Tahawolat
- قادة الحزب الشيوعي في سورية ولبنان يتبادلون الاتهامات
- الخلافات السياسية والقيادية داخل الشيوعي وراء تسليم الحلو لـ ... الموت
- رفض فرج الله الحلو "تقسيم فلسطين" وراء ابعاده عن قيادة الحزب


بعد مضي اكثر من 52 عاماً على استشهاد القائد الشيوعي التاريخي فرج الله الحلو على يد المخابرات الناصرية في سوريا (بزعامة الجلاد عبدالحميد السراج) خلال فترة الوحدة السورية ـ المصرية، اردنا في هذه المناسبة ان نعرض بعض الملاحظات التي تكشف خبايا واسرار "رحلة الغدر" التي ادت الى استشهاد القائد والمناضل الشيوعي وتذويب جثته بالاسيد لطمس معالم الجريمة البشعة بحق رجل من رجالات الامة.
"تحولات" تفتح ملف الاستشهاد وتسرد وقائع "تسفير"  فرج الله الحلو الى الشام وتسليمه للموت.
بعد وقوع الانفصال في ايلول 1961، تم في سوريا اعتقال عبدالحميد السراج وبعض العناصر المخابراتية الاخرى وتقديمهم للمحاكمة. ولكن اجهزة النظام المصري، بطلب من جمال عبدالناصر شخصياً، تولت تهريب عبدالحميد السراج من السجن في سوريا الى بيروت، ومنها الى القاهرة، حيث لا يزال حتى اليوم يعيش معززاً مكرماً. وللاسف ان غالبية الناصريين لا يزالون يعتبرونه من القادة "التاريخيين" للناصرية. وبعد تهريب السراج، جرت محاكمة العناصر التنفيذيين الصغار الذين مارسوا التعذيب حتى الموت على فرج الله الحلو ثم قطعوا جثمانه بالمنشار وذوبوه بالاسيد لاخفاء معالم الجريمة. وصدرت بحقهم احكام مخففة جداً. ولا تخرج تلك المحاكمة عن كونها نوعاً من رفع العتب والتقليل من فظاعة الجريمة واهميتها وخطورتها وطنياً وقومياً وانسانياً، الى درجة يمكننا معها القول ان شبح تلك الجريمة طبع ببصمته المرحلة التاريخية اللاحقة كلها، من حيث ممارسة الديكتاتورية المتوحشة من قبل ما كان يسمى الانظمة الوطنية والتقدمية والثورية التي نخرتها عوامل الفساد والفاشستية والخيانة من رؤوسها الى اخامص اقدامها. وفيما عدا تلك المحاكمة، فإن قضية فرج الله الحلو لم تعطَ ما تستحقه من اهتمام وطني وقانوني وسياسي في الدول المعنية الثلاث: لبنان وسوريا ومصر. وخصوصاً من قبل القوى الوطنية والتقدمية في تلك البلدان. وهي تعامل باستهتار عجيب وكأنها قضية شبه منسية من ماض لن يعود.
على المستوى المعنوي ـ الاخلاقي، وضع الشيوعيون اللبنانيون والسوريون فرج الله الحلو في مرتبة "عميد شهداء الحزب". وجرت له احتفالات التكريم. ورفع له تمثال تذكاري في بلدته حصرايل في "بلاد جبيل". وترفع صورته في صدر المؤتمرات الحزبية. وقد أقر المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني (1968) سحب ما يسمى "رسالة سالم" من ارشيف الحزب واعتبارها "مشينة" وهي رسالة النقد الذاتي التي ألزم فرج الله الحلو بكتابتها سنة 1952 لاجل عدم طرده أو فصله من الحزب. وفيما عدا ذلك، فإن الحزب الشيوعي اهمل ويهمل تماماً الجانب السياسي، الحزبي والقومي، في قضية فرج الله الحلو، سواء فيما يتعلق بالخلافات السياسية داخل القيادة الحزبية، او فيما يتعلق بالنزاع السياسي مع قتلة فرج الله الحلو. بل اننا نجد مؤشرات على الرغبة لدى بعض القادة في طمس او التقليل من شأن الجانب السياسي للجريمة. وفي هذا الصدد يمكن ان نقرأ بعض الكتابات التمييعية مثل:
1-    في "لمحة عن حياة القائد الشيوعي فرج الله الحلو"، منشورة في موقع "الرأي" التابع لحزب "الشعب الديموقراطي السوري"، بقلم هيئة تحرير الموقع، جاء ما يلي:
"ومن ثم يلفظ هذا القائد والمناضل الفذ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة التعذيب المكثف جداً في صباح 26 حزيران من عام 1959. وخاف الجلادون من انكشاف عملية الاغتيال، ولذلك بعد أن كانوا قد دفنوا الجثة في إحدى قرى غوطة دمشق، نقلوها وأذابوها بالأسيد ليمحوا كل أثر لجريمتهم؛ ولكن الجريمة لم تبق طي الكتمان وانكشف أمرها في العالم كله؛ ولم يجحدها سوى محمد حسنين هيكل في أكبر كتبه الصادر في عام 1989. كان من المفترض أن يتأنى أكثر هذا الصحافي الكبير والذي يحاول دائماً أن يكون مؤرخاً".
