Tahawolat
لا أدري، تحديداً، إلى أيّ حدّ لا يزال عصر القوميات ذا بريق في زمن العولمة هذا.. الذي جرف في طريقه، أو كاد، كل القوميات والأمميات وما شابه ذلك من جغرافيات وتواريخ وجيوبوليتيكا... على مدى الأزمنة المرئية والمتصَّورة.
هذا توجّه، ربما لا يندرج تحت إطار ما يراه، وأراه معه – نسبياً - الدكتور ميلاد السبعلي عبر مؤلفه الجديد "الحزب السوري القومي الإجتماعي في "عصر المعرفة" – الرؤية والدور الإستراتيجي".
على غلاف الكتاب الآتي: محاولة جديدة لقراءة تطورات العصر المتعارف على تسميته بـ "عصر المعرفة" على ضوء العقيدة الإجتماعية، التي لا زالت تثبت راهنيتها واستشرافها.
هو مقاربة لواقعنا القومي والإجتماعي والإقتصادي والسياسي في مطلع القرن الواحد والعشرين، وتحديد الأخطار المحدقة بنا، وفرص النهوض المتاحة لمجتمعنا".
هو محاولة لتلمّس ملامح الدور الإستراتيجي، المفترض أن يؤديه الحزب السوري القومي الإجتماعي، كي يكون قادراً على تحمّل أعباء النهضة الشاملة في هذا العصر".
هو محاولة لإعادة الفكر إلى السياسة، حتى لا تبقى ارتجالية وسطحية ومبتذلة".
هو دراسة مفتوحة على الحوار والنقاش حول مضمونها ومراميها".
.. ولأنّه هو "هذه الدراسة" المفتوحة على الحوار والنقاش، فلا بدّ لنا من أن نحاور ونناقش، فعبرهما – التوجّهان الأخيران – تظهر خيوط خفيّة من الحقيقة التي نسعى جميعنا إلى إظهارها.
مؤسس الحزب السوري القومي الإجتماعي الزعيم "أنطون سعاده" أعلن في العقد الأخير من القرن الماضي أنّ "المجتمع معرفة والمعرفة قوة".. وهذا شأن حسن، ورؤية ورؤى ظاهرتان في فكر سعاده في مجمل ما كتب وألّف. ولكنّ هذا شيء، وما ذكره السبعلي في كتابه عن "الغزو الثقافي" (مثلاً)  شيءٌ آخر وهو الصامت والفعّال لكافة  مناطق العالم، عبر وسائل الإعلام والتواصل الحديثة من فضائيات وانترنت وغيرها، نعرض منظومة القيم الغربية وطريقة الحياة الغربية كنموذج عصري عالمي تصبو إليه أجيال أمم العالم النامي".. هذا الغزو الثقافي،  في رأينا، هو سيف ذو حدّين .. وقد يطغى الحدّ الإيجابي على سلبياته، هذا إذا وجدت، لأن العالم برمته تحوّل إلى قرية كونيّة في كلّ شيء .. في أي شيء، وما هذا "الغزو الثقافي" الذي يقلق الدكتور السبعلي، إلا لنشر المعرفة كما أرادها سعاده وكما يريدها ويبشّر بها هو بالذات.
إنَّ السبعلي يؤكّد وجهة نظرنا في ما ذكرناه عن "الغزو الثقافي" مشيراً إلى أنَ "العولمة مسار متعدد الجوانب، ابتداءً من التطورات في مجالات التكنولوجيا والإتصالات  التي أتاحت رَبْط البُنى الإقتصاديّة والمعرفية (شددوا معي على كلمة "المعرفية") والإدارية والتجارية العالميّة ببعضها..."، حتى سعاده بالذات قال: "من يدري، هل يقدّر للإنسانيّة أن تصير مجتمعاً واحداً في مستقبل العصور؟"، وهنا يتلاقى مع الفيلسوف الفرنسي "أوغست كونت" (1798 – 1875) مؤسس المذهب الوضعي، وأحد كبار مؤسسي علم الإجتماع الذي دعا إلى أمّة واحدة في العالم ولغة واحدة للبشريّة برّمتها.
