Tahawolat
في الوقت الذي يحاول فيه لبنان العبور من الانقسام الى الوحدة، اصبحنا في "الجامعة الثقافية اللبنانية في العالم" منقسمين الى جامعات اذ وقعنا في الخطيئة القاتلة نفسها وهي: الانحراف الى حدود الانجراف وراء رغبات ومصالح تذكرنا بوقائع الحروب اللبنانية السابقة. وما جرى من انقسامات لا نزال نعاني منها حتى يومنا هذا..
ولكن، وبعيداً عن الاجراءات "الانقاذية" لا بد من أن نطرح الاسئلة الاساسية:  لماذا؟ كيف؟ ومتى؟
لماذا الجامعة تعيش على الانقسام؟
وكيف يمكن الخروج من حالة انعدام الوحدة؟ 
ومتى يطمئن الجسم الاغترابي الى مؤسسته وقيادتها، كي يلتزم بعهده ازاءها، وكي ينتظم في ورشة مسيرتها الوحدوية، من أجل لبنان أولاً، ومن اجل المغتربين أولاً، أيضاً...؟
 لماذا؟
لأن أصحاب المشاريع التي يفصلونها على قياس طموحاتهم الشخصية، لم يتعلموا بعد، ان الفرد مهما عظمت قيمته، وعلا شأنه، ليس إلا امكانية اجتماعية. فإذا انفصل عن روح الجماعة، وعن وعيها، وعن مطامعها ومطامحها الحقيقية، أضحى قزماً. فالجماعة المؤمنة، خير  من فرد ينتهز نجاحاته في حقول المال أو الاقتصاد أو التجارة أو الثقافة، ليسوق لنفسه مركزاً قيادياً.
 لماذا؟
لأن اصحاب المشاريع الشخصية، التي تقلص فيها الايمان بالآخرين وبالوطن، يركبون مجدداً موجة التوزيع الجغرافي وهي في العمق ركوب لموجة التوزع الطائفي.
انهم يخجلون من ان يكونوا طائفيين، ولكنهم كذلك. ولهذا السبب يتحدثون، تارة عن الحالة الافريقية، ومعناها الطائفي معروف، وتارة اخرى عن الحالة الاميركية، ومعناها الطائفي معروف ايضاً كما يتحدثون عن الحالة الاوروبية ومعروف توزعها الطائفي ايضاً وايضاً تماماً كما هي الحالة اللبنانية التي نعيشها اليوم يريدون الجامعة ظلاً لهم. يريدونها اقل منهم، أو مطية لطموح مرتهن طائفياً.
اما نحن فنريد الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، على قياس عملاق اغترابي فاعل، ينشط لحمل رسالة لبنانية عربية اصيلة في العالم، كما ينشط لجعل الاغتراب جناحاً آخر للبنان.
فلبنان كان يشار إليه دائماً بجناحيه: المسلم والمسيحي.
اما نحن فنقول بلبنان ذي الجناحين المحلقين: المقيم والمغترب...
الذين يصرون على ان يكون لبنان لهم، سقطوا... والذين يصرون على ان تكون الجامعة لهم، افراداً أم طوائف، فسيسقطون ايضاً.
ان الاختلاطات التي احدثت هذه البلبلة في الاشهر الماضية، انما تعود، اذن الى بروز هاتين النزعتين وتلازمهما: النزعة الفردية والنزعة الطائفية، ومحاولة توظيف الثانية في خدمة الاولى.
نحن نقول، باننا للجامعة: لاننا ننطلق من حالة  المواطنة ومن حالة الشعور باننا مواطنين نتساوى في الحقوق والواجبات، ونود ونرغب في ان نتساوى في الخدمة والعطاء والعمل.
المنافسة مشروعة، ولكن، على اساس مشروع او على قاعدة مشاريع... اما المنافسة المضمرة، المتكتمة، المتلطية خلف احتفالات الكلام، والمنافسة من اجل الوصول بأي وسيلة، فهي انتهازية مفضوحة.
كيف يمكن الخروج من هذه الحال الانقسامية؟
لقد خضنا معركة وحدة الجامعة، عندما كانت في خطر، ومنذ اعوام، ولم نفرط بها، على قاعدة برنامج وطني اغترابي، بعيد عن المطامح الشخصية، واننا نجد ان صيغة الخروج من حالة الانقسام وعدم التفاهم، لا بد وان تتحدد على قاعدة البرنامج والمشروع. والقيادة التي تنبثق من هذه القاعدة، لا خوف عليها من الشطط السياسي او الشطط الطائفي، خصوصاً اذا كان مشروعها وطنياً غير طائفي، اجتماعياً غير فردي.
لبنان بحاجة الينا، ونحن بحاجة اليه..
كنا ننعي دائماً لبنان الطائفي، فلماذا اليوم يلبس البعض اللباس الذي كنا ننعيه دائماً، ونحرم اقتناءه. فعلى الذين يؤمنون بالعمل الجماعي، والعمل الوطني، والعمل الاغترابي، ان يتقدموا بمشاريعهم.