وهكذا لا يجد "حزب الشعب الديموقراطي" (حزب رياض الترك) السوري، شيئاً يقوله سوى توجيه هذا التأنيب اللطيف لمحمد حسنين هيكل. في حين ان هيكل هو من اخطر العملاء الاميركيين في المنطقة، وكان احد اهم المخططين الاستراتيجيين في النظام الديكتاتوري الناصري، ولدى قيام الوحدة السورية ـ المصرية، فهو الذي رفع شعار "انتهت المعركة مع الاستعمار، وبدأت المعركة مع الشيوعية".
2-     ونقرأ في موقع (جمول.نت) نصاً بعنوان (82 عاماً من النضال...) بقلم رئيس المجلس الوطني في الحزب الشيوعي اللبناني موريس نهرا، يقول فيه:
"تعرض الحزب الشيوعي - الشق السوري ‏لمضايقات واعتقالات استدعت اعادة لملمة الوضع، فطلب من فرج الله الحلو الذهاب الى الشام ‏لترتيب الوضع الحزبي في ظل هكذا ظروف، واعتقل في نفس الليلة التي توجه فيها الى الشام، ‏ويبدو ان احداً، لا نعرف من، ولكن هناك اقوال بأن شخصاً كان في الحزب ويعرف ان البيت ‏الذي نزل فيه فرج الله الحلو انه بيت سري. وكان هذا الشخص اعتقل في سوريا قبل فترة واخضع ‏للتعذيب، واشتغل معهم، واسمه رفيق رضا، وتوفي، وهذا الامر غير ثابت لكنه المشار اليه ‏اكثر من غيره، ونمي لنا انه وشى على فرج الله الحلو الذي كان يقيم في هذا البيت واعتقل ‏فرج الله الحلو وتم تعذيبه بشكل وحشي واستشهد تحت التعذيب واحدث هذا الامر ارباكاً للمباحث ‏‏"وذوبوه بالاسيد" وعندما وصل الضجيج الى عبد الناصر كان فرج الله الحلو قد استشهد، وليس ‏ما حصل كان بقرار من اعلى سلطة، لكن نظام الاجهزة، والقمع للشيوعيين يجعل من هؤلاء ‏‏"مسعورين" وعملهم التعذيب، ويفقدون اي رادع اخلاقي، ولا اظن ان عبد الناصر كان يعلم ‏بقتله مسبقاً".
واضح تماماً دون اي لبس ان السيد موريس نهرا يريد رفع المسؤولية عن عبد الناصر وعن النظام الناصري كنظام سياسي في جريمة اغتيال فرج الله الحلو. وهذا هدف بحد ذاته. ولكن موريس نهرا له من وراء ذلك اكثر من هدف: اولها تبرئة "اصحابه" السوفيات من جريمة التآمر مع عبد الناصر وعبد الحميد السراج للتخلص من فرج الله الحلو. وبهذا التستير المشبوه يؤكد موريس نهرا الشكوك بأنه هو نفسه لم يكن سوى عميلاً صغيراً للـ "كي جي بي" السوفياتية. وثانياً ـ ان موريس نهرا، تحت عبارات ابهامية مثل ‏"ويبدو ان احداً، لا نعرف من، ولكن هناك اقوالاً بأن..." و"وهذا الامر غير ثابت لكنه المشار اليه ‏اكثر من غيره، ونمي لنا..."،  يخفي تماماً معرفته بأن "صاحب" البيت السري الذي ذهب اليه واعتقل فيه فرج الله الحلو هو صبحي الحبل، الذي كان قد اعتقل قبل اعتقال فرج الله الحلو بشهرين واصبح "بيته السري" في عهدة المخابرات. ومن الملاحظ ان كل القادة الشيوعيين حينذاك السوريين واللبنانيين يتجاهلون تماماً مسألة اعتقال "صاحب البيت السري" صبحي الحبل قبل شهرين من اعتقال فرج الله الحلو. وقد اخفيت واقعة اعتقال صبحي الحبل وانكشاف بيته للمخابرات، ـ اخفيت عن فرج الله الحلو، وطلب منه الذهاب الى دمشق، اي الى بيت صبحي الحبل، بدون ان يقولوا له ان صبحي الحبل هو معتقل منذ شهرين، وهذا يؤكد ان