Tahawolat

موازين القوى الإقليمية والدولية حالت حتى الآن من تمكين أي من أفرقاء النزاع ، إقليمية كانت أم دولية ، على حسم المعركة أو التقدُم بالنقاط الناجم عن عدم القدرة على تجاوز العقدة السورية . للمرة الاولى تقف الولايات المتحدة الاميركية عاجزة عن تحقيق مصالحها رغم إمتلاكها لاقوى ترسانة عسكرية ضاربة ومُدمرة ، وللمرة الاولى منذ الحرب الباردة تستعيد روسيا ، المُتحالفة مع الصين ومجموعة البريكس ،  زمام المبادرتين  السياسية ـ الديبلوماسية والعسكرية ، وتنجح في ترسيم خطوط تماس دولية جديدةبدأت إرهاصاتها ومفاعيلها تؤسس لإزمة دولية حادة إذا لم تتوفر لها تسويات او تفاهمات قد تؤدي إلى إنفجار كبير يهدف الى تغيير المعادلات التي فرضها الستاتيكو الحالي .
 ساحة الإحتقان الرئيسية سوريا وساحل المتوسط حيث عكس الحراك الذي فرضته الوقائع العسكرية نوعٌ من خيبة الامل  للمجموعة الاميركية رغم الدعم المالي والعسكري والامني واللوجستي والسياسي الذي قدمته بهدف إسقاط الاسد وتغيير المُعادلة وهذا لم يحدث مما إستدعى إعادة القراءة على ضوء موازين القوى الجديدة التي بات على الولايات المتحدة التعامل معها كشريك قسري في إدارة العالم الذي تفردت اميركا في إدارته منذ توقف الحرب الباردة .
شكّلت أوروبا الضعيفة التي تكاد أن ترتمي إقتصاديا في الحضن الصيني، بداية تفكك القوة الاميركية خاصة بعد بروز شركة غاز بروم كمنافس حقيقي يسعى لتمكين روسيا من تحقيق نفوذ سياسي عبر تحكمها بتزويد أوروبا بالغاز كنتيجة حتمية لتراجع مشروع نابوكو وفشل تركيا في إستقطاب قبولها كمركز لتجميع وتوزيع الغاز على الاسواق الاوروبية كجزء من مشروع النفوذ  الاميركي .
وزاد هذا التفكك بسبب إختلاف النظرة الإستراتيجية لكل من أميركا وإسرائيل وتناقض مصالحهما الراهنة حول كيفية التعاطي مع قضايا المنطقة ، ففي الوقت الذي ترى فيه إسرائيل ان مصالحها تقضي بتوجيه ضربة عسكرية لإيران التي يهدد صعودها النووي الكيان الاسرائيلي ، وبالتالي تماهيا مع فشل مشروع الشرق الاوسط الكبير وإخفاق تركيا في تسويق السياسات الاميركية بسبب صمود النظام السوري تسعى إسرائيل لحشد المواقف الداعمة لضرب إيران وتقسيم المشرق العربي الى دويلات مذهبية تسيطر على شاطيء المتوسط ما يسمح لإسرائيل بالتحكم في الاسواق الاوروبية ، هذا الخيار يلقى دعم القوى الاميركية المتعاطفة مع اسرائيل والتي تسيطر على القطاع المصرفي ـ البنوك والإعلام أي اللوبي الصهيوني ،  في الوقت الذي تعارضه قوى اميركية بروتستانتية تتحكم بالطاقة والعلاقات الخارجية في الإدارة الاميركية والتي تعتقد ان جموح إسرائيل وتهورها قد ألحق الكثير من الضرر في مصالح أميركا الخارجية .
السد الروسي الصيني أوقف التمدد الاميركي وفرضت الصواريخ الروسية ترسيم حدود دولية لم تعد اميركا قادرة على تجاوزهاإلا بحرب شاملة وهذا ما تحاول ان تتحاشاه لجملة من العوامل الذاتية والموضوعية المعروفة ، وتمظهر التراجع الاميركي من خلال تصريح وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون ، انه لم يعد من الضروري لاميركا ان تغزو بلاد العرب بعد ان توفرت لها القدرة لتحريك حروب عربية عربية كفيلة بأن تدمر العالم العربي وتفككه .
