Tahawolat


أرسى الحراك الشعبي العربي واقعاً جديدا مُغايراً لحالة الركود التاريخية ، ولكنه حتى الآن لم يستطع بلوغ حالة الرشد الثوري ، على الرغم من نماذج الحراك المختلفة في البلدان التي تبدّلت فيها الانظمة إنما لم تتبدل إرتباطاتها وعلاقاتها بالمنظومات الخارجية منها والإقليمية أكان في مصر أو ليبيا أم تونس ، الامر الواقع أوصل الى السلطة قوى مُتناقضة بنيوياً وعاجزة عن التغيير الحقيقي وقاصرة في إدارة الملفات السياسية والإقتصادية الإجتماعية وكلها تركات ثقيلة ومُتشعبة لخلو جعبتها من المشاريع السياسية أو مشروع الدولة السياسية ، ما أنتجه الحراك العربي حتى الآن لايتعدى كونه إستثمار غير مدروس وغير ناضج لقوى إسلامية إستفادت من الموجة الشعبية لتبرز كقوة بديلة تبين حتى الآن ان ما حصل كان تبادل الدكتاتوريات للسلطة دون إحداث بدائل أكان على المستوى الفكري النهضوي أو السياسي الإستقلالي أم الإقتصادي الإجتماعي ، ولم يتبدّل شيء في توظيف الموارد لصالح الشعوب وتقدمها وتطوير إمكانياتها وتحررها من الماضوي الجامد ، ما بات يطرح أسئلة مُلحّة ، هل تستطيع الدولة الدينية الغير موحدة والمُتناقضة جوهرياً أن تتصدى للمتغيرات الكبيرة والتحديات المصيرية التي تواجه المنطقة ، وهل هي مؤهلة ككتلة سياسية تطغى عليها ثوابت ومُقدسات ومفاهيم ماضوية تتراوح بين المُعتدل والمُتطرف أن تُشكل إتجاها تغييرياً  في نمط الحياة العربية ودفعها الى الإنخراط في حركة التطور التاريخي ، فقبل الحراك كان العرب يعيشون في الماضي ولكن بصمت ، أما بعد المتغيرات الراهنة فالماضوية أصبحت شعار المرحلة لتجانسها مع فشل العرب مُجاراة العصر والتطور فالماضي أقل كلفة من الإنخراط في مسيرة التقدم الإنسانية .
إستطاع العقل الغربي أن يستدرج المغرب العربي ووادي النيل والخليج العربي الى الوقوع في فخ الدول الدينية تحت شعارات متعددة ، العداء لإيران ، الحرية والديمقراطية ( وهما بدعة ماسونية للقضاء علينا ) إسقاط الأنظمة الديكتاتورية وإستبدالها بأنظمة صورية تابعة .
أعاقت أحداث سوريا إستكمال السيطرة على العالم العربي والإستفراد بالهيمنة على موارده النفطية خاصة الغاز ، وقد ساهم الموقف الروسي والصيني ومجموعة البريكس  في تكبيد التحالف الغربي ضربة إستراتيجية لإنعكاس هذه المواقف على تعطيل إستكمال تقسيم مصر وليبيا وتونس واليمن وبالتالي دول المشرق العربي كي يتسنى لإسرائيل أن تستفيد من هذه الفوضى لتعلن مشروع القدس الكبرى عاصمة أبدية لدولة إسرائيل اليهودية التي ستكون الدولة الدينية الاقوى بين الدويلات العربية المذهبية والطائفية بما يتعدى خطورة سايكس بيكو ويضمن للغرب عدم عودة اليهود الى أوروبا كقوة فاعلة رغم محاولات نتانياهو للدخول في إتحاد أوروبا البرلماني بهدف إمساك القرار الاوروبي ، الخطورة تكمن في إشاحة الانظمة العربية وجهها وإغماض أعينها عما يجري في فلسطين المُحتلة إطلاقاً ليد إسرائيل في التوسع وبناء المستوطنات ومحاولة إنهاء الوجود المسيحي في فلسطين خاصة القدس وبيت لحم ، وما تسعير الأحداث في سوريا والعمل من خلال تسليح المعارضة والسعي لتوحيد صفوفها إلا تمريراً للوقت الذي تستنفذه إسرائيل في إستكمال مشروعها في الداخل الفلسطيني .
إن إنقلاب العرب على فلسطين ليس وليد المرحلة الراهنة ، إنما هو تراكم تاريخي في التنازلات والتسويات التي إستحدثت في الحكم العربي مراكز قوى جديدة في مسارها منذ عشرينيات القرن الماضي أسست لقبول إتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور ، وقد لاءم هذا السيناريو مُخططات سلطتي الإحتلال آنذاك  حيث ضمنتا أن تقسيم سوريا الكبرى وزرع إسرائيل في المنطقة سيكون له نتائج مزدوجة تعود بالفائدة على أوروبا التي كانت سيدة المكان العربي وزمانه قبل أن تزاحمها أميركا في النفوذ على الشرق الاوسط .