اعتقال فرج الله الحلو كان نتيجة لحبكة تآمرية مترابطة شارك فيها القادة الشيوعيون انفسهم، من الصف الاول ـ بكداش والشاوي ومادويان وقريطم وغيرهم، ومن الصف الثاني ـ المرحوم جورج حاوي وجوقته الميمونة، بالرغم من الاختلافات فيما بينهم. وقد شارك البكداشيون في هذه الحبكة حقداً منهم على فرج الله الحلو؛ وشارك فيها "خصوم البكداشية" ارضاء لاصحابهم السوفيات وللمزايدة على بكداش والبكداشيين في التقرب من السوفيات والحصول على "بركاتهم". ومن هؤلاء طبعاً الفرخ الصغير (حينذاك) الواعد موريس نهرا. وبالمناسبة فإن موريس نهرا هو ابن محلة (انطلياس ـ من الضاحية الشمالية لبيروت) وهو بالتالي يعرف تماماً ان الشهيد فرج الله الحلو بات ليلته الاخيرة في محلة انطلياس ذاتها في بيت القائد الشيوعي القديم وعضو المكتب السياسي (حينذاك) للحزب وهو المرحوم طنوس دياب (بكداشي لبناني). وفي هذا البيت انعقد اجتماع للقيادة الحزبية وتمت الموافقة على ذهاب فرج الله الحلو الى دمشق (اي الى الفخ في بيت صبحي الحبل) بطلب من خالد بكداش الذي كان يلح على ذهاب فرج الله الحلو. ومن المؤكد ان موريس نهرا يعلم تماماً ان الذي اوصل فرج الله الحلو بسيارته الى دمشق هو المرحوم جورج دياب شقيق المرحوم طنوس دياب.
ان مجرد سكوت القادة الشيوعيين (من الصف الاول، ومن الصف الثاني) عن وقائع "تسفير" فرج الله الحلو الى دمشق وتسليمه للموت على ايدي الكلاب المسعورة للمخابرات الناصرية، يدل تماماً على مشاركتهم او موافقتهم او تطنيشهم على جريمة التسليم. وهم يؤكدون ذلك من خلال تبادلهم الاتهامات بتسليم فرج الله الحلو للموت. وهذا ما سنتناوله لاحقاً. ولكن علينا قبل ذلك ان نجيب على السؤال التالي:
ـ لماذا سلم القادة الشيوعيون فرج الله الحلو للموت؟
هناك سببان رئيسيان:
الاول، الخلاف السياسي العميق مع فرج الله الحلو. وهاكم بعض الكتابات حول ذلك:
ـ1ـ في كتاب "الحركة الشيوعية السورية ـ الصعود والهبوط"، الصادر عن دار النون في حلب، للاستاذ عبدالله حنا، يقول المؤلف: "كثير من قادة الحزب وفي طليعتهم فرج الله الحلو ورشاد عيسى عارضوا قرار تقسيم فلسطين؛ وقد فرض خالد بكداش الموافقة على القرار لما كان يتمتع به من نفوذ فردي. وقد ابعد فرج الله الحلو عن موقع القيادة، وفصل رشاد عيسى من الحزب".
ـ2ـ في مقال منشور في موقع "الحوار المتمدن"، بتاريخ 10ـ9ـ2011، بقلم الكادر الشيوعي القديم مصطفى امين، يتناول فيه مسألة الخلاف حول موضوع الوحدة السورية ـ المصرية، يقول الكاتب: "قبل سفر خالد بكداش بساعات حضرتُ نقاشاً بين الأمين العام للحزب الشيوعي وبين قادة هذا الحزب، وعلى رأسهم فرج الله الحلو، ومعه نقولا شاوي وأرتين مادويان وحسن قريطم، وقد حاول فرج الله إقناع خالد بكداش بضرورة حضور جلسة التصويت على الوحدة، وإلقاء خطاب يوضِّح وجهة نظر الحزب بتركيبة الوحدة وشروطها، ثم ينسحب من المجلس قبل التصويت على قرار الوحدة. وكان نقولا شاوي وأرتين مادويان يؤيدان فرج الله في موقفه، في حين أصرَّ الأمين العام على عدم حضور هذه الجلسة".