بمناسبة انتخابات المجلس العالمي للجامعة الثقافية اللبنانية في العالم، لتكن وحدة الجامعة هي الجامع المشترك لهذه المشاريع... ولتكون كذلك، يجب ان يمثلها اشخاص غير طائفيين، غير مرتهنين الا للاهداف التي يتلاقى عليها اللبنانيون، مهما كانت طوائفهم ومهما اختلفت مشاريعهم.
قلت مراراً ان الفشل نتيجة وليس سبباً وفشل الجامعة، اذا ما حصل، لا سمح الله، فانه سيكون نتيجة السياسة الخرقاء التي يعتمدها البعض.
كنت إبان رحلاتي ومحاضراتي ولقاءاتي في دنيا الاغتراب ادعو الى التبصر والتأمل بحالتنا، والعناية الدقيقة لمعالجة فعالة لواقعنا. وعلينا ان نقوم بذلك، بعيداً عن كل انانية مريضة او موروث من حالة الحروب التي عاشها الوطن. لذلك يجب ان نبدأ بتأسيس قاعدة الحوار الحر. فليس بغير الحرية تحل مشكلة الحرية، وليس بغير الديموقراطية تحل مشكلة الجامعة. على ان تكون هذه الديموقراطية مبنية على نقاش صريح وواضح، لا يحمل خلفيات ذاتية، او طائفية، وذلك كي نتمكن من تشخيص العلل، ووصف العلاج الفعال، لانهاض الجامعة من كبوتها، ومن جمود لم يعد له مبرر!!!
  ولعل السؤال الثالث الذي طرحناه في مقدمة هذا القول: متى يطمئن الجسم الاغترابي الى مؤسسته وقيادته؟ يعتبر الجواب عنه، مفتاح النجاح في المستقبل القريب والبعيد.
ان الانقسامات يدفع ثمنها المغتربون، واذا كانت الثقة اليوم مزعزعة من قبل قواعد المغتربين بمؤسسة الجامعة، فانما يعود ذلك الى بعض السياسات الخاطئة، وبعض الممارسات الفردية وبعض المنافسات الغير مشروعة، وبعض الطائفية الخفية في الكلام المنمق والسلوك الفاقع...
كل هذه الاخطاء جعلت الجسم الاغترابي في وادٍ و"قياداته" في وادٍ آخر...
ان عدم الوضوح، في الاهداف والوسائل، جعل السواعد التائقة للعمل، تبتعد عن ساحة الممارسة الاغترابية.
واخيراً ان عدم ايمان القيادات، بان القيادة مسؤولية وممارسة وتضحية، جعل المؤمنين بالجامعة يكفرون بها وبالاساليب التي كانت معتمدة.
اذا اردنا اليوم اعادة الثقة والعافية الى الجسم الاغترابي، فما علينا الا ان نضعه في آتون الجامعة ليقرر مصيره بنفسه... فعجلة الجامعة لا تسير بقرار، بل بالذين تآلفت قلوبهم وشدت عزائمهم، وشاركوا بقناعاتهم في صياغة قرارتهم.
وبكلام هادىء نقول:
الجامعة بحاجة الى ثورة في المفاهيم،  والى وعي بالذات والآخر، والى ادراك بأن العمل مسؤولية وليس وجاهة. الجامعة بحاجة الى اناس يتمتعون بقدر عالٍ من التجرد والعمل الوطني المبني على قاعدة الولاء للوطن وعلى قاعدة ان المغتربين وحدة لا حالات طائفية او اميركية او اوروبية.
الجامعة ليست بحاجة الى شعارات، مثل تلك الشعارات المتسرعة المطروحة اليوم، والتي تطالب بتجديد الجامعة، عبر جيل الشباب، بل ان الجامعة، لا يمكن ان تنهض، الا بجيل مؤمن بان العمل الاغترابي، ليس مناسبة، وليس فولكلوراً، وليس تشريفاً وتكريماً، بل هو خدمة وايمان كبير، وتجرد من كل مصلحة ذاتية، ومن اراد الجامعة مطية لطموحاته، فستلفظه الجامعة.
نحن اليوم على عتبة مرحلة مصيرية نحددها بما يلي:
اما ان تكون الجامعة بقياداتها. على صورة المستقبل الذي تستطيع ان ترسمه بكلية جهدها، وبكلية تضحياتها، او تكون الجامعة على صورة ماضيها، ومعروف كيف رسمت "فعالها" وكيف قضت على طموحها عبر تضخيم الطموحات الشخصية والانقسامات الحادة.
الجامعة بحاجة الى فريق عمل موحد النظرة والاهداف، وليس الى فرقاء وطوائف وافراد متنابذين متنافسين بكل الاساليب... الجامعة بحاجة الى كل واحد منا، شرط ان يكون أهلاً للأمانة كي يتسلمها اليوم، ويسلمها بعد سنوات زاخرة بالانجازات.

آراء القراء

1
26 - 6 - 2012
I'm not easily impressed but you've done it with that psointg.

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net