Tahawolat
 
كانت مُفردات القاموس السياسي في بلادنا تتضمن في مُجمل الخطابات والكلمات والحوارات ، لازمة العالمين العربي والإسلامي ، والسؤال الذي ينبغي طرحه في هذه اللحظة المُبكرة من فوز الإخوان المسلمين بعد إعلان نتائج فرز الاصوات الناخبة التي رجحت كفة محمد مرسي وأوصلته رئيسا لجمهورية مصر العربية ، هل يؤسس هذا الواقع الجديد لإسقاط مُفردة العالم العربي من التداول ، وهل سنشهد تحولات جذرية تؤثر على تركيبة وتكوين المجتمع التاريخية ، إثنيا وقوميا وديموغرافيا ، وكيف يمكن ان نشهد تبدلا بالمفاهيم أكان سياسيا أم إقتصاديا ـ إجتماعيا  وثقافيا ، وإلى أي مدى ستتأثر منظومة القيم والتقاليد والعادات ، وكيف ستكون نمطية السلوكيات تجاه إثنيات وقوميات وعقائد مُغايرة للراهن المُنتخب بآليات ديمقراطية .
هذا الفوز ، بغض النظر عن طبيعته وظروفه وحيثياته ، وضع اللمسات الاخيرة ، بعد صراع طويل ومرير ، على طي صفحة القومية العربية مُستفيدا ومُوظفا لحالة الصعود الإسلامي التي أطلقها ما سُمي بالربيع العربي الذي لا زال مدار جدال لناحية كونه مصدراً ذاتياً ، أو هو نتيجة لمخططات قديمة جديدة فرضتها طبيعة صراع الاقطاب على النفوذ  في العالم .
هل نجح أردوغان ومُنظّره أحمد داوود أوغلو  بعد إقناع الرئيس المخلوع حسني مبارك بالتوقيع على إتفاقية  (نابوكو ) تمهيداً للإطاحة به بعد ان ضمنت الخارجية الاميركية لهما بإحكام القبضة على قرار الاخوان كمقدمة لإعادة صياغة المنطقة بترتيب مذهبي يكفل التعاون مع إسرائيل وينقل الصراع والعداء بإتجاه إيران ، ويُتيح لتركيا الاطلسية مروحة واسعة من التغلغل المذهبي في الامة العربية المريضة وتحويلها الى إمارة إسلامية يُتوج أردوغان أميراً للمؤمنين عليها فيشكل سداً منيعا بوجه التقدم الروسي والصعود الصيني ، فتتحول تركيا الى خزان هائل لتجميع الغاز الذي ستشرف على توزيعه الولايات المتحدة فتهيمن على القرار الدولي من خلال سيطرتها على حاجة الاسواق الاوروبية من الغاز الذي يتزايد الطلب العالمي عليه على أمل ان يمكنها هذا الواقع الناشيء من أن  تنتزع من غاز بروم إمكانية الإنفراد بالسيطرة على الوقود الحيوي في السودان وبلاد وادي النيل ، في هذه اللحظات التاريخية كان على الشعب المصري الطيب والمتحمس للقضايا العربية والعداء لإسرائيل ، هذا الشعب الذي حارب التطبيع ورفضه بعناد الثوار رغم إتفاقية كمب دايفيد ومشروع السلام مع العدو الاسرائيلي الذي قادته ذات القوى العربية التي إنقلبت على جمال عبد الناصر وحافظ الاسد ، ان يختار بين مطرقة شفيق وما يمثله من عودة النظام القديم وسندان مرسي الذي سيحدث تغييرا في حياة المصريين الذين قد لا يستطيعون مجاراته الى آخر الطريق .
كيف ستتعامل موسكو  مع هذه النتائج وإلى أي مدى يمكن أن يؤثر وصول الاخوان الى السلطة في مصر  عليها داخلياً من خلال تعاطف إسلاميي روسيا مع بوادر قيام الدولة الإسلامية ، وكيف سيتعامل قيصر روسيا فلاديمير بوتين بعد ان أضحى هو وحلفاؤه لاعبيين رئيسيين على مستوى القرار الدولي ، وهل سيتيح هذا التحول لأوباما ان يستعيض بفشله في إيفاء وعوده بإسقاط الرئيس السوري بشار الاسد ، ويوظف وصول الاخوان في حملته الإنتخابية التي هي بحاجة ماسة الى أي تقدم سياسي تحرزه إدارته ، وهل ستحسن هذه النتائج موقع وأوراق أوباما التفاوضية حول التسوية مع بوتين الذي يُمسك العقدة السورية ومفاصل عديدة في المنطقة وهل ستوازن نتائج إنتخابات مصر موازين القوى الدولية مما سيمدد عمر الازمة ويؤسس لحروب باردة جديدة بدأت معالمها تظهر بالتصعيد العسكري التركي ضد سوريا ، أسئلة كثيرة ومُلّحة قد تُجيب عليها الايام القليلة المُقبلة بعد ان يتموضع الرئيس المصري محمد مرسي وتتوضح معالم سياساته الداخلية والخارجية وما سيكون مصير العهود التي إلتزم بها والإتفاقيات التي سيوقع عليها وموقفه الفعلي من كامب ديفيد وإسرائيل التي كانت اول المُرحبين بإنتخابه .