وهنا، أراني منقادة أيضاً إلى ما بشَّر به سعاده من "مدرحيّة" ويقول في هذا الصدد: "ليس المبدأ المادّي وحده يفسّر التاريخ والحياة تفسيراً صحيحاً ويشاد نظام عام ثابت في العالم، وأنّه ليس بالمبدأ الروحي وحده يحدث ذلك. إنّ الحياة والتاريخ يفسّران تفسيراً صحيحاً بمبدأ جامع – فلسفة جديدة تقول إنّ المادّة والروح هما ضروريان كلاهما للعالم". وطبعاً، نحن نشاطره القول، ولكن، من دون أن ننسى ما تعنيه الروح، والروح وحدها - لمعتنقي الديانات السماوية، الذين ينفرون ممّا هو مادّية ديالكتيكية منذ زمن "هيراقليطس".. وما  هو قبل، وصولاً إلى زمن "هيغل" وما بعد".
وكم هو شيّق ما ذكره السبعلي في فصل "الدولة المدنيّة الحديثة"، قال: "إذا كان سعاده يهدف في النصف الأول من القرن المنصرم إلى توحيد المجتمع ووعيه الحقيقة الكاملة حتى يتمكن من النهوض واللحاق بالركب العالمي وقتها، والولوج إلى العصر الصناعي من بابه الواسع، فالأولى بنا اليوم أن نقتضي هذا النهج للدخول بالمجتمع الموحّد إلى "عصر المعرفة"  مع ما يجب أن يرافق ذلك من تغييرات جذرية اجتماعيّة واقتصاديّة وبنيويّة".
إنّ عناوين الفصول التي يتضمنها كتاب الدكتور السبعلي كمثل: "واقع العالم والأمة" – "القوميّة الإجتماعيّة والعولمة" – " مجتمع المعرفة" – "مجلس تعاون المشرق العربي"... وسواها، تشير إلى الجهد الكبير الذي بذله لتحقيق هذا الكتاب الذي يحمل وجهات نظر .. عامّة جداً، وفي الوقت نفسه، خاصة جداً، نحترمها، لأنّ صاحبها مقتنع بها، جادّ في سبيل إقناعنا بأنّها هي الصواب بعينه، ونناقضها كذلك، في أكثر من مكان، لأنّ من وجهة نظرنا العامّة جداً أيضاً... وهذا يشير إلى التحاور الديموقراطي، أو، أقلّه ما تبّقى من نسوغ ديموقراطيّة في هذا الزمن الذي سحق الديموقراطيّة السليمة الصحيحة تحت أحذيتِه السّلفية والديكتاتورية وما شابههما.
إنّنا وعبر لفتةٍ مجازية نعلن أنّه لو عاد "غريبالدي" (1807-1882) المجاهد الإيطالي الذي حارب في سبيل وحدة شبه الجزيرة الإيطالية، أو لو عاد "بسمارك" (1815-1898) الذي عمل على تحقيق الوحدة الإلمانية، هل سيبقيان مؤمنين بعصر القوميات كما آمنا به في السابق؟ سؤال لا جواب محدداً عليه الآن، ولكنّنا نعلن، أنّ من أسس المجابهة في النقاش، هو احترام وجهات النظر المختلفة، وخصوصاً عند الذين يكونون صادقين في ما يعلنونه.
ونستعيد هنا مقولة "فولتير" الشهيرة التي تعني "أنني لست – موجهاً الكلام إلى صديق له – مقتنعاً بما تقول، ولكنّني مستعد أن أسمعك حتى بزوغ الفجر"...
وهذا ما نعتقده نحن، عبر ما قرأناه في كتاب ميلاد السبعلي، وأظنه يشاطرنا الرأي بشكلٍ أو بآخر.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net