاستراتيجية بدءاً بالملفات الخمسة الآتية:
1.  ملف حظر الانتشار النووي.
2.  ملف مكافحة "الإرهاب الدولي". وهنا تتبع أوروبا التصنيف الأميركي - الإسرائيلي للإرهاب، بكل معنى الكلمة، بما في ذلك التعاون والتنسيق مع منظمات الإرهاب الدولي، مثل منظمة القاعدة تحت عنوان العمل على نشر الديمقراطية في تونس وسوريا.
3.  ملف "الأزمات الإقليمية" بالمعنى الفضفاض والواسع والعريض لهاتين الكلمتين، أي حسب المعنى الذي تحدده الولايات المتحدة وإسرائيل.
4.  ملف الجريمة المنظمة وأبرزها تجارة المخدرات. واللافت هنا أن صدور هذا الإعلان جاء في وقت كانت فيه أفغانستان قد بدأت تشهد ازدهاراً فظيعاً لإنتاج مادة الأفيون وتصديرها في المناطق الواقعة تحت الاحتلال العسكري الأميركي المباشر...
5.  ملف عمالة الأطفال.
يكفي أن نلقي نظرة على هذه الملفات كي نرى أنها تغطي عملياً مجمل العلاقات الدولية والأزمات. يكفي أن ننظر إلى الملف الثالث حول الأزمات الإقليمية لنفهم، أن على أوروبا أن تتبع السياسة الأميركية تبعية عمياء في بقاع الأرض كلها. لذلك أقول إن أوروبا فقدت شخصيتها الاستراتيجية، وكما قلنا في الحلقة السابقة إنها محكومة من حكومات سيانيم Sayaneem مثلما تحكم المجموعة العربية حكومات صهيونية عربية.
يتبع في حلقة مقبلة
 
 
 
 
 
 
 
 

آراء القراء

1
17 - 2 - 2014
عذرا لماذا لا يوجد تتمة لهذا الحوار الغني والاستراتيجي مع المحلل حسن حمادة ؟؟

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net