المشهد الدولي الجديد يشكل تهديدا مباشرا لمصالح اميركا في الشرق الاوسط  بعد ان برز اللاعب الروسي كقوة ضاربة تمتلك التصميم على إنتزاع دورها من خلال إصرارها على ضمان بقاء سوريا كحديقة خلفية لموسكو وكعمق إسترتيجي يمكنها من المناورة لتركيز نفوذها في آسيا وشمال أفريقيا فتكون بذلك قد كفلت السيطرة على الغاز والوقود الحيوي مما يتيح لنفوذها السياسي ان يتمدد الى اوروبا التي بدأت تحسب ألف حساب لقيصر روسيا الجديد بوتين الذي إستطاع ان يستعيد نفوذه الإقتصادي ويخوض حروبه بشركة غاز بروم ،وإستطاع ان يفكك منظومة عرب الاميركان دون خسائر كبيرة ، حيث لم تستطع الجامعة العربية ان تلعب دورا اكبر من حجمها وبنيها رغم الدعم الغربي والخليجي المُطلق لها فبقيت حركتها ومُقرراتها شكلية لم تتعد ان تكون حبرا باهتا على ورق مستورد ، وكذلك تبين ان مشروع الإتحاد الخليجي لم يكن سوى بالون سرعان ما فرغ من الهواء في الوقت الذي تعاني فيه السعودية تحديات داخلية تُنذر بمستقبل غامض على مستوى خلافات أهل البيت وأيضا ما يمكن ان يكون حالها بعد غياب الملك لناحية بقائها موحدة . في الوقت الذي بدا فيه ان حركة بوتين ألحقت أضرارا فادحة بالسياسات الاميركية الخارجية التي بدأت سيطرتها على منابع الطاقة تتضاءل مما سيؤدي الى تضاؤل نفوذها وإنحساره بدول الخليج العربي ، فلم يعد يمكنها إستنباط مناورات واسعة تمكنها من السيطرة على العالم الذي كانت تمتلك 83 % من منابع نفطه وغازه وتتحكم بالسوق الاوروبية وبسياساته الخارجية .
ان إنكماش اميركا في ظل عجزها الإقتصادي الذي يتفاقم يوما بعد يوم، سيرتب مناخات جديدة قد يكون أحدها حروب كبيرة تشنها أميركا لإستعادة نفوذها ، أو قبولها بمفاوضات تقدم فيها تنازلات تحفظ لها بعض الادوار وتحصن واقعها الإقتصادي تحاشيا للسقوط الكبير أي تقسيم أميركا الى دويلات تتقاسم نفوذها مع روسيا والصين ومجموعة البريكس ، وهذا أسوأ السيناريوهات الذي تواجهه اميركا .
قد يكون إستكمال المفاوضات مع الشريك الدولي الجديد وتوسيعها والتفاهم على إقتسام النفوذ والسيطرة هو المخرج المُتاح للقبول بالواقع الدولي الجديد الذي تبرز جديته السياسية والإقتصادية ، مصير العالم قد يتحدد بلقاء بوتين ـ أوباما  اليوم ، فإما ان يتوصل الجباران الى تفاهم وتسوية وإما ان الامور ستتخذ طابعا دراميا قد يتمثل بالحروب الباردة أو سيشهد العالم الحرب العالمية الثالثة بكافة التقنيات التدميرية وهذا جنون ما بعده جنون .
الورقة الروسية في المفاوضات تمتلك القوة التي تتمثل بالحسم العسكري في حمص والاطراف الحدودية السورية كإشارة للتفاوض حول شمال افريقيا واوروبا وربما تقبل روسيا بضمانة بقاء إسرائيل على ان يحل النفوذ السوري محل النفوذ التركي في المنطقة ، وتبقى الامور رهناً بنتائج لقاء الرئيسين .
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net