ـ3ـ في موقع (حركشات) كتب د. أزاد مصطفى (شيوعي سوري مفصول من الحزب البكداشي في 2007) مقالاً جاء فيه: "عندما زار عبد الناصر دمشق في عام 1958 كتب فرج الله الحلو في افتتاحية جريدة (النور) (أهلاً بعبد الناصر في سورية) فنقم عليه خالد بكداش".
ـ4ـ وفي موقع (حركشات) ايضاً، يكتب عمر المختار ونوس: "مع دخول خالد بكداش وانتمائه للحزب الشيوعي عام 1931 بدأت عمليات التصفية والتنكيل بالمؤسسين الأوائل للحزب ليتسنى له الوصول لمنصب الأمين العام للحزب عام 1937 لتبدأ مرحلة تصفوية جديدة هدفها تفريغ الحزب من كل الكوادر المثقفة النشيطة، والأمثلة واضحة، بالإضافة إلى التشهير بكل من تخول له نفسه التفكير بمعارضة بكداش ولو بالرأي. كل هذه العمليات التصفوية كانت تتم بمباركة وتوجيه السوفيات الذين أيدوا بكداش ودعموه لأنه جعل من الحزب منظمة تابعة بشكل مباشر للقيادة السوفياتية التي كانت تعمل وفقاً لمصالحها، وبناءً على هذه المصالح بنت سياساتها ومواقفها التي روّج لها وسوقها ودافع عنها خالد بكداش، فأفضت إلى القبول بقرار تقسيم فلسطين عام 1947 والتسويق له رغم معارضة الأغلبية من قيادات الحزب وكوادره لهذا الموقف، مما سجل نقطة سوداء في تاريخ الحزب لا يمكن لها أن تزول".
ـ5ـ وفي موقع (الرأي) التابع لـ حزب الشعب الديموقراطي السوري، كتبت "هيئة تحرير الرأي" مقالاً بعنوان "لمحة عن حياة القائد الشيوعي فرج الله الحلو"، جاء فيه ما يلي: "ففي عام 1947 وبعد صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، يعلن فرج الله الحلو عن: "أسفه لموافقة الاتحاد السوفياتي على هذا القرار"، وطبعاً لم يصدر الأسف عنه فقط، وإنما أسف واحتج آخرون على صدور هذا القرار مثل: هاشم الأمين، وقدري القلعجي، ورشاد عيسى والأديب والشاعر رئيف خوري وإميلي فارس ابراهيم وغيرهم.... وهنا تبدأ محنة فرج الله مع عبادة الفرد في الحزب.. وتعلن لائحة الاتهام ضد هؤلاء واعتبارهم "مخربين وانتهازيين وانهزاميين وتيتويين" (نسبة إلى الزعيم اليوغسلافي تيتو الخارج آنذاك لتوه من الكومنترن). وكذلك من التهم التي وجهت لهم أيضاً، أنهم (ديموقراطيون اشتراكيون)، وكانت الديموقراطية الاشتراكية في تلك الفترة تهمة شنيعة أيضاً، وتعتبر خروجاً عن "الماركسية - اللينينية"...
"قبل كل هؤلاء الرفاق بمصيرهم وبقائهم خارج الحزب، باستثناء فرج الله الحلو الذي لم يكن يتصور لحظة واحدة أن يبقى خارج الحزب، فقبل تقديم النقد الذاتي الذي طلبه منه خالد بكداش، وقبل الإقامة الجبرية الحزبية التي فرضت عليه في أحد المنازل، وبدأ بكتابة (رسالة سالم) الذائعة الصيت. وسالم هو أحد الأسماء السرية لفرج. ولكن مسودة رسالة النقد الذاتي رفضت لعدة مرات لكونها لم تحظ بقبول خالد. وحول هذه الرسالة يرد في مذكرات أرتين مادويان: فلكثرة ما كتب فرج من "نقد ذاتي"، ورُفِضَ من قبل الرفيق خالد، فإنه، أي فرج قال (لأرتين): "قلْ للرفيق خالد أن يكتبَ ما يشاء، وأنا سأوقع، فقط لأني لا أريد أن أطرد من الحزب". كل هذا الذل فرض على فرج فقط لأنه قال: "أنه يأسف لموافقة الاتحاد السوفياتي على تقسيم فلسطين".

آراء القراء

1
26 - 6 - 2012
IMHO you've got the right answer!

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net