يبقى أن مشهدية جديدة بالغة الخطورة والحساسية نشأت في المنطقة ، وأصبح واقع الدولة الدينية بمضامينها ومفاهيمها وفكرها واقعا مُكرساً وذات حيثية دستورية موجودة في مناخ عالمي مشحون ومُتصارع ، ادواته العلم والتكنولوجيا والصناعات المتطورة وإستراتيجيات بالغة الدقة ، وإتقان كامل للإنخراط في سياق التقدم والتطور التاريخيين والسيطرة على مقدرات الكرة الارضية وجزء من الفضاء الخارجي ، فيما نحن لا زلنا قاصرين حتى عن إنتاج حاجياتنا اليومية ، ولم نقدم لمسيرة التطور اي إنجار ، فنحن على الكرة الارضية لسنا سوى قوة إستهلاكية عاجزة عن إستخدام وسائل التطور إلا في الحد الادنى ، فلم ننتج الطائرة ولا السيارة ولا الكمبيوتر ولا وسائل الإتصال وقس على ذلك كل شيء ، ربما لإننا لم نُتقن سوى البقاء في الماضي وخوض حروبنا المصيرية في مواجهة المرأة وتقييدها وإلغائها ، وقبائلنا تتقن غزو  بعضها البعض طمعا بالسبايا وإقتناء الجواري ، ربما تنازلنا عن حقنا في الوجود لقوى خارجية تأثرا بالعيون الزرق فوهبناهم قرارنا وإستقلالنا ومواردنا ونفطنا وإحتفظنا بالنساء .
إن حركة شعوبنا الإرتدادية تُنذر بدخولنا في النفق المُظلم ، فالإسلام ليس على مذهب واحد وفرقه تتزايد وتتوالد وهي على تناقض بنيوي تاريخي ، ولم تسن له تطوير مفاهيمه وأفكاره ، فبقي في حالة الثابت تماهياً مع النصوص ، في زمن مُتحرك الى حد الإعجاز والدهشة ، لذلك وإنسجاماً مع المخطط الكيسنجري ، قد تذهب الامور الى رسم خطوط تماس مذهبية مع إيران بهدف المزيد من الإعاقة لأي إمكانية تجميع القوى في مواجهة الخطرين الإسرائيلي والاميركي ، ومزيدا من الشرذمة والتفكك وصولا الى ان يستوي الوضع الذي تشكل فيه الدولة السنية ظهيرا للدولة اليهودية فتنتفي عنها إمكانية النهوض بالمجتمع التائق الى الحرية والتحرر وإستقلال قراره وتذهب جهود المتنورين الداعين الى قيام الدولة المدنية العلمانية التي يكون فيها الإنسان قيمة حضارية تطويرية أدراج الرياح ، وتصبح سوريا ، آخر مواقع القومية العربية مطوقة بدول طائفية ومذهبية متناحرة تحت مظلة النفوذ اليهودي ، أما إذا أردنا التماثل بالدول المتطورة ـ أوروبا والغرب فنجد انها لم تبلغ هذا المنحى إلا بعد ان إنتصرت في تجاوزها لدور الكنيسة فهل نستطيع نحن ان نتجاوز دور الجامع في ظل هذا التعميم لثقافة دينية سطحية تتوسل الحقن المذهبي في أوسع عملية غسل دماغ تتعرض لها شعوبنا عبر الفضائيات الدينية المُتكاثرة تباعاً وعبر خطابات وفتاوى رجال دين أقل ما يُقال فيها أنها بلغت ذروة التخلف والانحطاط  والهمجية .
لا يمكن ان ترقى الشعوب والمجتمعات الى مراقي الحضارة خارج حيويتها الانسانية وتحرر عقلها من رواسب الافكار الجامدة ، وقد يكون فشل مجتمعاتنا في إنجاز الدولة السياسية من أهم الاسباب التي أوصلتنا الى هذا التراجع القيمي وإخفاقنا في تكوين نظرة واضحة الى الحياة تنطلق من عناصر وعينا وفهمنا لضرورة التطور كمقياس لبقاء الامم وفعلها ، يبقى ان إرادة التقدم هي صفة ملازمة للشعوب والحضارات الحيوية ، لذلك ربما العودة الى نظرية المفكر القومي الإصلاحي التجديدي انطون سعادة قد تشكل مخرجاً وحاجة لتخبط مجتمعاتنا وحالة الفوضى العارمة التي تعيشها وإنقاذا لتفككنا وصونا لوحدتنا المجتمعية ، من هنا تبرز أهمية وحدة الهلال الخصيب كضامن بالنتيجة لوحدة المجتمع حول قضاياه القومية الاساسية وكضرورة وجودية يمكن ان توقف هذا النزف الحاصل في الإنتماء والثقافة والقيم فلم يعد مقبولا الإبحار عكس تيار التقدم وإرادة المجتمعات الحية بالحياة والإرتقاء.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net