إن قراءة الخط البياني لتاريخ المنطقة على ضوء الاحداث الجارية في العالم العربي وبشكل خاص في المشرق العربي وسوريا تحديداً ، يُظهر مُفارقات خطيره صار من الضروري  ان تبرز كواقع مرير يؤكد سقوط النفوذ العربي منذ ذاك الزمن الرديء ، ففي العام 1936 بدأ تنفيذ وعد بلفور ، عبر حماية بريطانا لإستقدام الهاغانا ، في العام 1945 دخلت أميركا على خط النفوذ في المنطقة وأعلنت دولة اسرائيل عام 1948 ، في العام 1949 أعدم انطون سعادة كمؤسس لمشروع إستقلالي سيادي للهلال الخصيب على ان يتمدد ليشمل العالم العربي تباعاً ، 1955 مقتل عدنان المالكي بتعاون مخابراتي مصري اسرائيلي أدى الى إغتيال الحزب القومي ، حروب عامي 1956 و 1967 كانا لإعادة رسم خريطة المنطقة حسب الاجندة الاميركية ، حرب 1973 تدخل اميركي مباشر لتعديل نتائج المعركة ولرسم خطوط حمراء للتمدد الروسي ، 1974 هنري كيسنجر والرحلات المكوكية لإزاحة حقبة حافظ الاسد ، 1975 أحداث لبنان لتمرير إتفاقية كمب دايفد ، والتأسيس لمشروع كيسنجر الجهنمي ، إفراغ المشرق العربي من المسيحيين وإصطدام الاكبرين أي السنة والشيعة ، 1978 و1979 كمب دايفد وسقوط الشاه حليف أميركا ، قيام الدولة الدينية الشيعية في إيران ، تفعيل التحريض الاميركي للسنة للوقوف بوجه إيران الشيعية وربط المصالح العربية عبر الغرب بالمصالح الاسرائيلية ، والتأسيس لنقل الصراع العربي الإسرائيلي الى صراع عربي إيراني ، إفتعال الحرب العراقية الإيرانية ، والحروب الافغانية ضد روسيا ، تفكيك الإتحاد السوفياتي ، محاصرة العراق عبر إتهامات مفبركة ، قرار أوروبا بالإعتماد على الغاز والغاز موجود في الشرق ما دفع اميركا لترتيب أوضاعها في الخليج وتوقيع إتفاقية نابوكو عام 2002 وإعلانها من تركيا بعد إزاحة أربكان  ، تلاه فخ الكويت والدول العربية مغلوب على أمرها ، إنسحاب إسرائيل القسري تحت ضربات المفاومة وتنفيذ القرار425 بالقوة ،إفتعال 11 أيلول 2001 غزو أفغانستان لقطع التواصل الروسي الصيني ، 2003 إحتلال العراق ، عام 2005 القرار 1559 وإغتيال الحريري ، 2006 حرب لبنان والقرار 1701 ، 2008 حرب غزة ، 2012 أحداث العالم العربي تحت مُسمى الحرية والديمقراطية وصولا الى العقدة السورية ومواقف روسيا والصين وهذا الصراع مفتوح على كل الإحتمالات ، وهكذا يتبين ان المشرق العربي بشكل رئيسي هو ساحة عمليات مفتوحة تخوض فيها أميركا حروبها لإستكمال سيطرتها على العالم .
في القراءة لتزامن وترابط مجمل هذه الاحداث يظهر جلياً ان رسم خريطة الشرق الاوسط الجديد يتوقف على نتائج الاحدات السورية ، اصبح العالم منقسماً الى معسكرين متصارعين بعنف ، المعسكر الاميركي الاسرائيلي وحلفائهما ومجموعة البريكس بقيادة صينية روسية ، ولكل معسكر فلسفته ومعاييره وآلياته وبناه السياسية والإقتصادية والثقافية والعلمية وتقنيات التواصل التي تشكل مع الإعلام سلاح المعركة الدائرة حالياً الفتّاك ، كل المعلومات المُسربة حتى الآن تُفيد أن لا بوادر لنضوج تسوية بين المعسكرين من شأنها تخفيف الاحتقان الذي قد يقود في أية لحظة الى تصادم نووي ويهدد الإستقرار العالمي وربما يودي بحياة ملايين البشر إذا ما إندلع في ( لحظة تخلي ) ، والمُخيف في قراءة هذا الواقع ان اميركا ومن لف لفيفها غير مقتنعة بوجود شريك لها في القرارات الدولية وسقوطها كآحادية قطبية قد يؤدي الى تفككها وسقوط معسكرها خاصة إسرائيل ، وروسيا والصين إستخدمتا الفيتو كرسائل واضحة موجهة مباشرة لإسقاط الآحادية القطبية وإصرارهما مع مجموعة البريكس للإستمرار في هذا الصراع الى النهاية ، وكأن هي معركة وجود يخوضها كل معسكر بكافة قواه المتوفرة ، ولا ينبغي الإعتقاد ان حرب البدائل التي تجري على الارض السورية بتدخل إقليمي مباشر وإدارة ميدانية لكافة الاطراف المتنازعة .
ان تشرذم العرب شكل أرضية خصبة لكل هذه الصراعات على الارض العربية ، وبالتالي فإن إخفاق السلطات العربية المستحدثة على إيقاع الحراك العربي الخروج على دوامة التبعية المطلقة للغرب يؤشر الى إستمرار النزف الدموي في سوريا وبقاء المنطقة في دوامة الفراغ والمراوحة الى حين تعلن إسرائيل القدس الكبرى عاصمتها الابدية أو تتغلب إحدى القوى المتصارعة وهذا إحتمال نظري أكثر منه واقعي ، لذلك صار ملحا إحداث تغيير في الستاتيكو القائم يغير في توازنات القوى ، الحلقة المفقودة في كل هذا السيناريو ، هي وحدة المشرق العربي ما يمكن في حال حصول هذه الوحدة الى تبدل في بيادق لعبة الشطرنج بما قد يساهم في بزوغ نظام عالمي جديد أقل ظلماً وأكثر عدالة .

آراء القراء

1
29 - 10 - 2012
I recokn you are quite dead on with that.

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net